هل الكون عشوائى ام منظم ؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟
أنني أعرض رأي بشكل مجمل وسريع عن كيفية تشكل الانتظام في الكون مع وجود العشواء وعدم الانتظام , وهذا غير كافي , فالموضوع واسع جداٌ ويصعب التكلم عنه بالتفصيل الدقيق .
إذا كان الكون منظم فهذا يتضمن وجود منظم له , ويتضمن أيضاٌ المعرفة الشاملة والتي بناءٌ عليها يجري التخطيط والتنفيذ وهذا يتضمن الغائية , وليس هناك أي دلائل واقعية على ذلك .
فالغائية بالنسبة لنا مرتبطة بالتنبؤ المستقبلي , وهذا لا يتم إلا فكرياً , فاستباق الحاضر لا يتم إلا فكريا ً, لذلك الغائية مرتبطة بالتفكير .
وكذلك ترتبط الغائية بالتخطيط والتحكم بالحوادث للوصول إلى الهدف الموضوع مسبقاً.
فقد كان أرسطو يقول أن غاية الأجسام هي دافعها الذاتي الانجذاب نحو الأسفل , ويقول أيضاً إن غاية صنع العين هي الرؤيا , وكذلك غاية صنع الأذن السمع , والرجلان للمشي . . . .
وهذا يعني أن وجود الهدف أو الغاية سابق على تشكل العضو , وأن هناك تخطيط فكري مستقبلي قد جرى , وبناءً علية تم تشكيل العضو . فبناءٌ على وجود الحاجة للعضو جري التخطيط الفكري لصنع العضو , ثم جرى صنعه .
وهذا غير دقيق فليس هناك أي تخطيط فكري مسبق لأن الحياة لا تفكر مثلنا .
ولكي تتوضح الغائية أكثر يجب إظهار علاقتها بالتخطيط .
لقد عرٌف التخطيط بشكل عام بأنه الاختيار من بين البدائل بالنسبة لهداف موضوع , أو هو اختيار من بين مسارات بديلة للتصرف المستقبلي , أي هو التعامل مع الخيارات الحالية المتاحة والخيارات المستقبلية المحتملة بناءً على برنامج موضوع .
و عندما نعرٌف الغائية بهذه الطريقة , يمكننا عندها أن نوضح الفرق بين العشواء وحصول الانتظام .
إن أهم أسس تشكل الانتظام هو وجود ثوابت لا تتغير بتغير المكان أو تغير الزمان لفترات طويلة جداٌ , فثابتة بلانك وثبات سرعة الضوء وثبات الشحنة وثبات الاسبين , وكذلك طول عمر الإلكترون والبروتون فعمر البروتون 10قوة 35 سنة .
وكذلك وجود التناظرات في الكون مثل تناظر اليمين مع اليسار وغيره . . .
وكذلك ثبات خصائص القوى الموجودة في الطبيعة وهي ثلاثة قوى الجاذبية , والقوى الكهرطيسية والنووية الضعيفة , والقوى النووية القوية.
فالدارات تفاعل البنيات الفيزيائية الأولية " الأوتار الفائقة أو غيرها " كونت البنيات الذرية الأولية وهي الكواركات والليبتونات وهي مازالت غير واضحة لعلماء الفيزياء , ثم تكونت الكتلة والشحنة والاسبين . . .
ثم بتفاعلها مع بعضها نتيجة القوى الموجودة تكونت الجسيمات الذرية , ثم تكونت الذرات الأولية الهيدروجين والهليوم , ثم تكونت المجرات والنجوم , ثم العناصر الكيميائية الأخرى , ثم المركبات العضوية , فالبنيات الحية , فالبنيات الفكرية , فالبنيات الاجتماعية. . .
أمثلة على ذلك :
البندول , إن هذا البندول الذي نجده يتحرك حركة ترددية منتظمة الزمن إذا قمنا بدفعه مرة واحد .
ما هي حركته إذا وضعناه في الفضاء بين الكواكب , إنه سوف يخضع لقوى عشوائية , وإذا حركناه فلن يهتز بل يسير بحركة مستمرة باتجاه واحد .
لكنه على الأرض ونتيجة وجود قوى الجاذبية فإن أي حركة له وفي أي اتجاه سوف تجعله يتحرك ذهاباٌ وإياباٌ وبحركة منتظمة الزمن إلى أن تتخامد حركته ويقف , وبذلك ينبثق الانتظام من العشواء .
مثال آخر
دوران الأرض حول الشمس وتشكل الليل والنهار , ودوران القمر حول الأرض نتيجة قوى الجاذبية .
مثال آخر
انتظام دوران الإلكترونات حول النواة في مدارات وطبقات معينة وتشكل النواة نتيجة وجود القوى الكهرطيسية والقوى النووية , وهذا الوضع لا يحصل دوماٌ , فالذرات داخل النجوم ذات الكتلة الكبيرة تخضع لقوى ضغط عظيمة , نتيجة قوى الجاذبية الكبيرة جداٌ تجعلها تفقد إلكتروناتها و تنضغط البروتونات مع النيترونات ويتشكل نجم نيتروني , السم المكعب منه من يزن آلاف الأطنان .
