العونيّون والهزيمة: دقّت ساعة الحساب... قبل التغيير
مناصرتان للتيار الوطني الحر في بيروت الأحد (بلال جاويش)كان الانكسار النفسي عند العونيين أمس كبيراً. كثيرون سارعوا إلى نزع الصور والأعلام البرتقالية عن شرفاتهم (حتى في المتن وكسروان وجبيل). معظم الناشطين أغلقوا هواتفهم الخلوية. وعبثاً كانوا يبحثون على وسائل الإعلام عن مسؤول يوفّر لهم تبريراً يساعدهم في الرد على الساخرين من عدم تحقيق الفوز الذي توقعوه
غسان سعود
في انتظار ابتداع العماد ميشال عون مخرجاً ينعش الجمهور المنتكس الذي لم يعد ممكناً «الضحك عليه» بما يشبه القول إن الفوز بغالبية المقاعد في دوائر جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وجزين هو انتصار يستحق إطلاق المفرقعات. يحتدم النقاش في أوساط قيادات التيار، التي كانت حتى صدور النتائج تتحفظ على إبداء ملاحظاتها على حال التيار الوطني الحر. وفي محصلة الكلام، يمكن تحديد 4 عناوين رئيسية للنقد الذاتي:
1ـــــ تنظيم التيّار، إذ بيّنت التجربة أن أخذ العبر من سوء التنظيم في انتخابات المتن الفرعية اقتصر على منطقة المتن، وكان المبادر إلى إصلاح الوضع هو النائب إبراهيم كنعان لا قيادة التيار التنظيميّة، وقد أدى حزب الطاشناق دوراً أيضاً في حثّ العماد عون على إيلاء الوضع التنظيمي لتياره في المتن بعض الاهتمام. وهكذا، يمكن القول إن التيار رغم دلالات انتخابات المتن الفرعية لم يأخذ العبر، ربما لأن العماد عون ما زال مقتنعاً بما كان يقوله بعض المحيطين به من أن تياره في أحسن أحواله وأن التعثّر مرتبط مرة بتدخل رجال الدين وأخرى بدفع الأموال، كأنه لا يعلم أن رجال الدين سيتدخلون وأصحاب المال سيدفعون. وفي الموضوع التنظيمي يبرز أيضاً أن غالبية الناشطين في التيّار تغيّروا كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية، وبات كل واحد منهم يتكبّر على جيرانه، ويتصرّف باعتبار أنه الآمر والناهي. وفقد العونيون تواضعهم وقربهم من الناس واستعدادهم للنقد الذاتي وللحوار الهادئ، وصاروا يتشككون في المنتقدين ويذهبون إلى حد اتهامهم بالانقلاب على التيار والتآمر عليه. وضمن التنظيم أيضاً، هناك موضوع الاغتراب، وقد كان التيار حتى عام 2005 إحدى أهم القوى اللبنانية في الاغتراب، لكنّ المسؤولين هناك، الذين عادوا إلى لبنان تزامناً مع عودة عون، تركوا الساحات في بلاد الاغتراب شبه فارغة، ولم يحسموا الخلافات التي ظهرت بعد عودتهم إلى لبنان وقسّمت المجموعات العونية في ما بينها في أكثر من دولة. وقد أتى تعيين العماد عون لمسؤولين مركزيين عن الاغتراب لا يتمتعون بمواصفات تؤهّلهم بمثابة رصاصة رحمة على علاقة التيار بالاغتراب. ولم تنفع المعالجة اللاحقة واستبدال المسؤولين السابقين بأحسن منهم في إصلاح الوضع. ويفترض السؤال هنا عمّا قدمه التيار وتكتل التغيير والإصلاح للاغتراب خلال 4 سنوات غير بيانات النائب نعمة الله أبي نصر التي ملّ منها المغتربون والمقيمون. وفي الموضوع الاغترابي، ثمة صوت يرتفع في التيار يدعو إلى مساءلة المسؤولين الحاليين على تقصيرهم، وعلى سوء معاملتهم، أول من أمس، للمغتربين الذين وصلوا بإشرافهم إلى مراكز الاقتراع ليقترعوا ثم وجدوا أن مرافقيهم المفترضين غادروا المكان... ويفترض بالعماد عون أن يجتمع إلى كل من كان يشير اليه في ملف الاحصاءات من عبدو سعد الى كمال فغالي وسؤالهما عن النقاط غير المرئية التي بدت في صورة المشهد النهائي. وعن إحصاءاتهما التي جعلته يقول إنه يفوز بخمسة وثلاثين مقعداً على الأقل، وطمأنت كلَّ التيار وحلفائه إلى أن الأرجحية كبيرة لمصلحة المعارضة في الكورة والأشرفية، وتحدثت دون حرج عن انتصار ساحق في المتن وكسروان وجبيل.
