تسونامي لبنان المقبل.. قرار المحكمة الخاصة باغتيال الحريري
طباعة أرسل لصديق
د. راضي العبداللات - الغد الاردنية
04/ 10/ 2010
يشهد لبنان حاليا حرب المحكمة الدولية الخاصة التي شكلت بقرار من مجلس الأمن الدولي، واستنادا الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط (فبراير) من العام 2005.
وتشهد الساحة اللبنانية أزمة سياسية حادة، حيث تسيطر أجواء من الخوف والترقب ليس لدى اللبنانيين فحسب، لكن كل دول المنطقة بخاصة أن هذه الاجواء ازدادت بعد اشتباكات مسلحة في منطقة برج أبي حيدر في بيروت، وعلى خلفية شخصية تحولت في ضوء الاحتقان السياسي وأجواء التشنج المذهبي والتحشيد المذهبي إلى اشتباكات مسلحة بين جماعات سنية وحزب الله، مما يذكِّر اللبنانيين بأحداث 8 أيار (مايو) العام 2008 الدامية، التي سقط فيها العشرات واستبيحت بيروت بالكامل من قبل المسلحين وسقطت المؤسسات الأمنية والدستورية.
ولم يستطع الجيش اللبناني التدخل إلا بعد موافقة أطراف القتال على ذلك، وهي قاعدة معمول بها في لبنان، فالجيش اللبناني ينأى بنفسه عن التدخل في الصراعات والنزاعات المذهبية، باعتباره يحظى باحترام ومحبة وتأييد جميع اللبنانيين برغم اختلافهم على كل شيء إلا مكانة ودور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان.
ولم ينسَ اللبنانيون والأطراف الإقليمية والدولية حروب لبنان الأهلية الدامية سواء حرب 1958 أو الحرب الأهلية الطويلة من العام 1975 التي انتهت العام 1991 باتفاق الطائف الذي نصت بنوده على الحفاظ على السلم الأهلي وعلى المؤسسات الدستورية وحماية القانون والدستور، ونزع سلاح الميليشيات، وتشجيع الحوار بين اللبنانيين وإلغاء الطائفية السياسية.
صحيح أن اغتيال الرئيس الحريري كان ضمن سلسلة الاغتيالات التي عصفت بلبنان، التي اخترقت كل الطوائف وكل التيارات السياسية، ابتداء من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح العام 1951 رحمه الله، واغتيال رؤساء الجمهورية رينيه معوض بعد عدة أيام من توليه الرئاسة وبشير الجميل. إلا أن اغتيال الرئيس الحريري والتحقيق باغتياله بعد استراحة ليست طويلة، يلقي بظلال واسعة اليوم على سؤال الوحدة والسلم الداخلي.
يترقب اللبنانيون القرار الظني، الذي من المتوقع أن تقوم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بإصداره في تشرين الثاني (نوفمبر) بعد أن أرجأت صدوره من شهر أيلول (سبتمبر)، كما تقول بعض المصادر بناء على توسط جهات إقليمية ودولية.
والمتوقع، وإن كان ليس مؤكدا، أن يوجه الاتهام الى عناصر في حزب الله بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وبحسب المادة 3 من القانون الأساسي للمحكمة سوف يصير الحزب مسؤولا عن عدم انضباط عناصره بما في ذلك قيادة الحزب بعد أن تم استبعاد فرضية اتهام سورية بالاغتيال.
قرار المحكمة الدولية المرتقب.. "تسونامي لبنان"
استبق ذلك حزب الله وقيادته، وحتى بعض أوساط 8 آذار، ومنذ اكثر من شهرين في مؤتمراته الصحافية المتعاقبة بحملة واسعة على المحكمة والقرار الاتهامي والمتوقع صدوره عن المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار، واصفا إياه بالانحياز وعدم الموضوعية، واتهم المحكمة الدولية بأنها مسيسة وتعمل بأجندة أميركية وإسرائيلية وعلى رأس هذه الأجندة تصفية حزب الله كحزب معادٍ لإسرائيل.
