ألم تسمع بالحملة المكارثية في الولايات المتحدة ومحاربة الفنانين المتعاطفين ولو جزئيا مع الاتحاد السوفيتي السابق ..ومنهم شارلي شابلن وجين فوندا لأنها وقفت ضد الحرب في فيتنام..ياسيدي نحن لسنا في عالم مثالي ودولة أفلاطون ....لذلك يستحيل فصل الفن عن السياسة ....
*****************************************
تكريم بولتون حلال وغناء فيروز في دمشق حرام!
عبدالسلام بنعيسي
22/01/2008
تُشن خلال هذه الأيام حملة ضارية علي الفنانة الكبيرة فيروز من خلال الفضائيات والاعلام المكتوب. سبب الحملة حُدد في كونها قررت أن تُحيي سهرة فنية في دمشق وتعرض خلالها مسرحية (صح النوم). الذين يشنون الحملة علي فيروز هم بعض السياسيين اللبنانيين الذين يؤاخذونها علي كونها قبلت احياء سهرة فنية في بلد يحكمه نظام غير ديمقراطي..
نحن اذن أمام حدث غير مألوف، ففي البلدان العريقة في الديمقراطية لا يمكن تصور أن سياسيا سيتدخل في تصرفات فنان ليحدد له ما يفعله وما لا يفعله. لا يمكن تخيل أن وزيرا، أو زعيما لحزب سياسي، أو نائبا برلمانيا سيتصل عبر الهاتف، أو سيلجأ الي الصحافة للضغط علي فنان لكي يجبره علي السفر من عدمه لهذه الجهة أو تلك، أو لكي يلزمه بالغناء من عدمه أينما أراد.
في البلدان الديمقراطية، السياسي يمارس عمله ضمن الاختصاصات التي تندرج في مجال نشاطه، والفنان أيضا يتحرك تبعا لقناعاته، وتمشيا مع ما تستوجبه التزاماته الفنية انطلاقا من رؤيته الخاصة به كفنان له استقلاليته التي لا يجوز لأي كان مصادرتها منه.
نحن في عالمنا العربي، ومع هذه النازلة بالتحديد، نجد أنفسنا أمام بعض السياسيين، الذين هم للأسف الشديد فاشلون في مسيرتهم السياسية، بدليل تقلباتهم وفقا لأهوائهم وأمزجتهم، وايصال بلدهم في الوقت الراهن الي حافة الحرب الأهلية، بعد أن كانوا في الماضي القريب أباطرة هذه الحرب وتلطخت أياديهم بدماء اخوتهم في الوطن.. هؤلاء السياسيون الفاشلون لا يقبلون الاكتفاء بحصر نشاطهم في مجالهم السياسي وترك بقية الناس تقوم بمهامها وفقا لاختصاصات كل فرد في المجتمع.. انهم يتطاولون علي الفنانة الكبيرة فيروز، و يريدون اجبارها علي عدم الغناء في سورية التي لديهم معها خلافات سياسية.بتصرفهم هذا، يريد هؤلاء السياسيون أن يجعلوا من سلوك فيروز ازاء سورية نسخة طبقة الأصل لسلوكهم السياسي. انهم يسعون الي دفعها لتنظر الي الأشياء من المنظار الذي ينظرون من خلاله اليها، ويمارسون عليها ديكتاتورية فجة قصد مصادرة حريتها منها، واستقلاليتها عنهم بغرض دفعها بالقوة لتصبح واحدة من حشدهم السياسي. فتحت شعار رفض الاستبداد في سورية يمارس بعض السياسيين اللبنانيين الاستبداد علي فيروز. انها لمفارقة غريبة: فيروز الفنانة الكبيرة الناجحة المتألقة دائما وأبدا في مسيرتها الفنية، يريد سياسيون فاشلون ومفلسون ممارسة الوصاية عليها، وأساسا في مجالها الذي كانت وما زالت سيدة ورائدة فيه. انهم يبحثون عن الحاقها بهم في نادي الفاشلين.
فيروز التي غنت وتغني للمحبة وللجمال وللاخاء والتسامح، والتي تحقق الاجماع العربي علي الافتتان بجمال صوتها، وصارت أيقونة فنية وبمثابة التحفة النادرة في زمن الرداءة والابتذال والسطحية الفنية، فيروز هذه لا يهم بعض السياسيين اللبنانيين سوي جرها الي ملعبهم الذي لا يخرج منه الا ما يفرق بين المواطنين، وما يزيدهم تباغضا واستعدادا للتقاتل وللتناحر.
