لم أكن أنوي أن يتحول الموضوع لحماس وموقفها دون الولوج للثورة السورية وأهدافها والطرق التي تبقيها في جادتها المستقيمة ، ولكن بما أن حماس تسبب الإسهال الفكري والسياسي لدى البعض بسبب نجاحاتها المتكررة وقدرتها على الحفاظ على نفسها وصيرورة بقائها واثبات أنها ناجحة في عقد التحالفات وإبداء الآراء دون المجازفة بتحالفاتها سلباً أو ايجاباً ودون أن تخضع لأي طرف دون طرف ودون أن تتخلى عن ثابت واحد من ثوابتها ، فإنني سأرد على بعض النقاط الواردة في الردود السابقة مع تجاهلي لأصحابها تجاهلاً مطلقاً إلا في حالة كانت ردودهم تراعي الأدب والأخلاق وأبسط معايير احترام الطرف الآخر .

أولاً : حماس لم تقبض من قطر ولا من غير قطر - لم أكن أعرف بأن البعض لديه عملاء وجواسيس عند موزة ليدركوا هذا الأمر ام لا - وكل ما في الموضوع أن حماس ومنذ تأسيسها تحاول فتح مكاتب تمثيل لها في كل الدول العربية وغير العربية حتى ، وأغلب الدول رفضت استضافة حماس باستثناء النظام السوري والإيراني ، ولذلك أي تحركات حول فتح مكاتب للحركة هي محاولات متكررة سابقاً وستتكرر لاحقاً .

ثانياً : إن بحث حماس في هذا الوقت خصوصاً على دول بديلة للنظام السوري ليس بسبب - دفع - البعض لحماس ، فحماس لا يسيل لعابها أمام الأموال كما أنه لا يمكن شرائها بها ، لكن حماس ستحاول البحث عن مكان بديل لأن النظام السوري نفسه لن يسمح ببقاء حماس في سوريا بعد موقفها - المحايد - من الثورة السورية وبعد أن ضغط عليها بشكل كبير جداً جداً لكي ينتزع منها موقفاً رسمياً مؤيداً له وفشل في ذلك وهذا الأمر تحدث عنه مفتي البلاد حسونة كما تحدث عنه بشار الأسد في تلميح عن الحركة عندما قال لا يوجد عندنا حياد فإما معنا أو ضدنا ، ولذلك من الطبيعي جداً أن تبحث حماس عن مكان بديل حتى لا تضع نفسها في موقف محرج من النظام السوري في حالة بقائه .

وقطر قد عرضت على الحركة استضافة مكاتبها هناك ولكن الاستضافة كانت تقتصر على القيادة السياسية فقط دون القيادة العسكرية والعسكريين الذين يتبعون للحركة ، وهذا ما رفضته الحركة رفضاً مطلقاً تاماً كما أن حماس لم تغامر بوضع عساكرها - المسؤولين عن الدعم العسكري وادخال جميع أنواع الأسلحة للقطاع فضلاً عن التواصل مع الكثير من الدول من أجل هذا المطلب - بجانب أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة ، ولذلك فإن الحديث يجري حول فتح مكاتب للحركة في الأردن ومصر ، وهذا أظنه حقيقة واقعة .

نعم قد تنقل الحركة مكاتبها للأردن ومصر وهذا الأمر أصبح تقريباً حقيقة لدي وخصوصاً في ظل البرود الشديد بين النظام الأردني ومنظمة التحرير وتخوف النظام من مشروع - الوطن البديل - وهذا ما تحدث عنه الأسير العجلوني نقلاً عن رئيس وزراء أردني سابق عن رفض حماس للمشروع البديل بينما فتح غارقة فيه ، وفي مصر فإن نفوذ الإخوان هناك سيفتح المجال لفتح مكاتب للحركة هناك أيضاً .

ولكن هذا " النقل " لمكاتب الحركة أيضاً سيصاحبه حياد " إيجابي " من الثورة السورية لعدة اسباب أولها وجود جالية فلسطينية كبيرة في سوريا تقدر بمئات الآلاف وثانياً بسبب ما قدمه النظام السوري للشعب الفلسطيني من خدمات وللحركة كذلك ، فضلاً عن موقف الحركة من الشؤون الداخلية للبلدان العربية ، اللهم في أحسن الأحوال فإن الحركة ستزيل المنع المفروض على شبكاتها الإعلامية وخصوصاً شبكة فلسطين للحوار بتناول الثورة السورية ولربما تسمح ببعض المظاهرات في قطاع غزة أو خروج بيان وحيد يؤيد مطالب الشعب السوري وحتى هذه الأمور استبعدها إلا في حالة بلغت الثورة السورية ذروتها وبدأ النظام في الزوال بشكل واضح للعيان ، فحماس لم تهاجم لا النظام المصري الذي كان أكبر أعدائها في المنطقة وكذلك لم تهاجم النظام الليبي أو اليمني مع أنه لا توجد علاقة أو مكسب يمكن ان تحافظ عليه حماس في حالة قطع علاقتها مع النظام اليمني ، فما بالنا بالنظام السوري ؟

