{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #1
أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
أحلام الفارس القديم

لو أننا كنّا كغُصنيْ شجره
الشمسُ أرضعتْ عروقَنا معا
والفجرُ روّانا ندىً معا
ثم اصطبغنا خضرةً مزدهره
حين استطلنا فاعتنقنا أذرُعا
وفي الربيع نكتسي ثيابَنا الملوّنه
وفي الخريف، نخلعُ الثيابَ، نعرى بدَنَا
ونستحمُّ في الشتا، يدفئنا حُنوُّنا!


لو أننا كنا بشطّ البحر موجتينْ
صُفِّيتا من الرمال والمحارْ
تُوّجتا سبيكةً من النهار والزبدْ
أَسلمتا العِنانَ للتيّارْ
يدفعُنا من مهدنا للحْدِنا معا
في مشيةٍ راقصةٍ مدندنه
تشربُنا سحابةٌ رقيقه
تذوب تحت ثغر شمسٍ حلوة رفيقه
ثم نعودُ موجتين توأمينْ
أسلمتا العنان للتيّارْ
في دورة إلى الأبدْ
من البحار للسماءْ
من السماء للبحارْ !


لو أننا كنا بخَيْمتين جارتينْ
من شرفةٍ واحدةٍ مطلعُنا
في غيمةٍ واحدةٍ مضجعُنا
نضيء للعشّاق وحدهم وللمسافرينْ
نحو ديارِ العشقِ والمحبّه
وللحزانى الساهرين الحافظين مَوثقَ الأحبّه
وحين يأفلُ الزمانُ يا حبيبتي
يدركُنا الأفولْ
وينطفي غرامُنا الطويل بانطفائنا
يبعثنا الإلهُ في مسارب الجِنان دُرّتينْ
بين حصىً كثيرْ
وقد يرانا مَلَكٌ إذ يعبر السبيلْ
فينحني، حين نشدّ عينَهُ إلى صفائنا
يلقطنا، يمسحنا في ريشه، يعجبُه بريقُنا
يرشقنا في المفرق الطهورْ !


لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ
وناعمٍ، لا يبرحُ المضيقْ
مُحلّقٍ على ذؤابات السُّفنْ
يبشّر الملاحَ بالوصولْ
ويوقظ الحنينَ للأحباب والوطنْ
منقاره يقتاتُ بالنسيمْ
ويرتوي من عَرَقِ الغيومْ
وحينما يُجنّ ليلُ البحرِ يطوينا معاً... معا
ثم ينام فوق قِلْعِ مركبٍ قديمْ
يؤانس البحّارةَ الذين أُرهقوا بغربة الديارْ
ويؤنسون خوفهُ وحيرتهْ
بالشدوِ والأشعارْ
والنفخ في المزمارْ !


لو أننا
لو أننا
لو أننا، وآهِ من قسوةِ "لو"
يا فتنتي، إذا افتتحنا بالـمُنى كلامَنا
لكنّنا..
وآهِ من قسوتها "لكننا "
لأنها تقول في حروفها الملفوفةِ المشتبكه
بأننا نُنكرُ ما خلّفتِ الأيامُ في نفوسنا
نودُّ لو نخلعهُ
نودُّ لو ننساه
نودّ لو نُعيده لرحمِ الحياه
لكنني يا فتنتي مُجرِّبٌ قعيدْ
على رصيف عالمٍ يموج بالتخليطِ والقِمامه
كونٍ خلا من الوَسامه
أكسبني التعتيمَ والجهامه
حين سقطتُ فوقه في مطلع الصِّبا


