هل كان آدم عملاق بطول عمارة من ستة طوابق؟
أخرج البخاري ومسلم حديثا من أحاديث الآحاد الظنية يقول بأن آدم كان طوله ستون ذراعا. هذا تقريبا ثلاثين متر. أو ما يعادل عمارة من ستة طوابق، اذا كان الطابق الواحد يساوي خمسة امتار. ثم بدأ طول ابناء آدم يتناقص الى ان وصل الى حجمه الحالي. اذا كان الرجل بهذا الطول فلابد ان يتلائم مع البيئة التي يعيش فيها. مما يعني ان زوجته كانت قريبة من حجمه. قدمه أيضا لابد ان تكون كبيره. كذلك الاشجار والدواب لابد ان تكون أكبر. وبما ان الحمار والحصان من وسائل المواصلات، فهذه البهائم لكي تلائمه لابد ان تكون أكبر من حجمها الحالي. فالحمار مثلا لابد ان يكون على الاقل بحجم الفيل ثلاث مرات. والماعز لابد ان تكون بحجم الجمل لكي تكفيه فقط لوجبة عشاء. وكل الاشياء الاخرى لابد ان تكون أكبر عن حجمها الحالي.
ولكن طبقا للحفريات المكتشفه فلا يوجد أدنى شاهد على ان الانسان أو أي من الحيوانات كانت على غير حجمها الحالي. وقد وضعت في ردود سابقة روابط تتحدث عن اكتشافات لهياكل بشرية أو آثارهم، بعضها يرجع لـ (3,5 مليون سنة). هذه الحفريات تدل على ان الانسان كما هو الآن لم يتغير حجمه. إذا كانت (3,5 مليون سنة) غير كفيلة بتغيير حجم الانسان، فمتى حصل التغيير؟
ولكن: هل كان جبريل ينزل على البخاري ومسلم ليخبرهم بالاحاديث، أم انهم بشر مثلنا يخطؤون ويصيبون؟
حديث الآحاد هو الحديث الذي يرويه واحد عن واحد. هذا النوع من الاحاديث تسمى أحاديث ظنيه، غير ثابته يقينا. فمثلا القرآن ثابت يقينا لأن الدولة أشرفت على وضعه في مصحف واحد، وبشكل علني، رسمي، معروف للجميع، أي واحد عنده اعتراض كان بإمكانه ان يقدم اعتراضه. بمعنى آخر ان أهل المدينة في عهد أبي بكر الصديق إجتمعوا كلهم على صحة ما ورد في القرآن. وفي عهد عثمان أرسل المصحف للأمصار. وأي واحد عنده اعتراض كان بإمكانه ان يقدم اعتراضه بشكل علني ورسمي. ولكن لم يحصل ان اعترض أحد. ممّا يعني موافقة الجميع على القرآن كما نجده في يومنا هذا. الحديث من ناحية أخرى لم ينل هذه العنايه من الصحابة، وإنما تناقلوه بشكل فردي. فالحديث مهما بلغت صحته، حتى الحديث المتواتر، لايمكن ان تصل صحته الى واحد من عشرة من صحة القرآن.
بعد هذه المقدمة الموجزة لنرى الحديث القائل بطول آدم 60 ذراع:
حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا
عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم
فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن
(صحيح البخاري)
حدثنا محمد بن رافع حدثنا
عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا
فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن
(صحيح مسلم)
الآحاد في هذا الحديث هم التالي:
أبوهريره
همام بن منبه
معمر بن راشد
عبدالرزاق بن همام (ليس ابن همام بن منبه)
بعد عبدالرزاق بدأ الحديث يتفرع، فرواه البخاري عن طريق يحي بن جعفر، ورواه مسلم عن طريق محمد بن رافع.
لنفترض ان ابوهريره سمع الحديث فعلا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فهذا يعني انه لم يخبر به أحد على الاطلاق سوى همام بن منبه. ثم همام بن منبه احتفظ بالحديث في بئر ليس له قرار، وفي غاية السريه، ولم يخبر به أحد إلا معمر بن راشد. بعد ذلك قام معمر بن راشد بمواصلة السرية، ولم يفتح فمه بكلمة واحدة عن الحديث الى قبل مماته، وعندما كان يحتضر أباح بالسر الرهيب الى تلميذه عبدالرزاق بن همام! ولكن الاخير لم يحافظ على سرية الحديث، واخبر به غير واحد، فجاء الحديث للبخاري عن طريق يحيى بن جعفر، وجاء لمسلم عن طريق محمد بن رافع، وجاء لغيره من طرق أخرى!
