الحل: اقامة ولايات عربية متحدة تكفل الحقوق المكتسبة أو المطلوبة للأقليات اللغوية.
الاتحاد لا يلغي الطوائف ولا الجماعات اللغوية أو الثقافية، بل على العكس من ذلك، "إنه يمنحها فرصة للاغتناء الذاتي"، معتبرا ان الوضع الحالي يساعد على التمزيق أكثر ويعيد إنتاج الفتنة.
عبد الصمد بلكبير: الربيع العربي مؤامرة خارجية لإستبدال التحالفات
بعد مرور أكثر من سنة على الربيع العربي بكل تداعياته على مستوى مستقبل منطقة الشرق الأوسط، يرى الباحث في القضايا القومية والفكر السياسي الإسلامي عبد الصمد بلكبير في حديث مع "إيلاف"، ان ما نشهده من ثورات ليس عفويا بقدر ما هو مدبر بقيادة خارجية اتجهت لأسباب اقتصادية بالدرجة الاولى إلى استبدال تحالفها مع الانظمة القمعية بالتحالف مع الحركات الاسلامية، داعيا إلى اقامة ولايات عربية متحدة تكفل الحقوق المكتسبة أو المطلوبة للأقليات اللغوية.
الربيع العربي قلب موازين السياسات الدولية
يحي بن الطاهر: اعتبر الباحث المغربي عبد الصمد بلكبير في حديث خاص لـ"ايلاف"، ان العالم العربي في بداية تحول تأخر زمنه نسبيا، إذ إن شروطه "قديمة سواء أكان ذلك على المستوى الداخلي من حيث تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقيمية حتى، أم على المستوى الخارجي."
وفي حين رأى ان العالم العربي هو جزء من كل يتأثر به، أضاف الباحث في جامعة القاضي عياض في مدينة مراكش المغربية بأن "الكل هو النظام الرأسمالي العالمي الذي يعيش أزمات دورية منذ تاريخ نشأته، وهي أزمات بنيوية وشاملة وجبرية". وقال: "أظن أن الأزمة الأخيرة والتي لا زالت تعاني منها سواء دول المركز أو المحيط، هي، في جزء منها ما يفسر انعكاساتها على صعيد الأقطار."
وربط بلكبير بين ما يجري اليوم من حراك سياسي واجتماعي وثقافي في الوطن العربي وبين الأزمة الرأسمالية العالمية التي يحاول النظام الرأسمالي، كعاداته، حلها عن طريق تصديرها.
فاعتبر ان هذا الحراك العربي انعكاس لهذه الأزمة وتصدير لها، مستدركًا أن ثمة بالفعل مشاكل داخلية توصف بالاستبداد السياسي من جهة ومسألة حقوق الإنسان ومسألة ما يطلق عليه بالفساد، "ما يسبب الكثير من اللبس والغموض، يفترض في المحلل أن يبذل مجهودا في فرز وتمييز أثر كل خطي من هذين الخطين في الحركة التي نعيشها".
وخلص الباحث إلى أن "من أهم نتائج هذا القول، إن ما يحدث في تونس لا علاقة له بما يحدث في مصر، وما حدث في مصر لا علاقة له بما يحدث في ليبيا ونفس الشيء بالنسبة للسودان وسوريا والبحرين واليمن".
و أضاف: "في الظاهر إن هناك حراكا شعبيا، وهذا لا شك فيه"، قبل أن يتساءل عن أهدافه ووظائفه وعن تعبيراته ارتباطا بالطبقات الاجتماعية وعلاقة الغرب به، وأنه "من الخطأ الجسيم التعميم واعتبار القانون الضابط للحركة واحد، بل إن ثمة عدة قوانين وليس قانونا واحدا فقط" يضيف مؤكدا.
القيادة الخارجية للثورات العربية
جرد عبد الصمد بلكبير الثورات من عفويتها، معتبرًا إن لديها "قيادة ولكنها خفية، وغالبا خارجية،" منوهاً أن هذه الثورات تفتقد النظرية الثورية تماماً، فهم "يتكلمون سلبيا عن الذي تجب إزالته كالظلم والاستبداد، والفساد...إلخ، ولكن لا يقدمون بدائل."
