نظرية كل شيء
(3)
لماذا كان من الصعب على العلماء إيجاد نظرية كوانتم خاصة بالجاذبية ؟.
السبب هو إحدى مفاجآت الطبيعة الغير متوقعة ، لسبب غير واضح لأحد فوجئ العلماء بمبدأ هايزنبرج لعدم اليقين يقفز أمامهم كالعفريت ليفسد حياتهم . كيف حدث هذا ؟ .. وجد العلماء أن قيمة مجال الجاذبية و معدل التغير في هذا المجال يلعبان نفس دور الموقع و السرعة في فيزياء الكوانتم للجزيئات . هذا معناه أنه كلما إزدادت درجة الدقة في تعيين قيمة المجال ، قلت بالتالي درجة الدقة في تعيين معدل تغير الجاذبية . هذه العلاقة ليست مجرد علاقة رياضية مصمتة ،و لكن هناك مستتبعات فيزيائية هامة لهذه العلاقة . هذه المستتبعات ليست أقل من نتيجة مفزعة تقول أنه لا يوجد هذا الشيء المسمى الفراغ الخالي empty space . كيف يكون هناك فراغ و لكنه ليس خالي ، أليس هذا ضد أي منطق ؟، حسنا سنقبل هذا و نتسائل لماذا لا يكون هناك فراغ خالي ؟ .
يجيبنا العلماء لأنه ليكون الفراغ خاليا يجب أن تكون قيمة المجال و معدل التغير فيه = صفر لكليهما . نظرآ لأن عدم اليقين يجعل من قيمة المجال و معدل التغير فيه ليسا محددا القيمة ، فهذا يعني أن الفراغ لن يكون خاليا أبدآ . يمكن أن يكون في حالة من الحد الأدنى من الطاقة يسمى الvacuum .و لكن هذه الحالة ستكون معرضة بما يعرف بتشنجات الكوانتم jitters quantumأو تذبذبات الفاكيوم vacuum fluctuations ، حيث الجزيئات و المجالات تظهر و تختفي من الوجود بحركات سريعة !.
vacuum fluctuations
يمكننا أن نفكر في تذبذبات الفاكيوم بأنها زوج من الجزيئات يظهران معا في نفس الوقت ، يتباعدان ، ثم يلتقيان معا فيلغي كل منها الآخر ، و فقا لرسومات فينمان البيانية فهذا السلوك يعبر عنه بمنحنى مغلق . يطلق العلماء على هذه الجزيئات "الجزيئات الإفتراضية" ، و بعكس الجزيئات الحقيقية لا يمكن الكشف عن تلك الجزيئات الإفتراضية مباشرة بكاشفات المادة ، رغم ذلك يمكن قياس تأثيرها مثل حدوث تغيرات صغيرة في طاقة مدارات الإليكترون ، و قد وجد أن القياسات العملية تتوافق إلى أقصى حد من الإفتراضات النظرية !.
خبر سعيد جدا .. لقد حلت تلك الجزيئات الإفتراضية المشكلة ، فلماذ ظللنا معلقين عند هذه المعضلة ؟.
الأمر ليس ورديآ تماما .. فهناك مشكلة من النوع الجوهري . هذه الجزيئات الإفتراضية التي تتلاشى تمتلك طاقة بالفعل ، و لأن عدد الجزيئات سيكون لانهائيا ، فالطاقة ستكون لا نهائية . هذا معناه أنه وفقا لقانون النسبية العامة ، ستحيط الطاقة اللانهائية تلك بالكون حتى يصبح حجمه لا متناهي الصغر ،وهذا شيء من الواضح أنه لم يتحقق .
يبدوا أن لعنة اللانهاية تصيبنا كلما حاولنا فهم القوى بصيغ الكوانتم ،و قد تغلبنا عليها سابقا بآلية هي إعادة التطبيع ،و لكن المشكلة مع الجاذبية ليست بتلك السهولة ، فلا توجد معايرات ثابتة parameters يمكن الرجوع إليها مثل كتلة أو شحنة الإليكترون ، لهذا فكر العلماء في أسلوب آخر للتغلب على تلك اللانهئيات غير إعادة التطبيع .
في عام 1976 تبنى العلماء مفهوم جديد هو " سوبرجرافيتي supergravity وسوبر هنا لا تعني أنها جاذبية فائقة القيمة ، أو أن العلماء يعتقدون في تفوق النظرية ، بل تعود إلى مصطلح آخر هو supersymmetry بما يعني أن خواصها لا تتغير نتيجة دورانها أو الحصول على صورة المرآة لها . نحن هنا لسنا بصدد التماثل كما نفهمه في حياتنا العادية ،و لكنه نوع آخر من التماثل بحيث تصبح جزيئات المادة و جزيئات القوة ،و بالتالي المادة و القوة وجهين لنفس الشيء .
ماذا يعني هذا الكلام المعقد ؟. هذا يعني أن كل جزيء مادي مثل الكوارك له شريك هو جزيء قوة ، و كل جزيء قوة مثل الفوتون سيكون له شريك هو جزيء مادة ، هذا التصور يحمل إمكانية حل مشكلة اللانهاية ، فقد وجد أن دائرة فينمان المغلقة للقوة ستكون موجبة ، و الدائرة المغلقة للمادة سالبة ،و بالتالي سيلاشي كلاهما الآخر . معظم علماء الفيزياء يتعتقدون الآن أنه من المحتمل أن تكون نظرية " سوبرجرافتي" هي الحل الأمثل لتوحيد الجاذبية مع القوى الأخيرة ، بالرغم أن أحدآ لم يقم بالحسابات التي تدعم فكرة تلاشي كل القيم اللانهائية ، نظرآ لصعوبتها من ناحية و إحتمالية الخطأ العالية في الحسابات الرياضية .
