المجلس العسكري
كمان و كمان
( 4 )
ماهي أخطاء المجلس .
" أن نفقد بضعة آلاف و نحافظ على مصر ، أفضل مئة مرة ألا نفقد أحدآ ثم نفقد مصر ذاتها."
( بالمناسبة هذه الفرعية الخاصة بأخطاء المجلس العسكري منقولة حرفيا من مداخلات سابقة لي !.أعتقد أنه ليس سوى أصحاب الأجندات الخاصة و الإنتماءات غير الوطنية من وجه نقدآ ( جادا ) للمجلس العسكري بهذا الشمول ) .
سياسيا و بطبيعتي القلقة و المتمردة ، لا يمكنني سوى أن أكون معارضا للسلطة أي سلطة ، و بالتالي دائم النقد ( الموضوعي و الوطني ) لأداء المجلس العسكري كسلطة حالكمة ، و ليس كقوات مسلحة مصرية هي الأكثر تضحية وو طنية و إنجازا في المنطقة العربية كلها . يمكنني أن أعدد حشدآ من المداخلات التي فعلت فيها ذلك ، و منذ البداية و في أكثر من موضع خاصة المشاركة رقم 62 من شريطي " إدارة الأمل ( شهر 7 الماضي ) .
http://nadyelfikr.com/showthread.php?tid=42006&page=4
1- أعتقد أن الخطأ الأكبر تحديدا هو في المفهوم CONCEPT و التصور للمرحلة الإنتقالية ، فالمجلس العسكري تصور أن هناك شيئا يعني الإدراة منفصلة عن السياسة ،و أن هناك شيئا اسمه تسيير أعمال لمدة تتجاوز العام و النصف على الأقل ، هذا القصور في التصور أضاع على مصر فرصة تاريخية نادرة ، فلو تصورنا أننا في مرحلة تأسيس لجمهورية جديدة ،و أتينا بأفضل قيادة عليا و أقوى وزارة ممكنة لأنقذنا مصر مما يتهددها بالفعل ،و لما كان لمثل عصام شرف فرصة كي يجلس على مقعد الرئاسة في وزارة لا يديرها .
2- ترتب على ذلك التصور الخاطئ أن ينفرد المشير طنطاوي و معاونوه من الضباط بقيادة مصر في أخطر مراحل تاريخها المعاصر ، بلا أي أهلية ولا خبرة أو كفائة . كون أن القوات المسلحة كانت المؤسسة الشرعية الوحيدة القائمة لا يعني أن تحكم بل أن تحمي و تدعم ، تماما كما حدث في تونس ، ما حدث هنا في مصر أشبه بأن تقوم العضلات بدور العقل . خطأ تاريخي هائل أساء لمصر إساءة بالغة .
3- أرى أن المجلس افتقد الحزم و العزيمة و الإرادة ، و كان رخوا للغاية في التعامل مع القضايا الأمنية و التجاوزات ، وهو في ذلك إمتداد للدولة المباركية الرخوة ، و ذلك تحت شعار الرفق بالشعب و تحمله ، كما أعلن رجل بخور و ميوعة شرف ، و لكني أرى أن احترام النظام و تفعيل القانون هو قمة الرفق بالشعب ، أن نفقد بضعة آلاف و نحافظ على مصر أفضل 100 مرة ألا نفقد أحدآ ثم نفقد مصر ذاتها .
إن الشعوب في مثل هذه اللحظات تبحث عن القوة و الأمن و الحزم و تقدرها ،و لكنها لن تحترم التراخي و ستراه ضعفا و تمتطي السلطة الضعيفة و تعبث بها و بالدولة ،وهذا ما حدث حرفيا .
4- أداء المجلس العسكري للمرحلة الإنتقالية بشكل عام أراه كارثيا لأبعد مدى ، فالمجلس لم يستطع أن يبلور لا الرؤية النافذة و لا خريطة الطريق السديدة التي تهيأ له قيادة المرحلة الإنتقالية بكفاءة . بالتالي سنجد أن المجلس خلال الأشهر الطويلة الماضية قد عانى من الارتباك ، و الارتجال في قراراته . إضافة إلى ذلك لم يجد المجلس طرفا مسئولا يحدد له ما المطلوب بالضبط ، وما هي الأولويات التي يتعين الالتزام بها ولم يفكر في تكوين مجلس استشاري سوى متأخرا جدا . ولحل ذلك الإشكال فإنه لجأ إلى اجتهادات أعضائه من ناحية وإلى سلسلة الحوارات التي أجريت مع مختلف الفرقاء والخبراء من جهة ثانية، ومن الواضح أنهم جميعا غرقوا في بحر الاجتهادات والآراء التي حصلوها خلال تلك الحوارات ، التي كان معظمها أقرب إلى حلقات الثرثرة منها إلى جلسات العمل.
