اقتباس:بصراحة لا أهتم كثيرا بالكلام القائل أن العلم الحديث قد تنبأ به القران قبل وقوعه. و اتساءل أذا كان القران قد اخبر الناس بالعلم، فلماذا لم يتحفنا المسلمون بهذه المعرفة قبل وصول الاوروبيون اليها في عصر التنوير.
أنا اتفق معك ، القرآن ليس كتاب العلم . كل ما في الأمر أن القرآن تكلم عن بعض الظواهر الطبيعية ، كلاما ليس علميا ، فالله خالق هذه الظواهر ، وليس باحثا علميا ، يحاول تفسيرها . فكلامه عنها يختلف عن كلام لباحث والعالم .
هذا أولا .
ثانيا ، أنا لم أقل أبدا ، أن القرآن يقول بالتطور . كل ما قلته ، أن القرآن لا يوجد فيه ما يتعارض معها .
إن كنت تعارضني في هذه الفقرة ، أحضر لي آية واحدة ، واحدة فقط .. تقول أن الله خلق المخلوقات رأسا .
اقتباس:لنأخذ الاية التي جئتنا بها، "و جعلنا من الماء كل شيء حي". أقسم أن هذه الاية سمعتها و قرأتها كثيرا و فلقوا دماغنا بها في المدرسة، و في كل مرة كان تفسيرها أن الماء يحيي الكائنات الحية مثل الحيوانات و النباتات و الانسان. أي نشرب الماء فنحيا. هذا هو ما قاله القران، و هذا هو ما فهمه سامعوه. تأتي أنت بعد ألف عام و تعيد تأويل الآية لكي تتوافق مع نظرية التطور
وأنا مثلك ، قيل لي مثل ما قيل لك بخصوص هذه الآية .
المسألة ليست مسألة قال فلان وقال علان . المسألة مسألة : منهج .
كيف نفسر القرآن ؟
الجواب ، وسأختصر كلام الطبري إمام المفسرين :
1- يفسر القرآن بالقرآن ، إذ قد يوجد إجمال هنا ، نجده مفصلا هناك .
2- يفسر القرآن بالحديث ، فوظيفة الرسول كما حكاها القرآن ، أنه : مبين للقرآن ( لتبينه للناس ) .
3- يفسر حسب معهود العرب . من لغتهم وفهمهم وإدراكهم . إذ أن القرآن نزل مخاطبا إياهم .
النقطة الثالثة ، عليها خلاف .
الآية تقول ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون )
نقول :
أولا ، السياق واضح ، بانه يتحدث عن أصل الوجود والحياة .
فالوجود : السموات والأرض ، كانتا رتقا ، والرتق الشيء المجتمع والمترابط .
قال ابن عباس : يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ شَيْئًا وَاحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّه بَيْنهمَا بِالْهَوَاءِ .
وقال الله :: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )
( من ) هنا : مصدرية . أي أن كل شيء حي يعود إلى مصدر واحد ، هو الماء .
هذا ليس كلام العاقل ، في القرن العشرين .
بل هذه تأويلات المفسرين في القرن الأول والثاني .
سأنقل لك ما يقول القرطبي :
[ ثَلَاث تَأْوِيلَات :
أَحَدهَا : أَنَّهُ خَلَقَ كُلّ شَيْء مِنْ الْمَاء ; قَالَهُ قَتَادَة
الثَّانِي : حِفْظ حَيَاة كُلّ شَيْء بِالْمَاءِ .
الثَّالِث : وَجَعَلْنَا مِنْ مَاء الصُّلْب كُلّ شَيْء حَيّ ; قَالَهُ قُطْرُب .] اه كلامه
وقتادة هذا خلق قبل أن يخلق داروين بألف سنة . ولم يعاصره ولم يعرف ما التطور ، فلا يمكنك أن تتهمه بتهمة التوفيق . فمنطوق الآية يقتضي هذا المعنى ، والسياق يسعفه ، بل ينصره .