قد كنتُ في ما فات من أيّامْ
يا فتنتي محارباً صلباً، وفارساً هُمامْ
من قبل أن تدوس في فؤاديَ الأقدامْ
من قبل أن تجلدني الشموسُ والصقيعْ
لكي تُذلَّ كبريائيَ الرفيعْ
كنتُ أعيش في ربيع خالدٍ، أيَّ ربيعْ
وكنتُ إنْ بكيتُ هزّني البكاءْ
وكنتُ عندما أحسُّ بالرثاءْ
للبؤساء الضعفاءْ
أودُّ لو أطعمتُهم من قلبيَ الوجيعْ
وكنتُ عندما أرى المحيَّرين الضائعينْ
التائهينَ في الظلامْ
أودُّ لو يُحرقني ضياعُهم، أودُّ لو أُضيءْ
وكنتُ إنْ ضحكتُ صافياً، كأنني غديرْ
يفترُّ عن ظلّ النجومِ وجههُ الوضيءْ
ماذا جرى للفارس الهمامْ؟
انخلع القلبُ، وولَّى هارباً بلا زِمامْ
وانكسرتْ قوادمُ الأحلامْ
يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الدمعةِ البريئه!
يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الضحكةِ البريئه!
لكَ السلامْ
لكَ السلامْ
أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهاره
لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكاره
لا، ليس غيرَ «أنتِ» من يُعيدُني للفارسِ القديمْ
دونَ ثمنْ
دون حسابِ الربحِ والخساره



صافيةً أراكِ يا حبيبتي كأنما كبرتِ خارجَ الزمنْ
وحينما التقينا يا حبيبتي أيقنتُ أننا
مفترقانْ
وأنني سوف أظلُّ واقفاً بلا مكانْ
لو لم يُعدني حبُّكِ الرقيقُ للطهاره
فنعرفُ الحبَّ كغصنيْ شجره
كنجمتين جارتينْ
كموجتين توأمينْ
مثل جناحَيْ نورسٍ رقيقْ
عندئذٍ لا نفترقْ
يضمُّنا معاً طريقْ
يضمّنا معاً طريقْ .


الشاعر صلاح عبد الصبور

كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2010, 09:24 AM بواسطة coco.)
12-10-2010, 09:18 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #2
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور

سوف أتناول هنا بناء القصيدة عند صلاح عبد الصبور بعامة وفي هذه القصيدة خاصة , وبداية نعود لكتاب حياتي في الشعر لشاعرنا والذي أفرد فيه فصلا لمناقشة بناء القصيدة فنجد أن عبد الصبور قد أولاه شطرا كبيرا من اهتمامه يقول : " وتتبع فكرة التشكيل من الإقرار أن القصيدة ليست مجرد مجموعة من الخواطر أو الصور أو المعلومات , ولكنها بناء مندمج الأجزاء , منظم تنظيما صارما , وقد يجد القارئ تناقضا بين ما أقرره الآن عن التنظيم الصارم للقصيدة بحيث لا يند جزء منها عن تناسقه مع بقية الأجزاء الأخري , وتكامله معا تكاملا معقولا , وبين ما سبق أن قلته عن مرحلة ( التكوين والتلوين ) في خلق القصيدة , فحديث التنظيم يوحي بالإرادة العاقلة , والحساب الدقيق , والوعي اليقظ , وحديث التلوين والتمكين قبل ذلك يوحي بالعفوية والتلقائية , أحد القولين ينبع من جوار العقل , ويكاد أن يجعل من القصيدة عملا غائيا مقصودا لذاته , وثانيهما ينبع من جوار النفس أو الروح , ويكاد أن يجعل من القصيدة لعبا ممتعا مستغنيا بذاته عن الغاية " ثم يحلل عبد الصبور هذا التناقض فيروح إلي الفيلسوف نيتشه الذي يري أن " المأساة اليونانية نبعت من الديانة الديونيزيوسية أو عبادة ديونيزيوس , هذه العبادة التي تقدس النشوة , وتمجد اللذة البدنية , وتؤثر الفرح وتحيي طقوسها بالعربدة والسكر , فهي إطلاق لكل القوي الحيوية في الإنسان بل هي تكريم لغرائزه وتفجير لها , وليس من شأن التفجير أن يتخذ شكلا أو يلتئم في نظام , ومن هنا جاءت العبادة الأبولونية لكي تتوازن مع الديانة الديونيزيوسية , ومن شأن عبادة أبولو أن تقدس العقل , وأن تحترم التصميم والإحكام , وأن تحيي طقوسها بالتأمل " .
ويهاجم عبد الصبور من لا يمتلك القدرة البنائية " وقد توحي كلمة القصيدة الغنائية بأنها مجرد غناء مرسل تنثال فيه الخواطر والأحاسيس انثيالا عفويا تلقائيا , بحيث لا يربط بينها إلا التداعي , وفي ظني أن هذا المنهج في كتابة القصيدة كفيل بإنهاكها , ويجعلها وجودا هلاميا , يعسر الإحساس به , وفي ظني أيضا أن ما ينقص كثيرا من شعرائنا هو هذه المقدرة علي وضع أحاسيسهم وعواطفهم في نسق متكامل , أو بالأحري هذه المقدرة علي بناء القصيدة الغنائية "
ثم يتناول عبد الصبور الموضوع في الكتاب المهم للدكتور عز الدين إسماعيل ( الشعر العربي المعاصر ) فيقول : " وقد استعرض الدكتور عز الدين إسماعيل بفطنة ثاقبة ألوانا من الأبنية الفنية مستخدما نماذج من عبدالوهاب البياتي والفيتوري ومني , مشيرا إلي أن هناك ألوانا من الأبنية منها الدائري الذي يلتئم آخره بأوله ليكون دائرة مكتملة , ومنها الحلزوني الذي يدور حول ذاته ملقيا بأضواء كثيرة علي الموضوع الرئيسي في كل دورة , ومنها القصيدة التي تبدأ قمتها ثم تنحل شيئا فشيئا في صور متلاحقة متآزرة , ومنها القصيدة التي تقدم مجموعة من التنويعات علي موضوع واحد , وقد تبدو هذه التنويعات غريبا بعضها عن بعض , ولكنها في واقع الأمر متكاملة تتبادل أضواءها ودلالاتها "

