حزب الله وثورة سوريا
فرضت مناسبة عيد "التحرير والمقاومة" على أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله أن يخرج عن دائرة الصمت المطبق حيال ما يجري في سوريا. صمت كان ثقيلاً على رصيد "حزب الله" الشعبي وزاده ثقلاً خطاب نصر الله البارحة
لكونه شكّل إهانة موصوفة للشعب السوري في ضوء ما أبداه من تضامن صريح مع نظام الأسد وما يختزنه هذا التضامن من تأييد تلقائي للوحشية التي يتعرض لها السوريون المحتجون على أيدي أجهزة أمن هذا النظام، الأمر الذي سيجعل "حزب الله" يدفع ثمنه من رصيد مصداقية مواقفه على مستوى سائر الشعوب العربية الثائرة.
"حزب الله" يدرك أنّه، في كل الأحوال، سيدفع ثمناً غالياً جراء مستجدات الأحداث في سوريا. فإذا ما سقط نظام الأسد سيخسر "حزب الله" وإيران حليفهما العربي الوحيد، وبالتالي أملهما بنشر الثورة الإيرانية أو في أقل تقدير سيعيق هذا السقوط جدول أعمالهما السياسي في المنطقة بشكل كبير. أما إذا استطاع النظام السوري الصمود لبعض الوقت، فقد يكون ذلك في مقابل تضحية الأسد بورقة "حزب الله" في إطار محاولة مقايضتها مع الغرب لحماية نفسه من السقوط.
غير أنّ "حزب الله" ومن خلفه إيران لا يمتلكان على الأرجح إلا أن يقوما بكل ما يلزم لحماية النظام السوري، سواء أكانا يثقان به أو لا، لأنّ أفقهما بدون هذا النظام مسدود. هذا الموقف الذي عبّر عنه إعلام "حزب الله" وحلفاؤه السياسيون في لبنان، وجعل العديد حتى من مؤيّديه ينفرون منه، إذ لا سبيل لإخفاء هذه المعايير المزدوجة في التعاطي مع الثورات العربية.
فبدايةً هلّل مسؤولو "حزب الله" لكافة الثورات العربية وزعموا أنّ الشارع العربي يتمثّل بـ"المقاومة" ويتمرّد على الديكتاتوريين المدعومين من الغرب، ولكن ما لبث أن تبيّن كونهم غير مدركين لحقيقة مجريات الأحداث في المنطقة، حيث بدا واضحاً أنّ لا علاقة لإسرائيل ولا أميركا من جهة، ولا "حزب الله" وإيران من جهة أخرى بهذه الثورات المتعلّقة بالحرية والإصلاحات وحقوق الإنسان الأساسية.
حين وصلت "موجة" الثورات إلى سوريا، دعم "حزب الله" النظام فيها بمواجهة الثوار ما سبب بلبلة حقيقية بين داعميه، لا سيّما أولئك الذين يدعمون "حزب الله" بوصفه مقاومة، وليس بسبب إديولوجيّته...
"كنتُ أدافع عن "حزب الله" لأنّه كان يدافع عن الشعوب المقموعة في فلسطين ولبنان، ولكن عندما يقف ضدّ الشعب السوري المقموع، يبدو أنّ ثمّة شيئا غير سوي"، هذا ما قاله لي صديقي عماد.
"حزب الله" يخسر دعم الشارعين اللبناني والعربي من خلال دعمه ديكتاتوراً في بلد عربي يشهد توجّهاً شعبيًا نحو الحرية... "المقاومة يجب أن تكون من أجل الحرية، والتحرير متعلّق بالحرية، وبالتالي هم لا يستطيعون أن يختاروا فقط الحريات التي تلائم جدول أعمالهم"، أضاف عماد.
"حزب الله" قلق؛ ذلك أنّ حتى مؤيديه كـ"مقاومة" يدركون شيئاً فشيئاً أنّ هذه "المقاومة" لا تعدو كونها "أداة"، وليست هدفاً بحد ذاته. ومع ذلك فليس بيده حيلة، ولا خيار أمام الحزب إلاّ دعم النظام الديكتاتوري في سوريا.
