ألمانيا تشهد مواجهة مباشرة بين فلسطيني وإسرائيل
* تل أبيب ترفض تسجيل ابنته في هويته لتمكين عائلته العودة إلى سلوان
* معاناة مراغي دليل على سياسة إسرائيل بطرد الفلسطينيين من القدس
برلين- سمير عواد:
يواصل المواطن الفلسطيني فراس مراغي من مدينة القدس إضرابه عن الطعام، متمسكا بحقه في العيش بكرامة ومتسلحا بإيمانه بعدالة قضيته، مطالبا إسرائيل تسوية أوراقه ليتمكن من العودة والإقامة في مسقط رأسه سلوان المتاخمة للحرم المقدسي. وهذه مواجهة مباشرة على أرض ألمانيا بين مواطن فلسطيني يتمتع بحقه في الحياة في بلده فلسطين وبين إسرائيل التي تحكمها حاليا حكومة متطرفة يتزعمها الليكودي بنيامين نتنياهو ونائبه الذي أتى مهاجرا من موالدافيا في أوروبا الشرقية أفيغادور ليبرمان والذي يتبع سياسة طرد العرب من بلدهم خاصة أهل القدس.
وقال فراس في تصريح: منذ أن رفض طلب ابنتي زينب وأنا لم أترك وسيلة إلا وجربتها ولا طريقا إلا سلكته وبابا إلا وطرقته وتابع: بدأت بإرسال الطلبات الخطية إلى كل من السفارة والداخلية الإسرائيليتين مرات متكررة وقوبلت بالرفض.
ثم بعثت برسائل إلى كل من ممثلي الخارجية في الأحزاب الألمانية،وإلى الخارجية الألمانية وإلى مكتب المستشارة أنجيلا ميركل شارحا لها مشكلتي ومتسلحا بالمادة الثالثة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص (إن لكل إنسان الحق الكامل في التنقل والسفر بحرية في حدود دولته وكذلك حريته في اختيار مكان إقامته. لكل إنسان الحق بمغادرة بلده والعودة متى شاء). وقد خط فراس هذه العبارات باللغة الألمانية على يافطة يجلس ساعات أمامها وضعها على الطرف المواجه للسفارة الإسرائيلية في برلين الكائنة في الحي البرليني (فيلمرسدورف) وهو أحد الأحياء الراقية والهادئة في العاصمة الألمانية.
ويستقطب فراس كل يوم متضامنين ومؤيدين لقضيته من ألمان وعرب وقال بيان تضامني للجالية الفلسطينية التي يشعر أبناؤها أن فراس يناضل دفاعا عن حقوق كل فلسطيني يريد العودة: إن خطوة فراس هي صرخة احتجاج
ضد رفض طلبه في العودة بصحبة عائلته إلى مدينته، ولكنها في الوقت نفسه لفتة للإجراءات الإسرائيلية القهرية التي يعيشها سكان القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد على أربعين عاما.
والجدير بالذكر أن كون فراس من مواليد القدس وإقامته الدائمة فيها حتى عام 2007 حين غادر إلى ألمانيا، لم يشفع في أن يلحق ابنته زينب المولودة في برلين في ديسمبر الماضي والتي تزوره يوميا مع والدتها وتشدان من عزمه،
بإلحاقها في بطاقة الهوية حتى يتسنى لفراس وعائلته العودة إلى وطنه وبيته في سلوان ليقيم حينما اختار هو أن يحيا كما ينص على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقد وضع فراس، بتضحيته الغالية والمجازفة بصحته، إسرائيل أمام اختبار جديد، فهذا الكيان الذي تأسس في عام 1948 على أرض فلسطيني وتسبب في تشريد القسم الأكبر من شعبه، يجد صعوبة بالغة في التعامل مع حقوق الإنسان، وإن فعل فإن الإنسان الفلسطيني لا تنطبق عليه هذه الحقوق.
