التِّنِّين
- محمد بري عواني - مسرحية للأطفال في عشرة مشاهد - من منشورات اتحاد الكتّاب العرب - 1998
كلمة للكبار
* هذا النص محاولة لكتابة مسرحية غنائية على شكل (أوبرا)، تكون فيها جميع الحوارات مغنَّاةً، ولذلك فإن الموسيقا تلعب دوراً ممتازاً في صيّاغة المواقف المسرحية، ولحظات تأزم الصراع. كل هذا يمكن تحقيقه برغم طول النص.
* ولكن - وفي حال تعذر التلحين الشامل -يمكن تلحين بعض الحوارات التي يقترحها المخرج "ومساعدوه" إضافة إلى الأغنيات المعلنِ عنها مباشرة في الملاحظات الإرشادية مثل (يا ألله ارحمنا -راحوا- زعل الغول- دادي.. الخ)... وذلك لتوفير أجواء غنائية موسيقية أكثر غنىً وشمولاً، وأشير هنا إلى ضرورة البدءِ بالغناء للمشاهد الأولى الافتتاحية في عرض المشكلة والأزمة، وهي مشاهد سريعة لأبي دعاس والطحان وجاسم.
* أُلِفتُ الانتباه إلى أن لغة المسرحية تشبه لغة الأطفال في كثير من ألفاظها وتراكيبها وأساليب أداء اللهجة الشعبية لتوفير أجواء حيوية، وتوفرُ في الوقت نفسه للأطفال محصولاً لغوياً طيباً، وهي -بعدُ- مسرحية مكتوبة بأسلوب الشعر الحديث تراعي الوزن الشعري أحياناً، وتهمله أحياناً أخرى عن قصد، ومع ذلك فإن اللغة هنا تقوم على توفرِ إيقاعاتٍ موسيقية متنوعة ومختلفة؛ أي بحسب الحالات النفسية والتعبيرية والدرامية، سواء في الطول والقصر، أو القوة واللين، أو التوتر والاسترخاء..الخ..
* لقد علمتني تجربة العمل المسرحي مع الأطفال أن مَنْ يتكلم مثلهم يشبهُهم، حتى لو كان كبيراً، لأن اللغة هي المعبِّر الممتاز عن شخصية وفكر وسلوك صاحبها. لكنّ هذه المشابهة لاتتحقق إلا إذا توّفر شرط آخرُ هو اللعب الحركي.
* إضافة إلى ماتقدم فإن توفيرَ أنماطٍ غنيةٍ بتفاصيل حياتية خاصة بها يجعل العرضَ المسرحيَ متألقاً ومؤثراً بشكل فعّال في الأطفال، لأن الشخصية النمطية ستوفرُ أداءً صوتياً وجسدياً وحركياً طفلياً محبباً للأطفال جميعاً. وهكذا ستنبع الكوميديا -هنا- مِنْ ثالوث "اللغة- الحركة- الشخصية النمط".
* يهجس الفنان دائماً إلى خلق عرض مسرحي أخّاذ، يسيطرُ فيه الجمال بهدف تطوير ذائقة الأطفال وتنميتها عبر اللغة، والحركةِ، والصورةِ، واللونِ، والنغمةِ، والإيقاعِ. وهذا كله يعني تضافر جميع الجهود الإبداعية، الأمر الذي يُقوّي العلاقة بين النص والعرض مِنْ جهةٍ، وبينَ هذين وجمهورِ الأطفال من جهة أخرى.
* أخيراً:
إن هذه المسرحية تصلح -بحسب رأينا- للأطفال الذين هم مابين العاشرة والخامسة عشرة من العمر، مع إفساح المجال الرحبِ لمن هم دون العاشرة من الأطفال، خاصة حين يقوم اللعب الحركي للشخصيات النمطية بتوفير أجواء حيوية، وحين يوفر المخرج -ومساعدوه- حلولاً بصرية جميلة، مثيرة للخيالِ، يتذوقها الأعم الأغلب من الأطفال، ويستطيع تحليلَ بعض -أو أغلب- علاماتها وإشاراتها.
حمص 1997.
الشخصيات
1- أبو دعاس : فلاح في الأربعين من عمره، طائش وجاهل.
2- الطحان : صاحب طاحونة من جيل أبي دعاس، طائش وجاهل.
3- جاسم : فلاح، من نفس الجيل، طائش وجاهل.
4- مرّوش : فتاة في العشرين من عمرها، يحسبها الناس هبلة.
5- العجوز : فلاح ذو تجربة وخبرة.
6- عرفان : فلاح في الأربعين من العمر، صادق، شجاع، يعشق أرضه.
7- منصور : ابن فلاح، في العشرين من العمر، متعلم صديق الأطفال.
8- ناهد : بنت الطحان،
تلميذه. (12) سنة.
9- دعاس : ابن أبي دعاس، أصدقاء
تلميذ، (12) سنة، منصور
10- حسان : ابن جاسم،
تلميذ (12) سنة.
11- أبو منشار : تابع أبي فلوس، (40) سنة، مكار خداع، واسمه يدل عليه.
12- أبو فلوس : تاجر، جشع، (50 سنة). صاحب أراض وبساتين، وكازينو.
13- أطفال : من كل الأعمار.
14- فلاحون وفلاحات : من كل الأعمار.
المشهد الأول : أبو دعاسْ يستنجدُ بالناسْ
(ساحة كبيرة في قرية. نوافذ وأبواب تطل على الساحة- بعض الأشجار الذابلة، وبعض الأشجار المقطوعة أغصانها، أو جذوعها، تفاجئ عين الناظر فتصدمها. تؤدي إلى الساحة طرق تأتي من خارج القرية.
بعض أطفال الحي يلعبون بما ينسجم مع جنسهم، ذكوراً وإناثاً، وهذا يعطي -بطبيعة الحال- انطباعاً جميلاً لأجواء اجتماعية طيبة- ويوحي بحيوية جميلة قوامها الأطفال أنفسهم.
فجأة نسمع صراخاً لرجل مفجوع، يتنبه إليه الأطفال أولاً.. إنه صوت أبي دعّاس).
الصوت : هِي ياهُو
هِي ياناسْ
(يدخل أبو دعاس ملهوفاً، مرعوباً يحمل في يده فأساً مكسورة- يظهر رجل عجوز وتدخل مرّوش، وفلاحون.. الخ...).
أبو دعاس : هِي ياهُو
هِي ياناسْ
جفَّ الماءْ
وأنا أسْقي
وانكسرتْ في الأرضِ الفاسْ
هِي ياهُو
هِي ياناسْ
مرّوش : (تقلد أبا دعاس في صوته وحركاته وخوفه وكأنها تسخر منه).
هِي ياهُو
هِي ياناسْ
لا تصرخْ يا أبا دعَّاسْ
أبو دعاس : يامرَّوشْ
مرّوش : (كأنها تقلد الساحرات)
حوشْ.... حوشْ
أبو دعاس : هبَّ هواءٌ في وجهي
مرّوش : نارُ جهنَّمْ؟!
أبو دعاس : قولي أعظمْ!!
مرّوش : حتّى تَفْهَمْ!!
أبو دعاس : (مندهشاً لأنه لم يفهم معنى كلامها)
أفِهمُ ماذا؟!
هبَّ هواءٌ خَرَبَ الترَبةْ
فتتَّها حَبَّةْ
حَبَّةْ
الجميع : (وقد أدهشهم كلام أبي دعاس عن الهواء الساخن).
يعني، ....
تَقْصُدُ طارَ الماءْ؟!
أبو دعاس : (شاكياً، باكياً).
أرضي صارتْ فحماً أسودْ
بستاني أصبحَ أجْرَدْ
مَنْ يلعبُ هذي اللعبَةْ
في الأيامِ الصعبَةْ؟!
مرّوش : (بذكاء ومكر مقصود)
إنّي أعرفْ
أبو دعاس : (ملهوفاً) قولي مَنْ ؟!
مرّوش : الكلبَةْ
أبو دعاس : (وقدأدهشته إجابة مرّوش)
الكلبَةْ؟!!
مرّوش : إي...
كلبَةُ جاسِمْ
الجميع : (بدهشة) ماذا؟!
أبو دعاس : (يدفع مرّوش بقوة) رُوحي يا...