- يتبع –

كوكو
12-13-2010, 07:28 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #3
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور

ثم يستطرد عبد الصبور " ويبدو لي أن محك الكمال في بناء القصيدة هي احتواؤها علي ذروة شعرية , تقود كل أبيات القصيدة إليها , وتسهم في تجليتها وتنويرها , وهي ليست ذروة بالمعني الذي نجده في الدراما , وإن كانت تحتوي عنصرا دراميا , ولكنها أقرب ما يكون إلي ما اصطلح العرب علي تسميته ( بيت القصيد ), وما الاختلاف في الأبنية إلا اختلاف في مكان الذروة من القصيدة " .
ثم يبدأ عبد الصبور في تحليل الذروة الشعرية في عدد من القصائد مثل في ( انتظار البرابرة ) لكافافيس ويري أنها جاءت في نهاية القصيدة ويشرح تنويعات الذري التي تأتي في نهاية القصيدة فيتناول قصيدة (الجيتار ) للوركا و قصيدة ( عائلية ) لبريفير , ثم يقرر " وحديثي عن الذروة هنا لا ينفي إمكانية التقسيم التي أرادها الناقد الصديق , ولكنه جدير بأن يضيف إليها ملمحا جديدا , فما زلت أؤمن معه بأن هناك تشكيلا دوريا ترد فيه ذروة النهاية علي فاتحة البدء , وتندمج فيها ليصنعا قصيدة دائرية .
وسوف نري تطبيقا مباشرة لما ذكره هنا عبد الصبور علي قصيدته ( أحلام الفارس القديم ) ولكن لنستمر معه حين يستطرد " ولكن هل يتم هذا التشكيل بشكل واع , بحيث تنتفي التلقائية فيه , لا , فليس لأبولو كعقل نصيب في العملية الفنية , بل إن التشكيل يصبح لدي الفنان نوعا من الغريزة الفنية , مثله مثل القدرة علي الوزن وتكوين الصور .
إن المقدرة علي التشكيل , مع المقدرة علي الموسيقي هما بداية طريق الشاعر وجواز مروره إلي عالم الفن العظيم .
ولكن الكمال الشكلي للقصيدة لا يتم بإحكام بنائها فحسب , بل لابد من التوازن بين عناصرها المختلفة من صور وتقرير وموسيقي , وهذا التوازن موهبة تستطيع القصيدة الجيدة أن تحققها بأسلوبها الخاص , فلكل قصيدة توازنها الذي لا يتكرر .
لقد قال جوته " الفن تشكيل قبل أن يكون جمالا " , ولاشك أنه علي حق "
راجع حياتي في الشعر , صلاح عبدالصبور , الهيئة المصرية العامة للكتاب , مهرجان القراءة للجميع 1995

