تحية للزميل الحسن على هذه الدراسة العميقة لمسألة الصلب .
و عندي بعض الملاحظات .
أولاً : يورد الزميل حجة عقلية في نفي القتل عن عيسى ، و هي أنه ليس من الحكمة أن يمكّن الله الأعداءَ من قتل نبيه ، و هذا حاصل كلامه في هذه السطور :
اقتباس:ماذا تقول الحكمة؟
هل من الحكمة أن يرسل الله رسولا ثم يمكن منه أعداءه فيقتلوه؟
أليس حقا على الله نصر المؤمنين؟
إذن فتمكين الله لأعداءه بأن يقتلوا رسوله أمر مناقض للحكمة والله هو العزيز الحكيم .
إذا حدث ومكن الله أعداءه من أحد أنبياءه فإنه ينجيه من القتل كما حصل لإبراهيم عليه السلام، لقد تمكن قوم إبراهيم من الإمساك به ورميه في النار فأنجاه الله بقوله يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم). فتلك كانت آية إبراهيم إلى قومه أنه على الحق.
ماذا عن عيسى عليه السلام ؟ هل يمكن أن يكون في تمكين الله أعداءه من عيسى آية لقومه؟
أعتقد أن هذا الكلام - حسب ما فهمته - يتضارب مع الآيات التي تحدثت عن بني إسرائيل و قتلهم للأنبياء ، حيث تقول الآية :
"أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ [COLOR=Blue]وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
النقطة الثانية هي قول زميلنا :
اقتباس:أقول : إن المسيح توفاه الله بسلام على الصليب ولم يقتل.
نفهم من هذه الجملة أن المسيح تم صلبه ، و أنه توفي على الصليب ، و لكن الخلاف هل توفي طبيعياً أم قُتِل ؟ أليس كذلك ؟
لا أعرف كيف يمكن أن نعتبر المسألة ميتة طبيعية إذا أقررنا بمسألة الصلب ، فكما نعرف أن لكل شيء سبب ، و أن الله في القرآن يأخذ بالأسباب ، فآية أخرى في سورة التوبة ماذا تقول ؟
"قَاتِلُوهُمْ [COLOR=Blue]يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
فرغم أن الله هو المعذّب الحقيقي ، لكن الذي ينفذ هو المسلمون ، كذلك بالنسبة إلى المسيح ، فإن كان الله هو المميت الحقيقي ، كما يفعل مع جميع المخلوقات ، إلا أن السبب وراء موت المسيح هو الصلب ، إن قلنا بأنه صُلِب ثم مات .
بمعنى آخر :
لو قلنا برواية أن المسيح صُلِب حقيقةً ، ثم مات ، لوجب أن يكون الصلب هو السبب لهذه الميتة ، و يُسمى قتلاً عندها .
فلا يمكن أن نقول أنه صُلِب ثم فقد روحه نتيجة لموتة طبيعية على الصليب ، هذا فهم لا يدعمه منطق الأشياء و ربط النتائج بأسبابها ، و إن كان ذلك كذلك فما الدليل على هذا الأمر ؟
الرواية الثانية هي أن يتم نفي حادثة صلبه من الأساس ، و بالتالي يصبح من المنطقي و المفهوم نفي حادثة قتله ، و عندها يصبح لدينا وسيلتين لاختفاء المسيح ، إما رفعه حياً إلى السماء ، أو إماتته ميتة طبيعية (دون قتل أعني) ثم رفعه إلى السماء .
و لكن أن نجمع بين الشق الأول من الرواية الأولى و الشق الثاني من الرواية الثانية (الصلب و الميتة الطبيعية) فهو أمر يتعصي علينا فهمه .
ثم لو أنهم فعلاً صلبوه و مات على الصليب ، فيصبح وصفهم لقتله أمراً مسوَّغاً لهم و لا يُعاب ، لأنك حين تطلق الرصاصة على شخص و يموت ، و يقول لك شخص أنك قتلته ، أو تقول أنت أنك قتلته ، تكون هذه الجملة حقيقية و مفهومة لجميع الناس و غير معابة ، و إن كان الله هو المميت الحقيقي ، لكنه جعلك سبباً لهذا الموت ، نسميه قتلاً ، تماماً كما جعل أيدي المسلمين سبباً لتعذيبه الكفار في سورة التوبة 14
نأتي الآن للآية القرآنية التي تتحدث عن قصة الصلب :
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ [COLOR=Blue]وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ
كما نرى فإن الآية تنفي حدوث أمرين ، فهي تنفي حدوث القتل ، و تنفي حدوث الصلب ، و توضح هذا بأن كل ما حدث هو اشتباه لليهود بصلب و قتل المسيح .
كيف حدث هذا الاشتباه ؟؟
لا ندري ، السيرة تقول أن الله أنزل شبه عيسى على أحد تلاميذه ، و أنهم أخذوا التلميذ على أساس أنه المسيح و صلبوه و قتلوه ، قد يكون هذا السيناريو صحيح أو خاطيء ، كيف نحكم عليه ، من الصعب أن نحكم عليه كما قال الزميل لأن أحداً منّا لم يكن حاضراً هناك ، و لأن السيرة و الحديث ينتابهم شك كبير ، فليس لنا إلا الاطمئنان إلى القصة القرآنية فحسب .
لكن سيناريو زميلنا الحسن الهاشمي يمكن أن نحكم عليه بالخطأ ، و ذلك لأنه يقول أن اليهود صلبوا المسيح على الحقيقة ثم مات لأن الله رفعه و لم يُقتَل كما اعتقدوا ، فنفهم من ذلك أن الصلب نفسه لم يكن اشتباه ، فهو صُلِب و هم قالوا أنهم صلبوه ، و لكن الاشتباه يصبح - حسب سيناريو زميلنا الحسن - في طبيعة الموت ، فهم يظنون أنهم قتلوه ، و الحقيقة أن الله أماته ثم رفعه .
و السؤال الآن :
كيف يصح أن نسمّي ما حدث للمسيح من صلب حقيقي و موت حقيقي بأنه اشتباه بالنسبة لليهود ؟؟؟
فهم رأوه مصلوباً ثم رأوه ميتاً ، فحق لهم أن يقولوا أنهم قتلوه حسب سنة هذا الكون و طبيعة الأشياء .
صلبوه فمات فقالوا قتلناه
فلا يصح أن يسمى هذا اشتباه ، لأنهم لم يروا الله يرفعه حياً ، بل رأوه جثة هامدة على الصليب .
و لكن الاشتباه يصبح منطقياً و معقولاً إن قيل أنهم لم يصلبوه من الأساس ، بل صلبوا شبيهاً له ، و قتلوا ذاك الصليب بينما المسيح كان مرفوعاً عند الله .
تحياتي للجميع