لو بصيت على الناس وهى بتكلم القمر , لأفتكرت ان القمر ده أبوهم ولا امهم – وانت زعلان او فرحان , وانت بتشرب حشيش او بتشرب من هم الدنيا , وانت سكران بالخمرة او بالمسؤوليات اللى على قفاك , لو بتحب او حتى بتكره , هتلاقى نفسك بطريقة عجيبة ترفع عينك للقمر وتبص عليه وكأنه أبوك او من بقية أهلك عشان تشتكيله ..
تحس ان القمر ده بقى " دكتور وحيد " وكل واحد مضايق ولا تعبان , يستنى الشمس تنزل والقمر يطلع , ويقعد يتكلم ويشتكى ويحكى للقمر ويفتكر انه بيكلم دكتور بجد .. كل واحد بيشتكى من الهم اللى فى قلبه , من الحزن والقرف اللى مالين صدره , بس يمكن محدش سال نفسه : مش يمكن القمر هو اللى زعلان , مش يمكن كل يوم طالع يشتكى لجماهير اللى واقفة مستنية ورافعة رأسها لفوق , وهو بينور عشان يشوفهم ؟
منور ومفكر ان الناس هتفهم انه مضايق من وضعه بليل , وايه الحكمة من انه ينور والناس كلها نائمة ؟ وانه بيعترض , والكلام ده مش هينفع .. وعمال يعكس فى نور الشمس على الارض , يمكن الناس تشوفه وتفهم ! والناس عمالة تبص على القمر والنجوم وتشتكى هى كمان وتقوله : أنا مضايق ومخنوق, اعمل ايه ؟ .. ياترى لو قتلت مديرى فى الشغل , مين هيجيى مكانه ؟ ... ايه احتمال ان العيال والولية مراتى يشربوا سم يأخذ أجلهم ؟ ... يا ترى محسن بيحبنى ولا لا ؟ .. هنسرق ايه بكرة ؟ .. والناس تكلم السماء , ولا حد يرد عليها .. والسماء تكلم الناس , ولا هما سامعين صوتها .. لا حد معبر حد , ولا حد فاهم حد .. حوار طرش .
لكن يمكن لو طلعنا على القمر وبصينا على الارض – هنلاقى ناس كتير بتبص على السماء وبتتطلب حلول , بتبص واليأس ملئ قلبها , وكل واحد مفكر أنه الوحيد على الارض اللى تعبان .. لكن لو بص على البلكونة اللى جنبه أو اللى تحت او حتى اللى ورائه , هيلاقى أخوه الانسان اللى تعبان زيه . هيلاقى واحد بيتكلم نفس لغته , واحد تعبان زيه ونفسه يشيل من على قلبه ويرمى , هيلاقى اللى هيساعده ...
بس نعمل ايه للناس اللى عايزة حلول خارقة للعادة
نعمل ايه للناس اللى بتتكبر , وبدل ما تشكى همها – تكتمه وتنتظر معجزة تشيله من جوه , مع ان مفيش معجزات خلاص انتهى زمنها , والحل الان فى الانسان .. بس هنقول ايه البشر بيتكلموا بلسانهم , ومصرين يتكلموا مع السماء والقمر والنجوم وبينسوا انهم بيتكلموا بنورهم .. واحنا برضه مش عايزين نفهم !
اه يا قلبى , لو كنا بنفهم – كان ايه اللى صاحنا فى أنصاص الليالى ؟
*******
عشان كده يا سيدى لا تتعجب , انى خدت خبر سفر عمى وانه تخلى عنى من هنا , وقلبى انكسر وراءه هناك – هناك فى الملجأ حيث لا صاحب لى ولا اهل , حيث تعيش مع ناس غرب لا تعرفهم ولا يعرفوك , وكل اللى بتشاركهم فيه شوية حصص ملهاش اى لازمة ولا قيمة, بيقولوا عليها " حصص تعليمية " وشوية قلامة بيسرقوها منك , وألعاب اطفال عبيطة بتلعبها معاهم .