وذهبت قيادة الحزب إلى أبعد من ذلك في رسالة سياسية وأمنية وعسكرية واضحة لفريق 8 آذار، الى رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، وحتى لأطراف إقليمية ودولية بأن قرارات المحكمة لن تنفذ حتى لو اقتضى ذلك اللجوء الى القوة المسلحة، حتى أن قيادة الحزب وصفت أن كل من يؤيد المحكمة وقراراتها بالخائن وبالعمالة لصالح اسرائيل. مما يعطي وجهة نظر الحزب وقيادته شرعية في مقارنة المؤيدين للمحكمة وقراراتها طالما أنهم "عملاء للعدو الإسرائيلي وخونة".
بروفة مطار بيروت
اللواء جميل السيد، المدير العام السابق للأمن اللبناني، الذي قضى اربع سنوات في السجن وبقرار من المدعي العام الدولي أفرج عنه لاحقا، وكان في زيارة لباريس لمتابعة قضية رفعها ضد أحد شهود الزور الهاربين من لبنان إلى فرنسا.
وبعد عدة مؤتمرات هاجم فيها السيد الرئيس سعد الحريري ووعد بأخذ حقه منه بيده، وهاجم المحكمة الدولية والمؤسسات القضائية والادعاء العام، وذهب بعيدا في توزيع الاتهامات ولكل جانب.
واستقبل في مطار بيروت بمرافقة أمنية من حزب الله، وأقاموا مؤتمرا صحافيا أثار جدلا واسعا في لبنان والخارج. وكانت الرسالة سياسية وأمنية بامتياز من حزب الله إلى كل قوى 14 آذار والمؤسسات الدستورية والعسكرية بأن كل ما يتعلق بالمحكمة وقراراتها لا يقبل به الحزب، ولن ينتظر صدور الاتهام الدولي حتى لو اقتضى ذلك استخدام القوة.
شهود الزور والانقلاب على الأبواب
رغم اعتراف الرئيس الحريري بوجود شهود زور، وإن كان ذلك متأخرا جدا، وباعترافه أن ذلك أساء إلى العلاقة اللبنانية السورية، وأنه أخطأ بحق سورية، وأن الاتهامات التي وجهت إلى سورية كانت سياسية، وأنه ليس لسورية أي علاقة باغتيال والده، إلا أنه يصر، وهذا من حقه في لومه قتلة والده الشهيد ومعاقبتهم وتمسكه بالمحكمة الدولية.
إلا أن حزب الكتائب وآخرين من تحالف 14 آذار بلبنان؛ متمثلا بسمير جعجع القيادي في حزب الكتائب في خطاب ألقاه في جونية أمام مجموعة من الشباب الكتائبي رفض وبشدة وجود قضية شهود زور، واتهم جماعة 8 آذار بخلق هذه القضية وتسويقها إعلاميا وسياسيا، وأن هؤلاء الاشخاص استبعدت شهاداتهم محكمة الدولية وأن القضاء الدولي والقضاء الدولي غير مختص من وجهة نظره بالنظر في قضية هؤلاء.
وذهب جعجع بعيدا ليس بالتمسك بالمحكمة الدولية وبقرارتها، إنما حتى بالدفاع عن تنفيذ كل تلك القرارات، حتى لو استلزم الأمر استخدام القوة، كما يقول، دفاعا عن الحقيقة التي هي أغلى من كل شيء في لبنان.
ودافع جعجع عن استبعاد علاقة إسرائيل باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مذكرا برواية ابو العدس والتنظيمات الأصولية التي اتهمت باغتيال الحريري وروجتها المعارضة وتراجعت عنها لاحقا.