وختاماً في موضوع الماكينة، كان واضحاً أن التيّار حيث يوجد مرشح قوي قام بواجبه كاملاً، مثل كنعان في المتن وحكمت ديب وآلان عون في بعبدا وسيمون أبي رميا في جبيل وزياد أسود في جزين، يستطيع الفوز مهما كانت الظروف صعبة، أما حيث المرشح الرئيسي للتيار بعيد عن الأرض والناشطين مثل سليم عون في زحلة وجبران باسيل في البترون وعصام أبو جمرة في الأشرفية فإن العماد ميشال عون لا يستطيع فعل المستحيل.
2ـــــ صرف الأموال. لا بدَّ من هيكلية واضحة تحدّد الحقوق والواجبات المادية بالنسبة إلى الناشطين، وتوضح بشفافية، كالتي يطالب بها العماد عون على مستوى الدولة، طريقة صرف الأموال في التيار. مناسبة الكلام؟ في الأسبوعين اللذين سبقا الانتخابات، كان ثمة عونيون يضعون في جيبهم أكثر من مئتي خط تشريج ومئتي «بون» بنزين. وفي المقابل، كان ثمّة مسؤول بلدة لا يملك وحدات في هاتفه ليجري اتصالات ضرورية للمعركة. وكان هناك منسّق بلدة يستطيع شراء الملابس البرتقالية لهيئته المحلية، فيما زميله في بلدة مجاورة يطلب من الناس قبل يوم من الانتخاب دفع ثمن التيشرت. ودفعت أموال كثيرة على أشياء أقل فعالية من أمور أخرى، فضلاً عن بلبلة مستجدة وهمس عن ثروات وتسريب أموال وخلافه، علماً بأن الشفافية في الموضوع المالي تسمح بقطع الطريق على الراغبين في الاصطياد في هذا الملف. وفي الموضوع المادي، يفترض التوقف عند أخذ الناس بعين الاعتبار أن الحزب المسيحي الأول لم يقدّم لـ«مجتمعه» أي مشروع منتج خلال 4 سنوات، ولم يسع نوابه (ما عدا اثنين أو ثلاثة) إلى توفير الخدمات للمواطنين تحت عنوان أنهم يخدمون الجميع عبر إصلاح مؤسسات الدولة، كأنّ هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن الفاتورة الاستشفائية الباقية على المواطن بعد قيام الدولة والضمان الاجتماعي بواجبه، ولم يزوروا يوماً صيدلية ليشتروا دواءً ويكتشفوا كم ثمنه، ولم يزوروا طريقاً لم ولن يصله الزفت يوماً من الدولة لأنه خارج نطاق عملها، كما لم يدفعوا فاتورة كهرباء، ولم يعانوا من بقاء أحد أبنائهم سنوات دون عمل (...). وفي هذا السياق، يقول أحد نواب التغيير والإصلاح إن الناخبين قالوا لنا في الصناديق إن اقتراحات القوانين جميلة لكنها لا تطعم خبزاً أو إننا لن نخاطر بالموت جوعاً في انتظار خبزكم الموعود.