- يتبع -

كوكو
12-13-2010, 10:59 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #4
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور

والآن وبعد هذا الاستعراض الطويل لآلة صلاح عبد الصبور النقدية من منظوره هو , في موضوع بناء القصيدة , نحاول أن نطبقه علي ما بأيدينا .
افتتح الشاعر القصيدة برسم أربع لوحات كلها يبدأ بحرف التمني ( لو) وتبدأ بها السطور التالية :

لو أننا كنّا كغُصنيْ شجره

لو أننا كنا بشطّ البحر موجتينْ

لو أننا كنا نجيْمتين جارتينْ

لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ

والشاعر حين يضعنا أمام اللوحات التصويرية الأربع يشدنا لمحاولة الإجابة علي سؤال ( لو ) باعتبار أن لو هنا شرطية تحتاج إلي جواب , ولكننا نكتشف بعد الولوج إلي الجزء التالي من القصيدة , أن ( لو ) هذه ليست ( لو ) الشرطية وإنما مجرد أداة للتمني , ثم نكتشف مع الجزء الأخير أن هناك ( لو ) شرطية التي تحتاج إلي جواب حين يقول :

وأنني سوف أظلُّ واقفاً بلا مكانْ
لو لم يُعدني حبُّكِ الرقيقُ للطهاره

فالجواب مقدم علي الشرط , وأصل الكلام , لو لم يعدني حبك الرقيق للطهارة فإنني سوف أظل واقفا بلا مكان .
فما هي العلاقة بين ( لو ) الأخيرة الشرطية وبين ( لو ) الأولي التي وجدنا أنها للتمني , نكتشف في النهاية أننا إذا لو ربطنا نهاية القصيدة ببدايتها فستكون القصيدة دائرية , إذا وصلنا لنهايتها ثم عدنا لقراءة بدايتها , لفهمنا ( لو ) التي بالمفتتح علي أنها شرطية ولكن جوابها تأخر كثيرا حتي نهاية القصيدة هكذا :

عندئذٍ لا نفترقْ
يضمُّنا معاً طريقْ
يضمّنا معاً طريقْ .

لو كنا كذا وكذا وكذا وكذا.

وبالتالي نفهم أن اللوحات الأربع الأولي ليست مجرد محاولات لاستعراض القدرة التصويرية للشاعر فقط وإنما كان لها دور بالغ الأهمية في إدراك بنية القصيدة .
ولكن أين هي الذروة التي تحدث عنها عبد الصبور في هذه القصيدة , الذروة لن تكون إلا تلك الجمل التقريرية التي صنعت المفارقة بين جملة شرط ( لو ) وجوابها , إنها تلك السطور التي لونتها بلون مخالف للقصيدة وهي تلك الجمل التقريرية التي تكاد تخلو من التصوير :

أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهاره
لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكاره
لا، ليس غيرَ «أنتِ» من يُعيدُني للفارسِ القديمْ
دونَ ثمنْ
دون حسابِ الربحِ والخساره

فالبكارة المفقودة هي أساس بناء القصيدة , البكارة هي عتاد الشاعر الفارس , ضياع البكارة بسبب عالم ملئ بالقبح والدمامة جعل الشاعر مجرب قعيد , ضياع البكارة يعني ضياع الشاعر الفارس , العودة للبكارة هو حلم الشاعر الفارس , عود البكارة تكون بالحب , ولكن أي حب ؟ , إنه حب خاص فسره الشاعر باللوحات الأربع الأولي .

