تفجير تل أبيب
قبل بضع أيام خلت، خرجت من وكري لأتفسح في الدنيا وأجلي بعض الصدأ الذي اجتاح دماغي جراء هجوم الفيزياء اللعينة التي سيطرت عليه لفترة ليست وجيزة.
كنت قد وفرت بعض المهام لأقوم بها دفعة واحدة وأنتهي، وكانت احداها هي الذهاب الى مركز التسجيل لمن يريد مسكناً للجامعة للسنة المقبلة.
وصلت الى غرفة السكرتارية بعد عناء طويل لا داعي لذكره وباشرت بملئ الأوراق بعد طرح السلام وكلمتين للسكرتارية ذات الشعر الخروبي علها تكون واسطة بيني وبين الحصول على الغرفة.
انتهيت من ملئ الأوراق على مهل وأخرجت ما يلزم من الحقيبة وسلمتها معاً للسكرتارية وبدأت أنبش عن أي موضوع أفتحه معها يكون كمقدمة لدفعها لدس الأوراق في درج المبشرين بالجنة.. أقصد من سيحصلون بالتأكيد على مسكن دون مرور مرحلة التصنيفات.
وكان الموضوع الأمثل هو عن احتمال حصولي على المسكن.
سألتها بلطف عن ذلك فبدأت بالشرح، وكان جلياً أن ما تتفوه به هو استخراجات من اللاوعي كونها رددت ذلك دون مراعاة لا فواصل ولا نهاية جمل، انما أخرجتها دفعة واحدة كما لو كانت الة مسجلة، ودفعني ذلك للاستنتاج أنها قد ملت من تكراره...
اسفت لضياع فرصتي الأولى، فلم يكن ما ابتدعته جديداً، فحاولت عبثاً التفكير بشيء اخر.
شكرتها بأدب واستدرت مغادراً، وما ان وصلت حتى تذكرت، ويا للعنة...
لم اكن مركزاً في حديثها، لأنها أولاً كانت جميلة الى حد يفقدك التركيز.
وثانياً، لأنها كانت تتكلم بطريقة لا توحي لك بأهمية ما تقوله، لكن عقلي اللاواعي استعاد كلامها أيضاً وردده في اذني حتى يفققه الواعي.
ما قالته باختصار أن البارحة كان اخر موعد للتسجيل، وأن عدد المساكن هو 4 الاف في حين أن عدد طلاب الجامعة زهاء 25 الفاً، لذا فاحسب الاحتمال بنفسك ان كان هناك احتمال اصلاً.
لم افكر ثانية، وقفلت راجعاً الى مكتبها، فلا بد من بعض المديح والغزل، فالفرص لا تمر الا مرة واحدة.
استئذنتها بالدخول ثانية، ويبدو أنها فهمت مرادي، فابتسمت ودعتني.
حدثتها عن مدى صعوبة ايجاد مسكن، وعن الأسعار المرتفعة، وعن صعوبة العمل خلال التعليم، ومواضيع قد تدفعها لفتح الدرج السماوي ودفع اوراقي اليه، لكنها لم تفعل.
انما بدأت تحدثني عن كيف كانت حياتها بالجامعة ممتعة، وأنها تتمنى عودة تلك الأيام، ونصائح اضافية لتفادي الفشل بالجامعة، وأخذنا الحديث زهاء الربع ساعة، ولم يقطعه سوى طرق على الباب، أتبعه دخول شرطي طلب منا اخلاء المكان.
سألته اثناء خروجنا من الغرفة عن السبب فأجاب بأن هناك قنبلة في الطابق السفلي، ويا الهي
بدأت الأفكار الوردية تطفوا وصرت أترنح كمنتشٍ بعد طول انتظار، تخيلت كيف أن الله قد بعث ابن حلال ليفجر بناية طويلة عريضة في وسط تل أبيب ليعطيني فرصة للحصول على مسكن، فبالتأكيد سيعيدون التسجيل لأن المستندات ستحترق وتنفجر وتضيع ولا يبقى الا الرماد.
تخيل، الله يفجر لي بناية!!!
استمرت الفانتازيا لبضع ثوانٍ اضافية حتى وصلت الى مدخل الغرفة يرافقني الشرطي والسكرتارية والأفكار الوردية.
وبدافع الفضول فقط، القيت نظرة الى القنبلة التي احاطتها اشرطة الشرطة بمنع الاقتراب، وهنا كانت الكارثة....
انها حقيبتي التي وضعتها أثناء ملئ الأوراق..
اقتربت منها بحماس فأمسكني الشرطي محذراً، أخبرته أنها حقيبتي فنظر الي ببلاهة وتوقف.
سألني ان كنت متأكداً، وكيف وصلت الحقيبة الى هناك وماذا تحوي، كرر اسئلته مرتين، ثم أخبرني انني ان لم أكن متأكداً فلا مجال للمخاطرة..
كنت قد ضقت ذرعاً به، فتقدمت نحو الحقيبة ناوياً فتحها، و.....
لا زال ذاك المشهد عالقاً بذهني، فقد بدأ الشرطي بالركض حينما اخبرته السيكرتارية أني عربي.
ظن أني أنوي تفجيرها أو ما شابه، كان مشهداً مضحكاً بحق.
تناولت الحقيبة وخرجت لأشاهده وقد ابتعد حوالي 30 متراً ينتظر انفجاراً مدوياً، وفاجأه خروجي.
اقترب مني وبدأت اسئلته السخيفة التي أجبت عنها من عقلي اللاواعي أيضاً، كوني كنت قد اعتدت عليها.
أثناء مغادرتي للساحة التقت عيني بعيني السيكرتارية التي استغلت الفرصة لتدخن سيجارة..
كنت أنوي أن اذهب لأكمل حديثي معها، لكني استدركت نفسي حين لامست في عينيها نظرة تفيد بأنه لا أمل.
لا أعرف لمَ لم أشعر بخيبة ، تبسمت فقط واستدرت.