3ـــــ إعلام التيار. وهنا ثمّة 5 نقاط أساسية:
■ بات إعلام التيار الوطني الحر (تلفزيون «أو تي في»، وإذاعة صوت الغد، والموقع الإلكتروني) يتوجه حصراً إلى جمهور التيار الوطني الحر. وهو أشبه بالإعلام الحربي الذي لا يخاطب إلا المحازبين الذين يفترض أنهم يحتاجون إلى نشرة يومية لا إلى وسائل إعلامية تكلّف ثروات. وهنا يفترض أن يُعاد النظر في عدم استضافة هذه الوسائل أيّ ضيوف مميزين من خارج المعارضة، وعدم التقاء مراسليها في الشارع إلا العونيين، وعدم إفساحها المجال، سواء في البرامج الفكاهية أو الترفيهية أو حتى الرياضية، إلا للبرتقاليين، كأن العالم ينتهي عند حدود هذا اللون، مع العلم بأن المؤتمر الصحافي لأصغر نائب في تكتل التغيير والإصلاح يحظى بالأولوية غالباً عند هذه الوسائل الإعلامية على خبر اجتماع ستين نائباً من الأكثرية. وسابقاً، مثلاً، كان الموقع الإلكتروني للتيار يجذب جمهوراً متنوّعاً لغناه بالأخبار وتنوّعها، لكنه بات أخيراً نشرة حزبية، ليس فيها إلا المواقف المستنسخة لمسؤولي التيار. وقد ولّى زمن كان فيه الموقع الوسيلة الرئيسية للاطلاع على الأخبار السريعة لغالبية اللبنانيين، فيما هو اليوم الصفحة الرئيسية للباحثين عن أخبار ساذجة (مثلاً شُغل الموقع أمس بذكر عدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون شارل أيوب وغطاس خوري وبيار دكاش، ولم يعنه مثلاً أن الفارق بين العماد ميشال عون ومنصور البون لم يتجاوز ثلاثة آلاف صوت بعدما كان نحو عشرين ألفاً في عام 2005).
■ تضخيم الإعلام العوني لقضايا تثير شفقة الرأي العام عموماً على هذا الإعلام، الذي باستثناء الفيلم الوثائقي لمجزرة إهدن لم يثر خلال أربع سنوات أي قضية تؤثر جدّياً في مستوى الرأي العام.
■ عدم اكتشاف قيادة التيّار أن ثمّة وجوهاً «ثقيلة الظل» عند الرأي العام يفترض حظرها من الإطلال إعلامياً لا تكريسها، كما هو حاصل اليوم «أبرز الوجوه الإعلامية للتيار الوطني».
■ عدم سعي الإعلام العوني إلى فرض نفسه في دول الاغتراب، إذ ما زال معظم اللبنانيين منجذبين لما يسمعونه ويشاهدونه على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال.
■ التزام هذه الوسائل الإعلامية باستراتيجية التبرير السياسي دائماً لا الهجوم على الخصم، في ظل غياب سياسة تواصل مع الناس واضحة وصريحة ومنسّقة.
4ـــــ خطاب التيار الوطني الحر. وقد بيّنت النتائج، بعيداً من تبرير الحرب الكونية ودور كلمة البطريرك نصر الله صفير ورشوة الناس وأعداد المغتربين، أن نسبة كبيرة من المقترعين المسيحيين، غير المتحزبّين لأحد، في جبيل وكسروان والمتن وبعبدا غير راضين عن خطاب التيار الوطني الحر. ويسجّل هنا 3 ملاحظات يمكن مسؤولي التيار لمسها إذا ابتعدوا قليلاً عن مؤيّديهم تماماً واستمعوا إلى مجتمعهم:
■ عدم قبول الناس باستماتة العونيين للدفاع عن حزب الله، سواء أكان على حق أم على باطل. والناس أظهروا في صناديق الاقتراع أنهم غير موافقين على إسقاط حزب الله لمروحية الجيش في بلدة سجد الجنوبية وقتل الضابط سامر حنّا، ولا يرون أن 7 أيار يوم مجيد، ولا يسعدهم أبداً قول الرئيس الإيراني ما مفاده أن فوز المعارضة يحصّن جبهة الممانعة.
■ قلق الناس من عدم تقديم التيار الوطني الحر، والمعارضة عموماً، مشروعاً اقتصادياً واجتماعياً جدّياً للحكم، وضبابية موقف المعارضة من تعهدات الحكومات السابقة بشأن المؤتمرات الدولية لدعم لبنان أو انضمام لبنان إلى منظمة التجارة الدولية، واعتبار العونيين أن كلام نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بشأن احتمال فرض حصار دولي على لبنان أشبه بحصار غزة كاف لطمأنة أهل الأشرفية وكسروان والبترون وغيرها من المناطق حيث الناس يعيشون ضائقة اقتصادية غير مسبوقة.
■ اعتقاد بعض العونيين في خطابهم السياسي بأن العماد عون بالنسبة إلى موارنة الكورة وكسروان والمتن والأشرفية وزحلة مثل الوزير السابق سليمان فرنجية بالنسبة إلى موارنة زغرتا. وبناءً على ذلك يمكن تجاهل مواقف البطريرك نصر الله صفير وتسخيفه ومعاملة رجال الدين المسيحيين كأنهم لصوص الهيكل. وقد ثبت أن الأمور ليست بهذه السهولة.