5-
أخطأ المجلس العسكري في طرح قضية الدستور ابتداء و انشغل الجميع في قضية وهمية مثل الدستور أولآ أم الإنتخابات ، بينما كان يمكنه ببساطة إجراء تعديلات على دستور 1971 و المضي في إعداد الدولة و إجراء الإنتخابات . أما الدستور فيكون من مسئولية النظام الجديد ،و يمكن أن يرحل لعامين أو ثلاث بلا أي صعوبة .
6-
أضاع المجلس وقتا ثمينا في جهود تحويلية قليلة أو منعدمة القيمة مثل التحاور مع جماعات التحرير ، أو مع شخصيات عامة مغامرة و إنتهازية بلا أي قاعدة جماهيرية أو تأثير ،و ذلك على حساب الواجبات الملحة مثل فرض القانون و الأمن و تنشيط الآلة الإقتصادية .
7- افتقاد رئيس المجلس و أعضائه الحد الأدني من المهارات و التكتيكات السياسية ،
فالمجلس محترف في فقد الأصدقاء و اكتساب الأعداء ، وكل من تعاون أو اقترب من المجلس العسكري دفع ثمنا باهظا و شعر بأنه غرر به ،و أن المجلس تخلى عنه عند أول منعطف ، هل نتحدث عن السلمي و يحي الجمل و أسامه هيكل و حواس و .... الخ . نعم و أكثر كثيرا .
8- لأن المجلس العسكري يقف وحيدا بلا رصيد من قوى شعبية أو سياسية يعتمد عليها ، و يستند فقط على رصيده المعنوي و دوره في تأمين الثورة ، هذا الرصيد اخذ يتناقص باستمرار ، وهذا أضعف موقفه في مواجهة الضغوط الداخلية التي لا يستهان بها، خصوصا إذا أدركنا أن تلك الضغوط صادرة عن طرف في غطرسة و تخلف بقايا جماعات التحرير أو في جلافة السلفيين.
هذا جعل المجلس يرحب بما يعرضه الإخوان المسلمون من دعم ، وهذا ما أثار حساسية بالغة ليس في شباب التحرير فقط ، بل لدى القوى السياسية العلمانية الأخرى ،و لكن بدلا من تفهم حساسيات المجلس العسكري ، بادر كثير من القوى العلمانية بالهجوم على المجلس ،
و وصل الأمر ببعض المتطرفين من منتسبي التحرير إلى محاولة " غزو " مقر المجلس في يوم عيد القوات المسلحة كما حدث تماما مع الشرطة !، أو القيام بالعصيان المدني .
9- إنفراد المجلس باتخاذ قرارات مصيرية تؤسس للمجتمع المصري ، هذه القرارت تتجاوز زمنية المجلس كسلطة مؤقتة ،و بالتالي كان من الواجب استشارة القوى السياسية الفعالة قبل اتخاذها .
10- غموض بعض المواقف والقرارات الهامة التي يتخذها المجلس ، مثل حركة المحافظين و قوانين الإنتخاب و ... ، كذلك التأخر في محاكمة المسؤولين عن الإنهيار الأمني ،و الخارجين عن القانون و العناصر التي هاجمت المؤسسات اظلمنيةالأمنية .
11- هناك أخطاء قاتلة سقط فيها المجلس العسكري مع سقوط النظام ، هذه الأخطاء أصبحت قيودا قيدنا بها أنفسنا . أخطرها هي قلب الأوضاع و بالتالي إدانة جهاز الشرطة كله ، رغم أنه من أكثر الأجهزة التي تتحمل مهام ثقيلة في مصر و التي يستحيل الإستغناء عنه ، و هكذا أصبحنا في مواجهة مشهد غاية في الغرابة ، الضباط يحاكمون و المجرمون و اللصوص طلقاء بل هم من يوجهون الإتهامات .
