تشغل قضية المصحف جزءا كبيرا من التفكير الاسلامي بخصوص القران , و يرجع هذا لعدة اسباب منها ما هو ظاهر و منها ما يجلس في جزء معتم في قاع العقل الاسلامي .

اما السبب العملي لاعتبار اهمية المصحف هو الزعم باشتراط موافقة القراءة للمصحف , الشرط الذي ظهر منذ ان فرض عثمان مصحفه الخاص , و منذ ذلك الحين بدأت القراءات الاخرى تدخل في عباءة ( الشذوذ ) حتى تم اخيرا اعلان شرط موافقة المصحف من شروط القراءة السليمة ([1]), و عليه بدأ هجر القراءات التى لا توافق خط المصحف .

و ان كان هذا الشرط استخدموه بشكل سلبي لترك ما شاؤا من قراءات , فقد استخدموا بشكل ايجابي ايضا لاثبات ما ارادوا من قراءات .

فتقرأ قول (النويري) في تعريفه للقران "القران عند الجمهور من ائمة المذاهب الاربعة هو ما نقل بين دفتى المصحف" ([2])

غير ان هذا الشكل الايجابي امتد ليشمل ( مصاحف الصحابة ) ايضا بالرغم مما تعرضت له علي يد عثمان , فقد رد الفقهاء على (مالك) و فقهاء المذهب المالكي عندما انكروا قرانية البسملة بما نصه " يكفي في تواترها اثباتها في مصاحف الصحابة " ([3]) .

مما يريك اهمية المصحف في تحديد قانونية القراءة .

و قد ظل الشرط بين اخذ و رد حتى غيّره (ابن الجزري) من " موافقة المصحف " الي " موافقة المصحف احتمالا " ([4]) و لهذا اهمية سنتطرق لها فيما بعد

تفترض الروايات الرسمية ان ( ابا بكر ) قد كتب القران في مصحف حتى وصل هذا المصحف الي

( حفصة ) ([5]) و لكن سببا ما اضطر ( عثمان ) الي اعادة كتابه المصحف من جديد , و ذلك دون تفسير حقيقي للسبب الذي دعا ( عثمان ) الي الا يكتفي بنقل مافي مصحف ( حفصة ) فحسب .

بل ان ( حفصة ) رفضت ان تعطي ( عثمان ) مصحفها الا بعد التعهد باعادته اليها ([6]) و اغلب الروايات انه قد اعيد اليها ,لكن فور موتها تم التخلص من هذا المصحف حيث " شَقَّقَها ومزَّقها مخافةَ أن يكون في شيء من ذلك خلافٌ لما نَسَخَ عثمانُ " ([7]) !

فما هي تلك الخطورة التى تمثلها المصاحف على مصحف عثمان ؟


للمصحف العثماني اهمية تاريخية يخبرنا به ما ثبت عند رواة الاخبار انه اجتمع في غزو ( اذربيجان و ارمينية ) اهل الشام و اهل العراق فتذاكروا القران و اختلفوا حتى كادت تكون بينهم فتنة فركب حذيفة بن اليمان لما راي اختلافهم في القران الي عثمان "([8])

ان الروايات تدل على ( كارثة ) كانت لتتعرض لها الدولة الاسلامية ان بقي الاختلاف النصي للقران على الحال التى كان عليه قبل اجبار ( عثمان ) البلاد على ( مصحف موحد ) يلتفون حوله .

لذا اكتسب مصحف عثمان اهمية قصوى , لذا كان لابد للمصاحف الاخرى ان تنتهي من الوجود..



و من المثير للتأمل ان اول التهم التى وجهها وفد (مصر) الي ( عثمان بن عفان ) انه " محا كتاب الله" و "احرق المصاحف" ([9]) لدرجة انه كان يسمى " حرّاق المصاحف " ([10])

-------------------------------

[1] راجع جزء شروط القراءات

[2] اتحاف فضلاء البشر 6

[3] الاتقان في علوم القران

[4] النشر في القراءات العشر ج1ص9 .