وحول دور الايادي الخارجية، اكد بلكبير أنها "تختلف حسب الأيدي المتدخلة، بحيث إن هناك أحيانا أيدي أوروبية فقط، وأحيانا أخرى أيدي أميركية فقط، وأيدي أوروبية وأمريكية في الوقت نفسه، وهنا تتعقد الوضعية، وهو الأمر نفسه تماما بالنسبة للعناصر الإقليمية والداخلية،" معللاً بذلك اختلاف الحالة المغربية عن الجزائرية او التونسية، رغم التشابهات.
وضرب مثالا على ذلك، مشير إلى أن العلاقة بين الخارج والوضع الليبي، ليست هي نفسها العلاقة بين الخارج والوضع التونسي، مثلما أنها ليست العلاقة بين الخارج والوضع المصري،" ولذلك لا يمكن تفسير أكثر من عشرة أشهر من الحضور التعبوي في الساحة اليمنية، مثلا، وهذا "الصمود" بين قوتين متكافئتين، تقريبا، من الناحية الجماهيرية، بين الذين يدافعون عن السلطة والذين يناهضونها، إلا بدور الخارج."
وخلص في هذا الجانب بأن هنالك فعلا شروطا موضوعية داخلية تقاطعت مع أخرى خارجية، ولكن "لا يمكننا أن نحكم إلا في نهاية المطاف."
واستحضر الباحث في هذا السياق المشهد الإعلامي العربي، معتبرا أن ثمة دورا مباشرا وآخر غير مباشر لعبته لقنوات الفضائية.
وأوضح: "توجد 90 قناة ضمنها 60 قناة ذات طابع ديني و30 ذات طابع سياسي وكلها هيئت ودبرت وأسست لهاته اللحظة بالضبط، وأيضا العديد ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني، التي هيئت لهذه اللحظة، كما ان هنالك الكثير من الصحف التي تصف نفسها بالمستقلة في العالم العربي."
كا تطرق للتصريحات الدولية والاقليمية التي "كان لها دور كتدخلات ساركوزي الواضحة حول ليبيا، وحركة حماس أيضا وتدخلات كلينتون."
ورأى ان بالغاء هذا الظاهر والمعلن الذي "لعب دورًا في التوجيه وفي التأطير وفي التمويل وفي التجييش والتسليح وفي الإعلام والإخبار، يمكننا ألا تستبعد أن تكون هناك قيادة، ليست فقط ميدانية، وإنما خارجية، ولكنها تستعمل التقنيات المعاصرة التي تسمح لها بأن تكون قيادة مباشرة رغم وجودها خارج الوطن العربي."
تحالف الحركات الإسلامية مع الولايات المتحدة الأميركية
واعتبر عبد الصمد بلكبير أن صعود العديد من الحركات الإسلامية إلى الحكم في عدة دول عربية كان "أمرًا دبر سلفًا."
فالرأسمالية العالمية برأي بلكبير، كانت تتحالف مع رأسمالية الدولة في البلدان العربية على حساب الرأسمال الخاص الذي كانت إيديولوجيته ذات طبيعة إسلامية، وهو تحالف يفسر كل التحولات الأخيرة في تاريخ المنطقة العربية من قمع مورس على الإسلاميين وإقصاء ونفي واعتقال.
واستطرد بلكبير: "لكن الأميركيين، والغرب عموماً، تنبهوا مؤخرا إلى شيئين: أولا إن رأسمالية الدولة عندما دفع بها إلى الخصخصة لتخرج من قطاع الدولة وتضعفه لمصلحة القطاع الخاص، كانت النتائج على عكس المتوقع، فهي حافظت على القطاع العام وفي الوقت ذاته أسست قطاعا خاصًا، وبالتالي أصبحت تضر في إطار العلاقات الدولية، أكثر مما تنفع الأميركيين، كما حدث في المغرب أو في تونس أو في مصر او سوريا وغيرها من البلدان."