يضاف إلى النقاط الأربع الأساسية، ضرورة الأخذ بالاعتبار دلالات سقوط وزراء التكتّل الأربعة المرشحين عصام أبو جمرة وجبران باسيل وإلياس سكاف وماريو عون، دون أن يغيب عن بعض المستفيقين على الصدمة ملاحظة أن الناخب كان غاضباً من سوء اختيار العماد عون لبعض المرشحين الذين لا يمثّلون النبض العوني الديناميكي ولا يجذبون الرأي العام، لا بلافتاتهم التي تتنبّأ برجوعهم إلى المجلس، ولا بإكثارهم التفلسف والمديح الرخيص بالعماد عون، ولا بحضورهم المفاجئ إلى المعركة وبدئهم إبعاد الناشطين وشتم المرشحين المنافسين والتصرّف مع الناخبين كأنهم مجرد عديد في فرقة عسكرية.
في الختام، يقول أحد المرشحين العونيين الخاسرين إن تجريب المجرّب الفاشل مرة خامسة أو سادسة أمر ممكن، لكن الأكيد أن الخمسين في المئة من المسيحيين الذين اقترعوا للإصلاح والتغيير يستحقون أفضل من ذلك، يستحقون من العماد عون بعض الإصلاح وبعض التغيير.
عدد الثلاثاء ٩ حزيران ٢٠٠٩
الحريري رئيساً للحكومة بثلث معطّل لرئيس الجمهورية في الحكومة المقبلة
نقولا ناصيف
الخلاصة الحتمية لاحتفاظ قوى 14 آذار بغالبيتها مزدوجة: ترشيحها النائب سعد الحريري لترؤس الحكومة الجديدة، ورفضها إعطاء المعارضة ـــــ التي ستلزم هذا الموقع أربع سنوات جديدة طويلة ـــــ الثلث الزائد واحداً فيها. لكن ما يتخطى هذه الخلاصة اقترانها بمعطيات، منها:
1 ـــــ أن الحريري، وليس قوى 14 آذار، كان الرابح الفعلي في انتخابات 7 حزيران، ولا سيما في الدوائر التي حسم مؤيدوه خياراتها السياسية كطرابلس وعكار وزحلة والبقاع الغربي ـــــ راشيا والدائرة الثالثة لبيروت والضنية ـــــ المنية وصيدا، فأوصلت إلى البرلمان الجديد 43 نائباً: 21 نائباً سنّياً من أصل 27، و22 آخرين بينهم 15 نائباً مسيحياً. يضاف إليهم نائبا بيروت الثانية، السنّي والأرمني، فيصبح الرقم 45 نائباً بينهم 22 نائباً سنّياً، بنسبة 35 في المئة من مجموع المجلس الجديد. لكن الحصة تصبح شبه كاملة بإضافة النائبين السنّيين في الشوف كي يمسك الرجل بالزعامة المطلقة لطائفته، تجعل من ترؤّسه الحكومة واقعاً أكيداً في توقيت مناسب. بذلك يكرّر تجربة والده الراحل الرئيس رفيق الحريري الذي قوّض قاعدة تاريخية فرضت نفسها على أسلافه البيروتيين والطرابلسيين والصيداويين، وهي تمييز زعامة رئاسة الحكومة عن زعامة الطائفة.
2 ـــــ عبّر الاقتراع السنّي والالتفاف حول الحريري عن مقدار غضب الطائفة على أحداث 7 أيار التي كانت بمثابة تهديد ثان لها بعد اغتيال الحريري الأب قبل أربعة أعوام. آل ذلك إلى حصول الحريري الابن على تفويض لم يُعطَ نظيره لوالده، وعلى دعم خياراته الناجمة بدوره عن شعور بمهانة كبيرة ترتبت على تلك الأحداث. وعلى غرار تظاهرة 14 آذار 2005 والتفافها حول الحريري وحلفائه
في لحظة شعور الطائفة بأن سوريا استهدفتها باغتيال الحريري الأب، وهدّدت كيانها وكادت تحيلها طائفة ضعيفة تفتقر إلى المرجعية، 
al-akhbar newspaper


كان التفويض والالتفاف نفسهما في 7 حزيران تحت وطأة تهديد مشابه للطائفة منذ 7 أيار، إذ رأت في حزب الله وسلاحه مصدر استباحة.