[5] مختصر ابن منظور 2198

[6] رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع أبي بكر الصديق القرآن ص 16، وعند الطحاوي: وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّ الصَّحِيفَةَ إلَيْهَا. تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ r مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193)

[7] تاريخ ابن شبة 295 , الرافعي تاريخ آداب العرب 145 , الاصبهاني محاضرات ص 510

[8] المعتصم بالله الجزائري , التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقران ص 45

[9] سحر عبد العزيز سالم , اضواء على مصحف عثمان 79

[10] تفسير القرطبي , باب ذكر جمع القرآن

موقف ابن مسعود من المصحف

تشير الروايات الي معارضة قوية قام بها ( ابن مسعود ) ضد مصحف عثمان , و تميل الكتب الرسمية الي استسلام ( ابن مسعود ) في النهاية لامر عثمان , غير ان هذا لا دليل عليه , بل يخالف كل الاثار المروية عن قراءة ابن مسعود و التى تخالف مصحف عثمان بلا شك([1]) .

لذا يقول (ابن الجزري ) عن ( الاعمش ) أنه كان يجود حرف (ابن مسعود) ([2])

وعن (سعيد بن جبير) أنه كان يؤم النَّاس في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة (ابن مسعود) وليلة بقراءة (زيد بن ثابت) ([3])


فحاول المسلمون ان يزعموا ان ( ابن مسعود ) قد رجع و اعترف بصنيع ( عثمان ) فعقد ابن أبي داود ـ رحمه الله ـ في كتاب المصاحف بابا بعنوان:باب رضاء عبد الله بن مسعود بعد ذلك بجمع

عثمان المصاحف ثم اورد رواية لا علاقة لها باي شئ فقال " حدثنا عبد الله بن سعيد، ومحمد بن عثمان العجلي قالا: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني زهير قال: حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: "إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف [ أو حروف ]، وإن الكتاب قبلكم كان ينزل [ أو نزل ] من باب واحد على حرف واحد، معناهما واحد".

لكن قال (سليم الهلالي) "قال الحافظ ابن كثير (وهذا الذي استدل به أبو بكر [يعني: المؤلف] رحمه الله على رجوع ابن مسعود؛ فيه نظر من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم " ([4])


بقيت اذن قراءة ابن مسعود تتلى , ولا دليل انه قد رجع عنها فيضطر ( الذهبي ) الي وصف اختلافاته بانها ( منسوخة ) ([5])

و كان لابد من حرق نسخة ابن مسعود تماما مهما حاولت الاختفاء من ( هولوكوست عثمان ) فيروي ( القرطبي ) عن مصحف ابن مسعود انه " وخفي أمره، إلى أن وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم، فأمر صدر الدين قاضي الجماعة بإحراقه " ([6])

-----------------------

[1] تم وصف مصحف ابن مسعود بمصحف مخالف راجع ابن كثير , البداية و النهاية 11 \ 338

[2] غاية النهاية 1/262

[3] غاية النهاية 1/305

[4] فضائل القرآن ص38

[5] السير 1/488

[6] القرطبي في المفهم

تناقضات حول المصحف و عدد المصاحف التى ارسلها عثمان


تمتلئ اسطورة المصحف بعدد من التناقضات , فقد اختلفوا بسبب شكل المصحف حيث انه كتب بلا علامات ( تشكيل ) او نقاط فانقسموا الي فريقين

· فريق يرى ان اللغة لم تكن بها اصلا تلك العلامات مستدلا بالاثار ([1])
· و فريق يرى ان العلامات كانت موجودة لكن حذفها الصحابة عن عمد ([2])

و ليست هذه هي الاشكالية الوحيدة انما اتعرض لاخرى اخطر منها .

