التواريخ البديلة
(3)
مبدأ أن مراقبة الهدف يغير من مساره.
هذا هو المبدأ الثالث من فيزياء الكوانتم والذي علينا فحصه ، طبقا لفيزياء الكوانتم لا يمكنك مراقبة شيء دون التدخل فيه . أي أن المراقب غير المتدخل لا وجود له ، ففي الواقع يؤثر المشاهد في كل ما يشاهده ، و ذلك خلال إضاءة الهدف ولو بضوء باهت للغاية ، هذا التأثير لن يكون محسوسا في جسم كبير كالخرتيت أو كرة القدم ، و لكنه سيكون محسوسا في جزيئ الكوانتم (متناهي الصغر) كالفوتون أو حتى الإليكترون ، فالإضاءة تعني إطلاق فوتونات على الهدف ،و هذا يجعل جزيء الكوانتم يغير سلوكه عند مراقبته ولكنه يفعل ذلك بشكل يتوافق تماما مع ما تصفه فيزياء الكوانتم .
هذا سيقودنا إلى سؤال الزميل الاندورفن في المداخلة 32 :
اقتباس:(ما السبب الذي يجعل الالكترون يرجع لحالته الاصليه بعد المراقبه؟هل هو يعقل؟!).
حسنا لنمض الان .. رويدآ .. رويدآ .. و لتتذكر أن تترك common sense عند الأمانات على الباب ولا تتعجل في استردادها حتى نهاية الشريط ، ف بيني و بينك خبرة الحياة اليومية تجعلنا أشبه بالبلهاء بمجرد أن نتحرك خارجها ولو بمحطة أوتوبيس واحد !.
1- في التجربة السابقة لو أطلقنا مليون جسيم من النقطة ( أ ) و قسنا النتائج على النقطة (ب) سنجد أنها تتوزع كما لو كانتا موجتين متداخلتين ( شرائح مضيئة بجوارها أخرى مظلمة و هكذا ) كما شاهدنا من قبل .
2- دعونا نختبر نموذج الخواجة فينمان الآن .. و نجمع الفيزات لكل المسارات الممكنة من النقطة ( أ ) إلى ( ب ) سنجد أن كل الإحتمالات التي حسبناها لسقوط الجسيمات في المواقع المختلفة تتطابق مع النتائج المتحصل عليها . ألا يدل هذا على صحة نموذج فاينمان ؟. نعم يدل على ذلك .. و لكن ماذا بعد ؟
3- سنضيء الآن الفتحتين ( 1 أو 2 ) و ندعوها النقطة ( ج ) التي ستقع على مسار بعض الجسيمات بالطبع . هذه العملية سنطلق عليها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب " فين طريقك فين و يروحوله منين ؟" و لكن العلماء في الغرب الذين لا يحتارون مع عبد الوهاب يسمونها معلومات (which – path) ، نفس المعنى أي هي المعلومات الخاصية بأي الطرق ستسلكها جسيمات الكوانتم ؟.حسنا سنضيء الآن أحدى الفتحتين ، و نراقبها لتحديد عدد المسارات التي ستعبر الفتحة 1 أو الفتحة2 ، و نحن في كل حالة سنستبعد الفتحة الأخرى من المراقبة .
4- بالمراقبة سنعرف الآن عدد الجزيئات التي عبرت من أ إلى ب خلال الفتحة 1 أو 2 فقط كل على حده ،و لكننا لن نحسب المسارات التي عبرت 1 و 2 في نفس الوقت ، و لأن نموذج فاينمان يفترض مرور الجسيم من 1 إلى 2 ثم إلى 1 و أن التداخل يكون بين مساراتها ، مما يعطي التأثير الموجي ، الآن لن يمكننا سوى حساب مسار واحد فقط من أ خلال 1 ( أو ) 2 إلى ب ، و بالتالي لن تكون هناك مسارات متداخلة ،و النتيجة طبقا لنموذج فينمان هي أن ظاهرة التداخل ستختفي وهذا ما حدث بالفعل ! ، في هذه الحالة سنحصل على تجمعين فقط من الجسيمات كما لو كانت مجرد كور للعبة كرة القدم .
5- هناك تجربة أخرى للتأكد من صحة النتائج ، هي أن نوجه إضاءة باهتة جدا على الفتحات ، بحيث تضيء نسبة فقط من الجزيئات العابرة ، و جائت النتائج مدهشة فالمجموعة التي لم تتم إضائتها في نفس الشق تصرفت بالنسق الذي يحقق التداخل ( السلوك الموجي ) و المجموعة الأخرى التي تم إضائتها -في الشق نفسه- لم تتصرف كذلك ،و لكن كجسيمات كبيرة مثل كرة القدم !.