وقد لفت اعتصام فراس مراغي انتباه الكثير من أبناء هذا الحي البرليني الراقي الذين وجدوا أنفسهم أمام مواجهة غير متكافئة بين مواطن فلسطيني بسيط وإسرائيل المجندة بسلاح تجاهل حقوق الشعب الذي اغتصبت أرضه وتحرمه من أبسط حقوقه الأساسية. وكل يوم يزداد عدد المتضامنين مع فراس داخل ألمانيا وخارجها. وناشدت مفوضية فلسطين التدخل من أجل تسوية قضية مراغي مشيرة إلى أن ما يطالب به هو حقه الطبيعي. ومن فلسطين وجهت دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية نداء إلى منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والألمانية والعالمية وإلى الجاليات الفلسطينية والعربية على وجه الخصوص في ألمانيا للنهوض بمسؤولياتها، ولكسر القرار الإسرائيلي العنصري التعسفي، وإلزام حكومة الاحتلال باحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنح الطفلة زينب فراس مراغي هويتها المقدسية بتسجيلها في هوية والدها، وعدم المساس بحق الشاب المقدسي فراس في الاحتفاظ بهويته المقدسية وحقه الثابت في العودة الحرة إلى مسقط رأسه مع أسرته الصغيرة.
فراس مراغي البالغ 37 سنة من العمر، ولد وعاش في القدس كما عاش فيها آباؤه وأجداده، وانتقل إلى برلين عام 2007 حيث أقام فيها وتزوج وخطط للعودة إلى مسقط رأس فراس بعد إكمال دراسة الزوجة في الجامعة ونهاية تدربه كممرض.
وكان بوسع فراس أن يوفر على نفسه كل هذه المعاناة لو أنه وفقا للقوانين الألمانية اكتفى بتسجيل ابنتهما زينب كألمانية تحمل جنسية والدتها، غير أنه كمقدسي يلاحظ مسعى إسرائيل لتهويد القدس وتهجير أهلها أبى إلا أن يتمسك بهويته المقدسية الفلسطينية ويؤكد أنه لم تراوده لحظة واحدة فكرة حصول ابنته على الجنسية الألمانية عوضا عن هويتها المقدسية، فتوجه بعد ولادة زينب إلى السفارة الإسرائيلية في برلين وتعين عليه الكتابة إلى الداخلية الإسرائيلية طلبا لتسجيل ابنته في هويته لكنه صدم برفض طلبه. لم يستسلم فراس صاحب الإرادة القوية لهذا التعسف وهذه القوانين التمييزية والعنصرية الإسرائيلية التي شعر أن الهدف منها إسقاط الهوية المقدسية عنه وعن غيره من أبناء القدس في الخارج في سياق سياسة التهويد والتطهير العرقي وتنفيذا لقرارات وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان بالعمل بخطط (الترانسفير) واعتباره الفلسطينيين الذين هم أصحاب الأرض عبارة عن فائض بشري والسعي لتحقيق هدف إقامة كيان عنصري صاف، وقرر أن يعلن الإضراب عن الطعام دفاعا عن حقه وحق ابنته زينب بالاحتفاظ بالهوية المقدسية.
وهذه أول مرة يضرب مواطن فلسطيني عن الطعام ويعتصم أمام مقر السفارة الإسرائيلية في برلين. وذكرت تقارير صحفية أن من يزور مراغي، يتم التقاط صوره بواسطة كاميرات الفيديو (ديجيتال) الخاصة بالسفارة الإسرائيلية. وقد نبهت السفارة الإسرائيلية جميع موظفيها عدم الكلام مع مراغي لذلك عندما ينصرفون من مقر عملهم يتجنبون السير على الرصيف الآخر حيث يجلس فراس ومعه خلال النهار ابنته زينب وزوجته "فيبكي ديل" التي درست العلوم الإسلامية.