وأضاف بأنه لما طرح موضوع التنازل عن القطاع العام في مصر (من خلال بنك القاهرة)، وفي ليبيا عن البترول، وفي سوريا التي لازالت فيها المعركة مستمرة، إنما كان الهدف إضعاف الدولة والدخول في نوع من الفوضى الاقتصادية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية حيث السوق الحرة هي المقررة وليست الدولة، كما ذكر بأن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي أسس (بنك الزيتون) وهو شيء يتناقض مع إرادة الغرب، وكان بنكا عتيدا وقويا وكان يتجاوز في طموحه حدود تونس."
هذه الاسباب حسبما يشدد بلكير، "دفعت الأميركيون إلى إيجاد حليف آخر غير رأسمالية الدولة، تمثل برأسمال القطاع الخاص الإسلامي الذي يعادي القطاع العام بنفس عداء الأميركيين له، حيث اتضح أن التناقضات بين الرأسمال الإسلاموي وبين الرأسمال الأميركي الغربي الاستعماري بسيطة ومن الممكن حلها."
وفي هذا السياق اعتبر أن دولة قطر لعبت دورا كبيرا في هذا الاتجاه، عبر قسم الدراسات التابع للجزيرة.
اذ نبه بلكبير أن هذا المركز كان مكانًا لتكوين أطر الإسلاميين وخوض حوارات للبحث عن نقاط الالتقاء بين مصلحة القطاع الخاص الرأسمالي الوطني المحلي وبين مصلحة الرأسمال الأجنبي، قبل أن يضيف: "يبدو أن المشكل حل ولذلك التحالف الحالي هو لأجل توزيع كعكة القطاع العام فيما بينها".
وأشار الباحث إلى أن نقطة الخلاف الوحيدة التي بقيت، هي تلك المتعلقة بفلسطين، مستنداً على ما تم تداوله مؤخرا من تصريحات من قبل حركة حماس التي بدأت تخرج من الساحة السورية، ولم تأخذ أي موقف يدعم حليفيها الأقوى، سوريا وإيران، في مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين من حماس في صفقة الجندي الإسرائيلي شاليط.
اما في مصر، فقد بين أن دخول السلفيين المعترك السياسي، وحديث أحد رموزهم، مؤخرًا، إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، "وليس في إذاعة عادية" ، متحدثا عن التزام واحترام اتفاقية كامب ديفيد.
وفي ليبيا لم تفته الإشارة إلى الإسلاميين الذين سيرسمون العلاقات مع إسرائيل، من دون أن ينسى ذكر التونسيين موردًا أن وزير خارجيتهم الحالي كان رئيس مركز الدراسات التابع للجزيرة.
ولم يستبعد بلكبير من أن الإسلاميين في المغرب سيسيرون في نفس الاتجاه، "لأن بنكيران يؤكد دائما على أنه في الأمور الخارجية يوكل الأمور إلى صاحب الجلالة، وبالطبع، فإبن صاحب الجلالة هو نفسه ابن صاحب الجلالة السابق الذي كان يلتقي بشمعون بيريز."
وخلص الباحث إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية "قامت بتحول تكتيكي في مستوى استراتيجي في عقد تحالفات من رأسمالية الدولة التي أصبحت تنعت اليوم بالفساد، إلى الرأسمال الخاص الإسلاموي، بعد أن قلمت أظافره وقصت أجنحته وتوصلت معه إلى حلول يمكن أن يتلاءم وينسجم معها."
الحل باقامة ولايات متحدة عربية
في جانب آخر، دعى الباحث في القضايا القومية عبر "إيلاف" الى إقامة ولايات متحدة عربية، حيث "تتأسس فيه الولاية بمنطق جغرافي وبمنطق اقتصادي وبمنطق موضوعي، ولا يكون ذلك المنطق على حساب الحقوق المكتسبة أو المطلوبة للأقليات اللغوية."