الذي أريد قوله هو أن الانتظام والتكرار والتشابه الذي نجده في هذا الكون هو ناتج خصائص البنيات الموجودة والآليات التي تتفاعل بموجبها هذه البنيات .
فتشكل الانتظام من العشواء يحدث نتيجة تشكل دارات تفاعل متكررة خلال زمن محدد قصير أو طويل .
فهذا ينشئ البنيات المستقرة التي تحافظ على ترابطها واستمرارها لفترة زمنية كبنية محددة متماسكة , وتكون متفقة مع الأوضاع والتأثيرات الموجودة فيها.
وكما ذكرت كافة أنواع وأشكال التفاعلات في هذا الوجود أساسها تفاعلات فيزيائية , ويمكننا إرجاع أي تفاعل مهما كان إلى تفاعلات فيزيائية , فحتى التفاعلات الفكرية والنفسية والاجتماعية يمكن إرجاعها إلى أسسها الفيزيائية.
فكل بنية تتشكل يكون تشكلها حسب البنيات الأولية الموجودة , وحسب التفاعلات التي تجري وحسب الوضع أي الزمان والمكان الموجودين فيه.
فنحن نستطيع تفسير تشكل أي بنية مهما كانت بناء على ذلك .
فبالاعتماد على خصائص البنيات المتفاعلة وعلى الأوضاع الموجودة وبالتالي التفاعلات التي سوف تحدث , نستطيع تفسير تشكل كافة أنواع وأشكال البنيات الموجودة , فكل بنية موجودة يفرض وجود عناصر وآليات تشكلها .
ونحن أيضاٌ نستطيع تفسير تشكل البنيات الحية وأجهزتها وأعضاؤها العين والأذن والقلب والمعدة والدماغ والأيادي والأرجل.....و فقط بالاعتماد فقط على العناصر ( أي البنيات ) والأوضاع الموجودة بالإضافة لطرق التفاعل التي تجري وتشكلها.
بالنسبة للكائنات الحية , هناك مخطط ( أو ما يعتبر هدفاً موضوع مسبقاً ) تم الوصول إلية عن طريق المحاولة والخطأ والتصحيح نتيجة الانتخاب الطبيعي والتوافق مع الأوضاع والظروف , وهو على شكل معلومات أو تعليمات برنامج , أي الشيفرة الوراثية .
ملاحظة على التفكير البشري
إن التفكير البشري هو تعامل فكري مع الخيارات المتاحة يستبق التعامل الواقعي معها , وهذا ما يميز التخطيط البشري عن تخطيط الكائنات الحية الأخرى , فتخطيط تلك البنيات يجري بالتعامل مع الخيارات المادية الموجودة , حسب البرنامج الوراثي الموضوع , ودون استباق المستقبل بشكل فكري .
فالكائنات الحية البسيطة تعتمد على العناصر والقوى الفيزيائية والكيميائية والحيوية الموجودة . وإن كان هناك الذاكرة فكرية فهي للماضي , ولا تتوقع أو تتنبأ للمستقبل , فالمستقبل مغلق بالنسبة لها .
وإن حدث وقامت بعض الكائنات الحية بمشاريع مستقبلية , فيكون هذا مبرمج فزيولوجياً وعصبياً وليس فكرياً وبشكل واع مثل الإنسان .
وهذا هو الفرق الأساسي والهام جداً بين تفكيرنا وتفكير كافة الكائنات الحية الأخرى , وهذا ما عرفه وشعر به كل من فكر في هذا الموضوع , فنحن نفكر ونتعامل مع الوجود بطريقة مختلفة عن باقي الموجودات .
لأننا نستخدم البنيات الفكرية التنبؤية ( السببية واستباق المستقبل ) وخصائصها الفريدة في التعامل مع الخيارات .
إن هذا الفرق الهام جداً هو ما يميزنا عن باقي بنيات الوجود الأخرى فنحن نتعامل مع الخيارات في زمن مفتوح ( نسبياً ) , ماض و حاضر ومستقبل , أما باقي البنيات الحية فتتعامل مع الخيارات المتاحة لها في زمن الماضي والحاضر فقط , ولا تستطيع استباق الحاضر إلى المستقبل في تعاملها مع الخيارات .
فالتخطيط الفكري , والسببية المتطورة هو ما يميز تفكيرنا عن باقي بنيات الوجود , فنحن فقط نستطيع أن نختار الخيار الأنسب من بين مجموعة خيارات متاحة لنا , وذلك بالاعتماد على أفضليتها المستقبلية وليس الحالية , وذلك باستعمال البنيات الفكرية "التنبؤية " المتطورة العالية الدقة . وكلما كانت دقتها أعلى كان تخطيطنا أكثر فاعلية في تحقيق أهدافنا الموضوعة.
|