رُوحي مِنْ وجهي أفضلْ
لا يَنْقُصُني إلا هَبْلةْ
مرّوش : أنتَ الأهْبَلْ
تأكلُ.. لكنْ
لا تعملْ
أبو دعاس : (منزعجاً) يا مرّوشْ
روحي مِن وجهي، رُوحي
رُوحي حتى لا أغضبْ
مرّوش : لن أذهبْ
السَّاحةُ مِلكُ القريَةْ
وأنا في الساحةِ ألعبْ
مع أصحابي
(وتشير بيدها نحو الأطفال، ثم تبدأ بالدوران والرقص ومعها الأطفال وهي تردد صيغة لحنيه).
لا، لا، لل لل لا...
ترل لل لل لمْ
لا، لا،لا
هيّا نرقصْ
هيّا نلعبْ
نتسلى
ماأحلانا ...
ما أحلى!!
المشهد الثاني : البومةُ تلعبُ بالسحرِ والطحانْ مرعوباً يجري
المشهد الثاني
(يدخل الطحان وقد امتلأت ثيابه بذرات الطحين.. يبدو عليه تماماً خوفه ورعبه، إنه يرتجف منادياً الناسَ وهو يدور بينهم).
الطحان : هِي ياناسْ
أهلَ الخيرِ
هِي ياناسْ
أهلَ الخيرِ
أبو دعاس : (يمسك بالطحانَ خائفاً ويهزه).
ياطحّانْ
ماذا يجري؟!
(وهو يريه الفأس المكسورة)
انظرْ...
أترى؟!
فأسي انكسرَتْ
تربةُ حقلي يا طحانْ
أقسى مِنْ صخرِ الصّوانْ
ماذا يجريّ؟!
مرّوش : (كأنها ساحرة، تقلّد صوتَ الغراب)
قاقْ قاقْ
البومةُ تضْربُ بالسحْرِ
وتحيلُ الأرضَ إلى وَعْرِ
الطحان : (مرعوباً) يا أللهْ
أبو دعاس : لا تَسْمَعْها،
خَبِّرْنا...
الطحان : طيبْ ، طيبْ
(وكانه يتذكر ماجرى معه، يحكي في البداية بهدوء...)
كنتُ أُديرُ الطاحونَةْ
أطحنُ للناسِ المونَةْ
فجأة
مرّوش : (ومعها الأطفال الذين تقودهم في ألعابها)
إي
الطحان : (بخوف) إي ماذا؟!
أبو دعاس : أكملْ
الطحان : زَعَقَ الحجرُ الأزْرَقْ
مرّوش : (ومعها الأطفال) زِيقْ
الطحان : وتوقّفَ كالأحمقْ
أبو دعاس : تابعْ
الطحان : حاضرْ
قمْتُ، دفَعْتُ، سحَبْتُ، جرَرْتُ
فانقطعتْ مني الأنفاسُ
ثمَّ صرختُ.
مرّوش : (تقطع كلام الطحان، وتبدأ بأهزوجة، تدور في المكان والأطفال يقفزون وراءها فرحين، هي -وهم- يقلدون أفعال الطحان).
دُوري دُوري ياطاحونَةْ
دوري دوري ياشَعْنُونَةْ
حتى أطحنَ قمحَ الناسْ
منْ باقي المونَةْ
دوري
(وهم يقلدون حماراً)
حا...
دي، دي
دوري ، دوري
(يتوقفون عن لعبهم، وكأنهم فشلوا...)
حَرَنَتْ مثلَ حمارِ
هِشْ
الطحان : (كان قد استمتع بلعبة مرّوش، والأطفال لأنهم -حقاً- قلدوه بما فعل، ولهذا فهو فرح، لكنه مندهش).
صَحْ!!
حرَنَتْ مثلَ حماري
كيفَ عرْفتِ؟!
مرّوش : جحشُكَ ينهَقُ بالأخبارِ
الأطفال : (يقلدون صوتَ نهيقِ الحمار)
ها... ها... ها... ها...
أبو دعاس : (يصرخ) بسْ.. يكفي
الطحان : (يدفع مرّوش بيده)
رُوحي عنّي
(ويلتفت نحو الناس الآخرين)
قولوا لي..
ماذا أفعلْ؟!
مرّوش : أحسنُ شيءٍ، لا تسْأَلْ
الطحان : والطاحونْ؟!
المشهد الثالث: هل تشربُ ضبعٌ نهرا أمْ يشرَبُ فأرٌ جرّةْ؟!
المشهد الثالث
يخترقُ جموع الفلاحين جاسم نادباً، صارخاً، مندهشاً)
جاسم : هي ياهُو
غارَ النَّبْعُ
غارَ النَّبْعُ
الطحان : ومعه أبو دعاس، وهما ينظران إلى بعضهما بدهشة)
ماذا؟! ... ويلي ...
غارَ النَّبْعُ
مرّوش : ساخرةً)
.. طبعاً.. شَرِبَتْهُ الضَّبْعُ
جاسم : مرّوشْ يا مروش
يافهمانَهْ
أكبرُ ضَبْعٍ لا تَشْرَبُ جَرَّةْ(1)
مرّوش : بذكاء وسخرية)
بصراحةْ....
وهي تنظر في وجوهِ الناسِ، كأنها تتأملها....)
شربَتْهُ الهرّةْ
جاسم : بدهشة) هِرَّةْ؟!
الطحان : بدهشة) قطَّةْ؟!
أبو دعاس : لا... هذي خرَطةْ(2)
مرّوش : تقلد صوت الهرة) نَوْ... نَوْ...
جاسم : كيفْ؟!
وبعينيَّ رأيتُ الماءْ
تَشفُطُهُ الأرضُ الصماءْ؟!
الفلاحون: إي؟!
جاسم : مستنكراً)
إي ماذا؟!
أمّا النارُ
فيا ويلي،
هدَّتْ حَيْلي(3)
كالإعصار
خرجتْ مِنْ بينِ الأشجارْ
وانفجرتْ كالزعقهْ(4)
الأطفال : يقلدون صوت الانفجار)
بُمْ...
وينبطحون على الأرض. في هذه اللحظة يدخل عرفان، الفلاح الصادق، إنه رجل يعمل في أرضه بإخلاص. وهو يحمل على كتفيه مضخةَ رشّ مبيدات حشرية. يدهش لما يرى...)
جاسم : آخ.. آخ
وأنا مِنْ خوفي
مرّوش : خِرقَهْ
جاسم : مستنكراً) ماذا؟!
الطحان : لم يصدق) خِرْقَهْ؟!
أبو دعاس : لمرّوش) سوفَ أكسِّرُ هذا الرأسْ
ويهم أبو دعاس هاجماً نحو مرّوش التي تهرب وتختبئُ خلف ظهر عرفان)
مرّوش : خبئْني ياعرفانْ
من هذا السكرانْ
العجوز : يصرخ) يكفي... بَسْ
أبو دعاس صار أمام عرفان، وجهاً لوجه. لحظات متوترة بينهما- يلتفت أبو دعاس ناحية العجوز مرتبكاً. العجوز يتابع).
هذا عيبْ...
مانفعلُهُ عيبْ!!
أبو دعاس : هي مَنْ بدأتْ
عرفان : بهدوء) بدأتْ ماذا؟!
لا يجهلُ أحدٌ مرّوشْ،
كلُّ القريةِ تعرِفُها
صادقةً،
طيّبةً،
ولهذا،
نسمَعُها ونمازِحُها
أبو دعاس : لعرفان) صَحْ!!
نسْمَعُها ونمازِحُها
أنا لا أُنكرْ
لكن...
ليسَ لها أنْ تسخرَ منّا
وتُشَرْ شِحُنا!!).
هذا عيبْ
يصرخ في وجه عرفانْ)
هذا عيبْ
ياسيدَ عرفانْ
عرفان : بهدوء) ماذا يجري؟!
قرَيتُنا مقلوبَهْ.
والدنيا مقلوبَهْ!!
يتقدم نحو العجوز، وخلفه مرّوش خائفة، يسأل العجوز)
ماذا ياجدي؟!
أخبرني..
العجوز : واللهِ ياإبني
لا أدري
ما أسمعُه حَيّرني
بصراحَهْ
ما أسمعُهُ
عقلي لا يقبَلُهُ
لكنْ...