اختلفوا في عدد النسخ فيظهر هذا في جزم (الداني) انهم اربع نسخ ([3]) ,بينما قال (السيوطي) و (ابن حجر) انهم خمس نسخ ([4]) , ورجح (ابن العاشر) و (الزركشي) انهم ست نسخ ([5]) بالرغم من تقرير (مكي) انهم كانوا سبع نسخ( [6]) و يزيدهم ( ابن الجزري) الي ثمان نسخ ([7]) اما ( اليعقوبي ) فيورد ما يفيد انهم تسع نسخ([8]) !

الامر الذي جعل د (سحر عبد العزيز سالم) تقر بانه " حتى الان لم نتمكن من تحديد عدد المصاحف التى امر عثمان بنسخها و ارسالها الي الامصار الاسلامية على وجه الدقة " ([9])



و لهذه المسالة علاقة خطيرة بموضوع البحث اذ ان القراءات يجب ان تحظي ب ( موافقة المصحف )

و لكن القراءات تختلف فيما بينها باضافة او حذف كلمات , فادعى المسلمون ان هذه الكلمات ( المضافة \ المحذوفة ) موجودة في نسخة من نسخ عثمان و غير موجودة في نسخ اخرى !



فاي نسخة من المصحف , و هل وجدت بالفعل هذه النسخة ام انه مجرد افتراء ؟

و هل هذه النسخ متطابقة ؟

هذا يقودنا الي مناقشة قضية تطابق المصاحف


-----------------------
[1] المحكم ص 176 , غانم رسم المصحف 151

[2] الداني المحكم ص 3 , فتاوى ابن تيمية ج 1 ص 319 , ابن الجزري النشر ج 1 ص 33

[3] البرهان 1\ 240

[4] الاتقان 1 \ 216

[5] البرهان 1\ 329

[6] مناهل العرفان 1\ 278

[7] النشر ص 7

[8] تاريخ اليعقوبي ج 2 \ 170

[9] اضواء على مصحف عثمان 17

تطابق المصاحف العثمانية

ينقسم (علماء اهل السنة) الي قسمين


o قسم يرى ان المصاحف كتبت على حرف واحد وهو ما عليه اجماع ( العلماء من السلف و الائمة ) اي ان المصحف العثماني لا يشتمل الا على حرف واحد فقط ([1]) وهو ما انتهى اليه تحقيق متأخرين ايضا ([2])


o و قسم اخر يشذ عن الاجماع و يرى ان مصحف كل بلد قد كتب على قراءته الخاصة , و ان (عثمان) قد راعى اختلافات القراء اثناء كتابة المصحف , و بالتالي فان كان اختلاف القراءات نابع عن الاحرف السبعة , فهذا يدل ان المصحف لم يكتب على حرف واحد , و هذا مما سنتناوله بالمناقشة .


اما القسم الاول فيرده ظاهرة وجود كلمات في بعض المصاحف و غيابها في الاخرى ,و هذه المواضع متناثرة في كتب المصاحف و القراءات ( راجع مثلا ايمن بقلة , تسهيل علم القراءات 47 - 52 )



القسم الثاني : و الزاعم ان المصاحف كتبت مختلفة لتوافق قراءات مختلفة كل حسب مدينته , فهو زعم لا دليل عليه الا ادعاءات مبنية على حال المصاحف المختلفة .

و مع مخالفته للاجماع , فهو يخالف الغرض الذي من اجله حرق عثمان المصاحف لتوحيدها .

بل هو يخالف الواقع حيث يفترض ان القراء كانوا يتبعون مصحف بلدهم لكنك تجدهم يقراون بغير ما في مصاحفهم ([4])



هذا القسم يعتقد مثلا ان القارئ المدني يؤيده المصحف الموجود في المدينة و القارئ الكوفي يؤيده المصحف الموجود بالكوفة و هكذا ....