ثالثاً : بخصوص مواقف حماس ، فحماس لديها رأي واحد سواء ذلك الذي صدر عن قاعدتها العريضة أو ذلك الصادر عن القيادة الرسمية وخصوصاً أن معظم القيادات يتم انتخابها من قبل القواعد ، فأي قائد مغضوب عليه لن يستمر في منصبه طويلاً ، طبعاً مع وجود بعض الأخطاء في تناول بعض المواقف ، فمثلاً الموقف من بن لادن كان يجب أن يكون رسمياً وليس مقتصرا على اسماعيل هنية فقط بل موقف الحركة يجب أن يكون مثل موقف هنية تماماً ولكن الحركة تقدر الضغوط الواقعة وخصوصاً أنها الآن تمثل شعباً كاملاً ولا تمثل نفسها ، ولو كانت حماس في موقع حزب الله - حركة معارضة ولا دخل لها في الحكم - لوجدت مواقفها ناصعة نصوع البياض ، ولكن في بعض الأحيان الضبابية أو السكوت أو الحياد يكون أمرا موافقا وجيداً وهذا لا يعيب حماس بالمطلق .

رابعاً : الموقف من الثورة السورية وخصوصاً موقف القيادة الرسمية أثار حفيظة معظم قواعد الحركة الذين أرادوها صريحة بالوقوف مع الشعب السوري وخصوصاً أن أبناء حماس من أولهم لآخرهم ثوار أباً عن جد ووطنيين أباً عن جد ويقفون بجانب جميع الشعوب العربية والإسلامية ، فإذا كان تقارب حماس مع القيادة الروسية أثار حفيظة الكثير من أبناء الحركة فما بالنا بالموقف من الثورة السورية ؟ ولكن القيادة أدرى بمصالح الحركة وهذا ما بدأ يتفهمه الأنصار يوماً بعد يوم وخصوصاً فيما يتعلق من الثورة السورية والنظام السوري .

طبعاً الإستنتاج الصحيح يسبقه قبل ذلك فهم صحيح وإدراك جيد للواقع وللسياسة ويصاحبه بعد عن الديماغوجية والحقد والتخلف الفكري ، ولذلك سأفند ما ذكرته من " شخابيط " لا يتفوه بها مغمور سياسي .

أولاً : مواقف حماس واحدة وخصوصاً أن لها مؤسسة واحدة تنطق باسمها وليس مثل بقية الحركات الفلسطينية كل حركة لها عشرين دكانة وخمسين ناطق رسمي وخصوصاً حركة فتح ، ولكن أنى لمن وضع رأسه في التراب أن يفهم حماس وهي الرقم الصعب في كل المعادلة الفلسطينية .
فمثلاً الموقف من عملية السلام واضح جداً ولا يحتاج لأي توضيح ، حماس - ومنذ عهد الرنتيسي وأحمد ياسين - مع استرداد أي بقعة من أرض فلسطين سواء في المفاوضات أو في المقاومة وهذا ما ينطبق على مناطق 67 ، لكن بشرط واحد وهو عدم الإعتراف بإسرائيل وعودة اللاجئين ، فحماس توافق على دولة في حدود 67 مع عدم الاعتراف بشرعية الكيان الإسرائيلي ومع عودة اللاجئين وتحرير كامل الأسرى بعكس موقف فتح مثلاً فأين التناقض في هذا الموقف مثلاً ؟
أما المصالحة فحماس معها قلباً وقالباً كذلك وهكذا كل تصريحات قيادات الحركة ، ولكن المصالحة لها شروطها مثل وقف الإعتقال السياسي في الضفة وازالة الحظر عن الحركة في الضفة كذلك وخصوصاً بعد بدء جولات المصالحة - مع العلم بأن فتح لم تلتزم بوقف الاعتقال السياسي وما زال اعتقال ابناء الحركة الى حد كتابة هذه السطور مستمراً - فأين التناقض في هذا الأمير أيضاً ؟