أبو دعاسْ
لا يكذبْ،
والطحانْ،
لايكذبْ،
مرّوش : ساخرة) وعمي جاسمْ؟!!
العجوز : أيضاً جاسمُ لا يكذبْ!!
عرفان : لم أفهمْ
مرّوش : تقفز أمام عرفان وتتفاصح ساخرة)
ياعرفانْ
يافهمانْ
كلُّ القصةِ ياحبابْ
أنّ السيدْ
أبا دعاسْ،
والطحّانْ،
والسيدَ جاسمْ،
يحكونَ خرافهْ
يعني كذبَهْ
بلطافَهْ
أوْ بنظافَهْ،
كذبّهْ
لا تدخلُ من طاقَهْ
أو مِنْ بابْ
ياحبَّابْ
وتضج بالضحك، فيضحك معها بعض الفلاحين، وعرفان....)
جاسم : يامرّوش
أنا لا أكذبْ
أقسمُ أن الماءْ
غارَ إلى بطنِ الأرضِ
وأنا أسقي
الطحان : وأنا أقسمُ ياعِرفانْ
أنَّ رحى الطاحون الزرقا
مروش : بسرعة) حرنَتْ مثلَ حمارِ
الطحان : لعرفان) أترى؟!!
نحنُ نُعاني الآنْ
مِنْ خوفٍ وخَطرْ
يمكنُ أنْ يصبحَ أخطرْ
مع ذلكَ
أنظرْ..
ويشير إلى مروش)
مروشْ...
منّا تسخرْ
عرفان : بهدوء) أكملْ
الطحان : دهشاً) أكملُ ماذا؟!
انقطعَ الماءُ عن النهرِ،
شيءٌ مثلُ السحْرِ
لكنْ، فجأهْ
طارَ الماءْ
حتى صارت قاعُ النهرِ،
كما الصحراءْ
أبو دعاس : يتدخل) انظرْ ياعرفانْ...
انظرْ
يريه فأسه المكسورة، وهو يتألم)
فأسي انكسرتْ
طاخْ
مِنْ أولِ ضربَهْ
انفلقَتْ
أرضٌ مثلُ الصخرِ
أقسمُ أني لا أَخْدَعُكُمْ
عرفان : بهدوء) غضبُ اللهِ يحُلُّ عليكمْ .
يامَنْ بالنعمةِ ضحَّيْتُم
فتكبَّرْتُم
وتجبّرْتُمْ
جاسم : بدهشة) هل تعني أنَّا نكذبْ؟!!
عرفان : لا....
بل مايجري حقٌ
صدقُ
أصوات : متفرقة) ماذا؟!
حقٌ؟!
صدقُ؟!
عرفان : مَنْ لا يرعى بستاناً،
أو حقلاً،
أو كرْماً،
أو أرضاً،
مَنْ يحيا في فوضى،
مَنْ يقطعُ شجرا،
مَنْ يحرقُ زرعاً ،
مَنْ يَردُمُ نهْرا،'
مَنْ يطمُرُ نبعَا
لنْ يحصُدَ غيرَ الخوفِ
وغيرَ الرعبِ
وغيرَ الموتْ
أبو دعاس : خائفاً- يحتجّ) ياسيدَ عرفانْ
عرفان : يتابع وكأنه لم يسمع صوت أبي دعاس)
ها أنتمْ أبصرْتُمْ
كيفَ يجيءُ الموتْ
ويحاصرُكُمْ،
يُخْرِسُ كلَّ حناجِرِكُمْ.
الآنْ،
لَنْ يُنقذكُم صوتْ
مِنْ أنيابِ الموتْ
لحظَتها
ستكونونَ أرانبَ مذعورهْ،
بلْ مثلَ كلابٍ تنبُحُ
في أرضٍ مهجورَهْ
صمت- الكل دهشون- يتقدم عرفان من العجوز)
سامِحْني ياجّدي،
قصدي
أنْ يَنْتَبهَ الناسُ مِنْ الغَفْلَهْ
لم أقصدْ تجريحاً،
أو توبيخاً،
لكنّ القريَةَ مفجوعَهْ،
أينَ نظرتَ ترى زرعاً محروقاً،
أو أشجاراً مقطوعَهْ
ونحنُ نسَلّمُ رَقبَتَنا
لقليل الناموسْ
أبي فلوسْ،
وللدّجالِ الماكرْ
أبي منشارْ
الغادرْ
بأسى ومراره) ما أغبانا
ما أتفَهَنا
صمت طويل.وفجأة تقطعُ مرّوش هذا الصمت بحيويتها وهي تصرخُ وتقفز)
مرّوش : تَسلمْ
ياعرفانْ،
تسلمْ
تَسلمْ
يافهمانْ،
تَسلمْ
تُحمس الأطفالَ والنساءَ....)
كفْ.. يا أولادْ...
كف...
تصفق،ويصفق الأولاد والنساء...)
الاولاد:هيه..
تصفق مرّوش، وهي تدور بين الجميع فرحةً مرددة أهزوجة والأولاد يرددون خلفها).
مرّوش : كفْ ... كفْ
للفهمان
الأطفال : كفْ ... كفْ
للفهمان
مرّوش : كفْ..
للسيدِ عرفانْ
الأفال : كفْ..
للسيدِ عرفانْ
في غمرة رقص الأطفال مع مرّوش حول عرفان، يخترق المرحَ صوتُ طبل قوي. يُصيخ الجميعُ السمعَ بترقب وانتباه...).
مروش : لقد عرفت الطبل)
هَهْ...
"أذكرْ الديبْ"(5)
"وجهِّزِ القضيبْ"....
وتقلد صوت زمور السيارة، وكأنها سائق.. وخلفها الأطفال)
بيبْ ، بيبْ....
الأطفال : بيبْ ، بيبْ....
(1) الضَّبُعُ= حيوان كاسر . وهي مؤنثة، تطلق على الذكور والإناث.
(2) خَرْطةْ= كذبة، وهي لفظة عامية يستخدمها الأطفال في حديثهم كثيراً.
(3) حَيْلي= قوتي، وهي لفظة فصيحة.
(4) الزعقة: هي الصوت الشديد، والصراخ القوي المخيف، وهي هنا تعني الصاعقة النارية التي تسقط من السماء، زاعقة، وحين تصطدم بالأرض تنفجر، وتطلق صوتاً مرعباً، مدمراً لذلك سمّاها الناس زعقة) بسبب صراخها المرعب.
(5) مثلٌ شعبي. معناه أنك إذا ذكرت أحداً فإنه يحضر -يظهر- أمامك سريعاً وهذا من تأثير اعتقاد الناس قديماً بأن للكلمات، وبخاصة الأسماء، قوة سحرية، و"الديب" هو الذئب. و"القضيب": هو العصا.
المشهد الرابع: ماذا يحملُ مِنْ أخبارْ أبو منشارْ وهو الكذابُ الغدَّارْ؟!!
المشهد الرابع
صوتُ أبي منشار يعلو- وهاهو يظهر أمام الجميع مغنياً، دائراً بين الناس)
أبومنشار : هِيْ يا أهلَ الدارْ
التنينُ أبو ألسِنةِ النارْ
شفطَ مياهَ الآبارْ
مرّوش : بدهشة) ماذا؟!
عرفان : بثقة) تكذبْ!!
أبو منشار : ينافق) مَنْ؟!!
السيدُ عِرفانْ؟!
أهلاً..
أهلاً بالرجلِ الحبّابْ
أهلاً يا أطيبَ إنسانْ
وفجأة يمسك بذراع عرفان ويسحبهُ بعيداً عن الناسِ المندهشين، ويكلمه هامساً)
لو تسْمَعُ مني تكسَبْ
عرفان : دعني
أبو منشار : يمسك به) احوالُكَ تصبحُ أحلى
أيامُكَ تغدو أطيبْ
عرفان : لا منْكَ ولا مِنْ غيركَ اسمعْ
يرفع صوتُه) زرعي أبداً لن أحْرِقْ
شجري أبداً لنْ أقطعْ
أبو منشار : بهدوء) لَهْ، لَهْ، لَهْ
ترفضُ نِعْمهْ؟!