و لا شك ان هذا الادعاء يتداخل مع القضية السابقة ( عدد المصاحف ) بشكل اساسي

فقد اضاف ( ابن كثير ) كلمة ( من ) الي (التوبة 100 ) فجعلها " جنات تجري من تحتها الانهار " و هي في كل القراءات ( جنات تجري تحتها الانهار ) فقيل ان هذا موافق لمصحف مكة , مع ان (الداني ) ينفي ان يوجد مصحف قد وجه الي مكة ([5]) و كذلك الزركشي ([6]) !



فهذا يوافق مسالة تزوير و تلفيق البيانات من اجل اكساب قراءة معينة القانونية اللازمة , التزوير الذي اعترف به الداني كما سبق ([7])

--------------------

[1] ابن تيمية , مجموع الفتاوى 13 \ 395

[2] راجع الكردي تاريخ القران 44 , شلبي الامالة في القراءات و اللهجات العربية ط1 مكتبة نهضة مصر 1957 ص 212 د عبده الراجحي 73 , سحر عبد العزيز , اضواء على مصحف عثمان ص 17

[3] ايمن بقلة , تسهيل علم القراءات 47 - 52

[5] الداني , المقنع ص 9

[6] الزركشي . البرهان 1 \ 235

[7] الداني , المقنع 114 , راجع مشكلة المصادر

---

مخالفة القراءات للمصحف العثماني


لم تتفق القراءات مع المصحف العثماني كما زعموا , بل وجدنا عددا من القراءات اعترفوا فيها بمخالفة المصحف .
و من امثلة ذلك


1- ما كتبه القرطبي في تفسيره قائلا " { آتان }( [1]) وقعت في كل المصاحف بغير ياء وقرأ ابو عمرو و نافع و حفص : { آتاني الله } بياء مفتوحة فإذا وقفوا حذفوا وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل " ( [2])


2- اشار العلامة (ابن منظور) الي مثل ذلك فيقول في مؤلفه الضخم ( لسان العرب ) ما نصه

"كان الكسائي يقف على اللاَّه بالهاءِ قال أَبو إِسحق وهذا قياسٌ والأَجْوَدُ اتِّباعُ المصحف و الوقوف عليها بالتاء قال أَبو منصور وقول الكسائي يوقف عليها بالهاء يدل على أَنه لم يجعلها من اللَّتّ " ( [3])


3- قال ايضا : (قال أَبو إسحق وأَجودُها عندي أَن إنّ وقعت موقع نَعَمْ وأَن اللام وَقَعتْ موقِعَها وأَنّ المعنى نعَمْ هذان لهما ساحران قال والذي يلي هذا في الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كعب فأَما قراءةُ أَبي عمرو فلا أُجيزُها لأَنها خلافُ المصحف)([4] )

4- ايضا ( الهذلي ) يقر بمخالفة رواية (رويس) لقراءة ( يعقوب ) للمصحف في النجم 55 و سبا 46 , و ردها قائلا "ما زاد رويس فيقبح " ([5])



5- كذلك ( مكي ) و ( ابن حزم ) اذ يقران بمخالفة ( ابي عمرو ) للمصحف ([6]) لذا ضعفها( مكي ) و لم يعترف بها .



6- و يضيف مكي ان (يعقوب) - من العشرة - يقرا (لا اله الا هوه) مخالفة للقراء الستة و المصحف ([7])

7- مخالفة كل القراء عدا (نافع) للمصحف حيث قراوا "ليربو" و قرا وحده "لتربوا" وهي في المصاحف بالف ([8])

8- كذلك ما ذكره ( ابن حجر ) من مخالفة اهل المدينة – و منهم ابو جعفر المدني – لرسم المصحف في النور :22 ([9]) لياتي احدهم و يزعم انها توافق المصحف ([10]) , فانظر لهذا التلفيق !



