جدوى الحوار

إن كل شعارات الحوار الظاهرة والمستوجب وجودها تقول إن في الحوار جدوى
و أقل الجدوى الإطلاع على معارف الآخرين أو مواقفهم أو التعرف على أوجاعهم وهمومهم
لكن ليس من المفترض بالحوار أن يكون بابا لتغليظ الهموم و إباحة التفجع والبحث عن معارف ذات بعد واحد الهدف منها قض مضاجع الوجود الملتئم لأناس يعيشون وفق شرط الحد الأدنى كأضعف الإيمان
فالذي يتابع مستجدات الحفريات التي فتحت المنتديات قبورها ليفاجأ بأشكال من الوجود والانتماء والتفكير قد استحدثت عبر الأثير هي بين فلسفة الوجود المستقل عن الواقع والانتماء المضاد لكل انتماء والوجود العائم في فراغ الواقع الافتراضي
حتى لتتخيل أن الحياة قد اكتسبت بعدا خياليا لم يكن ليجد له فراغا يحتويه قبل استحداث هذا البعد الافتراضي
ناهيك عن التجييش الفئوي الذي وجدت فيه الأدران الفئوية ضالة لها تجمح في غمارها ولا ترتب على نفسها أي مسؤولية فعلية
هذا البعد الخيالي أكسب القضايا المطروقة بعدا تجريديا أيضا فصارت القضايا المطروحة قضايا مجردة تفتقد ترابطها الطبيعي والمنطقي وتفتقر إلى صلاتها بالواقع المعاش
هذا التجريد أباح مفهوما جديدا للحوار يعتمد حدة تنافره مع الأطروحة المقابلة بدل البحث عن نقاط لقاءه مع الآخر
فصارت المسائل الحوارية مسائل حدية متطرفة تدفع بمواضيع الحوار إلى غايات فوضوية لا تأخذ بعين اعتبارها أي أهمية لضرورة أن يؤدي الحوار دوره المفترض

الاصطفاف

إن أول ما يفترضه متقصي في قضايا الحوار هو وجود اصطفاف حواري بنقسم المتحاورون فيه إلى فرقاء تجمع كل فريق منهم رؤية فكرية أو سياسية فتنقسم ساحة الحوار إلى مجموعات رئيسية تتفرع كل مجموعة إلى فرقاء فرعيين تميزهم رؤى ثانوية ضمن الإطار العام
غير أن الملاحظ والأكثر حضورا في منتديات الحوار هذه ليس التجمع على أساس من موقف أو رؤية فكرية بل أن العوامل الفئوية هي الحكم في هذا الأمر
فترى التضامن الطائفي يتفوق على كل عوامل الاصطفاف وضمن الفريق الطائفي يمكنك تمييز تأثرات فكرية وسياسية مختلفة
أي أن العامل الفئوي هو سيد الموقف _ هذا العامل ذا التأثير القوي الذي تضيع في حبائله كل القضايا ويتحول المحاور إلى نبًاح بلا رؤية وترى مقابله عاوي يعوي بلا هدف غير هدف تخويف الذئاب وتحذيرها من الاقتراب من حمى الفئة أو الطائفة
هذه الحالة تشرعن لقضيتين هما في غاية الأهمية
الأولى : هي الخلخلة ضمن الإطار السياسي الإقليمي أو القومي حيث يتكثف الخطاب الطائفي على نفسه لتعزيز رص صفوفه فاسحا المجال بجواره لدخول وقبول تراكيب طائفية أخرى على نمطه بما يعني بالمحصلة إسقاط قيم الإقليمية أو القومية على حساب الاحتساب الفئوي الذي لا يجد مبررا لأي حمية وطنية ولا قومية تنتمي إلى عوامل التراص الما فوق طائفية
فتصبح قضية أساسية وهامة في الخطاب الحواري كقضية العلاقة مع العدو الإقليمي أو القومي أو حتى الديني هي من قبيل القضايا التي لا تملك مبررا في الأوليات الطائفية القائمة ويتم التعامل مع هذا العدو كفريق طائفي يحق له ما يحق لأي فريق طائفي حاضر في ساحة النزال
بالتالي تصبح المناكفة الطائفية مدخلا لاستبعاد الوطني أو التأسيس لعملية التمزق وليس مقدمة لنشوء عوامل تفاهم وتوحد جديدة
الثانية :
هي التراص والشد الذي بنقل عوامل الاختلاف الفئوي من واقعها القصصي المجرد إلى مرحلة التأسيس لتبلور خطاب طائفي جديد بعوامل ومبررات معاصرة
هذه العوامل المعاصرة هي التي ستعمل على دفع الرؤى المسالمة الآمنة الماتحت القمم الطائفية إلى إعادة فرز ذاتها والبحث عن ملاذ وانتماء يوضح هويتها الفئوية الشبه منسية

