اقتباس: العلماني كتب/كتبت
شخصياً، أعتبر اللغة العربية أكثر اللغات تطوراً على الإطلاق، فهي الأكثر طواعية وليونة ومرونة، وهي الأصفى جرساً ووزناً وموسيقى. ولعل أي قاريء للشعر الأجنبي (الانكليزي أو الفرنسي مثلاً) يلاحظ هذا العنت في "انسيابية" الأبيات و"قلة التدفق" الذي يعروري قرائح فياضة لشعراء كبار. فترى الكاتب لا يستطيع أن يحافظ على القافية إلا لمدى محدود لا يتعدى بضعة ألفاظ قليلة، وغالباً ما يكون حفاظه على وحدة الرويّ مصطنع متكلف لأن اللغة ومفرداتها لا تتيح له ما يرومه طبعه.
اسمح لي، عزيزي، أن أختلف معك.
اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات تعقيداً و لاانتظامية؛ فإلى جانب استخدامها لنظام فريد هو الجذر، فإن المورفولوجيا الخاصة بها شديدة التعقيد، خصوصاً مع امتلاك العربية لنحو 23 تركيبة مورفولوجية للفعل المنتظم الواحد في الأزمنة المنتهية و الحالية، بينما الانكليزية ـ مثلاً ـ تمتلك ثلاث تركيبات فقط.
لكن، برأيي، فمصدر قوة العربية ـ و مصدر تعقيدها أيضاً ـ هو نظام الجذر الثلاثي كما أسلفت، و القدرة اللامحدودة على الاشتقاق و النحت منه.
نأتي للنطق. من الإجحاف أن تتحدث عن لغة تمتلك ثلاث حروف متحركة و لا نمطية في المقاطع الصوتية بصفتها ’الأصفى جرساً و وزناً و موسيقى‘. فونيطيقياً، هذه المرتبة محجوزة لليابانية و بعدها الإيطالية بدون أي منازع؛ اليابانية [تملك 5 حروف متحركة صافية، من دون أي دايفثونغ على الإطلاق] لاعتمادها على تركيبة المورا morae في كل مقاطعها دون استثناء، فتجد كل الكلمات اليابانية مبنية على أساس CV [حرف ساكن يليه حرف متحرك]، و قابلة تماماً و دائماً للوزن على تفعيلة 4 (فعلن) و بحر المتدارك (4444، فعلن فعلن فعلن فعلن) و إيقاع الخبب (2222، فعلن فعلن).
الإيطالية [تملك 7حروف متحركة صافية، مع 14 دايفثونغ] أيضاً تطبق نظاماً مقارباً، لكن لا يصل في النمطية إلى الدرجة المطلقة المتوافرة في فونيطيقا اليابانية. لكن الإيطالية القياسية تحتفظ بالستريسّينغ المميز لمقطع واحد في الكلمة.
العربية على الناحية الأخرى مليئة بإشكاليات الفونوتاكتيك، مثل استخدامات السكون، و الفونيطيقية، مثل تركيبات ض إلخ. لكن تظل أفضل من البولندية و الصينية مثلاً.
نأتي لتطور الغرامار. هنا تنفرد التركية بالمرتبة الأولى دون منازع بطبيعتها الـagglutinativeـية. لا توجد قواعد شاذة و لا لاانتظامية تقريباً على الإطلاق. نظام الكونجيوكيشن (الصرف؟) موحّد و مستقر بالكامل، و غيرها من المزايا التي تجعلها سهلة التعلم، على عكس العربية التي تملك مقاربات معقدة بالمقارنة.
بخصوص مقاربتك الشعرية للأمر، فلا أعتقد أن تطبيق نماذج فردية يصلح هنا؛ لو أن من قرأت لهم من شعراء الفرنسية و الانكليزية لم يتمكنوا من المحافظة على القافية إلخ فهذا يعود إلى كونها من تقنيات الشعر العربي؛ هم يستخدمون أنظمتهم الخاصة مثل النظام المتري كما تعلم. هذا لا ينفي أبداً أنه لو جاء شاعر انكليزية أو فرنسية و قرر تطبيق العروض العربي باستخدام لغته فإنه لن ينجح، بل بالعكس، سينجح لأن اللغتين تملكان الإمكانية لإحداث ذلك بالفعل.
بالمناسبة، ملاحظتك تنطبق على الكثير من الأشعار و الكتابات العربية أيضاً :)
خطابك، عزيزي، يتجاهل علم الصوتيات بشكل يضع حجته بالكامل في نطاق الشوفينية العربية العنصرية البغيضة.
اللغة العربية ـ مثل أي لغة ـ لها مميزات و عيوب، و لا يوجد أي مبرر تقني يجعلها أفضل من اللغات الأخرى بشكل عام. الشيء الوحيد هنا هو التفضيل preference الذي نمارسه باعتبارها لغتنا الأم، و لو كنا ألماناً لفضلنا الألمانية على العربية في الممارسة دون تفكير.
[ملحوظة: استخدامي لكلمة ’حرف‘ هنا جاء لتسهيل القراءة على غير المختصين. لكن ما أقصده هو الفونيم phoneme.]
[إضافة]
على سبيل استغلال المشاركة:
أنا ضد فرض الفصحى. هناك من لا يملكون ناصية اللغة الفصحى أو لا يرتاحون في استخدامها، لكنهم يملكون فكراً يريدون التعبير عنه.
هذا نادي الفكر العربي، و ليس نادي العربية الفكري، و لا نادي الفكر - آرابيك إيديشون.