من المثير اذن ان نجد اختلاف القراءات عن المصحف و بالتالي فقدان احد شروط قانونيتها , لذا يلجأ المسلمون للتضليل و التلفيق , فبينما عد ( مكي ) قراءة الزراط مخالفة لخط المصحف جعلها (ابن الجزري ) موافقة له ([11])

و هنا يبرز دور ( ابن الجزري ) حين حوّل الشرط من ( موافقة المصحف ) الي ( موافقة المصحف ولو احتمالا)

و يعلق بنفسه على هذا التغيير فيقول " نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديرا ؛ إذ موافقة الرسم تكون تحقيقا وهو الموافقة الصريحة وقد تكون تقديرا، وهو الموافقة احتمالا ؛ فإنه خولف صريح الرسم في مواضع إجماعا نحو : السموات والصلحت واليل والصلوة .."([12]) .

و هو بهذا يفتح الباب من جديد لتلفيق الدفاع عن القراءات القرانية و " يجعل ما خالف لأجل الإبدال أو الإثبات أو الحذف من الحروف خلافا مغتفرا " ([13]) !


و هكذا في وجود مخالفة القراءات السبعة للمصحف و الخلاف حول ماهية المصاحف و عددها فضلا عن غياب هذه المصاحف و التناقض في موافقتها للقراءات من عدمه و التلفيق في تحقيق هذه الموافقات بل و الكذب في ادعاء هذه الموافقة نكون قد عرضنا هذا الشرط و كشفنا هذه الاسطورة .




------------------
[1] النمل 36

[2] تفسير القرطبي للنمل 36

[3] اللسان 2 \ 82

[4] المصدر السابق 13\28

[5] الكامل ق 172 \ أ

[6] الكشف 1 \ 100

[7] المعاني مكي 1\217 , الموضح لابن ابي مريم 1\ 337

[8] الحجة ز 559

[9] الفتح : 8/489

[10] النشر :2/331

[11] اعجاز القراءات القرانية 43

[12] -المصدر نفسه : 1/11.

[13] رابح دفرور , ابن الجزري و جهوده في علم القراءات ( رسالة دكتوراة ) ص 272

مخالفة القراءات للمصاحف المحلية

شكل تعدد القراءات مشكلة كبيرة امام الروايات الخاصة بمصحف عثمان , فالذين كتبوا الروايات برروا حرق عثمان للمصاحف بانها تحوي اختلافات كثيرة قد تؤدي الي انهيار الدولة لذا يجب التخلص من هذه الاختلافات و توحيد القراءة , و لكن تصطدم هذه الروايات بحقيقة انه بعد ( هولوكوست ) المصاحف و توحيد الناس على المصحف العثماني بقيت القراءات متعددة و مختلفة ايضا و احيانا متضاربة , لذا لجأت الروايات الي اختراع اخر وهو ان عثمان قد راعى اختلافات القراءات و ان اي قراءة لابد وان توافق نسخة من النسخ العثمانية المرسلة الي البلاد , و بذلك فقد غيرت الروايات مسارها من ( توحيد المصحف ) الي ( تعدد المصاحف ) مرة اخرى , و ذلك كله لاكساب الشرعية للقراءات الموجودة و المتضاربة .


في ظل غياب المصاحف العثمانية , و تناقض المعلومات عنها و تضاربها ([1]) لا يمكن التحقق من ادعاء موافقة اي قراءة للمصحف , ولا يمكن التاكيد على وجود هذه القراءة بذاتها في مصحف ما , مما يجعل تلك المحاولات مجرد ادعاءات من ( علماء المسلمين ) لا دليل عليها غير قولهم نفسهم !