بالتالي فإن أهداف الحوار المنشودة تصبح محكومة بأزمة ليست حية تماما في الواقع بقدر ما يتيح لها هذا الحوار المريض المناخ عوامل الحياة والمراكمة عليها
فالقضية الفئوية لم تحل لدى شعوب الأرض من خلال البحث في مخلفاتها بقدر ما تم تجاوزها عبر اعتماد موحدات جاءت من خارج الخطاب الفئوي
أما حوارنا هذا فهو في مستنقع الفئوية
بالتالي لا يمكن لنتائجه إلا أن تكون معادية وقاصمة لكل توجه فوق الإطار الفئوي

أتوقف هنا عند جزئية متفرعة من باب الاصطفاف هذه الجزئية نتيجة مباشرة للتفتت الوطني / القومي و بروز وسيادة الخطاب الفئوي
وهي تعني في ما تعني وبشكل مباشر قبول ساحات الحوار وبشكل خاص ( نادي الفكر _ أثير العرب ) بوجود محاورين يعلنون أسماء من قبيل - إسرائيلية - في أثير العرب أو _ صليبي صهيوني _ في نادي الفكر أو شخصا مثل _ قصيدة _ التي توقع بالرمز الصهيوني في أثير العرب

من الخطأ الزعاف تصور أن القبول بهكذا أشخاص هو من قبيل القبول بالرأي الآخر و أن القضية تندرج في إطار إباحة المجال لطرف بالتعبير عن رأيه

فأساس القضية كما أسلفت هي في ضمور البعد الوطني أو القومي في ميدان سادت فيه القضية الفئوية على كل قضية
من هذا المنطلق يصبح وجود الصوت الصهيوني الذي هو بالأساس العملي معاد للجميع – يصبح ومن وجهة نظر كل طرف فئوي حالة فئوية شبيهة يحق لها إعلاء صوتها كما يعلو كل صوت فئوي

إلا أن بديهية هامة تتغيب عن أذهان القيمين على تسويغ هذه المبررات مع افتراض النية الحسنة رغم أنني أصبحت أخيرا أميل إلى التفسير القائل بالنوايا المبيتة وليس الحسنة

هذه البديهية تعني ببساطة التسليم بفوضى التعاطي والتطبيع مع كل المسلمات التي هي نتيجة وليست من أسس ومبررات قيام و وجود منتديات الحوار

(f)
تابع فنحن نتابع.

قد يبدو حديثي للبعض فيه الكثير من التهويل لكن التجربة تقول أن هول الواقع أكبر بكثير مما أثرته من شكوك وما هوًلتُ من هول وفي التاريخ عبرة
ففي العام 1980 نشرت إحدى الصحف العربية ترجمة لوثيقة أعدها الضابط في الجيش الإسرائيلي حين ذاك أرئيل شارون هذه الوثيقة تتحدث عن أزمة الوجود التي تعيشها إسرائيل وسبل تخريج إسرائيل من
أزمتها
كانت الوثيقة تتحدث عن إسرائيل ككيان ديني يهودي يفتقد إلى وجود بيئة محيطة من الكيانات الطائفية المحيطة التي تكون فيه إسرائيل المتقدمة صناعيا وعسكريا مديرا لهذه الكيانات المحمية إسرائليا

طبعا في ذلك التاريخ كان الحديث عن كيانات طائفية محيطة بإسرائيل حديث لا يملك آفاق واضحة بالنسبة لنا نحن الهائمون تفاؤلا
فالثورة الإيرانية التي حولت سفارة إسرائيل إلى مكتب لمنظمة التحرير
وتحالف القوى الوطنية اللبنانية مع حركة المقاومة الفلسطينية في لبنان وعزل القوى " الانعزالية "
وعزل مصر كامب ديفيد وقيام " جبهة الصمود والتصدي "
و بعد عام من بدء محادثات السلام الإسرائيلية المصرية
والكثير من المؤشرات التي كانت تجعل من هكذا وثيقة غير ملفتة لنظر حتى أهملها الإعلام العربي وسخًفها المثقفون العرب ولم يعيروها اهتماما يذكر

يتبع .....

