اقتباس:اتضح ان العميد ذو باع في العبريّة يضارع باعه في العربيّة او لربما يزيد .
يعني خطر ببالي انه قد يستشهد ببيت من بيوت الشعر أو بمدلول الالفاظ في قطعة نثر عبرية حديثة ثم يقارنها بمدلول اللفظة عند ابن ميمون .
حاولت يوماً ما تعلم العبرية مستفيداً من وجود قناة الثانية الاسرائلية في المنزل ، واشتريت كتاب تعلم العبرية في 5 ايام وكتاب عن الامثال بالعبرية ، ولكن اذكر انني توقفت عند صخرة الحروف اللعينة التي يتغير شكلها عند نهاية الكلمة ، فقررت ان اكتفي بما تعلمته.
والله يا طنطاوي يا صديقي ، "مكره أخاك لا بطل"... فالذي يولد ويعيش في الدولة العبرية، لا يستطيع أن يجد له مندوحة عن عدم إجادة العبرية. فالعبرية هي لغة الهواء هناك، وعدم التعامل الحثيث معها تعني بالضبط عيشك في دولة عربية دون معرفة بلغة الضاد. فالعبرية هي لغة مؤسسات الدولة والمصارف ومعظم المحلات التجارية والمرافق العامة والجامعات.
لا سبيل لك إلا أن تتعلم العبرية وتجيدها في اسرائيل وإلا فأنك لن تستطيع العيش. ولكن تعلم العبرية هناك هين ميسور علينا، نحن عرب 48. فالمناهج الدراسية تجعل الطفل منا يبدأ بتعلم العبرية لمدة 5 ساعات أسبوعية منذ الصف الثاني أو الثالث الابتدائي. وعدم وجود جامعات عربية يجعل الطالب يجتهد في معرفة هذه اللغة والتعمق بها. اذكر بأنني ابتدأت بفهم نشرة الأخبار التليفيزيونية كاملة منذ الصف الثامن الابتدائي (12 سنة) رغم سرعة "حاييم يافين" في القراءة (حاييم يافين هذا ما زال يعمل في قسم الأخبار في التليفيزيون الاسرائيلي في القناة الأولى كما أظن). وعندما دخلنا الصف التاسع (13 سنة) أصبحنا نعالج نصوصاً توراتية وشعراً كلاسيكياً (أشعار حاييم نحمان بياليك، وشاؤول تشارنيحوفسكي).
مع الباكالوريا، أراهن بأن مستوى الطالب النجيب في العبرية بين عرب 48، قد يضاهي إن لم يفق مستوى الطالب اليهودي على صعيد القراءة والكتابة والفهم. ما ينقص الطالب العربي في هذا الوقت فقط "الدربة على المحادثة"، وهي عقبة من الممكن اجتيازها في السنين الجامعية الأولى لو تم الاختلاط باليهود ومحادثتهم بشكل يومي (وهذا ما تيسر لي شخصياً).
في الجامعة، لن تستغرب لو وجدت الكثير من فلسطينيي الداخل يجيد العبرية أكثر من اليهود أنفسهم. فالسنين الطوال مع هذه اللغة، ومعرفة الفلسطيني للعربية من ناحية أخرى، ييسر له من لغة التوراة ما يجاري به اليهودي ببساطة بل ربما فاقه معرفة بلغته. ولعلي أذكر هنا ما حدث لي مع بضعة نفر من أصدقاء يهود في جلسة جميلة جمعتنا فوق قمة "الكرمل" في إحدى أمسيات صيف 1985. فلقد بدأوا بتذاكر مفردات لغوية عبرية صعبة والتعرف على معانيها. فوقف أحد النابهين بهم وقال: سوف أسالكم عن معنى كلمة لو عرفها أحد منكم غير "ياعِل"(صديقته المختصة بعلوم اللغة) فإنني سوف أنقده 100 شيكل جديد (العملة الاسرائيلية). شنفت الآذان، فقال صاحبنا وهو يبتسم: ما معنى كلمة "أراك"؟
سكت الجميع كأن على رؤوسهم الطير، قالت "تالي": حنانيك يا "حاييم"... فهذه كلمة توراتية صعبة غير مستعملة في لغتنا الحديثة.
لم أكن قد سمعت قبلاً بهذه الكلمة، ولكنها استثارت "عربيتي"، فخمنت "المعنى" وقدرت بأنني لن أخسر شيئاً لو قلته دون أن أتأكد.
كان في مجلسنا أكثر من خمسة عشر شخصاً، جميعهم من اليهود طلبة الجامعات، قلت: هل لي أن أحاول؟
تعجبوا، فقلت: أظن بأن "أراك" تعني "نيدودي شينا" (سُهد).
وجم "حاييم"، فقالت "ياعِل" وهي تضحك: ورطت نفسك، انقده :) ...
لم أقل لهم وقتها بأن الكلمة كانت بسيطة سهلة بالنسبة لي لأنني قستها على العربية. فلقد أوحت لي كلمة "أراك" العبرية بكلمة "أرق" العربية التي نستعملها في حديثنا اليومي.
****
أريد أن أعترف الآن بأن ما كنت مكرهاً عليه في البداية عندما بدأت بتعلم العبرية أصبح عندي بعدها لذة لا تعدلها لذة. فالعبرية، كجميع اللغات، قد تنفرك قبل أن تتمرس بها، ولكنك بعد اجتياز العقبات الأولى، سوف تحبها. فهي كجميع اللغات، فيها الكثير من عناصر الجمال الداخلية الآسرة التي تبعث على الاعجاب.
العبرية ميسورة للعربي سهلة المتناول. فهي قريبة جداً من العربية. ولكن قربها لا يعني بأنها ليست لغة مستقلة لها قواعدها الخاصة وعلامات تفردها. لذلك، على العربي أن يتعب قبل ان يجيدها ويتعامل بها.
اللغة العبرية أكثر ضيقاً من لغة الضاد. فعمرها القصير والعدد الضئيل نسبياً للمتعاملين بها جعل قاموسها أضيق بكثير من القاموس العربي. لذلك فلقد جنح اليهود اليوم إلى زيادة مرادفاتها كي تستطيع أن تسع حياتهم وشؤونهم. ولكنهم فعلوا هذا تحت تأثير الحضارة الغربية ولغاتها المتعددة، لذلك تجد الكلمات الأجنبية الدخيلة ذات الأصول اللغوية الأوروبية تكثر وتترى في لغة الشارع ولغة الصحافة والإعلام في اسرائيل اليوم. حتى أنه لم يعد بالإمكان لك اليوم أن تقرأ صحيفة مثل "هآرتس" إن لم يكن لك إلمام بالانجليزية والفرنسية والألمانية. إذ سوف تجد المقالات مشبعة بهذه "الكلمات الأجنبية الدخيلة" (يسمونها في العبرية "لوعازيوت") التي استوردها اليهود عن اللغات الأوروبية. فمعظم الكلمات، على صعيد المثال لا الحصر، التي تنتهي بالانجليزية بـ tion تصبح في العبرية "تسيا"؛ هكذا "إينفورميشين" تصبح "إينفورماتسيا" و"إينفليشين" "إينفلاتسيا". بل أن اليهود قد عدلوا عن بعض الكلمات العبرية الأصيلة مثل "ماتساف"(وضع أو وضعية) واستبدلوها بالكلمة الدخيلة "سيتوآتسيا" (situation).
واسلم لي
العلماني