تحياتي للجميع
موضوع جميل يجبر المرء عن الخروج عن صمته و كسله ليكتب شيء فيه .
سأحاول أن أعلّق على بعض الأسئلة التي وردت في هذا المقال ، ليس كنوع من الإجابة عليها أو التكلم بلسان الملحدين فأنا لا أمثل إلا أفكاراً قد يختلف معاها الكثير من الزملاء الملحدين و يعتبرها الاخرون أضغاث أحلام .
ساقتبس أسئلة العزيز ابراهيم و أحاول أن أعلّق عليها او بعضها حسب ما أفهم منها .
اقتباس:* ما هو الإلحاد؟ و ما هو ما "ليس" منه الإلحاد؟
* هل الإلحاد فعلا يدعو للفوضى؟ هل الإلحاد يشجع كل أنواع الإنحرافات؟ هل الإلحاد ضد أن يعيش الإنسان حياة أخلاقية فاضلة؟ هل الملحد يخضع للقوانين السارية على الجميع؟
* ما هو الناموس الأعلى عند الملحد؟ ما أهمية الضمير الإنساني لدى الملحد؟
* هل يمكن أن يكون إنسان ما عربي مخلص لبلده و ملحد في الوقت نفسه؟ ما العلاقة بين الولاء والإلحاد؟
* ما هي إسهامات الإلحاد على الصعيد الدولي؟ ومزياه على جميع الأوساط والشرائح الإجتماعية؟
* الإلحاد والنزعة الإنسانية.....هل نأمل في مجتمع عربي لو صار مجتمع humanistic و يكون الدين مسألة فردية؟
ما هو الإلحاد ؟
اولاً الإلحاد كصفة لم يختارها الملحدون بأنفسهم و إن اعترفوا بها كنوع من تمييزهم عن غيرهم ، فهي جاءت كمقابل موضوعي "للإيمان" رغم أن الإلحاد بحد ذاته هو
"إيمان و لكن بأفكار مغايرة للموروث المتفق عليه "
الإلحاد لغة - كما هو معروف - الميل و الحيد عن الطريق ، فكان اصطلاحاً يعني الميل عن الدين و من ثم تطور المصطلح ليخص اللادينيين .
و من هنا نجد أن هذه التسمية "الإلحاد" جعلت من الدين نقطة الارتكاز الذي يُسنًَد إليها كل فكر ، و يصنَّف على أساسها كفكر مارق أو ملحد أو كافر أو غيرها من تسميات المؤمنين لمخالفيهم .
أما بالنسبة لنا نحن ، الملحدون ن فإن نقطة الارتكاز لدينا هي العقل ، و ما ينتج عنه من تشريع . بمعنى أننا يمكن أن نصف من يطوفون حول بيت ما أو يقومون بطقس ما بأنهم "ملحدون" عن نقطة ارتكازنا .
على كل حال ، ربما هي بداية مملة ، مع الوقت سأستعيد رشاقتي ، فقط أحببت أن أنوّه إلى أن صفة "ملحد" أساساً هي صفة خاطئة و نسبية ، و الأصح منها "اللاديني" أو "اللاإلهي" .
و على مر العصور و عبر الصراع الطويل بين الدينيين و اللادينيين تبلور مفهوم الإلحاد ليصبح ديناً آخر و معتقد يدين به الكثيرون ، و من هنا وجدنا خطورة تعميم اللفظ .
على كل حال ، و باختصار ، الإلحاد كما هو مثال حاضر في النادي ، هو سلب الاعتراف بوجود إله خالق للكون كما هو مطروح في فترينة الآلهة العالمية .
إذاً هي قضية فكرية خالصة ، و لكن هل ستبقى نائمة في كهف أفلاطون ؟؟؟؟؟
أعتقد أن الإلحاد له تأثير عميق و عملي في الحياة ، فرغم محاولة "العاقل" باحتكار الأخلاق دينياً و إسلامياً بالأخص ، فأنا أقول أن الإلحاد حين ينفي سلطة الإله و من ثم سلطة من يستظل بهذا الإله ، عندها سيلجأ إلى "العقل" الذي يملك من المرونة ما يجعله في منطقة قريبة من كل الثقافات و الحضارات .