السؤال الذي يعيي العقل النمطي هنا هو
على أي قوة كان شارون يراهن و يقدم وثيقته كمشروع قابل للتنفيذ هل كان يراهن على قوة إسرائيل المباشرة في المنطقة مثلا ... إنه احتمال سخيف والواقع يقول أن إسرائيل في ذلك الزمن محكومة بأزمة علاقتها بجيرانها ... وما توجهها لحل مشاكلها مع جيرانها إلا تحجيما لدورها كفاعل عبر القوة وإنهاء لسياستها التوسعية وتكبيلا لطموحاتها في التمدد باتجاه مشروعها الدينوسياسي ( من الفرات إلى النيل )
هل راهنت إسرائيل على حلفائها وعملائها في المنطقة ...؟
الجواب لم يكن لإسرائيل حلفاء مباشرين في المنطقة .. بل حتى أولئك الذين يتحرجون من هذه الصداقة مع إسرائيل أحدهم أطاحت به ثورة إيران وغيره له من المشاكل ما يجعله لا يملك فائضا للنظر في مشاكل غيره
إذا علاما كان يراهن شارون في وثيقته تلك ....؟
هل كان يراهن على نتائج الثورة الإيرانية مثلا أم على نتائج الثورة اللبنانية وتحالف القوى الوطنية مع الثورة الفلسطينية ..؟

لنسأل السؤال بطريقة أخرى
هل راهن شارون على قوة إسرائيل المباشرة أم راهن على قوة أعداء إسرائيل مراهنة غير مباشرة ...؟؟؟؟؟


........... يتبع

الآن وبعد مرور ربع قرن على طرح شارون لوثيقته الاستراتيجية يمكننا قراءة المفارقات التالية :

- أن المناخ الإقليمي والدولي والذي لم يكن قادرا في ذلك الزمان على استيعاب وجود شخص كشارون عضوا في حكومة ما برحت أن تكون حكومة عنصرية تملك من صفات الإجرام الدولي المنظم ما تملك قد تغير – أي ذلك المناخ – وصار شارون فيه خيار مميز يجمع عليه الأصدقاء والأعداء معا ويصفه زعيم العالم برجل السلام رغم كل تاريخ الدماء الذي يلوث وجود
ويجامله زعيم العرب بوصفه مالك مفاتيح الحلول في المنطقة
ويستجديه أصحاب الحقوق بحقوقهم ولا يقبل الرد إلا بشروط
- أن شارون هذا كان جيد القراءة لمعطيات ذلك الزمان المستجدة و أن وثيقته كانت تبني على النتائج اللاحقة لما استجد في واقع المنطقة وأسأنا تصور نتائجه
فنحن المتفجرون تفاؤلا كنا شديدي السعادة برفع العلم الفلسطيني على مبنى السفارة الأمريكية في طهران ولم نلاحظ رفع أعلام العصر الطائفي الذي ألقت الثورة الإيرانية عليه بوشاحها المذهبي الذي استنفر المنطقة مذهبيا و أودى بمرحلة المد القومي إلى حضيضها وحول القضية المذهبية إلى ديدبان الهم الوطني الإقليمي حتى صارت الوطنيات لا تتجلى بغير لبوس طائفي مذهبي يعلو على كل فضيلة
فصارت المشاريع المذهبية الطائفية مشاريع صاحبة كلمة عليا وصار لها من الوظائف ما تحمد وتشكر عليها
- أن كل الجهد المبذول يمكن توظيفه طائفيا ومذهبيا فحتى المقاومة وبذل الدم يمكن أن يكون رفدا في الإطار الطائفي فسرعان ما تختفي ضلالات المجهود الوطني في لبنان ليجتاحها حق المنطق المذهبي الذي يريد صياغة لبنان المحرر على أسس طائفية ومذهبية يجعل من فريق اليهود الصهيوني فريقا مذهبيا نختلف على حقوقه ونتنازل عن حقوقنا لديه
- أن كل المجهود القومي يمكن توظيفه في معمعان الحروب الطائفية وتتحول قادسية العرب والفرس إلى قادسية السنة والشيعة والقادم أعظم

- تماما صار علينا اليوم أن نستنتج أننا ظلمنا أنفسنا و أن شارون كان يراهن على ما فينا من أوبئة وانه انتصر علينا جميعا بفضل سوءنا وليس بفضل حسناته

اقتباس:  أحمد كامل   كتب  
 
..................
...............
..........
......

من هذا المنطلق يصبح وجود الصوت الصهيوني الذي هو بالأساس العملي معاد للجميع – يصبح ومن وجهة نظر كل طرف فئوي حالة فئوية شبيهة يحق لها إعلاء صوتها كما يعلو كل صوت فئوي  

....................
...............

هذه البديهية تعني ببساطة التسليم بفوضى التعاطي والتطبيع مع كل المسلمات التي هي نتيجة وليست من أسس ومبررات قيام و وجود منتديات الحوار  
..............
.........
.....  

أتابع بشغف لأهمية الموضوع و راهنيته
:wr:

يا زميلي احمد هل بالامكان ان انقل موضوعك هذا لمنتدى اخر ؟

طبعا مع حفظ الحقوق كاملة

تحية

إيمان
فضل
جارة الوادي
تموز
عدنان

تشرًفْتُ بوجودكم

(f)(f)(f)(f) (f)

الزميل عدنان :
لا مانع لدي بشرط أن تصحح ما فيه من أخطاء إملائية