يغريه) ترفضُ ذهباً
فِتْنَتُه فِتْنَهْ؟!
رَنَّتُهُ
موسيقا الجنَّه؟!!!
عرفان يباغت أبا منشار، ويقبض بكلتا يديه على رقبته ويبدأ بخنقهِ)
عرفان : أنذرْتُكَ أكثرَ من مرّهْ
أنْ تُعْفِيني مِنْ لعبَتِكَ القذِرَهْ
لكنكَ لم تفهمْ قصدي
بالمرّهْ
ويضغط) بالمرّهْ
ثم يقذف به نحوالناس. أبو منشار يترنح وهو يخبط على طبله مبتسماً ليداري موقفه وسط دهشة الناس. أما عرفان فيغادر الساحة مسرعاً دون أن ينظر خلفه على الإطلاق، مروش تزغرد، أبو منشار يخبط الطبل ويصرخ...).
أبو منشار : بَسْ... بَسْ.
هِيْ يا أهلَ الدارْ
التنينْ
سرقَ النبعَ وطارْ
كالإعصارْ
يتباكى - وهو يلطم على خديهِ)
ماعادَ هناكَ سواقي
ماعادَ هنالكَ أنهارْ
جاسم: للناس) أسمعتُمْ ماقالْ؟!
ماعادَ هنالكَ أنهارْ
يعني غاضَ الماءْ
بلعَتْهُ الأرضُ الصّماءْ
يصرخ) أنا لاأكذبْ
أبو منشار : وأنا أيضاً
ويخبط على طبله بقوة)
جاسم : بسْ يا...
ماذا نفعلْ؟!
أبو منشار : ياويلاه
مرّوش : هلْ أُخبرُكُمْ؟ !!
الطحان : قولي..
مرّوش : أفضلُ شيءٍ
أُدْعوا اللهْ
كي يرحمَكُمْ
في محنَتِكُمْ
أوْ...
أوْ حتى
-مِنْ نار جهنَّمَ-
يُنقِذَكُمْ
أبو منشار : يرفع فوراً يديه نحو السماء ويتضرع.. كاذباً)
ياربْ.....
يا اللهْ...
الجميع : يقلدون أبا منشار، بشكل عفوي، العجوز يحرك شفتيه وعيوش دهشة)
ياربْ
يا أللهْ
يا أللهْ..
وبعفوية يتوحد الجميع ضارعين إلى الله ليرحمهم، أبو منشار يضرب على طبله إيقاعاتٍ منتظمة، بحيث يتحرك الناس للرقص الطقوسي الديني، أما هو فينسحب بعد أن يندمجَ الناس في تضرعاتهم وأناشيدهم).
يا أللهْ
ارحمنا
يومَ الشدَّهْ
ساعدْنا
مِنْ عطفِكْ
لا تحرِمْنَا
وامنحنا خيْراتِ الجنَّهْ
يا أللهْ
ارحَمْنا
تهبُ ريحٌ قويةٌ ساخنةٌ، فيتمايلون، يتعرقون يمسحون عرقهم عن وجوههم وجباههم، ويتفرقون عن بعضهم، لكن الإنشاد الجماعي يبقى واحداً، متوحداً، والشكوى هي اللحن الواضح في الغناء)...
الريحُ الريحْ
تلسَعُنَا
بلهيبِ النارْ
تحرقُنَا
عطشٌ للماءِ ولا ماءٌ
يَروينا
يُطفِئُ غُلَّتَنَا(1)
يا أللّهْ
ارحمْنَا
صِرْنا كالفحمْةِ واسْودَّتْ
مِنْ نارِ جهنمَ جلْدَتُنَا،
ياربَ الكونِ ارحمنا
ياربَ ارحمنا ياربْ
حالتُنا صارتْ أصعَبْ
يا أللهْ
تتكرر الجملةُ الأخيرةُ بأسلوب متسارع يتناسبُ مع الدوران الراقص، ومع طبيعة الإيقاعات الصاخبة والحالة النفسية اليائسة للناس... وعند النهاية يركَعُ الجميع، ورؤوسهم وأيديهم ضارعة إلى الله).
(1) الغُلَّة= بضم الغين هي العطشُ الشديد.
المشهد الخامس : ماهي أسبابُ اللعنةْ؛ ولماذا غرقَ الناسْ في المحنَةْ؟!
المشهد الخامس
دون سابق إعلان يدخل أبو فلوس مسرعاً، إنه سمين كالفيل، وخلفهُ أبومنشار حاملاً حقيبةً فيها أوراق هي سندات الأراضي والحقول والبساتين التي سرقها بالخداع من الفلاحين، كان أبو فلوس وأبو منشار قد سمعا كلام منصور، ولذلك فإن أبا فلوس يهاجم منصوراً مباشرة، لكن بأسلوب هادئ ماكرٍ خبيث.
أبو فلوس : لَهْ ، لَهْ
يانكرَهْ
أنا ظالمْ
ومعي لأهالي الضيعِة بشرى؟!!
يخاطب الجميع خاصة الفلاحين الثلاثة)
عالْ؛ عالْ
كنّا في عمرانْ
صرنا في منصورْ
وأنا بينَّكُمُ المظلومْ
والمأكولُ
المذمومْ
بقوة) ذاك العرفانُ الشيطانْ
سوفَ أكسِّرُ رأسَهْ
ولتشهدْ كلُّ الضيْعةْ..
اشهدْ ياطحانْ ،
أبا دعاسْ
اشهدْ ياجاسمْ
منصور : لا تتحدثْ عَنْ عرفانْ
أحسنُ لكْ
حتى لا تتبهْدَلْ
أكثرَ مِنْ ذلكْ
أبو منشار : يشهق من دهشته الماكرة -يؤنب الناس، ويذكرهم بأفضال سيده أبي فلوس عليهم....)
ياعيبَ الشومْ
ياعيبَ الشومْ
ماذا يجري؟؟!!)
فعلاً أبو فلوسْ
مأكولٌ مذمومْ
ما أغباكُمْ!!
يصرخ) تلفزيونْ
بالألوانْ
أعطيناكُمُ
ليسليّكُمْ
عُدَّوا خلفي، عُدّوا
يعد على أصابع كفه)
فيهِ فرانسا
فيهِ روسيا
هولندا
والنمسا
أبو فلوس : متباهياً) فيهِ أيضاً
أمريكا
مرّوش : أنا ماعندي أمريكا
أبو منشار : بثقة) لا يُمكنْ!!
مرّوش : ولماذا لا يُمكنْ؟!
آ....؟!!
أنا ماعندي تلفزيونْ
يضحك بعض الفلاحين، بينما هي تتابع)
حتى تظهرَ أمريكا
ساخرة) وسايكلْ فاكسونْ
أبو منشار : ماذا؟!
يحاول أن يصحح لها...)
مايكلْ جاكسونْ يا مرّوشْ
يؤكد كلامه) مسترْ فاكسونْ
مرّوش : مسترْ جاكسونْ
باكسونْ
أنا لا أعرفْ
فاكسونْ يعني
علكة نايلون!!
ضحك بين الفلاحين- أبو منشار يرتبك قليلاً)
أبو منشار : يا فهمانهْ...
يا فهمانَهْ....
مسترْ جاكسونْ
أعظمُ مطربْ
في العالمْ
في الكونْ
أبو فلوس : يتراقص باسماً) يَفْتِنْ،
ويُجنِّنْ
تغتنم مروش الفرصة لتسخر من مايكل جاكسون وأبي منشار وأبي فلوس وقليلاً قليلاً يبدأ الأطفال بالغناء والرقص معاً).
مرّوش : يايْ، يايْ
يتقصَّعُ ويُغني
الأطفال : غنِّ
مرّوش : يتشقْلَبُ كالجنّي
الأطفال : جِنّي
مرّوش : ويُدَنْدنْ
الأطفال : دنّي، دنّي
مرّوش : والدربكهْ
الأطفال : ياعيني
مرّوش : تعملُ دبكَهْ
الأطفال : ياعيني
مرّوش : والمزمارُ يحنْ
دُقيّ يادربكهْ
جنّي
الأطفال : جنّي، جنّي، جنّي
إيقاعات الدربكة تملأ الأسماع، ويرقص الأطفال رقصاً عربياً، تنطلق بعض الزغاريد. وبعد لحظات تصرخ مرّوش لإنهاء الرقص).