من الصعب اختبار فكرة supersymmetry ، فلم يمكن مشاهدة جسيمات يمكن أن تكون شريكا للجسيمات التي نعرفها ، و لكن حسابات الفيزيائيين دلت أنها يجب أن تعادل 1000 مرة أو أكثر كتلة البروتون ،و مثل هذه الجسيمات غير موجودة ، و لكن العلماء يأملون في إنتاجها في مسارع الجزيئات Large Hadron Collider "LHC" في جنيف .
هذه النظرية ( سوبرجرافتي) لم تنشأ من فراغ و لكن من النظريات الأخرى التي لم تنضج كلية و التي ناقشها العلماء تحت مسمى نظرية " الأوتار " String theory . طبقا لهذه النظرية فالجسيم ليس نقطة و لكنه نسق من الذبذبة له طول لا نهائي و لكن ليس له عرض أو ارتفاع ، أي له بعد واحد فقط . نحن هنا سنواجه اللانهائية أيضا ، و لكن يعتقد العلماء أنه باختيار النموذج المناسب سيمكن التغلب على تلك المشكلة .
String theory
هناك مشكلة أخرى هي أنه لتكون تلك النظرية متناسقة يجب أن يكون هناك 10 أبعاد بدلآ من تلك 4 المعروفة لدينا ،و لكن لو كان هناك 10 أبعاد لماذا لم نلاحظ الأبعاد الست المتبقية ؟.لدى العلماء تفسير هو أن تلك الأبعاد ملتفة حول بعضها مشكلة فراغ ضئيل للغاية . طبقا لنظرية الوتر فالأبعاد المتبقية ملتفة على بعضها فيما يسمى الفراغ الداخلي ، وهو غير الفراغ الخارجي المكون من 3 أبعاد و الذي نشعر به . هذه الأبعاد الداخلية ليست مجرد أبعادا مختفية تحت الوسادة !، بل لها أهمية فيزيائية كبيرة .
بالإضافة لمشكلة الأبعاد ، فنظرية الوتر تعاني من معضلات عديدة ، فهناك على الأقل 5 نظريات للوتر و ملايين الطرق التي يمكن أن تلتف بها الأبعاد الداخلية ،و هذا بالطبع أربك الفيزيائيين الذين اعتقدوا أن نظرية الوتر هي النظرية الفريدة لكل شيء theory of everything (TOE) !.
حوالي عام 1994 بدأ العلماء يكتشفون الإزدواجية في أعمالهم ، و أن النظريات الخمس للوتر بالإضافة لملايين الطرق لشرح إلتفاف الأبعاد الإضافية كلها كانت طرق لشرح نفس الظاهرة رباعية الأبعاد. يعتقد العلماء الآن أن نظريات الوتر الخمس و نظرية السوبرجرافتي كلها مجرد صور تقريبية لنظرية أساسية ، و كل منها صالح في مواقف مختلة .
هذه النظرية الأساسية أطلق عليها نظرية إم أو (M-theory) . كثير من العلماء يحاولون فك رموز تلك النظرية و لكن هذا ربما يكون ذلك مستحيلآ ، و أن اعتقاد العلماء بوجود نظرية واحدة لكل شيء ليس سوى وهم ،و أنه من غير الممكن إيجاد صيغة واحدة لها ، و أنه كي نصف هذا الكون علينا استخدام نظريات مختلفة لمواقف مختلفة . كل نظرية تعبر عن نموذج بعينه للواقع ، و كلها سيكون مقبولآ طالما تتفق في التنبوء بنفس النتائج في المساحات التي تتقاطع فيها ، أي التي يمكن فيها استخدام أكثر من نظرية.
خصائص النظرية إم .
سواء حصلنا على صيغة واحدة للنظرية أو عدة صيغ فهناك عدد من الخصائص للنظرية
1- للنظرية إم 11 بعد للفراغ – زمن .
2- يمكن للنظرية إم أن تحتوي ليس فقط على الأوتار المتذبذبة بل أيضا على الجزيئات ، الأغشية ثتائية الأبعاد ، و غيرها مما يصعب وصفه ،و تشغل حتى 9 أبعاد و يطلق عليها البران p-branes ، حيث P أي عدد من صفر إلى 9 .
ماذا عن طرق لف الأبعاد الداخلية ؟. تحصر النظرية طرق اللف بشكل محدد . الشكل الدقيق للأبعاد الداخلية هي التي تحدد كل من الثوابت الفيزيائية كشحنة الإليكترون و العلاقات المتبادلة بين الجزيئات الأساسية ، بعبارة أخرى تحدد القوانين الظاهرية apparent laws للطبيعة . و يطلق عليها الظاهرية لأنها تلك التي يمكننا ملاحظتها في عالمنا مثل قوانين القوى الأربع و الثوابت الفيزيائية مثل الشحنات و الكتل ،أما القوانين التي يمكن وصفها بانها "صميم الأساسية" فهي تلك الخاصة بالنظرية إم .
القوانين إم تصلح لعوالم متعددة ، لكل منها قوانينها الظاهرية المختلفة ، التي تتوقف على الكيفية التي تلف بها الأبعاد الداخلية . و تعطي النظرية إم حلولآ لعدد كبير من الفراغات الداخلية المختلفة تصل إلى 10 أس 500 أي 10 أس 500 من العوالم المختلفة ، كل منها له قوانينه الخاصة .
كان نيوتن بعتقد أنه في حاجة لبعض الحسابات لفهم العالم ،و يعتقد المتدينون أنهم يفهمونه بالفعل ،و لكننا الآن أمام 10أس 500 من العوالم لا يشغل عالمنا نحن سوى إحداها فما هو العمل ؟.