لكن كان لى صاحب , واحد كنت اعرفه قبل ما ادخل الملجأ , واحد يعرفنى وانا كمان اعرفه – وده يبقى " القمر " صاحبى. فضلت على طول الثلاثة شهور أصحى بليل , اقعد اتفرج عليه وساعات كنت اتكلم معاه وأكلمه واشكيله من " الملجأ " , و " ميس نعمة " و " عمى " و و و .. وساعات كنت اصحى , ألاقيه صغير وساعات يكون نص نص وساعات يختفى تماما .. كنت بقول يمكن أتأخر او لاقى حد غيرى يصاحبه , وأفضل مضايق لحد تانى يوم واكون خايف الا يكون مشى وسابنى لوحدى هنا تانى ! بس تانى يوم رجع – هو رجع صغير قوى , بس مش مهم , المهم انه رجع وبكرة يكبر ...
و فى يوم أختفى فيه القمر كعادته , وفضلت قاعد جنب الشباك وعمال اتفرج على العيال وهى نايمة والمشرفيين – وكانت المفأجاة انى لمحت واحد صاحى ... لمحت " أحمد كلاشينكوف " صاحى !!
انا مكنش لى اى علاقة بيه ولا حتى كنت بكلمه , بس كان فى دماغى سؤال هيجننى ؟ ( ليه هو زعلان ؟ وهو جسمه كبير وعريض وممكن يضرب حتى ميس نعمة .... ؟ يمكن عشان باباه ومامته ماتوا ؟ )
ولأنى كنت عارف ان القمر مش هيطلع النهاردة , ومكنتش عارف انام – قولت أروح اسلم على " احمد " واحاول نبقى صحاب !
قربت منه وانا ماشى وسط العنبر , وعينى جاية فى عينه – لأنه كان الوحيد اللى صاحى وقاعد على السرير وانا الوحيد اللى صاحى وماشى قرب السرير .
- مش جيلك نوم ولا ايه يا " أحمد " ؟
- وأنت مالك ؟
أستنى لحظة يا فندم : نسيت اقول لحضرتك ان فى الملجأ محدش يعرف اسم حد , الا ناس قليلة قوى – واغلبهم بيكونوا المشهورين . أنما المغمورين اللى زى حالتى , فمحدش يعرفنى وعشان كده تلاقى الناس كلها بتخاطبى بصيغة المجهول .. فمثلا " احمد " قرر انه يخاطبنى بصيغة " يلا " , اما ميس نعمة فهى بتخاطبنى بصيغة المجهول المعفن او المجهول اللى ضايعة كرامته , بتخصنى وحدى بلقب " الزبال " , وطبعا كل مشرف واخصائى ليه الالقاب بتاعته – مثلا استاذ أبو الفضل مدير الملجأ بينادى العيال بــ " الوسخ " ( الوسخ ده بيعمل ايه هنا ؟ ... انت يا وسخ روح على العنبر نائم ... العيال الأوساخ دى بتعمل ايه هنا ؟ ... فى تبرعات جت للأوساخ دول هنا ) .
ومن هبلى وقلة عقلى كنت مفكر ان استاذ ابو الفضل بيقول الكلمة دى لانه بجد شامم ريحة حاجة مش كويسة , اصل الواد اللى كان بينام جنبى كانت ريحته معفنة بشكل , فبصراحة كنت عاذر " أبو الفضل " – فقررت فى مرة أنى استحمى واغير هدومى كلها , و فضلت أشم فى هدومى عشان أتاكد من خلوى من اى رائحة كريهة او مش ولابد . ولما أتاكدت رحت خبطت على مكتب " استاذ ابو الفضل " وقولته :
- استاذ ابو الفضل , انا رائحتى حلوة ... ممكن متقوليش يا وسخ تانى ؟ تعالى شمنى بنفسك عشان تتأكد !
وأنا واقف مبتسم وأيدى وراء ظهرى من الادب , ومستنى أستاذ " أبو الفضل " يجيى يسلم على ويدينى وسام " النظافة " ويخطب ويردد اسمى وسط الطلبة على انى نموذج للنظافة يحتذى بيه , ويعلقوا صورتى فى وسط المدرسة , وكل هذه الاحلام اللى طارت – لما لقيت جذمة الاستاذ " ابو الفضل " بطير , وتخطئ الهدف بحوالى نص متر .