مرّوش : يكفي، بسْ
الأطفال : بفرح) هيهْ
جاسم: وكان قد فرح بما جرى، وهو يسأل دهشاً)
مسترْ جاكسونْ
يرقصُ عربي؟!
أبو منشار : متباهياً كاذباً) يووووهْ...
يعدد) عربي، تركي
إسباني
هُزّي، هُزّي
تشْا شا شْا
يرقصُ سامْبا،
ملكُ الرقاصينْ
لكنْ أنتمْ
مّكاروْن
بالنعمةِ لا تعترفونْ
أما قدَّمْنَا للأطفالْ
أفلامَ الكرتونْ
ببرامِجها تتسلَّونْ؟!!
يعني
ناسٌ مِنْ كرتونْ
حيواناتٌ مِنْ كرتونْ؟!
مرّوش : باسمِ اللهْ
تعني الشيطانَ الملعونْ؟!!
أبو منشار : هسْ... هسْ
ويتابع) أما المعتبراتْ
مِنْ أحلى السيداتْ
أبو فلوس : وهو يبتسم) فأعطيناهُنَّ ثيابَ حريرْ
تلبَسُها السيدةُ وتمشي
فيهفُّ الثوبُ عليها
أبو منشار : يبالغ) ويُجَنُّ، يُجَنُّ
يطيرْ
أبو فلوس : وللأوانِسِ الملاحْ
أبو منشار : حُمَرهْ
لخدودِ التفاحْ
أبو فلوس : وأحلى الأزياءِ المعروضَهْ
مرّوش : تقلد عارضات الأزياء بأسلوب ساخر، وهي تغني....)
ضيّقَةٌ وعريضهْ
تَرَلَمْ
للسمرا
والبَيْضا
تَرَلَمْ
أبو منشار يمسك بمروش وهو يهزها)
أبو منشار : بَسْ... بَسْ... بَسْ
أفْ...
أبو فلوس : وصحونُ التلفزيونْ.؟!!
أبو منشار : ها ها آ آ آ .....
بالتقسيطْ
أعطيناكُمْ،
أو بالدينْ...
كي تكتشفوا المعمورَهْ!!
خلَّيْنَا في أيديكُمْ
كلَّ الكونْ
في أحلى صورهْ
أبو فلوس : "وسوبر ماركتْ"
للفواكِهِ والخضره
كأنه يسألهم) صحْ؟!
الطحان : صحْ!!
جاسم : صحْ!!
أبو دعاس : بلهفة) خلّصْنا يا أبا فلوسْ
خلّصْنا
هاتِ البُشرى
أبو فلوس : مافي بُشرى
أبو دعاس : دهشاً) لَهْ ، لَهْ
حتى لا تشمتَ مرّوشْ
أو منصورْ
أو.....
عِرفانُ الشيطانْ
أبو منشار : طيّبْ، طيّبْ
يعلن) البُشْرى
أحلى سهْرَهْ
الطحان : فهِّمْنَا
أبو منشار : رقصٌ، موسيقا،وغناءْ
يتمايلُ) أشياءٌ تنطحُ أشياءْ
مرّوش : بذكاء) يعني، عندَكَ رّقاصهْ
أبومنشار : يصرخ) صَحْ!!
الساحرةُ الرّقاصَهْ
طاردَهُ النحسِ
أمُّ العينِ الدبلانَهْ
كورَيْقةِ خسِّ
أبو فلوس : لا تفضْحْ سَهْرَتنا
بَسْ
أبو منشار : أنا لا أفضَحُها
بالعكسْ
يخاطب الفلاحين ليغريهم)
سَهْرَتُنا ضدَّ الأفكار الرجعيهْ
والأوجاع الرأسيَّهْ..
والسهرهْ
لا تحلو أبداً...
إلا بنقودٍ ذهبيَّهْ
الفلاحون : بأصواتٍ متفرقة دهشة وهم ينظرون إلى بعضهم بعضاً...)
ذهبيةْ... ذهبية...؟!!
أبو منشار : وقد فعلت كلماته فعلها في الفلاحين)
تكْرُج كرْجَ عروسْ
جاسم: بفضول) كيفْ؟!!
أبو منشار : يُعطيها للشاطرِ منكُمْ
أبو فلوسْ
يصفق أبو منشار فيصفق معه الطحان وأبو دعاس وجاسم وبعض الفلاحين)..
منصور : هذا مقلبْ
يلعُبُه هذا الشيطانُ
ثم يشير نحو أبي فلوس)
وهذا الثعلبُ
أبو فلوس : مُنزعجاً، يكاد يبكي)
أبا منشارْ...
هذهِ إهانةٌ مِنْ حاقدٍ لعينْ
اسمعوا سأحلفُ اليمينْ
أبو منشار : يمثل أنه خائف....)
لا... فإن جسمي يرتعدْ
أبو فلوس : يدفع أبا منشار بعيداً)
سأحْلِفُ
ابتعدْ.
وحقِّ صَحْنِ اللحمِ والكُبَبْ
أبو دعاس : ومعهُ رفيقاه)
اللهْ
أبو فلوس : والعودِ والمزمارْ
ورنَّةِ الدربكةْ
والرقصِ والطربْ
أبو دعاس : ومعه رفيقاه)
ياعِينْ
أبو فلوس : وفوقها..
أبو منشار : عصيرٌ مِنْ تفاحْ
أبو فلوس : شرابٌ مِنَ عنبْ
أبو دعاس : ورفيقاه) ياليلْ
أبو فلوس : وفوقها
أبو منشار : يصرخ ويدور بين الفلاحين)
وفوقَها...
اسمعوا... وفوقَها...
أبو فلوس : رنينُ ليراتِ الذهبْ
أبو منشار : ذهبْ!!
أبو دعاس : بدهشة) ذهبْ، ذهبْ؟!!!
لمنصور وكأنه يشتمه)
"تبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتَبْ"(1)
يامُوجِعَ القلوبْ
ياصانعَ الشَّغَبْ
أبو فلوس : لكنني زعلانْ
(1) قرآن كريم: سورة المسد.
منصور ؟: (ساخراً، يغني فيرد عليه الأطفال، وتشاركه مرّوش)
أبا فلوس لا تزعلْ
مِنْ أفعالِكَ لا تخجلْ
مادامتْ أموالُكَ أقوى
مِنْ فلاحٍ لا يعملْ
***
لا تزعلْ مِنْ فلاحينْ
ركضوا خلفَ السهرّياتْ
عافوا الأرضَ
وزرعَ الأرضْ
قطعوا بالفأسِ الشّجراتْ
جَهْلٌ وكسَلْ
وضياعٌ أملْ
آخٍ آخْ
مِنْ فلاحٍ لا يعملْ
مرّوش: تغني وترقص بأسلوب ساخر في وجه أبي فلوس)
لا تزعلْ مِنْ فلاحينْ
عشقوا وجهَ التلفزيونْ
أكلوا "هامبورغرْ"
مع "بيتزا"
في أطباقٍ مِنْ "كرتونْ"
نام الناسْ
عن الأحساسْ
والظّلمْ استفحلْ
والعاقلُ ياعيني - صارْ
أكثرَ مِنْ أهبَلْ
آخٍ أخْ
مِنْ فلاحْ لا يعملْ
لا، لا....
لا تزعَلْ
أبو فلوس : صارخاً) بلْ أزعلْ
أبو منشار : لا يُمكن
يزعلُ عنترْ
لكنْ أنتْ
لا تزعَلْ!!
أبو فلوس : نمشي أفضَلْ
يستدير في محاولة للذهاب، لكنه لا يخطو خطوة واحدة)
أبو منشار : يصرخ في الفلاحين)
اسمعوني
أبو فلوسْ
أطيبُ منكُمْ
يزعلُ، يغضبْ
ويُعَصِّبْ
لكنْ
بعدَ قليلٍ سَيُسَامِحُكُمْ
أبو فلوس : لا... لا...
لا تُحرِجْنيْ،
هيا نمشي...
عجّلْ..
