بداية سورة النحل : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1) ينزل الملآئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إلـه إلا أنا فاتقون ) وليس أنزل , شاء
الموضوع: المعنى الحقيقي لـ (خاتم النبيين) :
http://www.facebook.com/topic.php?uid=49...opic=4371
إن حادث وفاة سيدنا إبراهيم ( إبن الرسول محمد ) وقع بحوالي أربع سنوات بعد نـزول آية خاتم النبيين كما بيّنّا، ولا بد أن يكون العلماء الآخرون أيضا قد انتبهوا إلى هذا الأمر وقرؤوا ما رواه علي , فماذا يستنبط العلماء من ذلك؟
أولاً: إليكم ما قاله العلامة ملا علي القاري - رحمه الله:
"ومع هذا لو عاش إبراهيم وصار نبيا، وكذا لو صار عمر نبيا لكانا من أتباعه عليه الصلاة والسلام كعيسى والخضر وإلياس عليهم السلام. فلا يناقض قولَه تعالى: (وخاتم النبيين) إذ المعنى أنه لا يأتي نبي بعده ينسخ ملته ولم يكن من أمته." (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي القاري ص192 دار الكتب العلمية بيروت)
ثانيًا: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
"قولوا خاتم النبيين، ولا تقولوا لا نبي بعده."
(الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص618 الطبعة الأولى عام 1983م دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت)
لماذا رأت عائشة رضي الله عنها حاجة إلى هذا الشرح والإيضاح؟ من الواضح جليا أنها خشيت أن يسيء البعضُ فهمه، وكانت تعرف أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد من "لا نبي بعدي" أنه لن يكون بعده نبي من أي نوع.
ثالثًا: ويورد الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - قول عائشة رضي الله عنها، ويعلق عليه ويقول:
"وليس هذا من قولها ناقضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نبي بعدي، لأنه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به."
(كتاب تأويل مختلف الأحاديث ص127 دار الكتاب العربي بيروت)
رابعًا: ويقول الإمام محمد طاهر (المتوفى عام 986 هـ) أحد الصلحاء المعروفين، في شرح قول السيدة عائشة رضي الله عنها:
"هذا ناظر إلى نـزول عيسى، وهذا أيضا لا ينافي حديث "لا نبي بعدي"، لأنه أراد لا نبي ينسخ شرعه."
(تكملة مجمع بحار الأنوار، لمحمد طاهر الغجراتي، ص 502)
خامسًا: يشرح الشيخ عبد الوهاب الشعراني (المتوفى 976 هـ) حديث "لا نبي بعدي" ويقول:
"فقوله صلى الله عليه وسلم "لا نبي بعدي ولا رسول بعدي"، أي ما ثمّ مَن يشرع بعدي شريعة خاصة."
(اليواقيت والجواهر للشعراني ج 2 ص 35 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت 1900م)
سادسًا: وقال شارح "مشكاة المصابيح" محمد بن رسول الحسيني البرزنجي: "ورد "لا نبي بعدي" ومعناه عند العلماء أنه لا يحدث بعده نبي بشرع ينسخ شرعه."
(الإشاعة لأشراط الساعة ص149 دار الكتب العلمية بيروت)
سابعًا: ويقول الشيخ ولي الله شاه الدهلوي رحمه الله:
"فعلِمنا بقوله عليه الصلاة والسلام: لا نبي بعدي ولا رسول، وأن النبوة قد انقطعت والرسالة، إنما يريد بها التشريع."
(قرة العينين في تفضيل الشيخين لولي الله الدهلوي ص319 المكتبة السلفية شيش محل رود لاهور باكستان)
ثامنًا: وقال الحافظ محمد برخوردار (وهو ابن الشيخ نو شاه غنج قدس الله سره، إمام المدرسة النوشاهية القادرية) بهامش كتاب "النبراس" للعلامة عبد العزيز الفرهاري - شارحًا الحديث "لا نبي بعدي":
"والمعنى لا نبي بنبوة التشريع بعدي، إلا ما شاء الله من الأنبياء الأولياء." (شرح لشرح العقائد المسمى بالنبراس، ص445 مكتبة رضوية لاهور)
تاسعًا: ويقول السيد نواب نور الحسن خان بن نواب صديق حسن خان:
"الحديث "لا وحي بعد موتي" لا أصل له، غير أنه ورد "لا نبي بعدي"، ومعناه عند أهل العلم أنه لن يأتي بعدي نبي بشريعة تنسخ شريعتي."