ويصر حزب الله على ربط التحقيق مع شهود الزور، وما يجري في المحكمة الدولية وضرورة محاكمتهم وعدم استبعاد فرضية تورط إسرائيل، التي لها تاريخ حافل بالاغتيالات في لبنان والمنطقة، وخاصة بعد القرائن التي قدمها السيد حسن نصر الله بمؤتمره الصحافي الشهير، بما في ملف عملاء إسرائيل في لبنان الذين زاد عددهم على 100 عميل، فضلا عن الذين فروا إلى خارج البلاد أو لم يكتشف أمرهم بعد.
أبعد من ذلك، هدد الحزب بكشف أسماء قيادات وزارية وحزبية قد تورطت في قضية شهود الزور من حيث التمويل وتلقين هؤلاء شهاداتهم المزورة. مما يعني فعلا بداية أزمة سياسية وأمنية خطيرة في لبنان.
ترافق ذلك مع تصعيد كبير من الجنرال عون على المحكمة الدولية والقضاء اللبناني، وحتى على حزب الكتائب، وسمير جعجع شخصيا، وعلى الحكومة اللبنانية وصولا إلى رئيس الجمهورية، ومتزامنا مع تصعيد لزعيم قوات المردة اللبنانية سليمان فرنجية، الذي أعلن بكل وضوح أن الحرب الأهلية اللبنانية قادمة، لكن هذه المرة بقرار دولي، ورفض وساطة البطريرك صفير والكنيسة مع حزب الكتائب، مشددا على وجود اختلافات سياسية عميقة داخلية و خارجية بما في ذلك موضوع المحكمة.
تحذير جنبلاط ورسالة السفير الروسي
ترى أوساط لبنانية أن الزعيم اللبناني وليد جنبلاط أكثر اللبنانيين قراءة للأحداث السياسية اللبنانية والدولية، ولديه قدرة فائقة على استشراف القادم، وهذا هو السر في تقلبات مواقفه السياسية، وفي احتفال أقيم في المختارة معقل الحزب الاشتراكي اللبناني في وداع السفير الروسي، وفي حضور معظم السفراء المعتمدين في لبنان فجر جنبلاط، وكعادته مفاجأة من الوزن الثقيل، أثارت تخوفا من القادم، عندما نقل كلاما عن السفير بأنه قال "تريدون المحكمة ستنالوها، لكن.."، وتابع جنبلاط "أقول له اليوم لقد نلنا المحكمة وليتها لم تكن" ولم يكمل جنبلاط ما قاله السفير، وفسرت اوساط لبنانية انها رسالة واضحة سياسية واستخبارية تؤكد ان تسونامي قادم إلى لبنان.
وفي إشارة واضحة بعدم الربط بين اغتيال الحريري والقائد كمال جنبلاط قال "دعوا الشهيد كمال جنبلاط يرقد حيث هو، يكفيه انه استشهد لأجل فلسطين وعروبة لبنان"، وبذلك يغلق هذا الملف ويقطع طريق المزايدة والمتاجرة بدم الشهيد كمال جنبلاط..
هل تبرئ المحكمة حزب الله وعناصره، ويلغي مجلس الامن الدولي بالاستناد إلى صلاحياته المحكمة، وينقل التحقيق إلى القضاء اللبناني؟ أم يذهب المجلس باتجاه معاكس، في تصنيف حزب الله وقيادته كمنظمة إرهابية، وما يتبع ذلك من فتنة داخلية ومواجهات إسرائيلية مع حزب الله؟
وهل يستقيل سعد الحريري بعد قرار الاتهام المتوقع أم تسقط المعارصة الحكومة من خلال مجلس النواب؟ وهل تعود الاعتصمات إلى شوارع بيروت والاغتيالات مجددا؟..
هل الحرب الأهلية قادمة أم أن اللبنانيين قادرون على التوصل الى تسويات متبادلة حفاظا على وطنهم وشعبهم؟
أتمنى أن يكون القائد فرنجية مخطئا وأن لا تكون الحرب القادمة في لبنان حربا أهلية.
* أستاذ القانون الدولي في جامعة الزيتونة الاردنية
http://all4syria.info/content/view/33013/161/