احد اساليب اللغة العربية المعروفة و الذي نجده في القران الكريم هو اسلوب التقديم و التاخير. و نجده في قوله تعالى:
{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43) سورة آل عمران
حيث قدم السجود على الركوع, رغم ان الركوع يسبق السجود في الصلاة.
و مثال قوله تعالى :
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (46) سورة غافر
فالعرض على النار يكون بعد يوم قيام الساعة.
و الان نعود الى الاجابة على سؤال السائل عن الاختلاف بين روايتي سورة هود و سورة الحجر.
يقول السائل ان الرواية القرانية في سورة الحجر تقرر بان لوط لم يعرف هوية ضيوفه الا بعد قدوم قومه اليه و مراودتهم لضيوفه:
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} (77) سورة هود
فكلمة سئ بهم دليل على ان قوم لوط بادروا الى الاساءة لضيوف لوط.
و بعد مجادلة لوط لقومه قال له ضيوفه:
{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (81) سورة هود


اعلن ضيوف لوط عن هويتهم.
و يرى السائل ان الاحداث المروية في سورة الحجر كخنلفة اذ ان لوطا عرف هوية ضيوفه قبل مقدم قومه.
و هنا سوء فهم من السائل . لماذا ؟ لانه اذا قرا الاية :
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} (73) سورة الحجر
فسيدرك بان هذه الاية تتحدث عما حل بقوم لوط من عذاب, فمتى حل العذاب بقوم لوط؟ا لا ينكر اي عاقل بان العذاب حل بهم بعد :
1- راودوا لوطا عن ضيوفه.
2- كشف ضيوف لوط هن هوياتهم.

و لكن الاية اعلاه تبدا بالحرف ( ف) و الذي يفيد الترتيب و التعقيب فما هو الفعل الذي سبق العذاب كما هو معروف من سورة هود؟
{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (81) سورة هود
1- اعلان الملائكة عن هويتهم.
2- امرهم لوطا بان يخرج باهله ليلا.
و الان لنبحث عن هذه الاحداث في سورة الحجر:
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} (65) {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} (66) سورة الحجر
و بدهي و قطعي ان امر الملائكة للوط بالخروج باهله ليلا و اخبارهم بان العذاب سينال قومه في الصباح قد حدث بعد ان اتى اليه قومخ لمراودة ضيوفه.
و الان لتبحث عن حدث قدوم قوم ابراهيم لمراود ضيفه في سورة الحجر :

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ

وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ

وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ

قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ

وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ

قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ

قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ

فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ

ان خبر قدوم قومه اليه ورد بين امر الملائكة له بالسير باهله بقطع من اليل و بين اية وقوع العذاب عليهم.
ان ما لون باللون الاحمر لا يبين ترتيب وقوع الاحداث. فترتيب الاحداث يحدده حرف الفاء و ليس حرف الواو, كما بين اخواني الصاعقة و عبد الله.
لذا فان قدوم قوم لوط سابق لمعرفته بهوية ضيوفه بنص ايات سورة الحجر ايضا.

انه ما يسمى التقديم و التاخير.
و صدق الله العظيم القائل:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف