الحرب الإعلامية اللبنانية.. «عود على بدء»
معارك إخبارية تعكس الواقع السياسي وتنضح تحريضا مذهبيا وطائفيا وسياسيا
بيروت: كارولين عاكوم
«عود على بدء» في الواقع الإعلامي اللبناني المسيس و«حرب إعلامية» تختصر الواقع السياسي المتأزم والمتردي الذي قد ينفجر في أي وقت ممكن إذا لم يتم اتخاذ القرار المناسب للعودة إلى التهدئة التي كان قد بدأ العمل بها بعد اتفاق الدوحة عام 2007، وإن خرقتها بعض التجاوزات التي بقيت إلى حد ما تحت السيطرة.
فالمعارك السياسية تدور رحاها بـ«أسلحة إخبارية شرسة» على منابر وسائل الإعلام بشكل عام والمحطات التلفزيونية بشكل خاص التي تشكل الأداة الأساسية والناطق الرسمي بلسان كل من فريقي 8 و14 آذار.
المراقب للمحطات اللبنانية التلفزيونية التي تنتمي كل منها إلى الفريقين المتخاصمين ولا سيما قناتي «المنار» التابعة لحزب الله و«المستقبل» التابعة لتيار المستقبل، يلمس مدى هذا التطرف السياسي بدءا من المقدمات الإخبارية «البدعة اللبنانية» التي تختصر الموقف السياسي للمحطة مرورا بالتقارير الإخبارية التي تنضح بتحريض مذهبي طائفي سياسي خطر. ففي حين اختارت قناة «المستقبل» عبارة «محاولة الانقلاب» مرفقة بصور للواء جميل السيد والنائبين في حزب الله محمد رعد ونواف الموسوي ورئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون كي تكون العنوان الأساسي الذي تتمحور حوله التقارير الإخبارية ومواضيع البرامج السياسية التي ستعالج في هذه المرحلة الوضع السياسي القائم، افتتحت مثلا نشرات أخبارها ليوم أول من أمس بمقدمة تطرح السؤال ماذا بعد؟ مشيرة إلى أن «الناس مذهولون من إشهار حزب الله سلاح المقاومة حماية لجميل السيد، غير عابئ بقدسية هذا السلاح وتعهده بعدم الزج به في خصومات سياسية داخلية. فبأسلحتهم خرجوا إلى الضوء لنصرة جميل السيد ولإدخاله في جنة اللادولة واللامؤسسات، وهم استبقوا هذا كله منذ فترة بخطة شل مجلس النواب عبر تمييع إقرار الموازنة، ولمحاصرة السرايا الحكومية، بتسريبات وتهديدات مباشرة». أما خريطة التقارير الإخبارية فبدأت بدورها بتقرير يلقي الضوء على استقبال نواب حزب الله بمواكبهم ومرافقيهم المسلحين في مطار رفيق الحريري الدولي تحت شعار «اجتياح المطار» والتهديد بـ«7 أيار» جديد. وفي المقابل، تأتي مقدمات نشرات قناة «المنار» الإخبارية لتلقي اتهاما مضادا يصف تصرفات الفريق الآخر بأنه «انقلاب على معادلة الاستقرار وإفلاس النطق بالحقيقة مقابل المنطق، وإفلاس شجاعة التصرف بعد الاعتراف مقابل القرائن، وإفلاس الجعبة السياسية إلا من سلاح التحريض المذهبي مقابل الوقائع الدامغة». ثم يأتي أيضا أحد تقاريرها «الاستفتائية» من الشارع اللبناني ليطرح الأسئلة على المواطنين حول رأيهم في المحكمة الدولية ويعكس إجماعا شاملا من دون أي استثناء، حول رفضهم للمحكمة.
وعلى الرغم من كل ما يعكس عنه هذا الواقع الإعلامي و«كواليسه الظاهرة إلى العلن» من «معارك» بين طرفي النزاع الإعلاميين يبقى الجامع بين المسؤولين عن الأخبار في المحطتين هو رفضهما وصفه بالـ«الحرب الإعلامية» مع تأكيدهما على أنهما ينقلان الواقع. وفي هذا الإطار، يعتبر مدير الأخبار والبرامج السياسية عماد عاصي أن القناة لا تخوض حربا ضد أحد بل إنها تقوم بعملها الإعلامي بنقل الواقع كما هو ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من ناحيتنا لا نخوض حربا ضد أحد. لسنا مسلحين ولا نملك سلاحا، مهمتنا فقط هي أن نوصل الخبر إلى الجمهور كما هو». ويسأل: «هل نقلنا لهذا الواقع من اجتياح المطار وضرب السلطة القضائية بإعلان حزب الله نصرته لجميل السيد هو افتراء؟ ما قاموا به هو باختصار محاولة للانقلاب على الدولة بدأت من استهداف رئاسة الحكومة ووصلت اليوم إلى القضاء للوصول إلى هدف واحد وهو الانقضاض على المحكمة الدولية تحت عناوين متعددة». وفي حين لا ينكر عاصي أن الإعلام في لبنان هو الأداة الرئيسية في هذا الصراع السياسي اللبناني، يشير إلى أن الموضوعية هي نسبية في وسائل الإعلام ويقول: «نسعى قدر الإمكان أن نكون موضوعيين ولكننا أمام هذا الواقع وهذه الهجمة المبرمجة على مؤسسات الدولة لا يمكننا أن نبقى على الحياد».
من جهته يرفض مدير الأخبار في قناة «المنار» علي الحاج إبراهيم إطلاق تسمية «الحرب الإعلامية» عما يحصل في هذه الفترة في الإعلام اللبناني ولا سيما بين قناتي «المنار» و«المستقبل»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام ليس إلا مرآة لما يحصل على أرض الواقع السياسي في لبنان، وما نقوم به هو نقل هذه الأحداث ومستجداتها وما يترافق معها من مواقف سياسية صادرة عن الطرفين. لكن تبقى مقدمة النشرة هي وجهة النظر السياسية التي نتبناها تاركين الحكم الأخير للمشاهد من خلال التقارير والأخبار التي تحتوي عليها نشرة الأخبار». ويعتبر أن الموضوعية نظرية لم تعد سارية المفعول في الإعلام، مشيرا إلى أن ما تقوم به قناة «المنار» هو «بروباغندا ذكية» مقابل «بروباغندا فاقعة» ينتهجها الطرف الآخر، من دون أن ينفي «ميل الدفة إلى فريق سياسي يتوافق مع الوجهة السياسية لمحطة (المنار)، أكثر من فريق آخر»، مضيفا في الوقت عينه «لا نضخم الأمور ولا نقوم بدور المحرض ونحرص أن لا نبث الفتنة المذهبية أو الطائفية».
وفي حين يعتبر أنه على الإعلام أن لا يكون محرضا يقول: «نسعى دائما إلى التوازن ولكن لا يمكننا أن نكون طوباويين في بلد ليس كذلك».
التصعيد بين «المستقبل» وحزب الله على حاله والأمم المتحدة قلقة على استقرار لبنان
فتفت لـ«الشرق الأوسط»:
الحريري لن يتنازل عن المحكمة الدولية حتى لو ضحى بمنصبه
بيروت: يوسف دياب
بقي الوضع اللبناني موضع متابعة وترقب داخلي وإقليمي ودولي في ضوء حملة التصعيد المتبادلة والأولى من نوعها منذ أحداث السابع من مايو (أيار) 2008، بين حزب الله وبعض حلفائه من جهة وتيار المستقبل وحلفائه من جهة أخرى، وعلى الرغم من بعض المساعي الهادفة إلى تبديد أجواء التشنج بين الطرفين، لم يشهد الخطاب السياسي لكلا الطرفين تراجعا ملحوظا وحافظ على وتيرته التصعيدية وإن كان منسوب التصريحات أمس أقل من الأيام التي سبقته.
في هذا الوقت، عبر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل ويليامز، إثر زيارته لوزير الخارجية اللبناني علي الشامي عن قلقه حيال الاستقرار في لبنان، وقال «تطرقت خلال حديثي مع الوزير الشامي إلى التدهور الأخير والتوتر الحاصل في لبنان. وأبلغته أن هذا الأمر ولد الشعور بالقلق حيال الاستقرار في لبنان، وأن الأمم المتحدة لا تزال تصر على أن أي اختلاف يجب أن يحل عبر الحوار الهادئ والعقلاني بين كل الفرقاء وعبر عمل المؤسسات في لبنان». ورأى أن مشاركة الرئيس اللبناني ميشال سليمان في النقاش العام في الجمعية العامة «يمثل فرصة هامة جدا للبنان لا سيما في ظل العضوية الحالية للبنان في مجلس الأمن الدولي، وسوف تكون فرصة أيضا لبحث تطبيق القرار 1701».
أما على صعيد المواقف السياسية، فقد أوضح عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت، أن تيار المستقبل «لم يكن سببا للعاصفة السياسية التي شهدها لبنان، إنما كان في موقع الرد على الهجوم الذي يتعرض له»، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لدى تيار المستقبل ثوابت لن يتنازل عنها إطلاقا، وأهمها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»،
وأوضح أن «الرئيس سعد الحريري قال خلال ترؤسه اجتماع الكتلة الأول من أمس لن أتنازل عن المحكمة الدولية، حتى لو كلفني الأمر رئاسة الحكومة، أو عرضني ذلك لمخاطر أمنية، ولدي في الوقت نفسه إصرار على العلاقات الجيدة مع سورية من دولة إلى دولة، وإصرار على مشروع الدولة في لبنان»، ورأى فتفت أن «التهدئة مرتبطة بالطرف الآخر الذي يأتي التصعيد من جهته». وردا على سؤال أين تقف سورية مما يجري في لبنان، سيما أن حلفاءها طرف في التصعيد، قال فتفت «لنكن واضحين إن النظام السوري يعمل ما فيه مصلحته ومصلحة بلده، في المقابل علينا كلبنانيين أن نعمل لمصلحة بلدنا، ومن المؤكد أن في لبنان من هو منزعج من فتح صفحة جديدة مع دمشق، لكن لن نمكنهم من تعكير هذه العلاقة». وذكر بأن «أطرافا لبنانية محسوبة على سورية غير مؤيدة لما يجري، وهناك صورة طبعت في الأذهان، إذ أن جميل السيد بدأ هجومه (على الحريري والمستقبل) بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن عون فتح النار بعد لقاء صهره الوزير جبران باسيل مع الرئيس الأسد أيضا، وفي النتيجة سورية هي التي تقرر ما تريده، ونحن لم نلمس أي شيء سلبي من سورية». ولفت فتفت إلى أن «الرسالة التي سيوجهها الرئيس سعد الحريري إلى اللبنانيين خلال الساعات المقبلة، ستتضمن عناوين عدة وهي التزامه بثوابته الأساسية وفي مقدمها المحكمة الدولية، والتزامه بحلفائه وبتحالفاته وبالدولة وبالعلاقات اللبنانية السورية من دولة إلى دولة».
من جهته رحب عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري بـ«العودة إلى الخطاب الهادئ»، وقال «نحن دعاة هدوء وتنظيم الخلاف مع الآخر ونحن دعاة حوار ديمقراطي، وكنا نأمل أن نسمع من حزب الله تعليقا واحدا عما قاله اللواء جميل السيد عن الرئيس سعد الحريري، كما أن الفريق الآخر تهرب من نقاش الصورة التي رأيناها في المطار لدى استقبال السيد». وإذ أشار إلى أن «تيار المستقبل لم يتراجع في أي لحظة عن الالتزام بالبيان الوزاري»، أكد أن «البيان الوزاري يجب أن يكون بعيدا عن أي تجاذب سياسي، ونحن ملتزمون بكامل بنود هذا البيان من المحكمة الدولية إلى العيش المشترك والسلم الأهلي والتهدئة». مشيرا إلى أن «الرئيس الحريري شدد في جلسة الكتلة على أن لا تراجع عن المحكمة الدولية، ولا تراجع عن الانفتاح في العلاقة مع سورية وما قاله لصحيفة (الشرق الأوسط)، كما أكد التمسك بكل الحلفاء خصوصا في (14 آذار)، والانحياز الكامل لمنطق الشرعية والجيش».
وأسف رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون «لعدم وجود الدولة في المطار التي تسمح بحصول هكذا استقبال لشخص مطلوب إلى العدالة، (جميل السيد) ولا أفهم ما حصل». وقال بعد لقائه البطريرك الماروني نصر الله صفير «كنا نأمل من الأشخاص الذين استقبلوا جميل السيد أن يكونوا قد توصلوا إلى درجة من الفهم والإدراك بأن عملا من هذا النوع سيعطي نتيجة سلبية كليا على البلد، وإذا كانوا يظنون أنفسهم أنهم يعيشون في غابة، فليعيشوا في مكان آخر، وليتخلوا عن الوظائف والمسؤوليات التي يشغلونها في الدولة». أضاف «أنا لست متخوفا من موضوع السلاح، لأنهم استعملوه في الماضي وفهموا أن لا أحد راض عن استعماله في الداخل، وكلما استعملوا قوتهم وعضلاتهم مختبئين وراء سلاحهم ستنكشف المقاومة».
وأكد عضو كتلة المستقبل النائب كاظم الخير أنه «ليس من مصلحة أحد محليا وإقليميا أن تندلع فتنة في لبنان»، وحذر من أنه «في اليوم الذي تقع فيه الفتنة سيكون التطرف سيد الموقف»، مشددا على أن «الاحتكام إلى السلاح واستخدامه سيضر بالمقاومة قبل غيرها». ورأى أن «اللقاءات بين اللبنانيين ضرورية (في إشارة إلى احتمال لقاء الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله) لا سيما من أجل كسر الجليد جراء التصريحات». ودعا إلى «عدم وضع شروط لعقد مثل هذه اللقاءات»، وطالب بضرورة «توثيقها لإطلاع اللبنانيين عليها، والعودة إليها عند الضرورة في حال أخل أحد بمضامين هذه اللقاءات وعكر جو التهدئة الذي كان سائدا».
في المقابل اعتبر عضو كتلة حزب الله النائب علي فياض أن «أخطر ما يواجه منطق الدولة هو المنطق الطائفي، وأن الطرف الآخر هو من يستخدم هذا المنطق»، داعيا الجميع إلى «العودة إلى منطق الدولة والمؤسسات». وأشار إلى أن «كل ما حصل في مطار بيروت كان بالتنسيق مع الأجهزة الرسمية، وقال «نحن نلاقي الهدوء بالهدوء ولكن لا يمكن أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة هدوء بل هي مرحلة انتقالية»، مؤكدا أن «كل محاولة لإثارة الفتنة هي استهداف للمقاومة». وسأل: «لماذا لا يفتح ملف شهود الزور قضائيا وما الذي يؤخره؟»، معتبرا أن «شهود الزور والمحكمة الدولية موضوعان ملتصقان ببعضهما البعض، وأن القضاء الدولي قضاء منحاز».