نتائج هذه التجارب تلقي بأضواء قوية على معنى التاريخ . وفقا للبديهة و لقوانين نيوتن فالتاريخ عبارة عن تسلسل محدد من الحوادث جرت في الماضي . و لكن وفقا لفيزياء الكوانتم فمهما كانت دقتك في قياس لحظة ما ، سيكون الماضي الذي لم تراقبه غير محدد ،و لكنه طيف واسع من الإحتمالات كذلك سيكون المستقبل ، و بالتالي فالكون ليس له تاريخ أو ماضي واحد .
أن يكون الماضي بلا شكل محدد ، فهذا معناه أنك بقياس نظام ما في الحاضر تؤثر في ماضيه .
John Wheeler
هذه الإفتراضية تم دعمها بتجربة عملية أبعد مدلولآ اقترحها الفيزيائي " جون ويلر john "wheeler ، أطلق عليها تجربة الإختيار المتأخر delayed choice ، و الفرق بينها و بين التجربة التي ناقشناها ، هو أنك ترجأ قرارك في مراقبة النظام أو عدم مراقبته حتى اللحظة الأخيرة . المفاجأة هنا أن النتائج لم تختلف عن تلك عندما كنا نراقب الثقوب ذاتها التي عبرت منها الجزيئات !. الفرق هنا هو أن الجزيئات قررت هل تعبر شق واحد (بحيث لا تعطي نسق التداخل الموجي) أو الشقين معا (لتعطي نسق التداخل الموجي) ، بعد أن تكون عبرت الشقوق ذاتها بزمن طويل ( نسبيا بالطبع ) ، أي أنها لم تحدد ما هو ( تاريخها ) سوى عند ملاحظتها في آخر لحظة من وجود الظاهرة !.
(هنا سأنصحك نصيحة لن تسمعها من أحد تعرفه و لا من فاينمان نفسه ، أيضا لن تقدرها حق قدرها أبدآ ! .. لا تثق في معنى الزمن الذي تعرفه من خبرتك في الحياة العادية ، الزمن ليس له وجود مستقل و لكنه مجرد فرضية ابتكرها العقل البشري لربط الأحداث الفيزيائية التي يشاهدها كي يتمكن من عمل نموذج لها . ) .
جون ويللر لا يكتفي بالنتائج المدهشة لتجربته ، بل هو يعطيها أبعادآ كونية أراها خارج مدى هذه الدراسة ، و لكن لو ظهت حاجة لها مستقبلآ سنتعرض لها أيضا . و لكني لن امنع من يشاء البحث عنها في الشبكة و تقديم شرح لها في هذا الشريط ، فقط رجاء بلغتنا هذه البسيطة و بدون مصطلحات التراجمة المصطنعة .
هنا سنتوقف لإلتقاط الأنفاس ولو قليلآ ، فنحن في منتصف الكتاب تقريبا ، وهو إنجاز لا بأس به أبدآ ، فنحن لم نكتب معادلة رياضية معقدة واحدة ، و لم نستخدم أي لغة إصطلاحية متقعرة كما يفعل البعض ، رغم أن المادة التي تبدوا لك بسيطة قابلة للفهم ليست كذلك بالقطع .
منذ الان و خلال يومين او ثلاث سأتوقف عن عرض المادة العلمية و سأكون مستعدآ لاستقبال أي استفسار أو طلب إيضاح ،و لكن لن أقوم بدور المعلم بل بدور الزميل المتعاون بحثا عن المعلومة العلمية .
أتمنى من الزملاء من غير الإختصاص العلمي الفيزيائي - او حتى به- الذين يتابعون الشريط إبداء ملاحظاتهم على طريقة العرض ،وهل هي علمية اكثر مما يجب او مبسطة اكثر مما يجب ؟.
.....................
ملحوظة قد تكون مفيدة .
المادة العلمية في مداخلات أرقام .
1- مداخلة رقم 4 -لغز الوجود .
2- مداخلة رقم 15 -القانون الطبيعي .
3- مداخلة رقم 17 -معنى الواقعية1.
4- مداخلة رقم 18 -معنى الواقعبة2.
5- مداخلة رقم 28 -التواريخ البديلة-1.
6- مداخلة رقم 39 -التواريخ البديلة-2 .
7- مداخلة رقم 41 -التواريخ البديلة-3 .