3 ـــــ استهانت المعارضة بالماكينة الانتخابية للحريري وقدراتها، كذلك بالمناورات التي أدارتها في المواجهة الانتخابية في الأسابيع المنصرمة، على نحو بدت في بعض مراحلها أحد الاسرار التي ستفضي إلى فوز تيار المستقبل وحلفائه بالمقاعد النيابية في الدوائر المحسومة، وأبرز تلك الأسرار الغموض الذي أحاط بالمغتربين وأعدادهم وأماكن وجودهم في الساعات التي سبقت الاقتراع، وتحوّلهم كتلة مجيّرة وفاعلة، لم يتسنّ للماكينات الانتخابية للمعارضة رصدها بدقة وتحديد تأثيرها، ففاجأوها في زحلة خصوصاً. وما انطبق على المغتربين المقترعين، صحّ أيضاً على حجم الكتلة السنّية الغامضة وطاقتها التجييرية المنظمة.
في واقع الحال لم يجعل الحريري الابن من التصويت السنّي معادلاً بفاعليته للتصويت الشيعي فحسب، بل مقرّراً للفوز والإمساك بالغالبية والسلطة، من غير أن يتواطأ بالضرورة مع الشريك الشيعي الذي خبر وإياه تجربة التحالف الرباعي عام 2005. بذلك تصوّر الحكومة المقبلة مغزى انتصار الغالبية الجديدة.
4 ـ ينظر الحريري إلى شريكين رئيسيين له في حكم المرحلة المقبلة هما حلفاؤه المسيحيون ورئيس الجمهورية. ولأنه جزم سابقاً برفضه إعطاء الثلث الزائد واحداً إلى المعارضة في الحكومة المقبلة، من غير أن يمانع في انضمامها إليها بشروط قوى 14 آذار. فهو بذلك يستدرجها إلى الرفض والبقاء خارج هذه الحكومة. لكن الوجه الآخر لهذا الاستدراج هو تحوّل رئيس الجمهورية شريكاً فعلياً في الحكومة بإعطائه هو الثلث الزائد واحداً، بعدما انهارت الكتلة الوسطية بمرشحيها الثمانية (في جبيل وكسروان وبعبدا) التي كان الرئيس والموالاة قد عوّلا عليها إبان الحملات الانتخابية.
5 ـــــ رغم احتفاظ قوى 14 آذار بغالبيتها، وتالياً توازن القوى بينها وبين المعارضة كان رافق علاقتهما المتدهورة بين عامي 2005 و2008، أكدت نتائج انتخابات 7 حزيران حقيقة إضافية، هي أن الشريك المسيحي في الموالاة لا يزال يمثّل ثقلاً كبيراً في توازن القوى داخل هذا الفريق، وفي مواجهة الرئيس ميشال عون وحلفائه المسيحيين. إذ ينضوي في صفوف قوى 14 آذار 37 نائباً مسيحياً يلاقون التحدّي نفسه الذي يقابل به عون، وهو أن معظمهم انتخب بأصوات ناخبي طوائف غير مسيحية، ما خلا دوائر بيروت الأولى والبترون وبشرّي والمتن باعتمادها على الناخبين الموارنة أو المسيحيين بمن فيهم الأرمن (11 نائباً).
أما النواب الـ26 الباقون فأتى بهم ائتلاف الحريري والنائب وليد جنبلاط. على الضفة المقابلة ارتفعت حصة عون وحلفائه من 21 نائباً في برلمان 2005 إلى 25 نائباً في برلمان 2009، بينهم كتلة النائب سليمان فرنجية (ثلاثة نواب) ونائب بعلبك ـــــ الهرمل إميل رحمة. وما خلا كسروان والمتن الشمالي اللتين يسيطر ناخبوهما المسيحيون على نتائجها، فإن دوائر جبيل وجزين وبعبدا وبعلبك ـــــ الهرمل
تدور في فلك الناخبين الشيعة أو في أحسن الأحوال ترجّح كفتها قوتهم التجييرية. وما يصحّ على مسيحيي 14 آذار ينطبق أيضاً على مسيحيي عون، وهو أن تمثيلهم دوائرهم لا ينفصل عن تحالفاتهم الانتخابية. وكلاهما استمد في الانتخابات الأخيرة قوته من التصويت السياسي أكثر منه التصويت الانتخابي. لكن مسيحيي 14 آذار سيمثّلون التعويض الذي يريد الحريري استثماره في حكومة الغالبية، بتجاهله الجنرال ودفعه إلى رفض المشاركة فيها.
http://www.al-akhbar.com/ar/node/140422