أبو منشار : حاضرْ
أما السهرةْ
أبو فلوس : مافي سهرةْ
أبو دعاس : لَهْ، لَهْ
أبا فلوس
ياسيدَنا
وهو يشير نحو منصور)
هذا الأفندي المنحوسْ
يتكلمُ عَنْ نفسِهْ
أمّا نحنُ
أبو فلوس : أنتمْ ماذا..؟!
جاسم : أطلبْ...
أبو دعاس : جرّبْ
أبو فلوس : طيّبْ
أبو منشار : عالْ، عالْ
ماذا يأتي بعدَ التسْعَهْ؟!
الطحان : تأتي عَشَرَهْ
أبو منشار : وإذنْ عَشَرَهْ
سِعْرُ السَّهرَهْ
منصور : ماذا؟!
شجرَاتٌ عشرٌ للسهرَةْ؟!
أبو منشار : وثلاثونْ
للفنّانَهْ
الشُحْرُرَةْ
ترقصُ كفراشاتِ الجنّهْ
وتغني كالعُصفورَةْ
جاسم : أبا منشارْ
ماهذي الأسعارْ؟!
أبو منشار : يتابع) أما طبّالُ السهرةْ!!
أبو دعاس : بدهشة) ماذا؟!...
ينظر إلى رفيقيه) ندفعُ للطبّالْ؟!
أبو فلوس : شجرةْ
أبو منشار : وَلأزِياءِ الراقصةِ الغَنْدورةْ
في أحلى صورةْ...
منصور : يقاطع أبا منشار)
هذا نصْبٌ ياجاسِمْ
نصْبٌ يا طحانْ
قلْ شيئاً يا أبا دعاسْ
أبو منشار : هذا سِعْرٌ دِعَايَةْ
حتى يفرح كلُّ الناسْ
في وجه منصور)
أُفْ...
"قل أعوذُ بربِّ الناسْ"(1)
مِنْ هذا الولدْ
أبو فلوس : "ومِنْ شرِّ حاسدٍ إذا حَسَدْ"(2)
أبو منشار : لمنصور) ياحسودْ
أبو فلوس : ياحقودْ
أبو منشار : نمشي أفضلْ
أبو فلوس : أفضلْ
ومع بعضهما) هيا...
ويمشيان، لكن مرّوش تبدأ أغنيةً ساخرة يسمعان منها مطلعها).
مرّوش:
زَعلَ الغولْ
جُنّ الغولْ)
ومضى يجري
كالمخبُولْ
لا يعرفُ عَرْضَاً مِنْ طولْ
يبكي يتمسكنْ
الأطفال : يالا لّلي
مرّوش : حتى يتمكَّنْ
الاطفال : يالا للّي
مرّوش : يقتُلنا مِنْ دونِ سلاحْ
كلَّ مساءٍ... كلَّ صباحْ
بالحفلاتْ
بالديسْكُو
بالسَّهريّاتْ
حتى نبقى دونَ عقولْ
عيني، ياعيني، ياعيني
هذا شيءٌ لا معقولْ
والفلاحْ
أبو الخُضْرَهْ
أبو التفّاحْ
يُتخِمُهُ الحمّصُ والفولْ
هذا شيءٌ
لا معقولْ
المشهد السادس: كيفَ يشتري أبو فلوسَ هؤلاءَ الناسْ؟! ويخنُقُ الضميرَ فيهُمُ ويقتلُ الإحساسْ
المشهد السادس
دون سابق إعلان يدخل أبو فلوس مسرعاً، إنه سمين كالفيل، وخلفهُ أبومنشار حاملاً حقيبةً فيها أوراق هي سندات الأراضي والحقول والبساتين التي سرقها بالخداع من الفلاحين، كان أبو فلوس وأبو منشار قد سمعا كلام منصور، ولذلك فإن أبا فلوس يهاجم منصوراً مباشرة، لكن بأسلوب هادئ ماكرٍ خبيث.
أبو فلوس : لَهْ ، لَهْ
يانكرَهْ
أنا ظالمْ
ومعي لأهالي الضيعِة بشرى؟!!
يخاطب الجميع خاصة الفلاحين الثلاثة)
عالْ؛ عالْ
كنّا في عمرانْ
صرنا في منصورْ
وأنا بينَّكُمُ المظلومْ
والمأكولُ
المذمومْ
بقوة) ذاك العرفانُ الشيطانْ
سوفَ أكسِّرُ رأسَهْ
ولتشهدْ كلُّ الضيْعةْ..
اشهدْ ياطحانْ ،
أبا دعاسْ
اشهدْ ياجاسمْ
منصور : لا تتحدثْ عَنْ عرفانْ
أحسنُ لكْ
حتى لا تتبهْدَلْ
أكثرَ مِنْ ذلكْ
أبو منشار : يشهق من دهشته الماكرة -يؤنب الناس، ويذكرهم بأفضال سيده أبي فلوس عليهم....)
ياعيبَ الشومْ
ياعيبَ الشومْ
ماذا يجري؟؟!!)
فعلاً أبو فلوسْ
مأكولٌ مذمومْ
ما أغباكُمْ!!
يصرخ) تلفزيونْ
بالألوانْ
أعطيناكُمُ
ليسليّكُمْ
عُدَّوا خلفي، عُدّوا
يعد على أصابع كفه)
فيهِ فرانسا
فيهِ روسيا
هولندا
والنمسا
أبو فلوس : متباهياً) فيهِ أيضاً
أمريكا
مرّوش : أنا ماعندي أمريكا
أبو منشار : بثقة) لا يُمكنْ!!
مرّوش : ولماذا لا يُمكنْ؟!
آ....؟!!
أنا ماعندي تلفزيونْ
يضحك بعض الفلاحين، بينما هي تتابع)
حتى تظهرَ أمريكا
ساخرة) وسايكلْ فاكسونْ
أبو منشار : ماذا؟!
يحاول أن يصحح لها...)
مايكلْ جاكسونْ يا مرّوشْ
يؤكد كلامه) مسترْ فاكسونْ
مرّوش : مسترْ جاكسونْ
باكسونْ
أنا لا أعرفْ
فاكسونْ يعني
علكة نايلون!!
ضحك بين الفلاحين- أبو منشار يرتبك قليلاً)
أبو منشار : يا فهمانهْ...
يا فهمانَهْ....
مسترْ جاكسونْ
أعظمُ مطربْ
في العالمْ
في الكونْ
أبو فلوس : يتراقص باسماً) يَفْتِنْ،
ويُجنِّنْ
تغتنم مروش الفرصة لتسخر من مايكل جاكسون وأبي منشار وأبي فلوس وقليلاً قليلاً يبدأ الأطفال بالغناء والرقص معاً).
مرّوش : يايْ، يايْ
يتقصَّعُ ويُغني
الأطفال : غنِّ
مرّوش : يتشقْلَبُ كالجنّي
الأطفال : جِنّي
مرّوش : ويُدَنْدنْ
الأطفال : دنّي، دنّي
مرّوش : والدربكهْ
الأطفال : ياعيني
مرّوش : تعملُ دبكَهْ
الأطفال : ياعيني
مرّوش : والمزمارُ يحنْ
دُقيّ يادربكهْ
جنّي
الأطفال : جنّي، جنّي، جنّي
إيقاعات الدربكة تملأ الأسماع، ويرقص الأطفال رقصاً عربياً، تنطلق بعض الزغاريد. وبعد لحظات تصرخ مرّوش لإنهاء الرقص).
مرّوش : يكفي، بسْ
الأطفال : بفرح) هيهْ
جاسم: وكان قد فرح بما جرى، وهو يسأل دهشاً)
مسترْ جاكسونْ
يرقصُ عربي؟!
أبو منشار : متباهياً كاذباً) يووووهْ...
يعدد) عربي، تركي
إسباني
هُزّي، هُزّي
تشْا شا شْا
يرقصُ سامْبا،
ملكُ الرقاصينْ
لكنْ أنتمْ
مّكاروْن
بالنعمةِ لا تعترفونْ
أما قدَّمْنَا للأطفالْ
أفلامَ الكرتونْ
ببرامِجها تتسلَّونْ؟!!
يعني
ناسٌ مِنْ كرتونْ
حيواناتٌ مِنْ كرتونْ؟!
مرّوش : باسمِ اللهْ
تعني الشيطانَ الملعونْ؟!!