الذين يشنون الحملة علي فيروز لأنها ستغني في سورية، دون أن يترتب عن غنائها أي موقف سياسي قد يضر بلبنان، هؤلاء كانت دمشق الي عهد قريب قبلتهم المفضلة، لقد كانوا يحجون اليها كل يوم ليحصلوا منها علي المال والدعم والتوجيه والارشاد، وكانوا يتصرفون، في ضوء ما يحصلون عليه منها، كالتلاميذ النجباء، لرستم غزالة وغازي كنعان ولأصغر ضابط في الجيش السوري.. اذا كان مجرد احياء سهرة فنية لفيروز يولد كل هذه الضجة منهم، واذا كانت سورية في نظرهم قبيحة الي هذا المستوي، فمن الذي يحاسبهم علي ما ألحقوه من أذي بلبنان في علاقتهم، حين كانت متميزة وخاصة جدا، مع سورية التي يصفونها بكل هذا السوء؟
فيروز يريدونها خاتما في أصبعهم، فعندما تكون علاقتهم بدمشق علي أحسن ما يرام، ويكونون مستفيدين من ريع هذه العلاقة، وقتها ليس لديهم مانع في أن تزور فيروز دمشق، وأن تغني هناك وتحيي السهرات، أما اذا ساءت تلك العلاقة، فانه يتوجب علي فيروز أن تسايرهم في هواهم، وأن تلحق بركبهم، وتبادر هي كذلك الي وقف كل نشاط فني لها في سورية، في انتظار أن يتصالحوا مع دمشق لكي يُسمح لها من جانبهم بالغناء للسوريين.
أين هو الاحترام الواجب التقيد به تجاه حرية فيروز في اتخاذ القرارات التي تناسبها، انطلاقا من الاعتبارات الفنية التي تمليها عليها قناعتها الخاصة بها؟ ألا يتحول الاشعاع الجماهيري الكبير والرائع الذي تحظي به فيروز وسط عشاق فنها العرب الي هراوة يلوح بها بعض السياسيين اللبنانيين الانتهازيين تجاه سورية؟ وما دخل فيروز في كل هذا؟ ولماذا اقحامها من جانبهم في خضم نزاع سياسي عاصف جعلوا بواسطته بلدهم لبنان، دون استشارة اللبنانيين، مسرحا لصراع بين أطراف اقليمية ودولية؟ لماذا لا تكون فيروز فوق الصراعات الطائفية والمذهبية، والخلافات القائمة بين سورية ولبنان لكي تحافظ علي الحد الأدني من الروابط التي ينبغي أن تظل مستمرة ومتواصلة بين الشعبين الشقيقين؟
اذا كان وجود معتقلين سياسيين لبنانيين في السجون السورية يبرر للبعض الضغط علي فيروز لعدم الغناء في سورية، فاننا نطالب أولا بالافراج الفوري عن هؤلاء اللبنانيين رفقة باقي معتقلي الرأي السوريين. غير أن ما تجدر الاشارة اليه هو أن هؤلاء المعتقلين لم يدخلوا السجن سوي في اللحظة التي قررت فيها فيروز الغناء في سورية، لقد كانوا في داخله، في وقت كانت علاقة السياسيين اللبنانيين بسورية سمنا علي عسل، فلماذا لم يعالجوا هذا الملف في حينه، ولماذا سكتوا عليه ولم يثيروه الا الي يومنا هذا في وجه الفنانة فيروز؟ و اذا جاز لنا منع فيروز من الغناء في سورية لأن فيها معتقلين سياسيين، فانه يتعين علينا أن نطلب منها ومن كل الفنانين والفنانات العرب عدم الغناء في أي دولة من دول العالم العربي، بل يتوجب علينا ازاحة كلمات من صنف الغناء والرقص والفرح من قاموسنا اللغوي، وأن نكتفي بالبكاء واللطم والنواح، لأن كل دولة من دولنا العربية لا تحكمها الا أقلية مستأثرة بالسلطة والمال، وتحرم منهما الأغلبية المطلقة من الشعب الذي يعاني من الحرمان ومن القمع ومن الفساد. وكل من يعارض هذه الأقلية في أي دولة عربية يجد نفسه في الغالب مرميا في الأقبية والزنازين، فلماذا اذن سورية ومعها فيروز لوحدهما في مرمي القصف؟ الغريب هو أن الذين يقصفون فيروز ويريدون منعها من الغناء في دمشق ليسوا سوي أولئك الذين كرموا جون بولتون حين كان ممثلا لبلده أمريكا في مجلس الأمن، والذي رفض في تصريح عنصري صادر عنه، أن يساوي في حرب تموز بين (ضحايا ارهاب حزب الله) من الاسرائيليين، و بين اللبنانيين الذين اعتبر أنهم يسقطون عن طريق الخطأ جراء القصف الاسرائيلي. فهل حلال عليهم تكريم جون بولتون، وحرام علي فيروز الغناء في دمشق؟
لقد ظلت الثقافة، وعلي رأسها الفن، في عالمنا العربي، المجال الوحيد الذي يحافظ للعرب علي هويتهم القومية ويرعي المشاعر الوحدوية التي تجمعهم رغم كل ما فعله فيهم السياسيون من تقسيم وتجزئة في مختلف المجالات، وكل محاولة لضرب الفن والثقافة والسعي لاستثمار ذلك ضدا في مشاعر الانسان العربي، ولضرب تطلعاته لمحيطه القومي الشاسع، كل محاولة من هذا القبيل، سيكون مصيرها، لا محالة، الفشل المحتوم، فالانسان العربي أعقل وأذكي بكثير من العديد ممن يحتكرون حقله السياسي بالمال والدعاية والدعم الأمريكي.
صحافي من المغرب
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=to...mp;storytitlec=