فلترحل قضماني ..احتراما للمبادئ والعقول
ياسر سعد الدين
كثيرة هي الأسئلة التي أحاطت بأسلوب تشكيل وعمل المجلس الوطني والغياب شبه المطلق للممارسة الديمقراطية في أدنى صورها فيه وتغييب الشفافية، فلا تكاد تستطيع أن تجد سير ذاتية منشورة للأعضاء البارزين فيه من المكتب التنفيذي والأمانة العامة.
غير أن تلك الأسئلة توارت حياء من هول المشهد السوري،واحتراما للدم الطاهر النازف بغزارة، وللرغبة بعدم تشتيت الجهود، ولوجود شخصيات وتجمعات مشهودة لها بالوطنية وبالتاريخ النضالي في صفوف المجلس.
غير أن خروج فيديو صادم ومفجع لعضوة المكتب التنفيذي البارزة في المجلس بسمة القضماني أعاد إلى الواجهة وبقوة طرح تلك التساؤلات المغيبة، والتي من ضمنها المعايير والتي جاءت بشخصيات كانت شبه مجهولة إلى الواجهة لتمثل ثورة من أنقى الثورات وأطهرها وأكثرها بذلا وتضحية وعطاء.
شريط الفيديو والذي أظهر القضماني في ندوة ثقافية متلفزة مع مثقفين وكتاب صهاينة وإسرائيليين خلال معرض الكتاب الفرنسي عام 2008 والتي كانت فيه إسرائيل ضيف الشرف بمناسبة مرور 60 سنة على تأسيسها أو بالأحرى على ذكرى النكبة.
في الشريط ظهرت القضماني في غاية الانشراح والانسجام لتتحدث عن الحاجة لإسرائيل ولتذكر الثقافة القرآنية بطريقة استفزازية ولتوجه هجوما كاسحا على الإخوان المسلمين.
وإذا كان الهجوم على فصيل سياسي لا يشكل أمرا ذا بال، في حين يمكن للمتابع تفهم –وإن أختلف في الطرح- مواقف سياسيين يتحدثون فيه عن السلام وعن مبادرات التعايش، غير أن الحديث عن الحاجة لدولة الاحتلال (يشكل سقطة مرفوضة وملفوضة) والتي اعتبرتها القضماني مدخلا للتخفف من احتكار ثقافة القرآن وهي مقارنة سيئة وتدل على شخصية انهزامية تحتاج إلى تأهيل فكري ولا تستحق بأي حال أن تلعب دورا قياديا خصوصا في ثورة حرية وكرامة لشعب عظيم وعريق.
غير أن ما زاد الداء علة هو رد القضماني والتي استنسخت فيه أسلوب النظام من حيث المكابرة والاستخفاف بعقول الجمهور واتهام الآخرين بالقيام بالتحوير الخبيث دون أن تكلف نفسها عناء أن تخرج لنا التسجيل الأصلي والتي تعتمده هي، لتترك للقراء والمشاهدين حق الحكم بأنفسهم عليه، عوضا أن تمليه عليهم بأسلوب فوقي.
القضماني تزعم في بيانها “ومن الواضح لمن يدقق في التسجيل بأنني كنت في سجال محتدم مع الضيوف الآخرين حول تلك المواضيع”، وفي الحقيقة لم يكن هذا الأمر واضحا دون الحاجة للتدقيق، بل إن الانسجام والتناغم بينها وبين الحضور كان جليا.
وللأسف تحاول القضماني أن تحتمي في الدفاع عن نفسها بالخلط بين مواقفها الشخصية ومحاولة “النيل من مصداقية المجلس الوطني” كنوع من الإرهاب الفكري والذي يحصن الشخصية العامة بنوع من القداسة التي تمنع نقدها أو الحديث عن أخطائها وهو أمر يخالف أبجديات الديمقراطية والتي تنشدها الثورة.
تكتب القضماني:” أمام هذه المحاولة المغرضة أجد نفسي مضطرة للتعريف بتاريخ عملي من أجل القضية الفلسطينية خلال العقود الثلاثة المنصرمة، لأن شباب سورية الثائرين قد يغيب عليهم ما يقوم به البعض من الدفاع والتأثير في أوساط الإعلام الغربي والساسة الغربيين تجاه قضايانا المصيرية أمام الدول الكبرى حيث يتم تشويه صورة العرب والمسلمين عموماً والفلسطينيين خصوصاً”.
والسؤال هنا لماذا تجد القضماني نفسها مضطرة؟ لماذا لم تنشر السير الذاتية لأعضاء المكتب التنفيذي على الأقل؟ ثم أليس محرجا أن تقود شخصية ما عملا عاما فيما يجهلها ويجهل تاريخها شباب سورية الثائر؟
رد القضماني خلا من المنطق ومن احترام عقل القارئ والمتابع، وحتى لا أفصل فأطيل سأكتفي بإشارات سريعة، فالقيادية بالمجلس تتحدث عن زواجها من “رجل فلسطيني من عائلة مناضلة ضحت كثيراً”، دون أن تكلف نفسها عناء ذكر أسم هذه الشخصية الكبيرة لتبقي شباب سورية الثائرين مغيبين وغائبين عن المعرفة اللازمة بالقيادات الصاعدة.
ثم تقول “لا مجال للإفصاح عن كل ما عملنا عليه سوياً لأن بعض ذلك يبقى موضع سر”، ثم تذكر أمور عامة دون أرقام أو توثيق أو تسمية لمؤسسات عملت فيها حتى يفهم الشباب الثائر هل كانت تلك المؤسسات تطبيعية الأهداف أم ذات طبيعة نضالية؟
تتحدث القضماني عن دورها وأعمالها العظيمة بشكل مبهم لتستنج “وتعرف الحقائق المذكورة أعلاه كثير من القيادات الفلسطينية الحالية”، وهنا لا تخرج في حديثها عن دائرة الغموض والأسرار ومعرفة كثير من القيادات الفلسطينية الحالية، وهي تخبرنا أن مجموعتها المدافعة عن حقوق الفلسطينيين تعرضت “إلى هجوم عنيف على المجموعة من قبل أصدقاء إسرائيل”، ومع ذلك فقد حظيت القضماني منفردة بلقاء ثقافي احتفالي بذكرى تأسيس الدولة العبرية مع مجموع من الكتاب الصهاينة والإسرائيليين.
غير أن أكثر ما لفت نظري في تبريرات القضماني غير المقنعة هي تجنبها الرد على النقاط الثلاثة التي وردت في الفيديو: هل هناك حاجة إلى إسرائيل؟ وكيف ترى الثقافة القرآنية وكيف تقيم وتنظر إلى الإخوان المسلمين؟ وبعيدا عن النقطتين الأخيرتين فإن أكثر ما أخشاه أن تكون القضماني عاجزة ولأسباب أجهلها عن نفي موقفها السابق المعلن (والمدبلج برأيها) عن الحاجة إلى إسرائيل.
وبغض النظر عن كل ما سبق، فإني أدعو السيدة القضماني إلى الاستقالة احتراما لدماء الشهداء، وتأسيسا للمنهج الديمقراطي، ونزعا لأي ذخيرة سياسية يستخدمها النظام في الحديث عن ممانعته (الكاذبة) المستهدفة.
وإذا ما عجزت القضماني عن ذلك فإن أدعو المكتب التنفيذي للمجلس لإقالتها لنفس الأسباب وحفاظا على نقاء الثورة إذا كان هذا المكتب يملك قراره وليس عنده ما يخشاه إذا ما غضبت بسمة.