أبو منشار : هسْ... هسْ
ويتابع) أما المعتبراتْ
مِنْ أحلى السيداتْ
أبو فلوس : وهو يبتسم) فأعطيناهُنَّ ثيابَ حريرْ
تلبَسُها السيدةُ وتمشي
فيهفُّ الثوبُ عليها
أبو منشار : يبالغ) ويُجَنُّ، يُجَنُّ
يطيرْ
أبو فلوس : وللأوانِسِ الملاحْ
أبو منشار : حُمَرهْ
لخدودِ التفاحْ
أبو فلوس : وأحلى الأزياءِ المعروضَهْ
مرّوش : تقلد عارضات الأزياء بأسلوب ساخر، وهي تغني....)
ضيّقَةٌ وعريضهْ
تَرَلَمْ
للسمرا
والبَيْضا
تَرَلَمْ
أبو منشار يمسك بمروش وهو يهزها)
أبو منشار : بَسْ... بَسْ... بَسْ
أفْ...
أبو فلوس : وصحونُ التلفزيونْ.؟!!
أبو منشار : ها ها آ آ آ .....
بالتقسيطْ
أعطيناكُمْ،
أو بالدينْ...
كي تكتشفوا المعمورَهْ!!
خلَّيْنَا في أيديكُمْ
كلَّ الكونْ
في أحلى صورهْ
أبو فلوس : "وسوبر ماركتْ"
للفواكِهِ والخضره
كأنه يسألهم) صحْ؟!
الطحان : صحْ!!
جاسم : صحْ!!
أبو دعاس : بلهفة) خلّصْنا يا أبا فلوسْ
خلّصْنا
هاتِ البُشرى
أبو فلوس : مافي بُشرى
أبو دعاس : دهشاً) لَهْ ، لَهْ
حتى لا تشمتَ مرّوشْ
أو منصورْ
أو.....
عِرفانُ الشيطانْ
أبو منشار : طيّبْ، طيّبْ
يعلن) البُشْرى
أحلى سهْرَهْ
الطحان : فهِّمْنَا
أبو منشار : رقصٌ، موسيقا،وغناءْ
يتمايلُ) أشياءٌ تنطحُ أشياءْ
مرّوش : بذكاء) يعني، عندَكَ رّقاصهْ
أبومنشار : يصرخ) صَحْ!!
الساحرةُ الرّقاصَهْ
طاردَهُ النحسِ
أمُّ العينِ الدبلانَهْ
كورَيْقةِ خسِّ
أبو فلوس : لا تفضْحْ سَهْرَتنا
بَسْ
أبو منشار : أنا لا أفضَحُها
بالعكسْ
يخاطب الفلاحين ليغريهم)
سَهْرَتُنا ضدَّ الأفكار الرجعيهْ
والأوجاع الرأسيَّهْ..
والسهرهْ
لا تحلو أبداً...
إلا بنقودٍ ذهبيَّهْ
الفلاحون : بأصواتٍ متفرقة دهشة وهم ينظرون إلى بعضهم بعضاً...)
ذهبيةْ... ذهبية...؟!!
أبو منشار : وقد فعلت كلماته فعلها في الفلاحين)
تكْرُج كرْجَ عروسْ
جاسم: بفضول) كيفْ؟!!
أبو منشار : يُعطيها للشاطرِ منكُمْ
أبو فلوسْ
يصفق أبو منشار فيصفق معه الطحان وأبو دعاس وجاسم وبعض الفلاحين)..
منصور : هذا مقلبْ
يلعُبُه هذا الشيطانُ
ثم يشير نحو أبي فلوس)
وهذا الثعلبُ
أبو فلوس : مُنزعجاً، يكاد يبكي)
أبا منشارْ...
هذهِ إهانةٌ مِنْ حاقدٍ لعينْ
اسمعوا سأحلفُ اليمينْ
أبو منشار : يمثل أنه خائف....)
لا... فإن جسمي يرتعدْ
أبو فلوس : يدفع أبا منشار بعيداً)
سأحْلِفُ
ابتعدْ.
وحقِّ صَحْنِ اللحمِ والكُبَبْ
أبو دعاس : ومعهُ رفيقاه)
اللهْ
أبو فلوس : والعودِ والمزمارْ
ورنَّةِ الدربكةْ
والرقصِ والطربْ
أبو دعاس : ومعه رفيقاه)
ياعِينْ
أبو فلوس : وفوقها..
أبو منشار : عصيرٌ مِنْ تفاحْ
أبو فلوس : شرابٌ مِنَ عنبْ
أبو دعاس : ورفيقاه) ياليلْ
أبو فلوس : وفوقها
أبو منشار : يصرخ ويدور بين الفلاحين)
وفوقَها...
اسمعوا... وفوقَها...
أبو فلوس : رنينُ ليراتِ الذهبْ
أبو منشار : ذهبْ!!
أبو دعاس : بدهشة) ذهبْ، ذهبْ؟!!!
لمنصور وكأنه يشتمه)
"تبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتَبْ"(1)
يامُوجِعَ القلوبْ
ياصانعَ الشَّغَبْ
أبو فلوس : لكنني زعلانْ
(1) قرآن كريم: سورة المسد.
المشهد السابع : هلْ سيبيعُ الناسُ المونَة(1) ويجوعونْ؟
المشهد السابع
خروج أبي فلوس وأبي منشار، وأغنية ورقصة مرّوش كل ذلك وضعَ الناس في حيرة. لحظات من الصمت، وفجأة ينفجر الطحان)
الطحان : أرأيتُم ما صارْ؟!
في وجهِ منصور وهو يحرك يديه في الهواء)
افرحْ يا سيدَ منصورْ
أنتَ وعرفانُ المكّارْ
زَعلَ أبو فلوسْ
وانزعجَ أبو منشارْ
منصور : يَنْفلقانْ
أبو دعاس : ينزعج) يَنْفلقانْ؟!
وتضيعُ السهرهْ؟!
مرّوش : تفقش بأصابعها وتتراقص أمام أبي دعاس وتغني ساخرة)
ويضيعُ الكازينو الأحمرْ
لا نَرقصُ أبداً، لانسهرْ؟
لنْ نفرحَ دونَ الكازينو
لن نشبعَ دونَ "الهامبورغرْ"
هيّا نقطعْ شجراً أكثرْ
الطحان : يمسك بمرّوش ويمنعها عن الرقص والغناء)
بسْ يا مرّوش
بسْ...
جاسم : قلتُ لكمْ هذا المنصور
مجنونٌ وحقودْ
ما صدَّقتُمْ
أبو دعاس : يهجم أبو دعاس نحو منصور ويرفع يده ليضرب بها وهو يصرخ)
والله واللهِ...
لولا أنَكَ..
يرتبك وترتجف يده)
يعني.. يعني..
منصور : بهدوء) لا أخجلْ؟!
أبو دعاس : ينزل يده ويتابع)
لفعلتُ بوجهِكَ ما يفعلهُ سَفَّاحٌ قاتلْ
منصور : اضربْني،
أدّبني،
مثلَ أخيكَ احسُبني،
لكني سأقولُ الحقْ:
مرّوش : وهي تشيرِ إلى أبي دعاس، وجاسم والطحان)
الحقْ
منْ هذي الأشكالْ
جُنَّ وَطَقْ
جاسم : يامرّوشْ
يكفي نَقْ
يكفي نَقْ
منصور : يكلم الفلاحين جميعاً)
قولوا لي
بضمائرِكُمْ
ماذا يجري في قريَتنِا؟!
قولوا!!!
ماذا يجري؟!!
