العزيز لوجيكال
اقتباس: Logikal كتب/كتبت
المسألة بسيطة، و هذا سؤال حقيقي و ليس استنكاري: اذا كان اللـه موجودا، فلماذا يحتاج هذا الإله الى عملية تطورية تستغرق ملايين السنين، فيها الاخطاء الكثيرة و الكائنات المنقرضة، لكي يخلق الانسان في النهاية؟
أعتقد شخصيا أن الجواب الديني المعتاد "لحكمة لا يعرفها إلا هو" يفي بالغرض.
اقتباس:يعني لو أن اللـه موجود و هو قادر على كل شيء، أليس الاحرى به أن قال للانسان كن فكان؟
وكذلك كان بإمكانه خلق الكون في لحظة واحدة.
وليس في ستة أيام أو أربع عشر مليار سنة.
اقتباس:اذن ألا يمكننا القول أنه لو ثبت أن نظرية التطور صحيحة، فاللـه غير موجود، و اذا ثبت أن اللـه (إله الاسلام و المسيحية) موجود، فنظرية التطور غير صحيحة؟
أو على الأقل التفسيرات والتأويلات المعهودة التي تفترض الخلق المباشر.
ولكن هذه الديانات إنما تشكل كل منها منظومة اجتماعية ثقافية معقدة وليست مجرد "موقف معرفي" فحسب.
ولذلك فهي تتمتع بالمرونة في التأقلم مع تغير المعارف والتطور العلمي.
واليوم نرى أن الديانة المسيحية ليست مهددة بالانقراض، رغم نجاح كوبرنيكوس وجاليليه.
ورغم الموقف المتصلب الذي اتخذته الكنيسة الكاثوليكية وقتها.
اقتباس:طبعا يمكن القول، "اللـه موجود و لكنه يستعمل التطور للخلق، لسبب لا يعلمه إلا هو." لكن ألا يعد هذا جوابا غيبيا للتهرب من المعضلة؟
نعم، مثل كل الأسئلة التي يتم الإجابة عنها بإدخال الله في سياقها.
اقتباس:تاريخيا، هذه المسألة هي أحد الاسباب التي أدت لنشوء فلسفة الـ Deism أي الألوهية، و هي الفلسفة القائلة بأن اللـه هو قوة عاقلة خلقت العالم و قوانينه الطبيعية، ثم تركته يتطور لوحده تبعا لهذه القوانين و لم تتدخل في مجراه أبدا بل اعتزلته تماما.
و هذا كلام يبدو على الاقل في ظاهره منطقيا، اذ لماذا يتدخل الإله في شؤون الكون طالما أن القوانين الطبيعية هي التي تسيره؟ (و هذا أيضا يفسر مشكلة غياب الاله بالنسبة للبعض).
ويتوافق أيضا مع آلهة "وحدة الوجود" (pantheism)، وغير ذلك من الآلهة التي لا تضع هدفها التخاطب مع الإنسان بشكل مباشر.
اقتباس:طبعا القران و الانجيل كلاهما ينكران هذا الاحتمال، اذ أن اللـه فيهما هو إله منهمك في شؤون البشر، يرزق من يشاء و يلعن من يشاء، و ينزل الكتب و المخلّصين و الانبياء، و يستجيب للصلوات و للدعاء.
اقتباس:ألا ترون أن نظرية التطور تثبت أنه حتى لو كان اللـه موجودا، فهو فقط اكتفى بخلق الكون و اعتزل؟ ألا تثبت هذه النظرية أن اللـه ليس إله القران و الكتاب المقدس، الذي يخلق الاشياء بأن يقول لها كوني فتكون، و يقوم بالمعجزات التي تكسر قوانين الطبيعة التي نعرفها، الخ؟
بالنسبة لهذا السؤال، فأنا أعتقد أنه يمكن توضيح غرضه بمناقشة تطور الكون خلال 14 مليار سنة، أو حتى الأيام الستة.
فمعظم المؤمنين يوافقون على هذا الأمر.
بذلك لا يضيع النقاش في إثبات صحة النظرية قبل السؤال عن قيام الله باللف والدوران ليصنع الكون خلال فترة طويلة جدا.
اقتباس:هل تجتمع نظرية التطور و الايمان بإله المسيحية او الاسلام؟
طبعا هناك تدرجات متعددة لاجتماع الإيمان بإله مع الإعتقاد بصحة نظرية التطور.
فمن الممكن التساهل في صفات الإله (ديزم، وحدة الوجود، إله غير واعي أو غير قاصد)، أو التساهل في آليات التطور.
خصوصا التطور "الموجه" يبدو سهل التقبل، فقد وافقت عليه الكنيسة الكاثوليكية قبل أربعين سنة.
ولكن التطور الدارويني المبني على آلية عمياء، تسير عبر الطفرات غير الموجهة، والانتخاب الطبيعي، يبدو أصعب هضما.
ولكن ربما تعرف العالم الأمريكي كينيث ميلر (Kenneth Miller)، استاذ البيولوجيا في جامعة كولورادو، مؤلف كتاب "العثور على إله داروين":
Finding Darwin's God
ميلر يعتبر نفسه مؤمنا بإله المسيحية التقليدي. أي ليس إله "هوكنج" أو أينشتاين..الخ الذي ليس إلا تعبيرا شاعريا عن قوانين الطبيعة.
وهو من أشد المناهضين لما يسمى بنظرية "التصميم الذكي"، واشتهر أثناء قضية أوهايو لجعل تدريس التطور اختياريا أو تدريس التصميم الذكي كنظرية بديلة.
http://bms.brown.edu/faculty/m/kmiller/
ما يكتبه ميلر في مجال النظرية الداروينية قوي جدا، وهو يرفض تدريس التصميم الذكي، لصالح الدين.
أي لئلا يظهر أن هناك تناقض بين الدين والعلم، فهو يعتبر أن التركيز على أي تناقض سيؤدي في النتيجة إلى ضعضعة الدين نفسه.
وهو يرفض خصوصا استخدام "الله" لسد الثغرات في المعرفة العلمية (إله الفجوات) God of the gaps.
أي أن تعنت المؤمن تجاه موضوع مثل التطور يعني أنه يعطي الملحدين ورقة رابحة تمكنهم من نقض الدين عبر البرهنة على التطور، وبالتالي الإستئثار بالعلم لخدمة "ايديلوجيتهم".
فهو يمدح الكتاب التطوريين مثل (دوكنز) أو (دينيت) لكفاءتهم العلمية، ولكنه ينتقد استخدامهم لنظرية التطور لرفض الدين.
ولكن طبيعة إيمانه لم تتضح لي بشكل كافي.
يبدو لي أنه يؤول الكتاب المقدس بشكل رمزي إلى حد كبير، ويعتبر أن عمل الله في الكون أعمق بكثير عن أن تكتشفه الأدوات العلمية، ولذلك فلا يوجد تناقض بالنسبة له.
وربما هو يبني على "قفزة الإيمان" (leap of faith) أكثر من اللازم، لا أدري.
مع أطيب التحيات