فالسرقة هي سرقة ، فالعقل يرفضها لأنها سلب لملكية الآخرين ، سواء كان مسلماً أو كافراً المفروض أن نرفض السرقة .
لكن الدين لا يتعامل معها من هذا المنطلق ، فالسرقة المرفوضة هي فقط ما يُغضِب الإله ، كأن تسرق من أخيك المؤمن بنفس مبادئك ، لكن أن تسرق الأقوام الآخرين فهذا مباح ، و ما نعرفه من أخلاق الفتوحات الإسلامية هو أشهر من أن نحصره هنا ، من سلب و نهب للأقوام المحارَبَة عسكرييهم و مدنييهم ، حتى أنهم لم يترددوا في سرقة البشر تحت مسمى السبايا و الذراري و ملك اليمين .
إذاً ، الأخلاق من منطلق ديني هي أمر نسبي الثابت فيه هو رغبة الإله ذاك أو من يمثله على الأرض ، و إقصاء للأقليات الأخرى .
أما الأخلاق اللادينية(العلمانية) فهي تعتمد العقل كثابت ترتكز عليه ، فتحرّم السرقة مطلقاً ، و القتل مطلقاً ، و التمثيل بالقتلى مطلَقاً ، و عبودية البشر لبعضهم مطلَقاً ، و شهادة الزور مطلقاً ، و الدعارة و الاتجار بفقر الناس ، الخ ......
لماذا يحاول "العاقل" و غيره تمرير فكرة "أن الدين هو الضامن الوحيد للأخلاق" بينما الإلحاد يدعو للفوضى و السفاهة و اللهو فقط !!!!
نحن ننظر للمجتمعات العلمانية و التي حجمت الدين و حصرته في الكنيسة على أنها مجتمعات متطورة صناعياً و اقتصادياً و اجتماعياً .
أحد أصدقائي زار اليابان ، لن أكلمكم عن الفجوة التكنولوجية بيننا و بينهم فيمكنكم تخيلها ، لكن أكثر ما أثار دهشته هو أدب الشعب الياباني ، باختصار هو شعب "دغري" في أغلبه ، لا يتشاطر عليك و يغشك كما نفعل نحن ، خصوصاً في معاملاتنا التجارية ، لا أملك دراسة مقارنة لأخلاق الشعوب المؤمنة و العلمانية ، لكن مؤشرات كثيرة نلمسها عبر خبر في الصحيفة أو على إحدى الفضائيات ، فنجد مجتمعاً على درجة عالية من المصداقية و الشفافية و احترام الزميل الآخر المدعو "مواطناً" .
يدهشني كثيراً الفرق بين رجل الأمن لديهم و رجل الأمن لدينا الذي لا يعرف كيف يحاورك بغير الصفعات و الركلات ، هذا و أنت بعد لم تمثل لأي محاكمة ، فقط لأنك مطلوب و مشتبه بك .
باختصار ما أردت قوله أن شعوبنا تعاني "تخلفاً اجتماعياً" عالياً ، رغم أن أغلبها متدين إلا أنه لا ينفذ حتى ما توصي به الأديان من أخلاق ، لأن التدين وحده غير كافي لأن يجعل من الشعب شعب مدني متحضر اجتماعياً .
كذلك في بلاد أمريكا اللاتينية الفقيرة ، قد لا تكون هذه المجتمعات مؤمنة ، لكنها تغرق في الجريمة و الكذب و الغش و غيره ، باختصار ، هي مشكلة بلاد العالم الثالث .
فما دام الشعب فقير ، فستبقى أخلاقه في الحضيض ، سواء كان مؤمناً بإله كذا أو كذا .
شكراً لحسن استماعكم و إلى اللقاء :)