بل استخدم المسلمون بالفعل الخداع و الكذب عندما ادعوا موافقة قراءة كل قارئ لمصحف بلده ([2])

و بالرغم من بيان هذه الكذبة فانه يبدو ان هذا هو الحل الوحيد امامهم لاكساب تلك القراءات ( مزعومة التواتر ) الصفة الشرعية فنقرأ عند ابن الجزري مفسرا اختلاف ابن عامر " ( قالوا اتخذ الله ولدا) من سورة البقرة بغير واو وكقراءته وبالزبر وبالكتاب المنير بزيادة الباء في الاسمين فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي . وكقراءة ابن كثير (جنت تجرى من تحتها الأنهر ) في الموضع الأخير من سورة التوبة بزيادة كلمة من فإن ذلك ثابت في المصحف المكي" ([3])



فابن الجزرى يدافع عن القراءات بادعاء موافقتها ل( مصحف ما ) وسط هذا الاختلاف العجيب في عدد نسخ المصحف في الاساس .

غير ان رواية اختلاف النسخ لتتماشي مع اختلاف الاحرف لا تثبت عند التحقيق بل تخالف الاتفاق على كتابة المصحف على حرف واحد كما سبق و ذكرنا فلا يبقى امامنا الا تلاعب المسلمين بنص المصحف الامام ان ثبت بالفعل اختلاف المصاحف عن المصحف الامام نفسه


اضافة علي تاكيد ( الداني ) على اكذوبة مطابقة قراءة القراء لمصاحف مدينتهم , فاننا نملك ادلة تؤكد ذلك , منها مثلا



1- مخالفة قراءة (يعقوب) البصري لقراءة (ابي عمرو) البصري ايضا ل( غافر 26 ) ([5]) خلافا متعلق برسم الكلمة باضافة اداة العطف ( و ) .



2- مخالفة (ابو جعفر) الكوفي لقراءة (و اوصى) و خالف الثلاثة قراء الكوفيين ([6])

و غير ذلك مما ينفي اسطورة موافقة القراء لمصاحف بلدهم .


----------------------

[2] الداني ,المقنع 114

[3] راجع مناهل العرفان (1\ 289 ), الاتقان (1\ 204 )

[4] ابن تيمية مجموع الفتاوى ، الجزء رقم 13، صفحة 389

[5] المقنع 106 ,النشر 2 \ 365

[6] كشف المشكلات 2 \ 348 ارشاج العقل السليم 6 \ 255 ايضاح الرموز 288

وقفة مع الداني و تناقضاته

تعتبر كتب الداني – بالاضافة الي كتاب ( المصاحف ) لابن ابي داؤد السجستاني - اهم ما كتب عن المصحف العثماني بشكل خاص و المصاحف بشكل عام .

و لا نبالغ ان قلنا انه اهم مصدر معتمد في هذا الباب , و يرجع هذا الي

1- حرق عثمان كل المصاحف المخالفة لمصحفه , فضاعت المادة الاصلية للمصاحف

2- اختفاء النسخ الاصلية التى ارسلها عثمان الي البلاد بحسب الروايات الاسلامية

3- اختفاء الكتب التي اعتنت بالفروق بين المصاحف

4- محاولة المسلمين التشكيك في كتاب السجستاني

اضف الي ذلك ان الداني احد اشرس المدافعين عن صحة القران و القراءات مهما كلفه ذلك من كذب و اختراع كسمة عهده و جيله ([1])

و لا يفوقتنا ما قاله الخطيب الفقيه ابو عبد الله بن عبد السلام ان القراءات "غير متواترة و كلها تنتهي الي الداني " ([2]) مما يعني ان المسلمين يعتمدون اشد الاعتماد على الداني و مما يكسبه تفوق على كل من كتبوا في هذا المجال .

لذا اثرت ان اذكر بعض من اكاذيب الداني و التى اسقطته في تناقضات كبيرة من لم ينتبه لها سقط في الفخ الاسلامي بمنتهى اليسر .

اول هذه التناقضات و لمحاولة التوفيق بين اختلاف القراءات و بين توحيد عثمان للمصحف زعم الداني – و من خلفه عشرات الببغاوات من علماء المسلمين – ان الصحابة قد حذفوا من المصاحف الترقيم و التشكيل ( الشكل ) ليتسع خط المصحف لكثرة من القراءات فيقول " وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها،فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها"([3]) .

