(09-13-2010, 11:22 PM)ابن نجد كتب: يا الغالي انت تنزع شخصية تاريخية من سياقها التاريخي بشكل غير مقبول ، هذه الشخصية كانت موجودة قبل 3 قرون عندما كانت كل دول العالم ملكية ديكتاتورية وخصوصا جيران الجزيرة ، فكلامك هذا يصح لو كان موجها لحكام السعودية المتأخرين .
ثم ان المؤسس ابن عبدالوهاب جاء ببيئة معزولة ومنسية ومحتقرة ونائية ومهمشة من كل اخوانها العرب ، حتى ان التمر - رغم فقرها المدقع - يؤخذ من واحاتها ليأكله حكام اسطنبول ، فتخيل !
انا اتفهم رؤيتك جدا ، لكنك لم تعش بهذه الصحراء كي تستوعب البطولة النوعية لامثال ابن عبدالوهاب .
لكي ننتقد هذه الشخصية نقدا محايدا وموضوعيا يجب ان ندرس البيئة والظروف والصعوبات قبل ان نقفز لاحكام جاهزة مسبقا ، فإسقاط معطيات الحاضر على 3 قرون مضت لايقبله اي منطق .
شظف العيش في الجزيرة لا يبرر للمتخلف تخلفه وللزميت تزمته ولا حتى للكافر الفاجر كفره وفجوره. فالجزيرة، على مدى تاريخها، عرفت الكثير من العقائد والمذاهب والأيديولوجيات المختلفة دون أن يكون للصحراء وغلظة العيش فيها تأثير يدفعها إلى هذه الظلمة التي تغرق فيها منذ 3 قرون.
الجزيرة، قبل الإسلام، عرفت اليهودية والمسيحية والحنيفية والشرك من عقائد إيمانية، وحرية الأديان في الجزيرة قبل الإسلام كانت عادية جداً ومكفولة جداً. عرفت الجزيرة الحرية الدينية إذاً وعرفت الخز والديباج والملك والسؤدد من خلال بضعة ممالك قامت بها أو قامت على تخومها (كنده، لخم، غسان .. إلخ). بل انها، في العصور الإسلامية، الأحادية المظلمة نوعاً ما بالقياس إلى ما كان في الجزيرة من تعدد، عرفت شيئاً من "اللين الأخلاقي" في الحجاز (مكة والمدينة بالذات) وصدور متسعة "للآخر المختلف" كانت تضيق بها دمشق وبغداد في أكثر من ناحية.
شخصياً أعتقد بأن "عرب الجزيرة" مبدعون متميزون متمايزون، لكنهم ظُلموا - أو هم ظلموا أنفسهم وظلمونا معهم - مع دعوتين خرجتا من عندهم، ثانيهما تتمثل بما ندعوه "الوهابية".
الشيخ "محمد بن عبدالوهاب" لم يكن إلا شخصاً برأس صغير وجمجمة ضيقة وصدر عطن وعدوانية سافرة، فكيف نستطيع أن نحترمه اليوم (ناهيك طبعاً عن تعظيمه وتبجيله)؟ وهل نحترم "أيديولوجيته" أم نحترم الإنسان فيه؟
على صعيد "الأيديولوجية" فإن الرجل أصل كل تزمت حديث في الجزيرة اليوم، وأصل كل هيئة "للأمر بالبتنجان والنهي عن الرمان". إنه خلف "تكييس المرأة" و"طاعة ولي الأمر العمياء" ومحاربة أي "تعددية" ممكنة في عصر لا مفر من التعددية فيه بحكم ضيق المكان. إنه صاحب الأيديولوجية الخانقة العدوانية الهمجية المتمثلة بشعار "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"؛ هذا الشعار الذي أفرز لنا في يومنا الحاضر، وبمساعدة ومعونة "إخونجية"، "اسامه بن لادن وأيمن الظواهري" وأصحابهم الغر الجحاجح من أصحاب "غزوة منهاتن" "ولا تجي أنا رايح".
الكثيرون في عالمنا يحترمون "أرسطو" و"أفلاطون" و"سينيكا" و"ابن سينا" و"ابن رشد" و"هوبس" و"لوك" و"روسو" و"نيوتن" ... إلخ نتيجة لعقولهم الفذة وفلسفاتهم السامقة، فهل كان عند "محمد بن عبدالوهاب" مثل هذا العقل الراجح كي نحترمه ولو قليلاً على مجهوده الفكري؟ أعتقد بأن الجواب واضح !!
رجل لا نستطيع أن نحترمه على "انفتاحه" لأنه "الانغلاق" متجسداً، ورجل لا نستطيع أن نحترم مجهوده الفكري لأنه التخلف والتأزم والتزمت روحاً وقلباً وعقلاً، فعلى ماذا نحترمه بالضبط؟ على انجازه السياسي؟ ماشي، ولكن ماذا أنجز "الشيخ الزميت" بالله عليكم؟
أنجز، بمعاونة آل سعود، دولة في الجزيرة صارت في القرن العشرين تسمى "مملكة الظلام"، فهل هذا انجاز جدير بالاحترام؟
دولة ديكتاتورية مستبدة متخلفة، مبنية على أسس دينية متعصبة، لا علم فيها ولا متعلمين، ولا مسرح فيها ولا سينما ولا فنون تشكيلية ولا أدب ولا أدباء ولا آداب. دولة لا تستطيع بها امرأة أن تقود سيارة. دولة تنتشر بها "شرطة الضمائر" وتُساق فيها الناس إلى الصلاة مثل الخراف. دولة يهدر بها دم المعارض ودم الذي يقتنع بدين غير دين رجالها النافذين. دولة اقتطعت "الجزيرة العربية" من خارطة الشرق الأوسط وسمتها باسم اسرة من أسرها، فهل هذا مدعاة للاحترام حقاً؟ لماذا؟
قد تأخذ بعض إخواننا في الجزيرة "العزة بالإثم" فيرون أنه لو لم يكن إنجاز "لمحمد بن عبدالوهاب" و"ابن سعود" إلا إنشاء دولة موحدة لعرب الجزيرة فهذا يكفيهم!! وهذا عندي هو السهم الطائش والرأي الخاطيء الخطل. إذ أن أية دولة ممكنة كانت لتستطيع أن تكون أفضل من "مملكة الظلام" هذه في جميع الميادين في الماضي، فكيف مع الثروة النفطية الهائلة الموجودة اليوم؟
أخيراً، أكتب ما أكتبه هنا ليس كرهاً بالجزيرة العربية وأهلها وناسها الذين أعتبرهم أخوتي في كل شيء، وأحترم بهم العادات البدوية القديمة ومكارم الأخلاق الاصيلة التي ورثوها كابراً عن كابر (الشجاعة والحلم والسماحة والندى وووو إلخ)، والتي بقيت الأمل الوحيد وقبس النور الباهت الأخير في الجزيرة بعد ظلام "الوهابية" في القرون الثلاثة الماضية.
واسلموا لي
العلماني