تتسارع الخطى باتجاه التوصل لتسوية ما لما بات يعرف بالازمة السورية،
والمؤشرات على ذلك تصل تباعا الى مطبخ ما بات يعرف في الاقليم بمالك المفتاح الذهبي في مربع القوى الاقليمية الفاعلة في ميدان السياسة، كما الامن وكما الدفاع عن محور المقاومة.
اهم المؤشرات في هذا السياق، وهو المستجد تماما، التقارير المتواترة الواردة للعاصمة الايرانية من اكثر من مصدر غربي وعربي، تفيد بان الامريكيين مستعدون لمناقشة المبادرة الايرانية ذات النقاط الست، وإن من بوابة الاخضر الابراهيمي.
المؤشر الاخر الذي لا يقل اهمية عن الثاني هو ان المملكة السعودية عادت الى رباعية الحل الاقليمي المصرية، بعد ان غادرتها على خلفية تقديراتها الخاطئة بان حسم معركة دمشق عسكريا لصالح ميليشيات 'القاعدة' و'الجهاديين' باتت قاب قوسين او ادنى.
ايضا فان الانباء المؤكدة عن ان الغرب ضاق ذرعا بالاداء التركي الرديء، حسب مصادر عربية رفيعة المستوى، ما دفع باردوغان وحزبه لتوسل المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، هو الاخر مؤشر اضافي على وجود رغبة جدية لدى ادارة اوباما تحديدا، لمغادرة مربع القتال الموحش على ابواب عاصمة الامويين.
لكن الاهم هو ظهور الاسد صامدا في عرينه وهو يوزع المهام والمبادرات والافكار على كل الاطراف الدولية والاقليمية الباحثة عن مخرج لها من المستنقع السوري، مبديا في الوقت نفسه عدم اكتراثه بمن سماهم بالادوات او العبيد، حسب تعبيره، وقوله بان وقت المفاوضات قد حان ولكن مع 'السيد'، في اشارة واضحة الى واشنطن، يؤكد ان هذا السيد قد خسر المعركة في الغوطة السورية ولم يبق امامه سوى محاورة حلفاء سورية الاقوياء تحت سقف دولة الاسد.
هي اسابيع قليلة فقط اذن ما يفصلنا عن دخول معترك المفاوضات المتعددة الاطراف والمستويات من اجل البحث عن مخرج سياسي مناسب لما بات يعرف بالازمة السورية، سيتم خلالها حفظ بعض ماء الوجه للامريكيين وحلفائهم الغربيين، الذين ذهبت كل جهودهم في معركة كسر ارادة القيادة السورية العليا، ادراج الرياح ولم يبق لهم الا جمع شتاتهم تحت خيمة الابراهيمي، فيما سيكون مصير الادوات المحلية، بل وحتى الاقليمية ليس باحسن من حال انطوان لحد او سعد حداد.
هذه هي سنة الحياة وهذا هو مصير من يضع رهاناته خارج سلة وطنه او امته، ويفضل اللعب بين ارجل الفيلة بدل اللعب في ساحة القرار الوطني المستقل ووسط اهله وعشيرته الاقربين مهما قسوا عليه.
لن يعني هذا بالتأكيد اننا مقدمون على شهر عسل مع الامريكيين ولا مع حلفائهم الغربيين، كما لن يعني هذا ايضا ان عمليات القتل والاحتراب والعنف الممنهج على يد من يسمون انفسهم بالجهاديين، وهم الوان تكفيرية وقاعدية بامتياز، لكن مجرد اذعانهم بانهم خسروا المعركة الكبرى، اي في تأمين بيئة شعبية حاضنة لعنفهم من اجل اشعال حرب اهلية وفرض التقسيم على الدولة السورية، انما يعتبر فشلا كبيرا لهم بامتياز ونصرا مؤزرا للشعب والجيش السوريين وللاسد رئيسا وخياراته المقاومة بامتياز ايضا.
'الربيع' البديل والمزيف اذن سقط في سورية، فيما سيبدأ حتما خريف انظمة راهنت على معركة كسر العظم مع الرئيس الاسد.
بالمقابل فان مجرد العودة الى مربع الخيارات السياسية بديلا عن العسكرة، فان ذلك سيكون ربحا بامتياز للشعب السوري بكل اطيافه، المعارضة منها قبل الموالية، لان المعيار وقتها سيكون حتما لصناديق الاقتراع، وهو ما كان يخافه الممولون لحملة التجييش الطائفي والعرقي والمذهبي ومعهم اولئك الذين راهنوا على بندقية الناتو.
لقد قلنا وفي وقت مبكر جدا بان الغرب واتباعه ارادوا وقف الصحوة الاسلامية من خلال عسكرة الحراك السوري، في محاولة للانتقام من تداعيات الثورات العربية في كل من تونس ومصر واليمن والبحرين.
وتمنينا مبكرا من كل رموز المعارضة الوطنية السورية، ان ارحموا شعبكم، من خلال ايجاد حل سوري ـ سوري للازمة يقوم على استقلالية القرار الوطني، والجلوس الى طاولة حوار داخلية، ونبذ كل اشكال التدخل الخارجي والتحريض الطائفي، لان نهاية اي معركة مهما طالت او قصرت انما هو الحوار والتفاوض فقط. وها قد حانت ساعة الحوار التي لن يجني مكاسبها الا الذين راهنوا على شعبهم واهليهم وجيشهم الوطني وسيادة بلادهم ووحدة اراضيها.
اما الغرب الاستعماري وادواته التي تورطت في دوامة الارهاب والعنف والقتل والذبح على الهوية فلم يبق امامهم سوى التسليم بوقائع الميدان التي ترسم اليوم ملامح سورية المستقبل.
ومن سمع خطاب الرئيس الاسد وهو يرسم خارطة طريق للخروج من الازمة لا يملك الا ان يقر له بانه الممسك الحقيقي بالارض وبزمام المبادرة والمنتصر الواقعي والحقيقي في ساحة السياسة، كما في الميدان العسكري وفي ردهات الدبلوماسية والعلاقات الدولية.
محمد صادق الحسينى
القدس العربى
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=...qpt697.htm&arc=data%5C2013%5C01%5C01-06%5C06qpt697.htm