(اقتراب الساعة ص162)
عاشرًا:يقول الصوفي المعروف الإمام عبد الوهاب الشعراني:
"اعلم أن النبوة لم ترتفع مطلقا بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما ارتفع نبوة التشريع فقط."
(اليواقيت والجواهر ج 2 ص 35 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت عام 1900م )
أما الشاه ولي الله الدهلوي فيقول:
"وخُتم به النبييون.. أي لا يوجد من يأمره الله سبحانه بالتشريع على الناس."
(التفهيمات الإلهية، ج2 ص85 بتصحيح وتحشية الأستاذ غلام مصطفى القاسمي، أكادمية الشاه ولي الله الدهلوي حيدر آباد باكستان)
ويقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي:
"فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق وإنْ كان التشريع قد انقطع. فالتشريع جزء من أجزاء النبوة."
(الفتوحات المكية ج 3 ص 159، الباب الثالث والسبعون في معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد مكتبة القاهرة بمصر عام 1994م)
ويتابع فيقول:
"فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع، لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي. أي لا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي، ولا رسول أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرع يدعوهم إليه. فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه، لا مقام النبوة."
(المرجع السابق ص4)
يقول الشيخ بالي أفندي (المتوفى 960 هـ):
"فخاتم الرسل هو الذي لا يوجد بعده نبي مشرع."
(شرح فصوص الحكم ص56 المطبعة النفيسة العثمانية، 1309هـ)
يقول السيد عبد الكريم الجيلي:
"فانقطع حكم نبوة التشريع بعده، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، لأنه جاء بالكمال ولم يجئ أحد بذلك."
(الإنسان الكامل ج 1 ص 115 الطبعة الثالثة عام 1970م شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر)
ويشرح الشيخ محمد وسيم الكردستاني مفهوم خاتم النبيين ويقول:
"... معنى كونه خاتم النبيين هو أنه لا يُبعث بعده نبيٌّ آخر بشريعة أخرى."
(حاشية الشيخ محمد وسيم الكردستاني على "تقريب المرام في شرح تهذيب الكلام" للشيخ عبد القادر الكردستاني، ج2 ص233 المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1319هـ)
أما الإمام الرباني الشيخ أحمد السرهندي (المتوفى 1034هـ)، أحد الأقطاب وأولياء الله الكبار حسب اعتقاد أهل السنة بالقارة الهندية، فيقول ما تعريبه:
"إن حصول المتبعين على كمالات النبوة عن طريق الاتّباع والوراثة بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل - عليه وعلى جميع الأنبياء والرسل الصلوات والتحيات - لا ينافي كونه خاتم النبيين، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فلا تكن من الممترين."
(مكتوبات الإمام الرباني، الدفتر الأول مكتوب301 ج5 ص141 مطبعة منشي نول كشور في لكهناؤ بالهند)
يقول الصوفي المعروف محمد بن علي الحسن الحكيم الترمذي (المتوفى عام 308 هـ):
"فإن الذي عَمِيَ عن خبرِ هذا يظنّ أن خاتم النبيين تأويله أنه آخرهم مبعثا. فأي منقبة في هذا؟ وأي علم في هذا؟ هذا تأويل البُلْهِ الجَهَلة."
(كتاب ختم الأولياء، ص341 المطبعة الكاثوليكية بيروت 1965م)
ويقول المولوي محمد قاسم النانوتوي مؤسس مدرسة "ديوبند" الشهيرة بالهند:
"العامة يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بمعنى أن زمنه كان بعد الأنبياء السابقين وهو آخر الأنبياء كلهم. غير أن أهل الفهم يدركون جيدًا أنه ليس في التقدم أو التأخر من حيث الزمن أية فضيلة في حد ذاته. لو كان الأمر كما يظن العامة فكيف يصح أن يقول الله تعالى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ؟) أما إذا لم نعتبر قوله تعالى هذا مدحًا، ولم نعتبر هذه المنـزلة ثناءً، فقد يصح أن يكون مفهوم خاتم النبيين بمعنى التأخر الزمني. ولكنني أعرف أن هذا الكلام لن يروق لأحد من أهل الإسلام."