إذن ، أنا لم أعد تأويل الآية ولا شيء ، بل أنا أنطلق من فهمي لها ، أنا لا أحملها ما لا تحتمل . بل إن تأويلها بأن الحياة محفوظة بالماء ، فيه تكلف .
تقول :
اقتباس:طيب ماذا لو اكتشف العلماء مثلا أن الحياة لم تبدأ في الماء (أقول مثلا) بل على النيازك (هناك فرضية تزعم هذا)، فماذا ستفعل حضرتك؟ هل ستعيد تأويل الاية مرة اخرى، و تقول مثلا أن "الماء" في الاية هي في الحقيقة ترمز للفضاء؟ أو ربما ستبحث القران عن كلمة "أنزل" و تقول أن هذا دليل أن اللـه أنزل الحياة من السماء. يعني القران مليئ بالايات و السور، و من الممكن لأي شخص أن يجد التلميحات التي يريدها من أي نص عشوائي لا علاقة له بالموضوع
دعني أعيد سؤالك ، بصيغة أخرى : ماذا لو تعارض صريح القرآن مع حقيقة علمية ، ماذا نفعل ؟
الجواب : 1- أن هذا ، من منطلق إيماني ، مستحيل الحدوث .
2- أنه لو حدث ، لكان هذا كافيا لإبطال مصداقية القرآن . إذ أن كلام الله ، لابد أن يتوافق مع فعله . وإذا اختلفا ، فهذا يعني أن الكلام ليس بكلام الله .
اما بخصوص العشوائية .. فأنا أخبرتك أن المسألة ، مسألة : منهج . وقد أعطيتك هذا المنهج ، لك الحق أن تلزمني به .
لكنك انت لم تجب على سؤالي .
انت ، هنا ، كتبت هذا لاموضوع الكبير العريض ، تتقول على القرآن بأقاويل .
انا طلبت منك ، شاهدا واحدا من القرآن يدل على مناقضة التطور لو فرضنا كونه حقيقة .
هل تفعل ذلك ؟
اقتباس:و هو الامر الذي يرفضه الكثير من المسلمين ان لم يكن اغلبهم بما فيهم أئمة المسلمين، و هذا ما جعلني أقول أنك فصّلت اسلاما على مقاسك.
في الإٍسلام : لا وجود لكهنوت .
هذا يعني - أول ما يعني - أن مصادر الإٍسلام ، غير مسؤولة عن رأي المسلمين وآراء أئمتهم .
هذي نقطة .
النقطة الثانية ، أن واقع المسلمين اليوم ، ليس مقياسا . وهذا يعود لجملة من الأٍسباب :
1- من ناحية ثقافية ، المسلمين وأئمتهم اليوم مشدودين للتراث ، بل مرتبطين به ، ويفكرون من خلاله ويتعاملون مع الواقع ومعطياته ضمن إشكاليات هذا التراث وعقليته . والتراث نتاج فكري لفترة مضت ، تعتبر مختلفة ، اتم الاختلاف ، عن واقعنا .
2- ومن ناحية واقعية ، المسلمون يتعاملون مع انتاج الحضارة الغربية ، معاملة عدائية . لكون هذه الحضارة كانت جل احتكاكاتها معهم احتكاكات عسكرية . كما ان الاحتكاك الثقافي الذي مثله الاستشراق كان احتكااك عدوانيا وايديولوجيا .
لهذا ، رأيهم في الداروينية ، هو الرفض . لا لانهم يعلمون مالداروينية ، ولكن لأنهم يعلمون علم اليقين ان هذا الغرب الكافر يريد ان يفسد عليهم دينهم .
لهذا ، لا يمكن أن ترفض رأيي لان المسلمين و " أئمتهم " لا يقبلونه .
3- هناك من العلماء من حاول النظر للداروينية من منظور واقعي . هناك محاولة للعقاد ومالك بن نبي ، وعالم شيعي قبلهما ، لا اذكر اسمه . كلها محاولات توفيقية بين الداروينية والقرآن .
شكرا ، واتمنى ان تجيب على سؤالي .