الاتجاه الثاني من اتجاهي التفسير هو الاتجاه الموضوعي او التوحيدي . و هو اتجاه لا يتناول تقسير القران آية فآية , بل بحاول القيام بالدراسة القرانية لموضوع من الموضوعات عقائديا كان او اجتماعيا او كونيا فيبين و يبحث و يدرس , مثلا عقيدة التوحيد في القران او يبحث عن النبوة في القران او عن المذهب الاقتصادي في القران او عن سنن التاريخ في القران او عن السماوات و الارض في القران الكريم و هكذا.
و يستهدف التفسير التوحيدي الموضوعي من القيام بهذه الدراسات تحديد موقف نظري للقران الكريم و بالتالي للرسالة الاسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة او الكون.

التفسير في عصر التابعين
بعد ان انصرم عهد الصحابة جاء عصر التابعين الذين تلقوا معظم معلوماتهم عنهم. و قد اعتمد هؤلاء المفسرون في فهمهم لكتاب الله على ما جاء في الكتاب نفسه, و على ما رواه الصحابة عن رسول الله (ص).
و في هذا العهد صار للتفسير مدارس عمادها كبار الصحابة الذين كانوا قد خرجوا من المدينة في عهد الرسول (ص) او في عهد الراشدين. و من هذه المدارس:
1- مدرسة التفسير بمكة :
و قد قامت هذه المدرسة على يد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما , الذي جلس لاصحابه مفسرا لهم كتاب الله تعالى مبينا ما خفي منه و اشكل من معانيه , و كانوا يفهمون عنه ما يقول و يروون لمن بعدهم ما سمعوه منه. و من اشهر تلاميذ هذه المدرسة: سعيد بن جبير و مجاهد و عكرمة مولى ابن عباس و طاووس و عطاء بن رباح و كلهم كانوا من الموالي , و يختلفون في الرواية عن ابن عباس قلة و كثرة , و كذلك اختلف العلماء في درجة الثقة بهم.
2- مدرسة التفسير بالمدينة:
اقام عدد كبير من الصحابة بالمدينة المنورة, جلسوا لاتباعهم يعلمونهم كتاب الله و سنة رسوله (ص) , و قامت بالمدينة مدرسة للتفسير على يدي ابي ب كعب.
و من أشهر رجال هذه المدرسة: زيد ابن اسلم و ابو العالية و محمد بن كعب القرظي.
3- مدرسة التفسير بالعراق:
قامت مدرسة التفسير بالعراق على يد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي جلس اليه اصحابه و اخذوا منه اكثر من غيره من الصحابة.
و يمتاز اهل العراق بانهم اهل الراي . و هذه ظاهرة نجدها بكثرة في مسائل الخلاف .
و يقول العلماء: ان ابن مسعود هو الذي وضع الاساس لهذه الطريقة في الاستدلال .
و من اشهر رجال هذه المدرسة: علقمة بن قيس و مسروق و الاسود بن يزيد و قتادة بن دعامة السدوسي و عامر الشعبي و الحسن البصري و مرة الهمداني.
و قد تميز التفسير في هذه المرحلة بدخول كثير من الاسرائليات و ذلك لدخول كثير من اهل الكتاب في الاسلام فتحدثوا عما كان في كتبهم من اخبار بدء الخليقة و اسرار الوجود و بدء الكائنات. و قد تساهل التابعون و زجوا في التفسير بالكثبر من الاسرائيليات. كما ظل التفسير محتفظا بطابع التلقي و الرواية. و قد ظهرت في هذا العصر نواة الخلاف المذهبي , فظهرت بعض التفسيرات تحمل في طياتها هذه المذاهب كما كثر الخلاف بين التابعين في التفسير عما كان عليه بين الصحابة , و ان كان قليلا بالنسبة لما وقع بعد ذلك.

اشهر مدارس التفسير
1- التفسير بالماثور.
2-التفسير بالراي. و ينقسم الى أ- تفسير محمود ب- تفسير مذموم.
3- تفسير الصوفية.
4- التفسير الموضوعي.
5- تفسير الفلاسفة.
6-التفسير في العصر الحديث.
و فيما ياتي من مقبل الايام سنقدم نماذجا من كل نوع من انواع التفسير هذه.