مع انه هو ذاته من قال " إن العرب لم تكن أهل نقط وشكل "([4])

فانظر لهذا التناقض الوقح ! و انظر كيف يتبعه الكل كالببغاوات فيقول (ابن تيمية )" فإنه
إذا كان قد سَوَّغ لهم أن يقرؤوه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ ، مع تنوع الأحرف
في الرسم ، فَلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى .
وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كُتِبَتْ غير مشكولة ولا منقوطة ، لتكون
صورة الرسم محتملة للأمرين ، كالتاء والياء ، والفتح والضم ، وهم يضبطون باللفظ
كلا الأمرين ، وتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين
المتلوين شبيهاً بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المفهومين "([5]).

وأخذ (ابن الجزري) هذه الفكرة عن (ابن تيمية)([6])

وذكرها بعض المتاخرين ([7]).

لكنها فكرة لا يؤيدها ما عُرِف من تاريخ الكتابة العربية ، فلم تَعْرِفِ الكتابة العربية نظاماً لنقاط الإعجام وللحركات إلا على يد أبي الأسود الؤلي ( ت 69هـ) ونصر بن عاصم الليثي ( ت 90هـ) والخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 170هـ) ([8]).


ثاني هذه التناقضات يخبرنا بها الدكتور ( غانم قدوري ) اذ يذكر قول الداني " ... وأن أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – ومن بالحضرة من جميع الصحابة قد أثبتوا جميع تلك الأحرف في المصاحف وأخبروا بصحتها ،وأعلموا بصوابها ، وخيّروا الناس فيها ... وأن من هذه الأحرف حرف أبي بن كعب ، وحرف عبد الله بن مسعود، وحرف زيد بن ثابت ... "([9]) ثم يعقب قائلا " يبدو رأي الداني هذا مناقضاً لما قاله في (المقنع ص 120) الذي مر من قريب" يقصد ان مصحف عثمان قد كتب على حرف واحد و لعل الداني لم يقتنع بان كل هذه الاختلافات خارجة عن حرف واحد لذا سقط مرة اخرى في التناقض

هذا هو الداني الذي تمر به الاسانيد , و الذي يصر علماء المسلمين الا يعتمدوا الا عليه .

------------------------------------

[1] الداني , المقنع 114

[2] الونشريسي المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب , 12 \ 74

([3]) المحكم ص3

[4] المحكم ص 176

([5]) مجموع الفتاوى 13/402

([6]) ينظر : النشر 1/33، ومنجد المقرئين ص 22

([7]) أبو زهرة : المعجزة الكبرى ص 40 و 50

([8]) ينظر تفصيل هذه القضية في كتاب غانم قدوي : رسم المصحف ص 469- 474

([9]) الأحرف السبعة ص 60- 61

(09-01-2010, 11:50 AM)fancyhoney كتب:  و لا يفوقتنا ما قاله الخطيب الفقيه ابو عبد الله بن عبد السلام ان القراءات "غير متواترة و كلها تنتهي الي الداني " ([2]) [color=#0000CD]مما يعني ان المسلمين يعتمدون اشد الاعتماد على الداني و مما يكسبه تفوق على كل من كتبوا في هذا المجال .------------------------------------



[2] الونشريسي المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب , 12 \ 74

أخبرنا من هو أبو عبد الله هذا و أين ذكر في الصفحة ؟

أرجو أن تثبت لنا :

1 _ اسمه بالحرف كما ورد في الكتاب .

2 _ قوله بالحرف كما ورد في الكتاب و أقصد المعيار لأبي العباس الونشريسي.

ثم سأتابع معك بعدها الحوار .

و أسألك سؤالا آخر فيما بعد قد ينهي الحوار.