أترعبت من الموقف , ولقيته بيستعد بالفردة الثانية ! يا ترى أعمل ايه ؟ وهو بيستعد , ولسة على وشك أن يحدفنى بالفردة الثانية – لمحت الباب اللى دخلت منه مفتوح , طلعت أجرى .. والحمد لله الجذمة لبست فى الباب , وسمعته بيصرخ ( مين اللى دخل الوسخ ده هنا ؟ )
غريبة , اللى جه فى بالى ( يا أستاذ أبو الفضل انا استحميت , وقولتك تعال شم بنفسك ... ؟ )
*******
بس لاسف بسبب هذا الموقف فهمت ايه اللى بيحصل فعلا فى الملجأ ؟ ليه كل ما أكلم حد يقول , غور فى داهية او روح ألعب مع العيال , اكتشفت ان محدش عايزك تكلمه او تيجى جنبه , يعنى بالعربى تخليك فى حالك وتخلينى فى حالى . أكتشفت ان ده قانون من قوانين الملجأ , واللى يأكل على ضرسه ينفع نفسه .
فلما " احمد " قالى : وأنت مالك ؟ . فهمت اللى مفروض اعمله بالضبط , وهو ( ان ملكش دعوة بحد وملكش فيه , ولو حشرت مناخيرك فى حاجة – هيكسروا مناخيرك ويضربوك , ويطلعوك الغلطان . ولو رحت تشتكى , انت اللى هتتعاقب وهما يقفوا يتفرجوا عليك ويضحكوا ... )
لكن , وانا مدرك تماما للعواقب اللى ممكن تحصل بشجاعة نادر ان تجدها , بقلب أسد لا يعرف الخوف , كان سؤالى وتعجبى اقوى من كل شئ , أقوى من كل من فى الوجود- بس لاسف مش اكبر من ايده اللى هتنزل على قفاى .. لهذا قررت الانسحاب بشرف :
- انا مليش فيه صحيح ... كنت مفكرك غيرهم .. تصبح على خير !
ومشيت وأنا زعلان حسيت انى خنت صداقتى مع " القمر " , حسيت ان اول ما " القمر " اختفى , اول ما صاحبى اختفى – بدأت ادور على واحد غيره , بس ربنا انتقم منى وقفلها فى وشى جزاء من نفس العمل ...
نطيت على السرير و قفلت عينى , بدأت ابحث عن طريق فى الظلام , بدأت أبحث عن النور جوا متاهات الظلمة وعينى مقفولة .. وبدأت احلم , احلم انى على الشاطئ فى اسكندرية , انا واخواتى بنلعب فى المياه , وبابا ماسكنى من صدرى وبيقولى : عوم عوم , يا بهاء ارفع رقبتك وعوم , شغل ايديك ... يا بهاء شغل ايديك , يا بهاء يا بهاء يا بهاء
وتلاشت الصور وراء بعضها , ولقيت نفسى صحيت – وسامع حد بينادى على بأسمى لأول مرة :
- أنت يلا , انت يا زفت ..
رفعت رأسى وبصيت ناحية الصوت , لقيته " احمد كلاشينكوف " . بصلى بقرف وقالى :
- انت لسة صاحى ولا نمت ؟
قمت فركت عينى وانا بحاول اشوف كويس , وقولته :
- كنت لسة هنام
راح مشوح بأيديه وقالى : خلاص روح أتخمد , جتك ستين نيلة
حطيت ايدى على بقى واتاوبت , وقولته : انا صحيت , عايز ايه ؟
قالى : انا مش جايلى نوم .. انت بتعمل ايه عشان تنام بالسرعة دى ؟
وهنا جاتلى الفرصة أنى اتكلم معاه واعرف حكايته أيه بالضبط الجدع ده – فقومت من على السرير ورحت قعدت على سريره . وعلى فكرة " احمد " كان بينام على سرير لوحده , فسريره كان واسع وممكن نقعد نتكلم عليه , ومحدش يوجع دماغنا او نشم ريحة وحشة ...
قولته : لو اتكلمنا شوية يمكن تتعب وتنام , انا واخواتى كنا دائما نتكلم قبل ما ننام ...
قالى , وعلى وجه الاستغراب : هما فين طيب ؟ مع ابوك وأمك ؟
قولته : أه , كلهم عندنا ربنا
قالى وعلى وشه الحزن : انا كمان بابا وماما عند ربنا
فأبتسمت بحزن وألم : يعنى طلعنا قرايب
فابتسم " احمد " وضحك بمرارة وقال : ده يبقى الملجأ كله قرايبنا بقى , مش أنت بس
وضحكنا سوا كأننا أصحاب من زمن طويل , ضحكته خلتنى أغير فكرتى عنه – فقد بدى لى أنسانا بيضحك ويهزر , أنسان ممكن تحبه ويحبك , تكون صديقه ويكون صاحبك .. بدأت أحس بالألفة , وانا بستعيد ذكرياتى مع أهلى وأخواتى ! وهو يحكيلى عن ذكرياته الجميلة فى شقة أبوه , وامه , والفطير اللى كانت بتعمله ...
