طلعت رضوان
يتشابه الأصوليون فى كل دين فهم يرون أنّ المرجعية الوحيدة فى كل شئون البشر يجب أنْ تكون للنص الدينى ، حتى لو كان هذا النص كُتب لزمن غير زماننا ولمجتمع غير مجتمعنا . واذا كان الفقهاء يختلفون فى التأويل فإنّ الأصوليين يتمسكون بحرفية النص ويتجاهلون (باب أسباب النزول) ولذلك يتدخلون فى حياة البشر، ويصرون على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء فى تجاهل تام لمسيرة البشرية وتطورها من عصر صيد الحيوانات وأكلها نيئة إلى عصر الصعود إلى القمر .
ورغم أنّ الأصوليين المسلمين يهاجمون دولة إسرائيل على أساس أنها قامت على مرجعيــــة دينية ، فإنهم يتمسكون بذات المرجعية فى تعاملهم مع مجتمعاتهم . ولو أنهم انحازوا للعقـــــــــــل لاكتشفوا أنّ مأساة الشعب الفلسطينى تكمن فى تيار الأصوليين اليهود المتمسكين بالتطبيـــــــــق الحرفى للتوراة حيث نقرأ "فى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلا لنسلك أعطى هذه الأرض . من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " (تكوين 15 : 18 ) ويؤمنون بأنّ إلـــــه العبرانيين يملك حق توزيع أراضى الغير على بنى إسرائيل وبالجملة ، من ذلك " وكان فـــــــــى الأرض جوع غير الجوع الأول الذى كان فى أيام إبراهيم . فذهب اسحق إلى أبيمالك ملـــــــــــك الفلسطينيين إلى جرار . وظهر له الرب وقال لاتنزل إلى مصر . أسكن فى الأرض التى أقـــــول لك فأكون معك وأباركك . لأنى لك ولنسلك أعطى هذه البلاد "(تكوين 26 : 1 – 5 5 ) أما العنف الذى يمارسه الأصوليون اليهود ضد غيرهم من الشعوب فهو مستمد من ذات المرجعية الدينية ، حيث يحرّض إلــــــــــه العبرانيين على القتل فيقول " قتل كل بكر فى أرض مصر من بكر الناس إلى بكر البهائـــــــم" ( خروج 12 : 29 وخروج 13 : 15 ، مزمور 78 : 51 وهى مجرد أمثلة ) وقبل أنْ يقتل المصريين ، وحتى لايُخطـــــــىء بين بيوتهم وبيوت بنى إسرائيل ، فإنه يطلب من الأخيرين ما يلى " ويكون لكم الدم علامة على البيوت التى أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم . فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر . ويكون لكم هذا اليوم تذكارًا فتعيدونه عيدًا للرب فى أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية ( خروج(11 .
والأصوليون العبرانيون يُصدقون أنّ إلههم حوّل " كل الماء الذى فى النهر دمًا . ومات السمك الذى فى النهر وإنتن النهر. فلم يقدر المصريون أنْ يشربوا ماء النهر. وكان الدم فى كل أرض مصر " ( خروج 7: 19 – 22 ) كما أنهم يصدقون أنّ إلههم قضى على كل المصريين وفق الآية التى تنص على " فدفع الرب المصريين فى وسط البحر . فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيوش الفرعون الذى دخل وراءهم فى البحر . لم يبق منهم ولا واحد " ( 14:26- 31 ) ويكرر نفس المعنى بقوله " فخلّص الرب فى ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين . ونظر إسرائيل للمصريين أمواتًا على شاطىء البحر " ( خروج 14: 30 – 31 ) هذا غير التحريض على سرقة المصريين حيث يقول لهم : حين تمضون أنكم لاتمضون فارغين . بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وتضعونها على بنيكم وبناتكم . فتسلبون المصريين " (خروج 3 : 18 – 22 ) .
لذلك وفى ضوء التمسك بالنص العبرانى ، فإنّ الأصوليين اليهود يتمسكون باغتصاب أرض الشعب الفلسطينى ، فيقول الحاخام صموئيل حاييم " إن القبس الإلهى لايؤثر فى الشعب اليهودى إلاّ وهو فى أرضه . وعليه لايمكن اعتبار إسرائيل أمة حية وهى تعيش فى المنفى " ورفع شعار ( التوراة والعمل ) أما الحاخام مائير بر إيلان فيرى أنه كما يهتم الدين اليهودى بالعبادة فإنه ينظم شئون الدولة. وليس فى اليهودية فصل بين الدين والدولة (رشاد لشامى – القوى الدينية فى إسرائيل – عالم المعرفة يونيو 1994 ص 91 – 92 ) .
