اقتباس: آمون كتب/كتبت
تاريخ العراق منذ تأسيسه هو تاريخ استبداد متفاوت الدرجة لكنه وصل إلى حالته القصوى التوتاليتارية على يد "البعث" الصدامي أو "الصدامية البعثية" وهذا التعبير الثاني هو الأصح إذ لا شيء ينافس دموية الشمولية ويترافق معها مثل شخصنة السلطة والترفع بسيدها ليس فقط عن أي إطار قانوني أو سياسي بل حتى عن الأيدلوجيا التي يحكم باسمها بحيث تصير هذه في خدمته تستمد منه "شرعيتها" وتصطبغ بما يضفيه عليها من روحه وذاته الشخصية ، عمليا يصير القائد هو الأصل والمتن والعقيدة هي الهامش والتفصيل المتفرعين عنه يتلاعب بها ويعيد تفسيرها ويفعل بها الأفاعيل دون أن يرمش له جفن وغالبا ما يخرج عليها ويتناقض معها بشكل صارخ لكن بالطبع دون خوف من مساءلة أو حساب فالجماهير قد جُهزت ـ بوسائل التلقين والتعليم والدعاية كما بأدوات القسر والرعب ـ أن تتلقى تناقضات القائد وسخافاته بالطريقة التي تتلقى بها تناقضات وسخافات الكتب المقدسة والأديان : لا تجرؤ على مساءلتها إما خوفاً من سوء العاقبة وهذا هو الغالب أم بفعل حالة وجدانية صادقة قوامها الورع والتقوى
الزميل المحترم / آمون
أراك تبحث في حالة العراق كما لو كان وضعا غريبا متفردا عما حوله يستحق دراسة منفصلة. و لكن هل تختلف تلك الأعراض التي سردتها سيادتكم عن باقي دول المنطقة (الشرق الأوسط تحديدا) إلا في الدرجة / الكم و ليس الكيف؟
جميع مجتمعاتنا العربية ينطبق عليها ما سبق سرده - تختلف في درجات إنفتاحها / إغلاقها أو تماسكها الطائفي/ تفككها .. إلخ و تباعا مدى سرعة إقتراب دولها و مجتمعاتها من التحلل التام.
بل و أجدني لا أميل لإستخدام مصطلحات مثل التوتاليتارية على مجتمعاتنا إلا بقصد تقريب المعنى - فقد إستخدمت تلك المصطلحات على مجتمعات في أطوار لم تعرفها مجتمعاتنا فعليا أبدا. و سيصبح من الخطأ تعميم أو تطبيق قوالب قسرية على مجتمعات لم تخبرها لعدم مرورها على مراحل و شروط تمثل تلك القوالب - كما كان من الخطأ حتما تحديد أغلب مجتمعاتنا بحدود دول عصرية.
و يجب ألا تخدعنا في هذا المقام مظاهر مثل الدول و الحكومات و الأحزاب و الدساتير و القوانين .. إلخ فتلك البنيات السياسية و القانونية تصبح غير ذات معنى إطلاقا في ظل ثبات البنيات التحتية المعرفية و الإجتماعية على حالها بدون تطور.
فالبنيات الفوقية للمجتمع مثل السياسية و القانونية و غيرها هي نتيجة لتطور البنيات التحتية للمجتمع و ليس العكس - و تباعا لا يمكن فرضها كمنتج نهائي على أي مجتمع كان.
اقتباس: فضل كتب/كتبت
بل على الارجح علينا الخوض فى موضوع اخر تماما حول خصوصية وهشاشة فكرة الدولة القومية الحديثة فى المنطقة فالدولة فى المنطقة اقوى من المجتمع وهذا ما يحافظ على استمرار الدولة الاشكالية القائمة ان ضعف الدولة امام المجتمع لا يحوله للاسف لمجتمع ديمقراطى بل يؤدى لانهيار فى وجود المجتمع كحالة موحدة
ما ان انهارت الدولة المركزية العراقية التى كانت تملك مكونات عنف اكبر مما يمكن ان تمتلكه اى جماعة داخل المجتمع وعندما انهارت الدولة العراقية ( ومن غير المؤكد انه سيتم استعادتها )اصبحت القوة الداخلية الكامنة سابقا تظهر للسطح
أجدني هنا أتفق تماما مع الزميل المحترم / فضل في ضعف و هشاشة فكرة الدول القومية الحديثة في مجتمعاتنا من الأصل - فمع الوقت و المؤثرات داخلية و خارجية فقدت تلك المؤسسات و البنى شرعيتها لعدم وجود أساس لها في مجتمعاتنا و أقصد أولا الأساس المعرفي الثقافي.
و ما حدث بالعراق سوف يحدث بباقي بلدان المنطقة - قد تختلف ظروف الإنهيار و التحلل من تدخل خارجي لحرب أهلية طائفية لحكم أصولي دموي و سوف نختلف و نقتلل صفحاتنا تحليلا لكل حالة على حدة و في نهاية المطاف سوف تربح نظريات المؤامرة و تغذي المد الأصولي.
سيحدث كل هذا أو أكثر إن لم نقف الآن على هذا المفترق من الطرق لكي نعيد بناء ثقافاتنا أولا و من الأساس - قبل أن يأتي الطوفان.
لك و لضيوف شريطك القيم كل إحترام و تقدير ,,,