12-
نحن فقط في هذا العالم نحاكم من يدافع عن منشآت الدولة و أقسام الشرطة و يحمى السجون من الإقتحام و نعتبرهم قتلة ، في الوقت نفسه نعتبر من يحرق أقسام الشرطة و يقتحم السجون ثوارا و أبطالا و قتلاهم شهداء . النتيجة هي أن فقد جهاز الشرطة الثقة في الواجب و فقد الإحترام للشعب و قياداته ، هذا الشرخ لن يمكن إصلاحه على الأقل خلال جيل كامل ، خلال هذا الجيل لن تعرف مصر الأمان مهما بذلنا من جهد ، فالشرخ غير قابل للعلاج طالما يوقن ضابط الشرطة أنه لو قام بواجبه سيحاكم .
13- المنزلق الثاني الذي لا يقل عن الأول جسامة فهو محاكمة المسئولين السابقين خاصة ممن ينتمون للإصلاحيين . فماهو الدافع لأي مسئول أن يتخذ قرارا جريئا سيدفع ثمنه بهدلة و محاكمات و حتى أحكاما ثقيلة بالسجن ، لأنه ببلاغ تافه سيقف أمام قاضي لا يفهم شيئا عن القرارات الإقتصادية ،و بالتالي يقوم بإدانة أي قرار ثوري فيه مصلحة للبلد طالما لا يتلائم مع السلوك البيروقراطي المتعفن الذي يراه القضاة مقبولآ بل و صحيحا متمشيا مع فرمانات الهكسوس .
14- لقد صنعت البيروقراطية الحاكمة عفريتا تحتفظ به في جيبها كي تخرجه لكل من يفكر في الخروج على النص و أداء واجبه بكفاءة . و عصام شرف هو نموذج صارخ للبيروقراطية المصرية التي ترتعب لحد الهلع من العفريت التي خلقته هي و تحتفظ به في جيبها على الدوام ، ثم يسمونها ثورة !.
15- مما زاد الأمر سوءا
سقوط الإعلام المصري في الفوضى و السوقية ،و إتجاهه إلى الإثارة والتهييج على حساب الموضوعية والمسئولية ،و بدلآ من أن يكون أداة تجسير بين القوى الوطنية أصبح أداة للوقيعة وسوء الظن .
16- صدور بعض التصريحات الانفعالية والغاضبة عن بعض أعضاء المجلس العسكري .
17- ضيق الصدر الذي يبديه بعض أعضاء المجلس تجاه نقد الآراء التي تصدر عن بعض أعضائه ، رغم أن هذا النقد ممارسة طبيعية تجاه السلطات السياسية في العالم كله ،ورفض النقد بالنسبة للسياسي هو ديكتاتورية صريحة لا يقبلها أحد . و لعل من التكرار أن نقول كم كره الجميع ذلك التشدد الذي يبديه بعض أعضاء المجلس العسكري في خطاب يتحدث بعبارات مثل أننا "لن نسمح" بكذا وكذا " ، فهذه العبارات لن يقبلها شعب ثائر .
18- المشكلة الأخرى أن قنوات الاتصال بين السلطة والمجتمع كانت إما معطوبة أو مسدودة ومشبوهة. ولم يكن أمام المجتمع من حل يسمع به صوته للمجلس الذي تولى السلطة سوى أن يسلك أحد طريقين،
فإما أن يخاطبه من خلال الإعلام أو يبادر بالنزول إلى الشارع. وكل منهما لا يخلو من مغامرة ذلك أن البعض احترفوا ممارسة الثورة من خلال الظهور على شاشات التليفزيون. أما البعض الآخر فقد استسهلوا التنادي للنزول إلى الشارع والاعتصام بالميادين. ولم يكن بوسع أي أحد أن يعرف ما الذي يمثله الذين جذبتهم أضواء التلفزيون، وما هي حقيقة الجموع التي احتشدت في الميدان. من منهم الذي أسهم في الثورة ومن منهم انتسب لها ودفعه الفضول إلى الالتحاق بالحشود المجتمعة في الشارع. من الذي دفع الثمن، ومن الذي ركب الموجة بالمجان.
يبقى السؤال الأهم .. ماذا نرتب على ذلك كله ( كما يقول بهجت عادة !) .. أو ماهو العمل في مواجهة أخطاء المجلس العسكري ؟.
تلك قصة أخرى ..
إذا للموضوع بقية .. أيضا مما سبق أن كتبته في نادي الفكر تحديدا .