اقتباس:"بسمة" الفلسطينية الأصل، الأردنية الإقامة، أين تحس نفسها بين الأردن وفلسطين؟ وهل تتمسك بحق العودة مثلاً؟ لماذا "نعم"، ولماذا "لا"؟
أخي العزيز "العلماني"
ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال أبداً، ولستُ أدري إن كنت قادرة فعلاً على الإجابة.
قبل ثلاثة أعوام، سكنتني فكرة كتابة رواية تتحدث عن الإنسان اللاجئ، لكني وبعد أن مشيتُ بها شوطاً لا بأس به، شعرتُ بأن الموضوع أكبر مني بكثير، وأنني عاجزة عن الكتابة به!
لكني سأحاول هنا:
تفضلت حضرتك وقلت: " بسمة" الفلسطينية الأصل، الأردنية الإقامة، أين تحس نفسها بين الأردن وفلسطين؟"
وهنا أستأذن منك بإضافة مواليد "الكويت" وتالياً عشتُ طفولتي بها، وهناك عرفت الفرق بين "فلسطينية، أردنية!"
كنتُ وقتها ما زلت في المرحلة الإبتدائية بل في أولى مراحلها، وكان الطلاب من دولٍ عربية عديدة، وكانت المدرِّسة تنادي كل طالبٍ وتذكر جنسيته ومكان سكنه وباقي المعلومات كي تتأكد من صحة المعلومات لديها وتعديلها إن وُجد خطأ، وحين نادت على اسمي لفت انتباهي "بسمة فتحي، أردنية، ....". استوقفتها لأنها أخطأت –حسب اعتقادي وقتها-:
- أبلة، أنا مش أردنية، أنا فلسطينية
ابتسمت ابتسامة دافئة ما زلت أذكرها جيداً، كان اسمها "أبلة إيمان"
- صح بسمة، وأنا كمان فلسطينية، لكن الجنسية أردنية!
لم أستوعب الأمر، وحين وصلتُ البيت سألت أمي التي أجابتني ببساطة، أننا فلسطينيون، لكن بسبب الهجرات واليهود أهلنا عاشوا في الأردن وتالياً صرنا نحمل الجنسية الأردنية. "صح؟ مش ستك في عمّان؟ وأعمامك وخالاتك؟ مش بيتنا في عمّان؟ اليهود ما بخلونا ننزل فلسطين!"
هنا شعرتُ بمرارة ما، ولا زلت أذكر لعبة "بلاد على ورق" التي كنت ألعبها مع أخواتي، إذ كنا نضع "فلسطين" على رأس الصفحة، تليها "الكويت"، تليها "الأردن" تليها باقي البلدان، وكنا نجتهد أن لا تخرج خياراتنا في اللعب عن الدول الثلاثة الأوائل وبالأخص الأولى!
للآن فلسطينية لم ترَ وطنها، للآن فلسطينية متعلقة بالكويت، وأشتاق لبحرها الذي أحببته جداً وأحبني وما زلت أحن لطفولتي هناك، والآن أحب الأردن جداً جداً وأعشق ليل عمّان، وجبالها ووسط البلد، أحبها جداً ممتنة لها لستُ وحدي بل كل من هاجر من فلسطين إليها يجب أن يكون ممتناً لأنها احتضنته، وأعطيته جنسية، لأننا ببساطة في عالم يركل من لا يحمل جنسية ويرفضه كأنه فايروس يحاول اختراق جسده!
أما إن بدأتُ الحديث عن فلسطين، إما سأتحدث دون نهاية ودون حديث متراتب منظم يحكمه أي منطق، وإما سأصمت عاجزة.
لكن ما سأقوله أن وطني (ملموسا) هو عندي حفنة تراب في كيس متربع بكل ما به من حزن في درجٍ قريب من سريري.
صديقتي "ضحى" في العام الماضي نزلت إلى نابلس، أوصيتها من هناك على شيء واحد: "أريد وطناً.. أريد تراباً من فلسطين"
ياااااه كم هو موجع أن يكون الوطن في كيس، إذ مرات كثيرة أقول ما ذنبي!
وأعاود التساؤل: من قال أن كل من يسكن وطنه هو مرتاح؟ هل اكتسبت فلسطين عندي قدسيتها وعشقي لها لأنني ببساطة لا أستطيع العودة إليها ولأني لم أعرفها للآن؟ أم أن الوطن هو الوطن مهما كان؟ لستُ أعرف للآن...
ما أعرفه جيداً أنني لن أرضى أبداً بفكرة التنازل عن حقي في العودة، وهنا أتحدث عني أنا شخصياً ولستُ أدري ما رأي عائلتي. لكنني شخصياً لن أتنازل عن حقي في العودة أبداً حتى لو شِختُ ومتُّ دون عودة!
كيف أتنازل عن حقي في العودة؟ وبأي ثمن؟ المال؟؟:)
أُعطي اليهود أحقية في بلدي؟ أعطيهم الشرعية والأهلية عليها؟ أقول لهم بأنني سوف أنسى قول جدتي بأنهم تركوا أرضهم ومحصول السمسم تلال، "حصدنا يا ستي، تركنا السمسم تلال ومشينا، قلنا بنرجع!" كم ألف مرة ومرة شعرت بأنني سأعود وأكمل فرز وتعبئة السمسم في شوالاته وأذهب به للسوق لبيعه!
يا إلهي!
أتنازل عن حقي في العودة، أن أستخف بكل الشهداء الذين ماتوا وهو يدافعون عن حقي أنا في العودة، وهو يدافعون عن أرضي نيابة عني وعن أبي وأخي!
أن أتنازل عن حقي في العودة، أن أعطي اليهودي الذي قتل وشردني أهلية وشرعية وأحقية في أرضي!
أخي العزيز العلماني، الحديث طويل، ويحمل الكثير الكثير من المشاعر والحديث والأحداث، لكني حين أتأثر وأريد الحديث عن فلسطين تتبخر الكلمات.
أقول هذا عنها "فلسطين" وأعترف بحق الأردن عليّ، وأعترف بحبي وانتمائي لها أيضاً.
دمتَ رائعاً أخي العزيز العلماني