العجوز : عيْنٌ وأصابَتْنا
منصور : لا يا جدّي
نحنُ أصَبْنَا أنفُسَنا بالعينْ
نحنُ ظلمنَا أنفُسَنا بالدَّينْ
الرجلُ يروحُ إلى الكازينو
بعدَ العصر على رجليهْ
تَحسبُهُ عنترْ
يَمْشي كالديكِ المنفوشْ
يقفزُ،
يتبخْتَرْ
وعندَ الفجرِ يعودُ إلينا
فوقَ حمارْ
أو محمولاً في "طُنبرْ"
وحينَ يُفيقْ
يصرخُ،
يزعقْ
يعدو نحوَ الأرض ليقطعَ شجراً
يحرقَ زرعاً أو ثمرا،
والدائرةُ تدورْ
ونحنُ ندورُ
ندورْ
تتراقص مرّوش وتبدأ بتقليد رقصة الدّبور وتغني مع الأطفال)
مرّوش : كالدَّبورْ
الأطفال : زنْ زنْ
مرّوش : نَدوُر، ندورْ
الأطفال : عِنْ، عِنْ
مرّوش : أنا دبورْ
أحْرقُ أرضي أو داري
أقلَعُ زرعي، أشجاري
أنا حرٌّ فيما أفعلْ
أنا مِنْ فعلي لا أخجلْ
أنا دبّورْ
أقوى مِنْ شيطانٍ جنيّ
ألْسَعُ مَنْ يُزعجني
أنا فتّاكٌ ماهِرْ
الأطفال : شاطِرْ
شاطِرْ
فِعْلُكَ باهِرْ
اقَطعْ واحْرقْ
غَرِّبْ شرِّقْ
حتى في صحنِ الكازوزْ
يا جاهلُ تغرقْ
مرّوش : أَغرقْ؟!!
تمثل إنساناً يغرق لكن بأسلوب ساخر)
أيْ أيْ!!
إني أغرقْ،
اَغرقْ
أغرقْ!!
الطحان : يخاطب الأطفال..)
عقلي منكُمْ طقْ
يكفي نقْ
يكفي.
العجوز : بعَد كلِّ ما جرى
أرجوكمْ
اسمعوا كلامَ الصدقْ
منصورْ
وهذهِ المرّوشْ
والسيدُ عرفانْ
قد نطقوا بالحقْ
الطحان : بالحق؟!!
العجوز : الآنْ
ما عادَ لدينا ماءْ
كي نَغْرُسْ
شجرا
أو نزْرَعَ زَرْعَا
والشجرُ المقْطوعْ
لن ينبتَ دونَ مياهْ
ماذا نفعلُ بعدَ نفادِ الشجرِ؟!!
هل نذهبُ نحوَ الكازينو
أم نزحفُ نحوَ القبرِ؟!
يعلو صوت العجوز ليصبح أقوى)
هلْ ينفَعُنا التلفزيون أبو الألوانْ؟!
هلْ يطردُ عنّا الأحزانْ؟!
يكلم أبا دعاس)
هلْ تلبسُ بنتي
أو بْنتُكْ
-أو أيةُ بنتٍ أخرى-
فستاناً للسهرَة؟!
هلْ سَتُلوِّنُ بعدَ اليومْ
شفتيَها بالحُمْرةْ؟!
صمت قليل، والناس ساكتون)
واأسفاهْ
هجَرتْنَا الأطيارْ
وعصافيرُ الدارْ
ونسينا صوتَ الضِفْدَعْ
هل تدورنَ لماذا؟!!
بعد صمت قصِر)
لا تدرون؟!
نَفَدَ الماءُ وليسَ لدينا بُرَكٌ نشربُ منها(2)
أو ساقيةٌ نسقي منها ما نزرعْ
خُضْرَتُنَا بالدَّينْ
لحمتُنَا بالدَّينْ
وفواكِهُنا،
وملابسُنَا،
ولقدْ كنّا منتجينْ،
نُنتِجُ حاجتَنا
ونُصدِّرُ ما يبقى
للناسِ المحتاجينْ،
أما الآنْ
فَصِرْنا نأكلُ ما يجلبُهُ السوبرْ ماركتْ"
صِرْنا نلبسُ ما يحويهِ "السوبرْ ماركتْ"
إنَّ قِيامتَنا قدْ قامتْ
في هذا "السوبرْ ماركتْ"
بحزن وألم) واأسفَاهْ!!!
واأسفاهْ!!!
ما فكّرْنا بالمستقبلْ
أو باليومِ الأجملْ
واأسفاهْ!!
يتأمل العجوزُ وجوهَ الناس الصامتين
-يدخل عرفان بهدوء فيراه العجوز ويتجه نحوه ويكلمه)
عِرفانْ،
يا ولدي
أنتَ كبيرُ العقلِ
وتفهمْ
ساعِدْ أهلكْ
ساعِدْ ناسَكْ
حتى الجاهلُ منهمْ
يتعلّمْ
أبو دعاس : محتجاً) ماذا؟!
العجوز : بقوة) أُسكتْ
عرفان : للعجوز) سأنفّذُ ماترغب
وسيعلمُ كلُ الناسْ
أنّ الأرضَ إذا بعناها
باعتْنَا،
إذا ما ماتتْ
قتَلتْنَا
أوْ بالأحرى
أبو فلوسْ
يدْعَسُنَا بحذائِهْ
يجعَلُنَا خدَماً وعبيداً
لمشاريعهْ
صمت قصير ينظر فيه عرفان إلى الناس، ثم.. يتابع)
عَنْ إذنكَ يا جدي
سوفَ أرشُّ الشجرا
للناس) يا أهلي، يا ناسي
أدواتي،
آلاتي
بئري، ومياهي
في خدمَتكُمْ
تحتَ تصرّفِكُمْ
لا أطلبُ أجَراً
أو مالاً،
وأنا للخدمةِ جاهزْ
لكنْ لا تَنْخدِعوا بالغدّارْ
أبي منشارْ
والمنحوسْ
أبي فلوسْ
يتوجه سريعاً للخروج، لكنه يتوقف ويستدير مكلماً الناس)
مَنْ يحتاجُ إليّ
فلْيَتْبَعْني
عندي ما يكفي مِنْ ماءْ
وسمادٍ
ودواءْ
لكني أحتاجُ إليكمْ
أحتاجُ إلى قوةِ أيديكمْ
ويخرج سريعاً- لحظات متوترة، خوف، تردد، ثم يلحق به بعض الفلاحين من النساء والرجال- أما العجوز فيتوجه نحو منصور ويربت على كتفه بحنان)
العجوز : أما أنتَ فسامِحْنَا يا ولدي
ينظر نحو الناس) سامِحْهُمْ
أبو دعاس : ينتفض ويصرخ كالمجنون)
عالْ.. عالْ
لا ينْقصُنَا إلا هذا
جاسم : يتحمس ويصرخ)
يَفْضَحُنَا ونقولْ:
مِنْ فضْلِكَ سامِحْنَا
كَلاّ..
أحسنُ شيءٍ يفعَلُهُ هذا المفعوصْ
أنْ يَبْعُدَ عنَّا،
لا نُبصرُهُ
لا يُبْصَرُنا
منصور : بهدوء) حاضِرْ
أَبْعُدْ عنكُمْ
لكنْ استمعوا؛
الصحراءُ تداهمُنَا
تبتلِعُ الأخضرَ واليابسْ
وتُعشِّشُ في أنفُسِنَا،
وسَيأتيكَمْ أبو فلوسْ
ليطالبَكُمْ بديونِهْ
سيُفاجئكُمْ
سيُحاصرُكُمْ
ولكي تعطوهُ ديونَهْ
-ولا أحدٌ يملكُ ليرهْ-
في الأيامِ المقبلةِ المجنونَهْ
ستبيعونَ المونَهْ
وتجوعونْ
بأسف) ما أخطأ عرفانٌ
لمّا قالْ:
الأطفالْ،
عَرفوا الحقَّ مِنَ الباطلْ
وأنتمْ
أكبرُ رجل فيكُمْ جاهلْ
خامِلْ
صمت طويل يقطعه العجوز الذي يتمشى بين الناس وهو يتكلم)
العجوز : هذا قولٌ حقْ
هذا قولٌ صدقْ
مَنْ يفهَمُهُ لا يرضى أن يُخْنَقْ،
أو بقشورٍ عَفِنَهْ
يُحرَقْ
واأسفاه!!!
لمنصور) اصمدْ يا منصورْ
في وجهِ الرّيحِ المجنونَهْ
كيْ لا نبيعَ المونَهْ
كيْ لا نبيعَ القوتْ(3)
أو أحدٌ يموتْ
في الأيام المقبلةِ الملعونَهْ
يتحرك العجوز ليخرج وهو يردد بأسى وألم)
يا ضيعَتَنا المجنونَهْ
هل ستبيعينَ المونَهْ؟!!
يا ضيعَتَنا ال