نماذج من التفاسير
1) جامع البيان في تفسير القران
مؤلفه هو ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري.
امام مجتهد. و لد بطبرستان عام 242 .
رحل في طلب العلم صغيرا فطاف بمصر و الشام و العراق.
استقر ببغداد الى ان توفي بها عام 310.
أحد الاعلام الذين يرجع اليهم في العلم و المعرفة. و قد جمع من العلوم و بلغ فيها شأوا بعيدا , و له مصنفات كثيرة في التاريخ و القراءات و يعتبر ابا للمفسرين بكتابه هذا. كما يعد ابا للمؤرخين بكتابه تاريخ الطبري.
يقع التفسير الطبري في ثلاثين جزءا.
منهجه في التفسير ان يعرض للايات فيقول: القول في تفسير قوله تعالى( ..) , ثم يوضح معنى الايات مستشهدا بالاسانيد عن الصحابة و التابعين , كما يذكر الاوجه المختلفة في الايات, مبرهنا على كل وجه غير مقتصر على الرواية وحدها, و انما يتعرض لتوجيه الاقوال مع ترجيح ما يراه, مع التعرض للاعراب احيانا, متناولا وجوه الاستنباط التي تؤخذ من الايات , مع التوجيه للادلة, و ترجيح ما يختار من ذلك.

2)تفسير القران العظيم
مؤلفه هو الامام الحافظ عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمرو ابن كثير بن ضو بن كثير بن زرع البصري ثم الدمشقي.
من فقهاء الشافعية , قدم دمشق و له سبعة سنين, سمع من كثير من العلماء منهم الامدي و ابن عساكر , و كان مولده عام 700 او بعدها بقليل . و توفي في شعبان سنة 774 هجرية .
كان ذا مكانة علمية شهد له بها العلماء , و لا سيما في التفسير و الحديث و التاريخ.
من مؤلفاته:
1- تفسير القران العظيم.
2- البداية و النهاية في التاريخ.
كتابه في التفسير يكشف عن غزارة علمه و يعتبر من أجود ما كتب في التفسير بعد تفسير ابن جرير الطبري. و قد اهتم فيه بالرواية عن مفسري السلف , فاعتمد في تفسيره على الاحاديث الشريفة و الاسانيد مبينا سندها من اصحابها , مع بيان ما في الاحاديث من تعديل و تجريح.
يمتاز تفسيره بالتنبيه لما في التفسير بالمأثور من منكرات الاسرائيليات محذرا من ذلك, و مبينا بعض منكراتها حينا و يعرض احيانا مناقشات الفقهاء , و يدلل بأقوال العلماء و أدلتهم عند شرحه الاية من ايات الاحكام.
بشهادة كثير من العلماء كالسيوطي فان تفسيره من اجود ما الف من كتب التفسير بالماثور .
قال الامام الزرقاني: انه لم يؤلف على نمطه مثله.

تفسير الدر المنثور
مؤلفه هو الحافظ جلال الدين ابو الفضل عبد الرحمن بن ابي بكر بن محمد السيوطي الشافعي.
صاحب المؤلفات العديدة النافعة المفيدة. ولد في رجب 849 , و اخذ عن عدد من العلماء , عدهم بعضهم فاوصلهم الى واحد و خمسين شيخا.

أما مؤلفاته فقد ربت على الخمسمائة مؤلف, و كان أعلم اهل عصره بالحديث و فنونه. و له شعر جيد معظمه في الاحكام الشرعية و القواعد العلمية توفي 911.
الدر المنثور اختصر من كتاب اخر للمؤلف يسمى ترجمان القران و هو تفسير مسند عن النبي(ص) و كان في اربعة مجلدات . فجاء كتابه هذا مختصرا من ذلك و سماه ( الدر المنثور في التفسير بالماثور), بعد ان حذف منه الاسانيد ابعادا للملل.
و يمتاز هذا الكتاب باقتصاره على الماثور , دون خلط بما نقل من الراي كما فعل غيره.

مفاتيح الغيب او التفسير الكبير
مؤلفه ابو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن علي التميمي البكري الطبرستاني الرازي , لقب بفخر الدين , و عرف بشيخ الاسلام. و عرف بابن الخطيب الشافعي , ولد سنة 544 و توفي سنة 606 .
كان متكلم عصره , و اماما في كثير من الامور , منها التفسير و الكلام و علوم اللغة و العلوم العقلية . شد العلماء اليه الرحال من بلدان مختلفة, و له مؤلفات كثيرة منها كتابه هذا , و هو كتاب مطبوع يقع في عدد من المجلدات. و هو لم يكمل تفسيره و ارجح الاراء انه وصل فيه الى سورة الانبياء فجاء بعده شهاب الدين الجويني فشرع في تكملته و لم يتمه فجاء بعده نجم الدين القمولي فاكمل ما بقي منه. و قد امتاز تفسيره بالابحاث الواسعة في شتى نواح العلم.
و القارئ لهذا التفسير لا يجد تفاوتا في المنهج و المسلك ولا يستطيع ان يميز بين الاصل و التكملة.
و يهتم الفخر الرازي ببيان المناسبات بين ايات القران و سوره , و يكثر من الاستطراد الى العلوم الرياضية و الطبيعية و الفلكية و الفلسفية و مباحث الالهيات على نمط استدلالات الفلاسفة العقلية . و يذكر مذاهب الفقهاء.
و كتابه موسوعة علمية في علم الكلام و في علوم الكون و الطبيعة .