وعلى الرغم من أنّ حدثاً مشابهاً لما يجري الآن سبق أن حصل في إيران عندما نزل مؤيدو الثورة الخضراء الى الشوارع للاعتراض على انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي اعتبروه تزويراً عام 2009، إلاّ أنّ مؤيدي "حزب الله" لم يكونوا حينها واعين لحقيقة المشهد والموقف كما هم اليوم. نظرًا إلى أنّ الأخبار الواردة من إيران كانت قليلة، والثورة كانت حدثاً معزولاً.
أما اليوم فالثورة السورية تحصل في وقت تعم فيه الثورات على الديكتاتوريين في المنطقة حيث ربيع العرب هو نفسه في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا. المظاهرات سلميّة، والمتظاهرون جميعاً ينادون بالشيء نفسه؛ أي الحريات. وما الأخبار الواردة من سوريا عبر الـ"فايسبوك" والأشرطة المصورة عبر الـ"يوتيوب" سوى أبلغ دليل على ذلك.
أهم رافعتين لـ"حزب الله" في لبنان هما سلاحه والدعم الشعبي. واليوم الحزب يخسر قاعدته الشعبية غير المباشرة، أي من هم ليسوا أعضاءً نشطين في "حزب الله" ولا يستفيدون من الحزب سياسياً ومالياً. هؤلاء، الذي يُعتبرون غالبية القاعدة الداعمة لـ"حزب الله" يفقدون تباعًا إيمانهم بالحزب... "إذا كانوا يريدون بالفعل حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، فلماذا لم يحرّكوا ساكناً عندما أطلق الجنود الإسرائيليون النار على متظاهرين سلميّين كانوا يسيرون باتجاه الحدود في مارون الراس الأحد الماضي؟" يسأل عماد الذي شهد التحوّل الدموي للأحداث أثناء التظاهرات بمناسبة يوم "النكبة"، ويتابع: "لقد وقفوا هناك وشاهدوا المتظاهرين يتعرّضون لإطلاق نار ويُقتلون على يد الجنود الإسرائيليين!".
ومع ضمور الدعم الشعبي له، لا يستطيع "حزب الله" أن يوحّد الشارع العربي حول المقاومة ويحوّل الأنظار عن سوريا من خلال دخوله في حرب جديدة مع إسرائيل. فاللبنانيون، لا سيّما الشيعة منهم، لا يستطيعون تكبّد حرب جديدة مع إسرائيل، هم لم يشفوا بعد من آلام حرب تموز 2006، وإن كانوا لا يشتكون منها لأنّهم كانوا مقتنعين بأنّ "حزب الله" لم يبدأ تلك الحرب وبأنّه حقّق من خلالها نصراً "إلهياً".
كافة اللبنانيين، الشيعة وغير الشيعة لم يعد بمقدورهم تحمل حرب جديدة. وبالإضافة الى ذلك، فإنّ قرار الحزب الدخول في حرب مع إسرائيل يعني أنّه سيستنفد ما يخزّنه من أسلحة، علماً أنّ هذا المخزون مهدّد بالثورة السورية، لأنّه في حال سقوط النظام السوري فإنّ السبيل الأساسي لتهريب السلاح الى "حزب الله" سوف يُغلق. هذا عدا عن أنّ "حزب الله" بحاجة لسلاحه في الداخل- ليس بالضرورة من أجل الاقتتال مع باقي الفرقاء اللبنانيين - بل لاستخدامه كوسيلة ترهيب في تعاطيه السياسي.
معلوم أنّ السلاح بدون دعم شعبي هو سلاح غير مُجدٍ، و"حزب الله" قلق لأنّ حليفه في سوريا في وضح حرج، ومؤيّديه يفقدون ثقتهم فيه، والقرار الظني المتعلّق بالمحكمة الخاصة بلبنان - الذي كما يقول "حزب الله" قد يسمّي أعضاءً من الحزب كمتهمين - سيصدر قريباً. وبات السؤال: كيف سيتصرّف الحزب؟، هو كل ما يشغل بال اللبنانيين اليوم. فهل سيبدأ "حزب الله" أخيراً بالتفكير في انتهاج الدرب اللبناني ويخرج عن المسلك الإيراني؟ أم أنّه سيظهر وجهه الحقيقي من خلال محاولته الاستيلاء على النظام السياسي اللبناني، جاعلاً لبنان مفتوحاً على عدد من الاحتمالات المرعبة؟ خصوصًا وأنّ خطاب نصرالله لم يأت خارجًا عن سياق توجسات السؤال الأخير.
http://www.nowlebanon.com/arabic/NewsArc...?ID=275057