- يتبع -

كوكو
12-14-2010, 04:44 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #5
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور

لننظر إلي اللوحات الأربع في مفتتح القصيدة , لندع جانبا جمال خلق صلاح عبد الصبور لكل لوحة علي حدة وجعلها أولا صورة كلية تموج حركة وحياة , ثانيا جمال التصوير في كل سطر من سطور اللوحة واحتياجه للسطر الذي بعده لإيصال الدلالة الكلية للوحة للمتلقي , ولننظر للعلاقة البنائية التي تضم اللوحات الأربع معا ,نجد أن التركيز علي الثنائية ( غصنيْ شجره , بشط البحر موجتين , نجميتين جارتينْ , جناحَيْ نورسٍ رقيقْ ) ,وما يجعل هذه الثنائية وحدة لا تنفصم هو مدي ما يخضعان له من ظروف سواء كانت ظروف زمانية أو ظروف مكانية أو مصير واحد , وقد تبدو اللوحات الأربع متشابهة في الظاهر من هذه الناحية ولكن بالتأمل الدقيق نري أن هناك فروقا بين كل لوحة وأخري , ففي اللوحة الأولي نري التعاقب البسيط للزمن الطبيعي من نهار وليل وشتاء وربيع وصيف وخريف ومدي المرونة في التحول للعنصر ( غصني الشجرة ) واستجابتهما للظروف الزمنية , أما اللوحة الثانية فيعلي عبد الصيور من قيمة الزمن إزاء العنصرين ( الموجتين ) فلا يجعله زمنا طبيعيا , بل يتجاوز به إلي الزمن الكوني حين يجعل حياة العنصرين ( موجتين ) له علاقة بالشمس التي تشربهما ثم يصيرا سحابة ثم ينهمرا ماء ,ثم سحابة , في دورة وراء دورة , وهكذا علي الدوام , في اللوحة الثالثة نجد أن قيمة الزمن تعلو أكثر في تصوير ( النجيمتين ) لكي يكون الزمن هو زمن الخلود الأبدي , فلا يكتفي بالزمن الكوني في حياة النجيمتين ولكنه يتعقب حياتهما بعد انطفاء الزمن الكوني حين يصيرا حجرين كريمين في الجنة الأبدية يعجب بهما ملاك مار فيجعلهما تاجا له فوق رأسه , أما اللوحة الرابعة فبالرغم من نبوها الظاهر عن قيمة الزمن لأنه لا مطمع لزمن بعد زمن الخلود فإنه يعيدنا مرة أخري إلي الزمن الطبيعي ولكن ليس الزمن الطبيعي في اللوحة الأولي الخاضع للضرورة , ولكن زمن طبيعي متسم بالحرية ( جناحي نورس ) فالكائن الحي غير الخاضع لضرورة الزمن أعلي في القيمة من الموجود الطبيعي الخاضع لأسر الضرورة , إنه كائن بقدر ما يملك من حرية , يتفاعل مع العالم المحيط به من العناصر الأخري التي وضعها عبد الصبور في اللوحة .
مجموعة من اللوحات الغنية أولا بالتصوير الجزئي في كل سطر , ثانيا بالتصوير الكلي لكل لوحة منفصلة عن أخواتها , ثالثا بالعلاقة البنائية التي تضم اللوحات الأربع في كل واحد , رابعا في العلاقة الدلالية التي تشد اللوحات الأربع إلي جسم القصيدة وهو ما ألمحنا إليه قبلا ونتناوله بتعمق فيما سيأتي , لنقرأ هذا الجزء مرة أخري .

لو أننا كنّا كغُصنيْ شجره
الشمسُ أرضعتْ عروقَنا معا
والفجرُ روّانا ندىً معا
ثم اصطبغنا خضرةً مزدهره
حين استطلنا فاعتنقنا أذرُعا
وفي الربيع نكتسي ثيابَنا الملوّنه
وفي الخريف، نخلعُ الثيابَ، نعرى بدَنَا
ونستحمُّ في الشتا، يدفئنا حُنوُّنا!


