عن "إسلام المجددين لمحمد حمزة " يتحدث كاتب المقال :
http://www.adabwafan.com/content/thumbnail...moujadidine.jpg
خطاب التجديد الإسلامي بين انسداد الواقع وطوبى النظرية
http://www.almustaqbal.com/nawafez.aspx?StoryID=267027
المستقبل - الاحد 23 كانون الأول 2007 - العدد 2828 - نوافذ - صفحة 15
كرم الحلو
ثمة إسلام جديد ناشئ يفرض نفسه على ساحة الفكر الإسلامي يوماً بعد يوم، إسلام يقطع مع المرجعيات القديمة ويسعى من خلال مساءلات فلسفية ووجودية عميقة الى التفاعل الحي والخلاّق مع الأوضاع التاريخية المستجدة ومع المقتضيات المعرفية الحديثة.
هذا الإسلام هو ما جهد محمد حمزة في "إسلام المجدّدين"، للتعريف به وتبيين خصائصه وموقفه من القيم الليبرالية الحديثة، منبّهاً في مقدمة كتابه الى أن الكثير مما يُنتج تحت عناوين براقة توحي بالتجديد لا يعدو كونه شعارات، أو مسعى لإحياء الشريعة من دون مفارقة البنى والرؤى المتواضع عليها، في حين أن التجديد الذي يعنيه يفارق التصورات الإصلاحية ليشق له طريقاً ثابتة في الفكر الإسلامي الحديث، ويؤكد في الوقت نفسه أن الحداثة الفكرية تخترق الضمير الإسلامي، وأن الإسلام الجهادي ليس الوجه الوحيد للإسلام.
لعل من أهم ما صدر تعريفاً بهذا الإسلام الجديد في رأي المؤلف، دراستان لعبده الفيلالي الأنصاري ورشيد بن زين. في كتابه "إصلاح الإسلام" الذي اعتبره حمزة مرجعاً مهماً للتعريف بالرؤى الجديدة في الفكر الإسلامي الحديث، لرصده وجوه التجديد في هذا الفكر على امتداد ما يناهز القرن من "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرزاق 1925 الى "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" لعبدالمجيد الشرفي 2001، ركّز الفيلالي على علي عبدالرزاق وبرهان غليون ومحمد عابد الجابري وعزيز العظمة ومحمد الطالبي ومحمد شحرور وعبدالمجيد الشرفي وغيرهم، طارحاً إمكانية تصوّر إصلاح إسلامي قوامه إسلام مغاير للإسلام الأصولي، إسلام أكثر روحانية وإنسانية وانفتاحاً على الآخر.
أما رشيد بن زين فقد اهتم في "مفكرو الإسلام الجدد" بمحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وحسن حنفي ومحمد الطالبي وعبدالمجيد الشرفي وفاطمة المرينسي ومحمد شحرور وغيرهم باعتبارهم مصلحين، ملاحظاً الصلة بين خطاب هؤلاء التجددي، وبين التجربة الإصلاحية التي عرفتها المسيحية.
تتحدّد خصائص إسلام المجدّدين في إطار الثورة الحداثية التي أهم منجزاتها على المستوى الإبستمولوجي والفلسفي، الانتقال من "المعرفة التأملية" الى "المعرفة التقنية" والنظر الى الطبيعة باعتبارها خاضعة لقانون العليّة، وإلى التاريخ باعتباره مساراً حتمياً تحدّده وتفسّره عوامل ملموسة، وإلى الزمن بوصفه زمن المستقبل لا الماضي. في هذا المنحى الإبستمولوجي الجديد أضحى الإنسان صانع تاريخه، فسادت العقلانية في ثقافة الحداثة، وطغت الرؤية النسبية الشاملة في كل المجالات، حتى في مجال العقيدة، ما شكّل تحوّلاً جذرياً في المعرفة، وفي فهم الإنسان، وفي تصوّر الطبيعة والتاريخ والزمن، وفي النظر الى الكون والأشياء.
طرحت هذه الحداثة وما أفرزته من بنى ومؤسسات كالديموقراطية والبرلمان والانتخاب، أسئلة على الوعي العربي والإسلامي تتصل بالإنسان والسياسي، وبعلاقة السياسي بالديني، ومدى حضور المقدّس في المجالين الاجتماعي والسياسي، محدثة شرخاً حاداً في الوعي التقليدي القديم. وإذا كان الخطاب الإصلاحي قد تعامل مع هذه الأسئلة بمنطق التوفيق والتلفيق، فإن سؤال المجدّدين المركزين ينحصر في كيفية انخراط المجتمعات الإسلامية في حداثة حقيقية دون رؤية مبتورة لهذه الحداثة ومن دون توفيقية زائفة.
إذا أردنا تحديد أهم سمات إسلام المجدّدين الفكرية، بالإمكان القول إن خطاب التجديد يتجه بنقده الى الذهنية التقليدية الدوغمائية بكثير من الإيمان بحق الفرد في تفكيك مرتكزات هذه الذهنية ومسلّماتها، وبالتأكيد على التنوّع والتعدّد، والبعد عن التوظيف الإيديولوجي للنصوص الدينية، وبتسليط منهج "النقد التاريخي" على التراث، ما يفضي في النهاية الى إدراج الوحي في التاريخ، وإلى القطيعة مع إسلام الفقهاء والمؤسسة الدينية.