وذكر بلكبير بأن القرنين التاسع عشر والعشرين "كانا عصر القومية بامتياز" التي لم تكن مسألة رغبة أو إرادة، بل مسألة موضوعية، معتبرا أن النظام السياسي والاقتصادي العالمي يفرض على الجميع أن ينتظم ضمن حدود ذات طبيعة قومية. داعيا في هذا الاطار الى الخروج من داخل النظرية البعثية والناصرية حول "قومية متخيلة."
وقال: "التطورات الأخيرة في النصف الثاني من القرن العشرين تتجاوز في حدود واسعة، المفاهيم التقليدية للوحدات القومية، وهذا العنصر موجود في الحقيقة حتى في التاريخ، لأن القومية الروسية والقوميات داخل الهند والقوميات الشعبية استطاعت أن ترث تنظيمات ما فوق القومية وتنسجم معها في وحدات قومية ضمن القوميات الأكبر."
ولفت الى أن أوروبا نفسها عادت الآن، إلى تنظيمات ما فوق قومية، عبر الاتحاد الأوروبي، مستلهمة الدرس من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية التي أسست أمة بناءا على دمج الحساسيات والتجمعات والتنظيمات المتعددة دينيا أو لغويا أو ثقافيا.
وتأسف الباحث لكون العالم العربي لم يتمكن من إنجاز هذا المشروع، اذ "كنا تحت حكم الدولة العثمانية وفضل العرب أن يتحالفوا مع النظرية القومية الأوروبية على ان يتحالفوا في إطار ديني كما هو الحال في روسيا مثلا وفي الصين."
وشرح الباحث "ما هو مطروح على العالم العربي ليست هي القومية بالمفهوم التقليدي الذي عرفناه في القرن التاسع عشر وإنما شيئا يجمع بين ذلك الإرث التقليدي، كوحدة الأرض والتاريخ واللغة المشتركة والمصالح المشتركة، وبين عنصر آخر هو ابن زمننا وهو الاعتراف الموسع بحقوق "من يسمون بالأقليات" سواء أكانت أقلية دينية أو لغوية أو جغرافية وجهوية أو ما قد تعتبر نفسها إثنية."
ويرى بلكبير أنه على الوطن العربي، بمن فيه جنوب السودان حيث يوجد عرقا مختلفا وديانات مختلفة، أن يؤسس اتحادا عربيا وليس قومية عربية، اتحاد يوجد فيه القومي الذي لا يعتبر نفسه عربيا بما يريده من اختيارات.
ووصف بلكبير هذا الطرح بـ"الاستراتيجي لحل جميع التناقضات التي نعيشها (التبعية، الفقر، المطالب الاجتماعية ولاضطرابات الاجتماعية مشاكل الحدود ألخ...)"، معتبرا إياه الأفق الوحيد الذي يسمح بحل مجموع المشاكل بما فيها مشكل الديمقراطية في الوطن العربي.
وفي دفاعه عن هذا الطرح، اعتبر الباحث أن الديمقراطية تتطلب سوقا واسعة، وتنجح في المجتمعات المتسعة وليس في المجتمعات الضيقة باستثناء المجتمعات الصغيرة المحمية من قبل المجتمعات الكبيرة في مثل حالة بلجيكا وسويسرا وغيرهما، التي تجاور دولا انتصرت بديمقراطياتها وعممتها على الكيانات الصغيرة.
ودعا بلكبير في حالة المغرب والجزائر الى "امكانية أن تشكلا أكثر من ولاية، بما في ذلك أن يكون للصحراويين ولاية وللطوارق الرحل يحددون مجالها في ظل الاتحاد،" كما اعتبر أنه من الممكن لللبنانيين ايضا "أن يجدوا لهم ولاية متجانسة من الناحية العقدية الدينية أو من الناحية اللغوية أو من الناحية الثقافية أو متجانسة بوهم ما."
وختم الباحث بأن الاتحاد لا يلغي الطوائف ولا الجماعات اللغوية أو الثقافية، بل على العكس من ذلك، "إنه يمنحها فرصة للاغتناء الذاتي"، معتبرا ان الوضع الحالي يساعد على التمزيق أكثر ويعيد إنتاج الفتنة.
http://www.elaph.com/Web/news/2012/1/706980.html