لو أننا كنا بشطّ البحر موجتينْ
صُفِّيتا من الرمال والمحارْ
تُوّجتا سبيكةً من النهار والزبدْ
أَسلمتا العِنانَ للتيّارْ
يدفعُنا من مهدنا للحْدِنا معا
في مشيةٍ راقصةٍ مدندنه
تشربُنا سحابةٌ رقيقه
تذوب تحت ثغر شمسٍ حلوة رفيقه
ثم نعودُ موجتين توأمينْ
أسلمتا العنان للتيّارْ
في دورة إلى الأبدْ
من البحار للسماءْ
من السماء للبحارْ !


لو أننا كنا نجيْمتين جارتينْ
من شرفةٍ واحدةٍ مطلعُنا
في غيمةٍ واحدةٍ مضجعُنا
نضيء للعشّاق وحدهم وللمسافرينْ
نحو ديارِ العشقِ والمحبّه
وللحزانى الساهرين الحافظين مَوثقَ الأحبّه
وحين يأفلُ الزمانُ يا حبيبتي
يدركُنا الأفولْ
وينطفي غرامُنا الطويل بانطفائنا
يبعثنا الإلهُ في مسارب الجِنان دُرّتينْ
بين حصىً كثيرْ
وقد يرانا مَلَكٌ إذ يعبر السبيلْ
فينحني، حين نشدّ عينَهُ إلى صفائنا
يلقطنا، يمسحنا في ريشه، يعجبُه بريقُنا
يرشقنا في المفرق الطهورْ !


لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ
وناعمٍ، لا يبرحُ المضيقْ
مُحلّقٍ على ذؤابات السُّفنْ
يبشّر الملاحَ بالوصولْ
ويوقظ الحنينَ للأحباب والوطنْ
منقاره يقتاتُ بالنسيمْ
ويرتوي من عَرَقِ الغيومْ
وحينما يُجنّ ليلُ البحرِ يطوينا معاً... معا
ثم ينام فوق قِلْعِ مركبٍ قديمْ
يؤانس البحّارةَ الذين أُرهقوا بغربة الديارْ
ويؤنسون خوفهُ وحيرتهْ
بالشدوِ والأشعارْ
والنفخ في المزمارْ !


كوكو
12-15-2010, 07:56 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #6
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
إذا كان الجزء الأول ( اللوحات الأربع ) هو الرأس من القصيدة , فإن الجزء الثاني هو القلب من القصيدة , أو لحظة الذروة ( العاصفة ) بلغة عبد الصبور , فبعد التمني يأتي الاستدراك , لا يمكن بلوغ الأماني , لماذا؟ , لأن :

لكنني يا فتنتي مُجرِّبٌ قعيدْ
على رصيف عالمٍ يموج بالتخليطِ والقِمامه
كونٍ خلا من الوَسامه
أكسبني التعتيمَ والجهامه
حين سقطتُ فوقه في مطلع الصِّبا

إن التجارب السابقة والتي سوف يكون المقطع التالي سردا وافيا , هي ما غير رؤية الشاعر للعالم , بدا العالم للشاعر ( يموج بالتخليط والقمامة ) , فقد الجمال , طبع رؤية الشاعر بالكآبة , فأصبح ( مجربا قعيدا ) , أصبحت الذات التي تنعكس عليها صور العالم ( ذات كهل ) لا يستطيع رؤية جمال العالم كما كان يراه قبلا ( في مطلع الصبا ) حين كان يري أشياء العالم فيندهش لها , أصبحت تلك الأشياء تبعث في النفس السآمة والرتابة والتكرار , وهي ثيمة نراها تتكرر كثيرا في قصائد عبد الصبور , كان الشاعر في مطلع صباه متداخلا مع العالم , قلب العالم هو دقات قلبه , ومع الوقت راح هذا الغوص في العالم يترك من اللمسات علي قلبه ما جعل هذا القلب لا يستطيع إدراك العالم إلا علي هذا الشكل , إهانة البشر , الذل ,الحزن و الكآبة , الضياع ..إلخ , ومأساة الشاعر الآن هي , كيف يعود العالم إلي سابق عهده , كما رآه في مطلع الصبا ,عبر عن هذه الرؤية بالسطور التي سبق وأن لونتها :

يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الدمعةِ البريئه!
يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الضحكةِ البريئه!
لكَ السلامْ
لكَ السلامْ
أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهاره
لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكاره

ما الذي يشد اللوحات الأربع لهذا الجزء ؟ , ما يشدها هو حالة التناقض بين ما يتمناه الشاعر وما آل إليه حاله , إنها الجنة المفقودة التي يتمني لو عاد إليها يوما ما , والمقابل الذي يقايض به الشاعر لقاء العودة لحالة البراءة هو ( التجريب والمهارة ) , والمقصود بالتجريب والمهارة هنا , كل ما يمتلكه من أدوات وحيل في سبيل قنص الفكرة وتحويلها من حالتها الخام إلي الفن , وياله من ثمن يعطيه الشاعر مقابل العودة لحالة البراءة والبكارة .

وأود هنا أشير إلي خطأ لغوي وقع فيه صلاح عبد الصبور , رغم أنه شاعر كبير , حين استعمل كلمة ( الوجيع ) كاسم مفعول , بينما هي في الحقيقة اسم فاعل وتعني ( الموجع ) وليس الموجوع , نقول ضرب وجيع مثل عذاب أليم , يراجع علي سبيل المثال المعجم الوسيط الصادر من مجمع اللغة العربية ص 1014 مادة ( وجع )
والسطر هو :
أودُّ لو أطعمتُهم من قلبيَ الوجيعْ

هنا ( الوجيع ) تأتي بمعني عكسي تماما لما يقصده , لأنه يقصد ( من قلبي الموجوع ), ونقول أن الشاعر وقع في العامية ,وقد تناقشت مع أصدقائي فيها كثيرا حتي كدنا نتشابك 2talk فلم نجد لها حلا ,
( وبتحصل في أحسن العائلات )

- يتبع -
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-17-2010, 05:33 AM بواسطة coco.)
12-17-2010, 05:18 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #7
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
تحليل رائع بحق يا أستاذ كوكو .. أتابعك

[صورة: thumb_rose.jpg]



12-17-2010, 07:47 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #8
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
شكرا عزيزتي / هالة New97 علي مرورك الجميل ,
وعلي الوردة التي تقتبس من أنوار روحك عطرها وجمالها .

كوكو
12-17-2010, 08:50 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #9
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
نأتي إلي ختام القصيدة , وهو ليس بختام ولكنه يؤدي بنا إلي بداية القصيدة لكي نري الطريقة الدائرية التي صنعها عبد الصبور ومدي فتنتها .
قلنا فيما سبق أنه مستعد للمقايضة بما يملك من ( التجريب والمهارة ) لقاء ( يوم من البكارة ) ولننظر إلي فداحة الثمن الذي سيدفعه ( أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهاره ) كل تجاربه وخبراته وفي حياته كلها مقابل ( يوم من البكارة ) يوم واحد , لنري مدي اشتياقه إلي بكارة العالم , دهشة الرؤيا , نقاء الأشياء حين نراها بعيون الأطفال , بل أنه يحس أنه يغبن من يقايضه حين يقايضه بما يراه بخسا مقابل ما يراه ثمينا حين يقول :

لا، ليس غيرَ «أنتِ» من يُعيدُني للفارسِ القديمْ
دونَ ثمنْ
دون حسابِ الربحِ والخساره

والحقيقة أنني نقلت كلمة ( أنت ) في السطر الأول هكذا للمؤنث بكسر التاء من النت رغم أنني رأيتها في الديوان للمذكر بفتح التاء , فقلت ربما كان من نقلها للنت رآها في طبعات أخري بكسر التاء و وهي الأفضل عندي لأنها تتفق في الدلالة مع ما سيأتي بعدها من أن المقصود هو الحبيبة وليس ذات الشاعر أو أي ذات أخري , فشرط الحبيبة شرط خاص هو :