وهكذا يمكن القول إن الإسلام الجديد يشكّل موقفاً من النص ومن المعنى ومن الحقيقة. من النص بالتخلّي عن مبدأ النص الثابت الحاوي لكل الحقائق والتعامل معه بوصفه مُنتجاً ثقافياً تاريخياً، وقابليته تالياً للمراجعة والمساءلة. ومن المعنى باعتباره مرناً يتناسب مع درجة الوعي الذي يصل إليه الإنسان، ما يؤول الى إخضاع النص القرآني الى قراءات متعددة ورفض أحادية التأويل.
ومن الحقيقة بوصفها مندرجة في التاريخ الإنساني المتحوّل والنسبي، ما يعني أن كل التأويلات تكشف عن جانب من حقيقة النص ولكنها لا تعبّر عن النص في مجمله.
يتّخذ الإسلام التجديدي موقفاً يتسم بالتضامن الإيجابي مع القيم الحديثة، حيث أجمع المجدّدون على تبنّي الحرية بوجوهها المتعدّدة باعتبارها مكسباً إنسانياً لا غنى للمسلم عنه في العصر الحديث، ما يؤدي حكماً الى رفع الحصار عن العقل، بتجاوز مبدأ الإجماع الذي ساد التاريخ العربي والإسلامي، وفك الارتباط بين الدين والسياسة، وكسر احتكار العلماء مشروعية التحليل والتحريم باسم المتعالي المقدّس. بهذا يتاح للمرء حرية اختيار معتقده الديني، وحقّه في تغيير هذا المعتقد، أو رفض أي معتقد، بما يؤمن للمسلم الاقتناع الحر بالإسلام من دون ضواغط خارجية.
ويرفض الإسلام التجديدي مبدأ القوامة الذي يحرم المرأة من كل سلطة، نافياً أي تراتبية اجتماعية أو طبيعية تنبني على أفضلية الرجل، مؤكداً المساواة، ليس بين المرأة والرجل فحسب، بل بين البشر جميعاً في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الضد من قواعد الفقه المعادية لمبادئ الحرية والمساواة، والتي هي من وضع البشر في سياق تاريخي معين، وليست ذات طبيعة دينية، ولهذا يمكن إصلاحها لتتلاءم مع التطوّر، باعتبار المسلم مثل أي إنسان آخر، صاحب حقوق طبيعية يمثلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في رأي المؤلف أن خطاب التجديد مثّل ثورة فكرية حقيقية في الفكر الإسلامي، بتجاوزه النظرة التقديسية للتراث، وإعادة النظر في المسلمات التي رسخت في الضمير الديني، والتي همشت كل حس نقدي. إن إسلام المجدّدين هو إسلام واعد متنوع، يشكّل مصالحة مع الوعي التاريخي الحديث، ويبدو واثقاً من مواجهة الأخطار الأبسمولوجية والاجتماعية لخطابه، إذ لا سبيل الى استئناف مشروع النهضة العربية من دون مواجهة أسئلتها المؤجّلة وعلى رأسها قضية تجديد الخطاب الديني بما يعيد الى الإسلام صفاءه واحترامه للإنسان.
في رؤية إجمالية الى الكتاب يمكن القول إن المؤلف تميّز بالجذرية والجرأة في طرح قضايا لا تزال في عداد الممنوع أو المحرّم التفكير فيه، من أجل أن يكون للإنسان العربي أو المسلم دور ومكانة في عصر العولمة. إلا أن الكتاب قد أثار أسئلة تتناقض مع العقل الديني في العمق وقد لا تكون مواجهتها ممكنة في الظرف التاريخي الذي تعيشه البلدان العربية والإسلامية، حيث الفقر والأمية يتجاوزان الحد الذي يمكن معه الدخول في نقاش إيديولوجي متكافئ مع المرجعيات الفقهية السائدة يبيّن تيبّسها وتخلّفها عن منطق العصر، وحيث التحدّي الصهيوني يشكّل أكبر تهديد للهوية العربية والإسلامية. فهل يكفي أن نشدّد على تاريخية أحكام الفقهاء كي نقوّض الإيديولوجيا الأصولية السائدة على الساحتين العربية والإسلامية من دون أن يكون هناك تحوّل حقيقي في البنى الاقتصادية والمجتمعية يساعد على نقض هذه الإيديولوجيا وإسقاطها؟ وهل النص الديني قابل للتأويل في المنحى الذي نريده، كما يتطلّع المؤلف، من دون الإخلال بروحه ومقاصده الحقيقية؟ وهل يمكن التوفيق بين المنظومتين الليبرالية والدينية من دون الإساءة الى أي منهما؟
هذه الأسئلة وغيرها مما أثاره المؤلف تبقى معلّقة ومن دون إجابة، إلا أن إثارة الأسئلة قد تحرّض على إيجاد الأجوبة الناجعة.