*******
و تمديت فى الاسئلة
- يعنى ايه " كلاشينكوف " يا احمد ؟
- ده سلاح ممكن يقتل ناس كتيرة فى وقت قليل قوى
وارتسمت على وشى نظرة ذهول وتعجب , وسألته :
- يعنى ممكن أقتل بيه " ميس نعمة " ؟
وضحك احمد , وقالى : تقدر تقتل بيه ميس " نعمة " و استاذ " أبو الفضل " كمان ..
- قولى يا احمد , هو باباك مات أزاى ؟
فأبتسم لكن المرارة ظهرت على شفته , ومال بجنبه على السرير وسند بيه وقالى :
- انا بابا كان تاجر سلاح كبير , وكنا ساكنين فى فيلا كبيرة . وفى يوم هجم عليه الحرامية وسرقوا كل فلوسه وقتلوه !
- بجد ؟
- هو انا هكدب عليك ليه ؟ .... ايوه بجد
- لا انا افتكرت بتهزر ... انا اسف , طيب ومامتك كانت فين ؟ قتلوها برضه ؟!
- ايوه كانت معاه يوميها , والحرامية قتلوها بالرصاص
- طيب وانت كنت فين ؟
- انا كنت فى النادى بلعب , وخالى جه أخذنى يوميها وقالى اللى حصل
- هو انت كنت بتروح النادى لوحدك ؟
وهنا بدأ يضايق ويتعصب وقالى : انت بتسأل اسئلة كتيرة ليه ؟
- براحتك يا احمد , بس انا مكذبتش فى اى كلمة قولتهلك – لانى اعتبرتك صديقى وصاحبى , والصاحب عمره ما يكذب على صاحبه ..
- انا مش بكذب , انا بقول الحقيقة , وأسال اى عيل فى الملجأ هنا هيقولك نفس الكلام ..
- لا بتكذب , قولى : كنت بتروح النادى لوحدك ؟
- انا مش بكذب , وايوه كنت بروح لوحدى .. أرتحت يا غبى ؟
وبأبتسامة خبيثة علت على وشى , سألته :
- طيب " خالك " عرف منين أنك فى النادى يا أستاذ " أحمد " ؟
وهنا أرتسم الذهول على وجه " احمد " , وتنح . لكن بضحكة وثقة نفس , وبعوجه قالى :
- البواب قاله على مكانى يا غبى ..
وما كان منى الا ان قمت من جانبه ومشيت ناحية سريرى ... لكن وانا ماشى ومديله ضهرى , لقيته بيقول :
- غور فى داهية وانت غبى .. مش عارف بيعلموكوا ايه فى المدراس دى !
فوقفت وانا فى منتصف الطريق بين سريرى وسريره , وعينى على سريرى , وضهرى ليه وقولته :
- مرة كنت فى البحر انا وماما وبابا وأخواتى , واحنا راجعيين من البحر عديت من جنب فيلا . وأنا ماشى من جنب السور كلب " هو هو " على , لدرجة انى اتفجعت ونطيت على بابا مسكت فيه ! وسألته : اذا كان دى جنينة الحيوان ؟ فضحك وقالى : لا يا عبيط , ده واحد غنى عايش هنا ! وبيحط كلاب حوالين الفيلا بتاعته عشان تحميه ومفيش حرامية تنط وتسرقهم .. ولما حاولت أبص على الكلاب من عند البوابة , لقيت البواب واقف فى وشى ...
وهنا لفيت وبصيت لـ " أحمد " , لقيته بيضحك وبيقول :
- يا غبى , الكلاب تعمل ايه قصاد الرصاص ؟
لكن بنفس الضحكة , قولته :
- لو الحرامية قدروا يقتلوا الكلاب , وباباك ومامتك , ويسرقوا كل الفلوس ... أزاى سابوا البواب ؟
*******
وساد الصمت طويل , قطعه " ابن كلاشينكوف " بأنه قام من على سريره – بخطوات بطيئة ومشى ناحيتى وهو مبتسم , وقالى بسخرية :
- أنت عارف انا حكيت القصة دى لكام واحد وصدقها ؟
- كام يا أحمد ؟
وضحك فى ألم ووجعة قلب وقالى : كتير , كتير .. وجه جنبى و حط ايده على كتفى ومشينا سوا ناحية الشباك- وانفجر من الضحك وقال : الظاهر ان قرايبنا هنا أغبياء ...