مدارك التنزيل و حقائق التأويل
مؤلف الكتاب هو ابو البركات عبد الله بن احمد بن محمود النسفي الحنفي من الزهاد المتأخرين و ائمة الاسلام المعتبرين. كان اماما كاملا عديم النظر في زمانه. له من المؤلفات في الفقه و الاصول و الحديث مع براعته بكتاب الله سبحانه و تعالى. و من مؤلفاته الوافي في الفروع و شرحه الكافي و كنز الدقائق في الفقه و المنار في اصول الفقه و العمدة في اصول الدين . و قد كانت وفاة النسفي في 701 .
و عن تفسيره فقد اختصره من تفسير البيضاوي و الكشاف للزمخشري مع ابعاده ما في كتاب الزمخشري من اراء المعتزلة , و جريه على مذهب اهل السنة. و هو تفسير متوسط بين الطول و القصر و قد جمع و جوها مختلفة من الاعراب و القراءات و ضمنه ما في الكشاف من المسائل الدقيقة في البلاغة و المحسنات البديعية.

تفسير الجلالين
ألف هذا التفسير الامامان جلال الدين المحلى و جلال الدين السيوطي.
و جلال الدين السيوطي قد تقدم عنه الكلام عند تفسيره الدر المنثور. أما جلال الدين المحلى, فهو محمد بن احمد بن محمد بن ابراهيم المحلى الشافعي و لد بمصر سنة 791 و برع في علوم الفقه و الكلام و الاصول و النحو و المنطق و غيرها. كان اية عصره فهما و ذكاء و ورعا و صلاحا , و كان متقشفا في عيشه يكتسب رزقه من التجارة . و قد الف كتبا كثيرة .
من مؤلفاته شرح المنهاج في فقه الشافعية, وشرح الورقات و جمع الجوامع في الاصول و منها هذا التفسير. توفي رحمه الله سنة 864 . و قد بدا تفسيره من اول سورة الكهف الى اخر سورة الناس , ثم بدا بتفسير سورة الفاتحة , و بعد اكمالها انتقل من الدنيا دون اتمام التفسير حيث قام السيوطي فاكمل تفسير القران , بادئا بتفسير سورة البقرة فال عمران و انتهى عند اخر سورة الاسراء و وضع تفسير سورة الفاتحة في اخر تفسير الجلال المحلى فلحقه به.
و القارئ لتفسير الجلالين لا يجد فرقا واضحا بين طريقة الشيخين الا في مواضع قليلة جدا.
و هذا التفسير عرف بالايجاز و الاختصار و هو من اكثر التفاسير انتشارا و اكثرها نفعا و تداولا و قد علق عليه العلماء و كتبوا له حواش منها حاشية الجمل و حاشية الصاوي.

فتح القدير
مؤلفه هو العلامة محمد بن علي بن علي الشوكاني . و لد 1173 و نسب الى بلده هجرة شوكان. نشأ في صنعاء عفيفا طاهرا , طلب العلم و سمعه من العلماء الاعلام, و اهتم بصفة خاصة بدراسة كتب التاريخ و الادب. و كان حريصا على مطالعة الكتب و الحفظ , مع اهتمامه بالسمع و التلقي مما بوءه مكانة صار بها اماما يقصده طلاب العلم و يرحلون اليه , فكان قدوة بين العلماء , و بحرا في مضمار العلم , مفسرا للكتاب الكريم بارعا فيه , و محدثا لا يشق له غبار , و مجتهدا متميزا . يتجلى ذلك فيما دون من كتبه الكثيرة , منها ارشاد الثقات الى اتفاق الشرائع على التوحيد و الميعاد و النبوات , و منها كتاب نيل الاوطار شرح منتقى الاخبار في الحديث , و من أهمها كتاب فتح القدير في التفسير.
و قد تفقه على مذهب الزيدية و برع فيه مفتيا و مؤلفا , ثم ترك التقليد و رقي الى مرتبة الاجتهاد. توفي 1250.
كتابه فتح القدير يعد من اصول كتب التفسير و مرجعا عظيما جمع فيه التفسير بالرواية و الدراية فتوسع في الاولى و اجاد في الثانية.
اعتمد في تفسيره كما ذكر على بعض العلماء منهم الناسي و ابن عطية الدمشقي و القرطبي و الزمخشري و غيرهم. و كانت طريقته جامعة بين الدراية و الرواية و قد خالف غالب المفسرين اذ كانوا فريقين ,فريق اقتصر على مجرد الرواية و قنع بذلك , و فريق وجهوا انظارهم الى ما تقتضيه اللغة العربية , و تركوا الرواية .
و رغم منهجه الذي خالف فيه سابقيه فقد اثنى عليهم و اعتبرهم مصيبين الا انه راى ضرورة الجمع بين الامرين. و على هذا وطن نفسه و عزم . فجاء تفسيره فريدا جامعا وافيا.