كتب الحديث طاعنة بمثل هذه الروايات المنسوبة للنبي..ولكن الغرض الأساسي منها كان نصرة فريق سياسي على آخر، وخاصةً في زمن الدولة العباسية وحربها مع الأمويين..

مثال الحديث الذي رواه أبي داوود في سننه وهذا نصه:

قال هارون حدثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمرو قال:

" سمعت عليا رضي الله عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته"

الحديث طبعاً مكذوب وهو من اختراع الحارث أو أحد مناصريه ولكن لنتأمل ما يلي لنرى أزمة أخرى للحديث تخص علم الرجال..

الحديث مروي عن .."هارون بن المغيرة"..ورتبته: ثقة، وروى له ( أبو داود - الترمذي )

عن .."عمرو بن أبى قيس الرازي".. ورتبته: ثقة له أوهام، وروي له أبو داوود والنسائي والترمذي وابن ماجة..وروي له البخاري تعليقاً.

عن .." مطرف بن طريف الحارثى"..ورتبته :ثقة فاضل، وروى له البخاري ومسلم وسائر الكتب التسعة...يعني من رجال الصحيحين.

عن.."أبي الحسن"..وهذا راوي مجهول، ولكن تفرد له بالراوية أبي داوود.

عن.."هلال بن عمرو الكوفي"..وهو أيضاً راوي مجهول

الخلاصة

1-أن الحديث منسوب للنبي من 3 رواة ثقات عن راويين اثنين مجهولين، والمجهول لا يعني أنه غير موجود، ولكنه غير معلوم للباحث، وهذا يعني أن المحدثين في غالب أعمالهم يبحثون بالظن والترجيح وليس بالقطع واليقين..

2-الحديث به 3عنعنات..وواحدة منهم تكفي لانقطاع الحديث والحُكم بضعفه عند المحدثين.

3-رغم أن الحديث هو في المجمل ضعيف إلا أن رواة السند الأوائل كانوا ثقات..فعلى أي أساس تم توثيقهم؟..وهل يثبت صحة الخبر بمجرد السماع وثقة الراوي أم أن هناك معايير أخرى يجري ضبطها؟..وما هي هذه المعايير؟

4- نص الحديث لم يبحث فيه الرواة وكيف انتصر في معركة سياسية لأحد الطرفين ثم رفعوه للنبي بمجرد الثقة لا أن يشكوا في أنه موضوع لغرض سياسي!!..ومن هو الحارث أصلاً كي يقبلوا بروايات ترفع شأنه كمحارب؟..

5-أبو داوود روى هذه الرواية في سياق الحديث عن المهدي، أي أن أبي داوود كان يظن أن الحارث هو المهدي المنتظر، وهذا دليل إضافي أن الحديث كان شائع في هذا العصر.

يعني حديث ضعيف السند ولكن كان شائعاً في عصره..وهذا يعني أن معايير الصحة والضعف ألزمت شعوب ما بعد المحدثين واختراعهم لعلوم الحديث، لا شعوب المسلمين في تلك الأزمنة، شعوب ال500 عام الأولى من صدر الإسلام ظلت تردد أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ثم جاءت الأجيال الأخرى تريد أن تفهم مثلما فهم هؤلاء ، وبنفس الأكاذيب رغم أن عصر المكتبة الشاملة والكمبيوتر أتاح لأصغر باحث أن يرى الحقائق ويقارن أفضل مما كان لأبي داوود والبخاري....