ولما وصلنا ناحية الشباك – فى المكان اللى كنت بقعد فيه – قالى : أنت بتقف كل يوم بليل بتعمل ايه هنا ؟ ..
قولته : نفس اللى انت بتعمله وأنت بتتفرج على , من على سريرك ..
- انت كنت عارف انى صاحى يعنى ؟
ولم أرد عليه , هزيت رأسى بـمعنى نعم وانا أبتسم
وحكى لى " أحمد "يوميها ما حدث فعلا مع والده ووالدته , وكيف ان أبوه وقع ضحية لعبة جهاز أمن , وان أبوه خله يحلف لينتقم من الناس دى واحد واحد – و هو تعبان لانه مش عارف ينتقم من مين ؟ وأزاى ؟ وهو ضعيف , قاعد فى ملجأ مش قادر يأكل نفسه ويشرب ؟ ..
لكن شئ واحد حيرنى فى قصته – فسألته :
- أزاى يا احمد باباك , معرفش أخو مامتك ؟
سكت شوية وقالى :
- أبوى لما تتدين , أهل أمى تقريبا قاطعوه وفضلوا فى مشاكل بينه وبينهم . واللى زاد وغطى , انه سافر أكثر من ثلاثة سنين أختفى فى الصعيد ومكنش عارفين هو فين ! واحد بيجيى يطمئن علينا ويقول ان الشيخ " كلاشينكوف " بيسلم عليكم , وكان وده يكون معاكم لكن الجهاد رسالة أكبر مننا ومن نفسه ... لكن اللى حصل حصل بسبب اللى بلغه الخبر وكذب عليه , عمى عينه انها تشوف الحقيقة او على الأقل يديها الفرصة تشرحله ! عشان كده لازم أنتقم منهم , واقتلهم زى ما اقتلوا أمى وأبوى ..
ونزلت الدمعة من عينه متذاكرا باباه ومامته , والهم اللى ابوه مات وسابه على صدره – فما كان منى الا انى طبطبت عليه , ودورت على كلمة أقولها أطيب بيها خاطره فلم أجد ...
فى ذلك اليوم ظهر شئ لم اتوقعه تماما , شئ مكنش فى خيالى ولا حتى خطر على بالى , ان داخل ذلك الوحش العملاق – اللى لو رزعنى قفا هيلزقنى فى الارض , بداخل هذا الحيطة , درفة الدولاب العملاقة دى , عايش جوها انسان ضعيف غلبان , حتى من الهدوم عريان , شايل فى قلبه هموم كتيرة , والنصيبة انه بيبكى زى العيال ..
لكن فى هذا اليوم كسبت صاحب حقيقى , فهمت ليه " القمر" مش بيرد على الناس ؟ ليه كل ما رفعت راسك للأعلى وتأملت السماء والقمر والسحاب مش هتلقى حل ؟ الحل هنا فى الارض , على يمينك او شمالك , ممكن قدامك او ورائك , مع اللى بيفهم لغتك وحاسس باللى انت حاسس بيه .. مع الانسان , مش مع القمر ! مع اللى بيتكلم بلسانه , مش بيبعتلك نوره .
يمكن لو القمر هو كمان بص وراءه , كان لاقى نجوم وفضاء احسن من الارض – وكان سابها ومشى من زمان !
انا بصيت ورائى , وكسبت صاحب حقيقى , كسبت انسان بيتكلم لغتى ولو حكيتله على مشاكلى هيفهمنى .. وداعا أيها القمر , فلا حاجة لنا بك بعد الان !
ودخلت أنام , وراح " ابن كلاشينكوف " ينام هو كمان , وقبل ما اسلم عينى للظلمات مرة اخرى – لقيته بينادى على وبيقولى :
- بهاء , لو قولت لحد الحكاية دى هقتلك ؟ أنت سامع !
ورحت فى النوم , ولم أرد عليه ولا حتى عبرته