(تحذير الناس لمحمد قاسم النانوتوي ص4-5 مطبعة دار الإشاعة أردو بازار كراتشي باكستان)
ويقول السيد أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكهنوي:
"لا يستحيل وجود نبي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده، بل يمتنع أن يكون بشريعة جديدة."
(أثر ابن عباس في دافع الوسواس ص16 الطبعة الثانية مطبعة يوسفي فرنغي محل لكهناؤ الهند)
ويصرح بأن ذلك ليس اعتقاده هو فحسب، بل ما زال علماء أهل السنة أيضا يصرحون بذلك، فيقول:
"ما زال علماء أهل السنة يصرّحون أنه لا يمكن أن يكون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم نبي بشريعة جديدة، فإن نبوته صلى الله عليه وسلم عامة. فالنبي الذي يكون في عصره صلى الله عليه وسلم يكون تابعا للشريعة المحمدية."
(مجموعة الفتاوى لمحمد عبد الحي اللكهنوي ج1 ص17 مطبعة ايجوكيشنل بريس كراتشي باكستان)
فترى أن العلماء القدامى الربانيين والسلف الصالح ظلوا على الدوام يستنبطون نفس المعنى
حديث اللبنة الأخيرة
هلم ننظر الآن في حديث أخير كثيرا ما يقدمه الفهم التقليدي للاستدلال على ما ذهب إليه:
"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل قصر أحسن بنيانه، فترك منه موضع لبنة. فطاف به النظّار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة... فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، فتم بي البنيان وخُتم بي الرسل. وفي رواية قال: فأنا اللّبنة وأنا خاتم النّبيّين."
(البخاري كتاب المناقب، مسلم كتاب الفضائل، الترمذي كتاب المناقب، ومسند أحمد بن حنبل، كنـز العمال: تتمة الإكمال من فضائل متفرقة تنبئ عن التحدث بالنعم)
إن أنصار الفهم التقليدي يستنتجون من هذا الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مجرد اللبنة الأخيرة في هذا القصر المشيد سابقا! إن النظر إلى النص
بسطحية لا شك سيعطي هذا المعنى، ولكن هل يمكن القبول بهذا المعنى الذي ينال من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم!.
ولننظر ماذا قال اثنان من كبار علماء السلف الصالح حول هذا الحديث. يقول العلامة ابن حجر العسقلاني في شرحه:
"فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة."
(فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم)
كذلك فإن العلامة ابن خلدون يقول في هذا الصدد:
"فيفسرون خاتم النبيين باللبنة التي أكملت البنيان. ومعناه النبي الذي حصلت له النبوة الكاملة." (مقدمة ابن خلدون ص300 المكتبة العصرية سيدا بيروت عام 1988) وهكذا فإن أنصار الفهم التقليدي يريدون أن يجعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد لبنة واحدة في قصر كبير، بينما المفهوم الشامل للخاتمية يجعله صلى الله عليه وسلم القصر كله ويجعله مكمل البناء ومتممه ومالكه.
حديث "إني آخر الأنبياء"
أما الذين يحتجون بالحديث الذي يقول: "إني آخر الأنبياء"، فلا بد أنهم يعلمون جيدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد بين معناه في الجملة التالية من نفس الحديث.
إذ الحديث الكامل هو كالآتي: "إني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد" (مسلم كتاب الحج، وسنن النسائي كتاب المساجد). فهل يعني ذلك أنه لم يُبْنَ في الإسلام أي مسجد بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عقيدة السلف الصالح في "خاتم النبيين".
إن مفهوم خاتم النبيين الذي نتبناه هو المفهوم القرآني ومفهوم الحديث الشريف ومفهوم علماء الأمة وصلحائها من السلف، وسنذكر فيما يلي بعضا من أقوال علماء الأمة وصلحائها ممن يفسرون "خاتم النبيين" بأفضلهم، وينقضون تفسيره بآخرهم مبعثا.
.