صافيةً أراكِ يا حبيبتي كأنما كبرتِ خارجَ الزمنْ

هذه الحبيبة , حبيبة خاصة وليست ككل الحبيبات , هي كمن عاشت الحياة ولكن بعيدا تماما عن كل آلامها وقسوتها ومرارتها ( إنسانة صافية ) , تستطيع بهذا الصفاء أن تعطي الشاعر ما يتمناه من بكارة مفقودة , والشاعر يري أن هذا الحب محكوم عليه بالإعدام إلا في حالة واحدة وهي عودته لحالة البراءة والنقاء , لأن المحرك والباعث لهذا الحب كان التخلص من رؤيته المأساوية للحياة , يقول :

وحينما التقينا يا حبيبتي أيقنتُ أننا
مفترقانْ
وأنني سوف أظلُّ واقفاً بلا مكانْ
لو لم يُعدني حبُّكِ الرقيقُ للطهاره

للنظر ألان إلي الفتنة التي سبق أن ألمحت إليها , فحين يصف عبد الصبور حالة الحب التي يريدها ويري أنها المخلص له من رؤيته السابقة يلخصها بأخذ السطر الأول من كل لوحة من اللوحات الأربع التي بدأ بها القصيدة دون أن يتجاوز إلي سطر آخر وكأنه أولا : يلخص اللوحات , وثانيا : أنه يريد أن يجرد اللوحات من باقي المحمولات التي وضعها لكل عنصر من العناصر ويصفيه كأنه وحده هو المطلوب دون ما يلحقه من محمولات , وأهمية هذا التجريد أنه يجعلنا نري العناصر خارج كل سياق سبق أن وضعه فيها من الزمان والمكان والتي سبق أن تحدثنا عنها حين حللنا البناء في اللوحات , فكأنه يريد أن يجعل العناصر خارج شروط الزمان والمكان التي ربما تؤثر في قيمة العنصر وهي حالة عالية جدا من البراءة والبكارة , الوجود في العالم كشئ من الأشياء ولكنه شئ مزدوج والرباط الذي يصنع هذا الازدواج هو الحب , والحب فقط ,كذلك فإنه يتفق مع المحمول الذي خلعه علي الحبيبة ( صافية / خارج الزمن ) وعندما نصل إلي هذه النقطة لا مفر من العودة إلي أول القصيدة لكي نري مصير هذه العناصر ومصير هذا الحب.

هنا بناء القصيدة يبدو أنه محكوم بالعقل , ومخطط له بدقة عالية ولكن عبد الصبور حين تحدث عنه قال : إنه غريزة فنية مثلها مثل القدرة علي الموسيقي والتصوير , ويالها من غريزة فنية في أعلي درجاتها .

- أرحب بأي تعقيب -
كوكو

(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-18-2010, 08:23 PM بواسطة coco.)
12-18-2010, 07:54 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #10
RE: أحلام الفارس القديم – الشاعر صلاح عبد الصبور
روعة يا أستاذ كوكو 2141521

و بناء القصيدة محكم باتقان كما تفضلت بالتفصيل

كما أنني اوافقك تماما على تأنيث "أنت" أذ أنه يخاطب حبيبة و لا مخاطب آخر في القصيدة.

كنت أريد أن اسألك عن انتقال عبد الصبور من "نا" جمع المتكلم الى أسلوب المخاطب ثم الى المتكلم و بعده المخاطب كيف ترى ذلك التنقل و التنويع؟

و طاب مساؤك بكل جمال

[صورة: thumb_nature_12.jpg]
12-18-2010, 08:49 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  لامية طارق - الشاعر طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 577 12-20-2013, 05:35 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  فرياحها روحى -الشاعر طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 502 10-04-2013, 06:11 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  فرياحها روحى - الشاعر طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 531 09-24-2013, 07:33 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  قصيدة دمشق و أحمد شوقي .. القديم الجديد . بهجت 0 1,141 03-22-2012, 06:59 PM
آخر رد: بهجت
  الشاعر فرج بيرقدار / أشعار ودراسات coco 25 6,242 10-19-2011, 09:21 AM
آخر رد: هاله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS