جميل هذا الطرح العميق لطبيعة الإنسان من قبل الأستاذ الوراق, مع أن الجميع هنا لم يفهمه مع الأسف, فالزملاء ظنوا أن الوراق يطرح الدين كبديل عن العلم المادي, وليس هذا هو الموضوع, فبالتأكيد لا يمكن للإنسان أن يعيش بلا معرفة مادية, لكن محور الموضوع يدور حول الإنسان وبم هو معني ومشغول أكثر هل بالدين ومعرفة المعنويات أم بالمعرفة المادية. وليس هذا يعني أنه يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر, فليس هذا الموضوع هنا, كما يبدو لي.
وأحب أن أعلق على تقيب الزميل الجوكر:
اقتباس:عجبي ورب الكعبة !! وهل شاهدت ملكاً ؟؟ وهل تمكت من الشخبطه على الكيبورد بسبب أحاديث الرسول مثلاً ؟؟
وهل عندما يلمَ بك أحد الأمراض والعياذ بالعقل ستقرأ بعض أيات القرآن لتشفى مثلاً ؟؟
وهل عندما تحاول الوصول الى أي مكان هل ستطلب جبريل أن يقلك اليه ؟؟
نحن كبشر نحتاج للعلم اكثر ولولاه لما مكننا العيش ولا التواصل ولا الأستقرار
كلامك ليس ردا على الفكرة التي طرحها الأستاذ الوراق, فأنت تتكلم عن الوسائل و الوراق يتكلم عن الغايات, فالعلم المادي يوفر لنا الوسائل لنصل إلى غاياتنا, وليست غايتنا الوصول إلى العلم المادي, وكونك تجعل العلم المادي نفسه غاية فهذا تصور لا يخلو من السطحية وعدم الواقعية, العلم المادي هو وسيلة لخدمة الإنسان, فمقولة أن الإنسان معني بالعلم أكثر من الدين تعني أنك تهتم بالكيبورد ولا تهتم بما يكتب من خلاله, وتهتم بالصحة لتبقى على قيد الحياة ولاتهتم بالغاية من الحياة, وتهتم بوسيلة النقل ولا تهتم إلى أين ستنقلك, هذه الماديات مجرد وسائل لخدمة الإنسان, الكيبورد هو ما يخدمنا لسنا نحن الذين نخدمه, أي ان الكيبورد واللمبة والكمبيوتر والطاولة .. هي تخدمك ولست أنت من يخدمها, وهذا بديهي, أي أنك سخرت العلم المادي وسيلة لخدمتك وليس العكس, إذا ليست الغاية هي أن نتعلم العلم المادي بل هو مجرد وسيلة, وأنت تخدم ماذا من خلاله؟ تخدم أفكارك ومعتقداتك بالطبع, فأنت من خلال الكيبورد تخدم أفكارك ومعتقداتك ولست تخدم الكيبورد, بالتالي أفكارك أهم بالنسبة إليك من العلم المادي, لأنك تتخذه وسيلة لنشرها ونقض ما يخالفها, وما هي أفكارك؟ هي إما أن تكون مع الدين أو ضد الدين, وهنا تنتهي السلسة, فغايتك من العلم أصبحت: الدين, سواء كنت مؤيدا له أو معارضا, إذا الدين بالنسبة لك أهم من العلم لأنك سخرت العلم وتطبيقاته خدمة لموقفك من الدين, وهذا كلام يشهد عليه الواقع.
اقتباس:وهل أنت متدين لوجه الله مثلاً ؟؟ ههه هزلت طبعاًً أنت تبحث عن ذاتك في جنة الله الواسعه لتضاجع الى مالا نهايا من الجواري ولتسكر وتتذوق النبيذ المعتق وليست ديانتك لشئ آخر ؟؟
ماذا لو لم يكن لك جائزه مثل هذه هل كنت لتفعل هذا ؟؟
فكرك المادي يفتي بجواز شرب النبيذ ومضاجعة مالانهاية من النساء, أي أنه أمر محمود وليس عارا, وأيضا يفتي بأن الإنسان من طبيعته مادي مصلحي وإن فعل شيئا لجائزة فهذا وضع اعتيادي بل ربما يدل على دهاء وعبقرية إذا كان الفعل يؤدي إلى جائزة كبيرة, مادامت هذه معتقداتك لماذا تعير الوراق بها؟ هل أنت تراها عارا؟ من المفترض أن يكون العمل لوجه الله هو العار وليس الجنس بلا قيود و الخمر, فلو كنت ملحدا حقيقيا لقلت : "هل تظن أيها الوراق أنك متدين لتضاجع الجواري وتتذوق النبيذ المعتق؟ ههه هزلت طبعا, أنت متدين لوجه الله وليست ديانتك لشيء آخر". هكذا يكون العمل لوجه الله عارا والجنس والخمر شيء راقي, لكنك فعلت العكس, أي أنك ترى العمل لوجه أرقى من العمل لوجه اللذة الجسدية, أي أنك أيدت الدين دون أن تعي ذلك, ولهذا قال الأستاذ الوراق أن الإنسان متدين بطبعه, فأنت بإحساسك شعرت أن الجنس بلا قيود والخمر عار وأن العمل لوجه الله فضيلة مثالية ولهذا حاولت أن تعري الوراق منها وتنسب له الشهوانية والسكر, مع أن الأفكار التي ُلقِنت إياها تقول العكس تماما, إذا الدين هو من فطرة الإنسان.