وكتب د. رشاد أنّ فكرة العهد بين الله والشعب كانت بمثابة الأسطورة الشعبية ل ( بن جوريون ) واستخلص منها برنامجًا سياسيًا . وقرّر حدود دولته مسترشدًا بمفاهيم العهد القديم التى لايؤمن بها هو نفسه . وبعد قيام الدولة كتب بن جوريون " على اليهودى من الآن فصاعدًا ، ألاّ ينتظر التدخل الإلهى لتحديد مصيره . بل عليه أنْ يلجأ إلى الوسائل الطبيعية العادية مثل الفانتوم والنابالم " وقال أيضًا " إنّ الدين هو وسيلة مواصلات فقط ، ولذلك يجب أنْ نبقى فيها بعض الوقت لا كل الوقت " وقال أيضًا (( إنّ حياة اليهود لو تُركتْ لحاخامات اليهود ، لظلوا حتى الآن كلابًا ضالة فى كل مكان )) ( المصدر السابق – ص 53 – 54 ) .
تتجاهل الثقافة السائدة الحقيقة التى تقول أنّ الصراع الرئيسى داخل المجتمع الإسرائيلى هو بين الأصوليين الرافضين لأى حق للشعب الفلسطينى فى أرضه ، وبين العلمانيين المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطينى . وبالتالى فإنّ الفائز فى هذا الصراع هو الذى سيشكل استراتيجية السياسة الإسرائيلية . ولذلك فإنّ الشاعر المبدع أحمد عبدالمعطى حجازى لم يجاوز الحقيقة ، عندما شبّه الأصوليين الإسلاميين بالأصوليين اليهود ، وإنما رصد واقعًا لايتغافل عنه إلاّ أعداء لغة العلم وأعداء الإنتماء الوطنى .
واذا كان البعض قد أقام دعوى ضد الشاعر المبدع ، فإنّ رئيس تحرير مجلة العربى الكويتية كان أوسع أفقًا عندما نشر مقالتى بعنوان ( الصهيونية : بذور سوداء داخل ديانة قديمة ) عدد مايو 2001 والتى قلتُ فى ختامها " إنّ خلاص الشعب الفلسطينى والدول المجاورة لإسرائيل ، من الفكر الصهيونى المؤمن بالتوسع والاستيطان ، لن يكون إلاّ بدعم وتأييد التيارات العلمانية فى بلادها . ولن يكون إلا ّ بالتفوق على إسرائيل فى مجالات البحث العلمى والتعليم والتصدير والمستوى المعيشى . وصناعة السلاح ذاتيًا . ورفع الوصاية من على الشعب الفلسطينى . وأنّ دعم التيارات العلمانية فى إسرائيل وفى الدول المحيطة بها ، هو السبيل الوحيد لهدم المشروع الصهيونى المؤمن بالتوسع على أسس من مرجعية دينية . وهو المشروع الذى يتبناه الأصوليون اليهود داخل إسرائيل وخارجها . فهل تقبل الدول التى لها مصلحة فى التخلص من المشروع الصهيونى التحدى ، من أجل مستقبل أفضل لسكان المنطقة ؟ أم تظل على سياستها الحالية المتمثلة فى العداء لقيم العلمانية . والمتمثلة – كذلك – فى العداء لمعنى الانتماء الوطنى لصالح الانتماء الدينى ، الأمر الذى يؤدى إلى تدعيم الأصولية فى بلدانها وفى إسرائيل ؟ ومع ملاحظة أنّ التصدى للأصولية اليهودية لابد أنْ يتزامن ويرتبط بالتصدى للأصولية فى البلاد المحيطة بإسرائيل التى تساند وتدعم هذه الأصوليات . وتكمن الخطورة فى أنّ الأصوليين فى إسرائيل وفى البلاد المجاورة لها يتشابهون فى الكثير من المعتقدات والمنطلقات ، لعلّ أخطرها أنْ يكون الولاء للدين وليس للوطن "