أما تقرير جولدستون - فلا تتحدث بجهل يا محترم - لأني أنا متأكد تماماً أنك لم تقرأ التقرير ولم تقرأ صفحة منه حتى ، فحماس أصلاً وفرت كل السبل وكل الإجراءات لبعثة الأمم المتحدة في غزة وهذا ما قالته البعثة في التقرير ، ومهاجمة التقرير قبل صدوره كان بسبب المعلومات التي وردت وخصوصاً على قناة الجزيرة حول ادانة المقاومة وتحميلها المسؤولية جنباً بجنب مع إسرائيل وهذا ظلم فاحش لا يوافق عليه أحد ، كما أن جنسية جولدستون ووجود ابنته في اسرائيل خوف حماس أيضاً، ولكن بعد صدور التقرير وعرضه على خبراء الحركة واكتشاف أن الحديث عن المقاومة كان في فقرة واحدة في التقرير وهي فقرة مطاطة تحتمل ألف تأويل بينما بقية فقرات التقرير هاجمت إسرائيل ونسبت الها تهم كثيرة ما بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، وهذا جعل موقف حماس يتغير من التقرير ، فأين التناقض أيضاً ؟

ثانياً : فيما يتعلق في بن لادن فالرجل أفضى لما قدم هذا أولاً ، وثانياً لا يمكن عزل هجمات بن لادن عن ارهاب الغرب وإجرامه واستعباده للدول العربية والإسلامية ، وليس من أراد الحق فأخطئه كمن أراد الباطل فأصابه ، فالرجل واجه الغرب بنفس السلاح الذي يواجهوننا به ، والغرب المتطرف نفسه لو كان فيه رجل مثل بن لادن لإفتخر به ولم يكن موقفه مثل موقف بعض علمانيي العرب ، فمثلاً الإرهابي المسيحي المتطرف النرويجي لاقى تعاطفاً من قبل متطرفي المسيحية بل ولاقى تعاطفاً من نواب غربيين في ايطاليا وغيرها فلماذا تهاجم حماس ولا يهاجم هؤلاء ؟

ثالثاً : حماس سواء أعجبك أم لم يعجب ممثلة للشعب الفلسطيني بل وشرعية تمثيلها أكبر من شرعية تمثيل منظمة التحرير الهلامية الغير موجودة واقعاً ، وينظر لها في الخارج على هذا الأساس ويجب عليك أن تعي هذه الحقيقة ، وأنصارها ومحبيها داخل فلسطين واسعة جداً ، ولو أجريت انتخابات تشمل فلسطينيي الداخل والخارج فحماس ستكتسح الإنتخابات بدون أي مجهود .

رابعاً : ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني يحب بن لادن جداً ، بل أكثر شعب يحب بن لادن هو الشعب الفلسطيني ، ربما بسبب النفس الثورية لهذا الشعب أو بسبب تفهم هذا الشعب الثائر لحالة بن لادن ، بل حتى أبناء فتح والجبهة الشعبية الذين أعرفهم يحبون هذا الرجل ، فمحاولة نزع شرعية حماس بسبب حب انصارها لبن لادن محاولة فاشلة ومردودها عكسي .

بالنسبة الي بن لادن رجل أراد نصرة أمته فأراد الحق ولكن أخطئه ، ولكن قطعاً لا يقارن بنجاسة الغرب وإجرامه وإرهابه .

خامساً : حماس لن تتنكر للنظام السوري ولن تهاجمه حتى لو وجدت ألف مكان يأويها ، وأنا وأنت وغيرك والزمن طويل وشاهد وسيشهد إن شاء الله ، مهما أجرام هذا النظام بحق شعبه فلن ننسى ما قدمه لحماس في عز أزمتها التي تعرضت لها ، لن ننسى المال ولا الدعم العسكري ولا قواعد التدريب في سوريا ولن ننسى الحرية التي وفرها للحركة هناك ، لن ننسى هذا الجميل مطلقاً ، صدقني شهامات حماس أكبر من أن تعد ن ولي موضوع حول هذه القضية عما قريب .

لا مش هيك أخي نوار الربيع ، المصيبة في الغباء السياسي الذي يتمتع به الأخ ، أنه يريد من حماس أن تقف بجانب النظام السوري ضد شعبه حتى تصبح " صديقاً لا يعض يد صاحبه " ..!

هل هذا ما يطلبه هذا " المسكين " من حماس ؟ وهل دعم النظام السوري لحماس ولمواقف حماس ضد إسرائيل يعني أن تقوم حماس بالوقوف مع هذا النظام عندما يفتك بشعبه ؟

يعني أين الغدر والخيانة وعض يد الصاحب فيما فعلته حماس مع النظام السوري عندما وقفت على الحياد ؟ أليس هذا هو المطلوب أصلاً من حماس وأليست هذه هي أدبيات حماس من الأصل وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للثورات العربية ؟

الله يعينك يا صفية .