اقتباس:بإختصار شديد جداً
أحدهما حتماً سيصل الى طريق مسدود !!
وطبعا العلم لا حدود له
وانا مع العلم والعلماء
هذا والعلم هو المستـــعان
كيف يمكن للدين أن يصل إلى طريق مسدود؟ الدين يأمر بالحب والصبر والتضحية والوفاء ومعاداة الأفكار الشريرة... وغيرها من الفضائل, فكيف يمكن لهذه الأشياء أن تصل إلى طريق مسدود؟ هل سيأتي يوم ويثبت العلم أن الأخلاق خطأ؟ وأن النية الطيبة شيء مضر بالمعدة؟ أم ماذا تقصد بالضبط؟ وأيضا, لا يوجد نص في القرآن يعارض العلم بل هو يشجع عليه كثيرا, فالعلم المادي جزء من الدين عند المسلم الحقيقي, وليس ضدا له كما تحاول أن تصور.
ثم لوكنت فعلا مع العلم لما قلت أن العلم لا حدود له, بل لقلت أن الجهل لا حدود له, فالعالم يعلم بجهله أكثر كلما تعلم, ومنطقيا العلم مرتبط بالإنسان ومعرفة الإنسان مهما زادت فهي محدودة فلا يمكن لعقل الإنسان أن يحيط باللامنتهي, إذا العلم محدود, وجهل الإنسان لا حدود له.
لو تأملت ترديد الملحدين لشعار العلم ومحاولتهم لجعله مطلق القدرة لفهمت ماذا قصد الأستاذ الوراق حين قال أن الإنسان هو أصلا متدين. كل الناس بشتى أطيافهم محتاجين للعلم المادي لما يقدمه من تكنولوجيا تسهل حياتهم, وليس فقط الملحدين, لكنهم لم يرددوا أنهم مع العلم في كل حوار وفي كل مناسبة أو غير مناسبة, فهذا شيء معروف بدهيا بين البشر, الكل يريد العلم المادي وثماره كالهندسة والطب والرياضيات ووسائل النقل والزراعة..., ويحترمونها, لكن لماذا الملحد بالذات هو من يواصل ترديد أنه مع العلم وهو من يعلق آمالا عظيمة عليه؟ وهو بالذت من يؤمن بأنه لا حدود له ويمكن أن يجيب على كل الأسئلة؟ فها أنت تقول : "العلم هو المستعان"! ونرى في نفس الوقت أن كل البشر لديهم إجابات عن الاسئلة الكبيرة كالغاية من الوجود ومستقبلهم بعد الموت, إلا الملحدين, فهم الوحيدون الذين يملكون فكرا لا يجيب على هذه الأسئلة, وبالتالي تولد لديهم هذا التوكل على العلم والضخ الشعوري عليه الغير متناسب مع إمكانياته, أي أن العلم يستخدمه الملحد كمهدئ لإحساسه المتدين المشغول بالغايات والغيبيات, وهذا تراه واضحا في المواضيع العلمية التي يركز عليها الملحدون, فهم يركزون على نظرية التطور مثلا, مع أنها ليس لها تطبيقات تفيد البشرية في الواقع كالطب أو الفيزياء, ويركزون على نظرية الانفجار الكبير, وعلى مادية الحياة, وعلى الصدفة الخالقة للكون, وعلى ماهية الوعي والحياة, وغيرها من البحوث التي تدور كلها حول الأسئلة الكبيرة التي يجيب عنها الدين, لو كان الملحد مهتما حقا بالعلم كعلم وليس كإجابة على الأسئلة المعنوية لأعطى كل العلوم حقها من الحماس و المناقشة والبحث, ولم يخصص اهتمامه ببحوث لا تؤتي بفوائد مادية وإمكانية التجربة فيها معدومة. هذه البحوث هي في الحقيقة يحوث دينية وليست علمية, فالملحد خرج شكليا من الدين لكنه لم يستطع أن يتخلص من عاشق الدين في داخله, فإذا طالبه شعوره بالدين اختار الملحد أسوأ النماذج من المتدينين وقال : هكذا يصنع الدين بأصحابه! إذا الدين خطأ, وإذا طالبه إحساسه بالبديل قال: هذا العلم الذي بنى ناطحات السحاب وصنع الطائرات و جعلنا نصل للقمر قادر على أن يأتي بالبديل, كل ما عليك هو الانتظار فالعلم هو المستعان! هكذا أدمن الملحد على الآمال المَرضيّة بالعلم كبديل عن الإله.
.