من يقيم أو يعمل في هذا الحي البرليني الراقي فإن أوضاعه جيدة، على العكس تماما من الوضع الحالي لهذا المواطن الفلسطيني المقدسي. حتى الأمس ما زال وضعه الصحي يساعده في مواصلة الإضراب والسفارة الإسرائيلية ما زالت تصم أذنيها رغم تنامي الاحتجاجات ضدها.
وعندما حاولت سيدة ألمانية تقديم بعض المال لفراس رد يدها بكل أدب وقال: لا أريد مالا وإنما أريد أن يتحقق مطلبي العادل. في حين يتعين على المواطن الفلسطيني من سكان القدس العودة من أي مكان في العالم لتجديد هويته وتسوية أوضاعه بوسع الإسرائيليين بكل سهولة الحصول تسوية أوراقهم في القنصليات الإسرائيلية ولو أن والد زينب يهودي إسرائيلي لكان أدخلها موظفو القنصلية بكل سهولة في هويته. يقول مراغي إنه لا يريد السفر إلى القدس وانتظار مدة طويلة لإنجاز المعاملة. وما زاد شكوك مراغي رفض القنصلية الإسرائيلية في برلين المصادقة على وثيقة زواجه في ألمانيا وهو في العادة شرط يساعد في حصول الزوجة على حق الإقامة مع زوجها في بلده الأم. وعرضت عليه السفارة الإسرائيلية استخراج هوية ألمانية لابنته وهذا بالذات ما لا يريده لسبب وجيه وهو خشيته منع الإسرائيليين زوجته وابنته من السفر إلى القدس.
رغم أنه يكتب رسائل منذ أشهر إلى وزارة الخارجية الألمانية والمستشارة ميركل ورؤساء الكتل البرلمانية إلا أنه لم يحصل على جواب كذلك كتب والده إلى الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز وحمله كامل المسؤولية إذا حصل مكروه لابنه فراس. بالإضافة إلى فلسطينيين وألمان يزورونه ويشدون من أزره زاره طبيب مرتين حتى اليوم حيث فحصه للتأكد من حالته الصحية ورغم قلق زوجته عليه إلا أنها اعترفت بعدم قدرتها على إقناعه عن وقف الإضراب لأنه من عادته أن يفعل ما يصر عليه ويرى أن هذا الحق غير قابل للمساس. كما زاره أعضاء ينتمون إلى منظمة (الصوت اليهودي من أجل حل مع الفلسطينيين) وكتب نورمان بياش عضو البرلمان السابق في حزب اليسار المعارض والذي كان واحدا من الألمان على متن السفينة التركية (مافي مرمرة) التي تعرضت إلى هجوم وحشي من قبل البحرية الإسرائيلية أسفر عن مقتل تسعة من المتضامنين الأتراك كانوا على متنها، إلى السفير الإسرائيلي يورام بن زئيف الذي يقضي حاليا إجازة الصيف في إسرائيل، طالبه فيها التدخل لتسوية أوضاع فراس مراغي وقال إنه فكر طويلا قبل أن يكتب لأنه يعرف أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تحترم حقوق الإنسان. وكتب إسرائيليون يعيشون في برلين في مواقع إلكترونية أنهم يشعرون بالخجل للطريقة التي تعامل فيها السفارة الإسرائيلية مراغي. ويتلقى مراغي كل يوم دعما من سكان الحي مثل أوراق تواليت وزهور وقهوة وسجائر وعرض عليه أحد السكان أن يبيت في بيته لكن فراس يقضي الليل إما في العراء أو إذا أمطرت في سيارة وضعها زوجان تحت تصرفه وبكل أدب يسأل حين يشعل سيجارة إذا أحد يتضايق من دخان السيجارة. فراس لا يشعر بخوف عندما يبيت في الليل فعملاء الموساد الذين يحرسون السفارة الإسرائيلية يتابعون كل حركة يقوم بها والتي تسجلها كاميرات الإسرائيليين المسلطة عليه وذلك على مدار الساعة.