الان دعنا نضع النقاط على الحروف ونتعرف على بعض رجال الحديث.
من كتاب (المغني في الضعفاء)، للإمام الذهبي
انقله بالحرف الواحد كما ورد. والكتاب متوفر في مكتبة مشكاة. على الرابط التالي:
http://www.almeshkat.net/books/open.php?ca...at=23&book=1998
6365 - ع / معمر بن راشد ثقة إمام وله أوهام احتملت له قال أبو حاتم صالح الحديث وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط وقد قال فيه أحمد بن حنبل ليس تضم معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه وقال أبو أسامة كان يتشيع.
3687 - ع / عبد الرزاق بن همام أحد الأئمة الثقات كان عباس العنبري أحد من رحل إليه وقال إنه لكذاب وقال النسائي فيه نظر لمن كتب عنه بآخره وقال ابن عدي في كامله حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافق عليها. قلت كان يتشيع وقد قال أحمد إنه عمي في آخر عمره وكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد العمى لا شيء قال ابن الصلاح وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها فأحلت أمرها على ذلك قال إبراهيم الحربي مات عبد الرزاق وللدبري سبع سنين. قال الذهبي إنما النكرة في تلك الأخبار من الدبري فإن ابن عدي ذكر الدبري في كامله وقال روى عن عبد الرزاق مناكير قلت وبكل حال لعبد الرزاق أحاديث ينفرد بها قد أنكرت عليه من ذلك الزمان حتى إن أبا حاتم قال يكتب حديثه ولا يحتج به.
قالوا عن معمر بن راشد انه رجل له أوهام وفي حديثه أغاليط.
وقالوا عن عبدالرزاق بن همام انه كذاب. قال عنه النسائي فيه نظر (يعني ضع علامة استفهام امام حديثه). وقالوا انه حدث بأحاديث لم يوافقه عليها أحد. وقالوا انه يروي المناكير. وقال أبا حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به (يعني زي عدمه). واختصر الذهبي اقوالهم وقال: وبكل حال لعبد الرزاق أحاديث ينفرد بها قد أنكرت عليه... مما يعني انه بغض النظر عمّا قيل عنه، هو بحق وحقيقة انفرد بأحاديث مناكير لم يحدث بها غيره.
البخاري اعتمد حديث عبدالرزاق بن همام! وروى عنه ما لايقل عن خمسين حديث! هذا يعني انك اذا اردت الانضمام للفريق الذي طعن في نزاهة عبدالرزاق بن همام، فلابد ان تتنازل عن جميع مارواه البخاري عنه. ورى عنه مسلم ما لايقل عن مائة حديث. لابد ان تلغيها أيضا.
ونحن الحيارى ماذا نفعل؟ هل نتبع البخاري في الاخذ بحديثه، أم نعتمد أقوال من طعنوا فيه، أم نعمل القرعة لنرى من هو على الصواب؟
ولكن: قال علماء الجولوجيا بأنه ثبت لديهم بالدليل القاطع بأن مخلوقات الارض تفنى ويعاد خلقها من جديد. وقال سبحانه، "انه هو يبدئ ويعيد"، وقال أيضا، "أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده". هل رأيت يا ابن آدم ما أخبرتك به، هل هذا ما تسميه الانقراض. هو إعادة الخلق، "ان ذلك على الله يسير"
إذا اردنا اثبات كلام عبدالرزاق بن همام في ان المخلوقات لاتنقرض وانما يصغر حجمها، فلابد ان نقذف بتاريخ نشأة البشرية الى الماضي السحيق الغابر الذي لم يعد له أثر. ثم نقول في تلك الحقبة الزمنية المجهولة تواجد آدم على الارض. وبهذه الطريقة سنتمكن من الهروب من الحقيقه. يعني نعمل كالنعامة عندما تضع رأسها في التراب ظنا منها انه لايراها أحد.
هل من حل وسط؟ نعم. ربما يكون في كلام عبدالرزاق بن همام بعض الصحة. وبما انه متهم بالكذب والتزوير لانستطيع ان نأخذ كل كلمة قالها كحقيقة مطلقه. نقول بأن الزيادة (فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن) قد جائت في آخر الحديث. فهي محتمل ان تكون من تأليف عبدالرزاق، أو من أوهام معمر بن راشد. عندما خلق الله آدم وضعه في الجنة، وكان طوله في الجنة ستون ذراعا. وبعد أن انزله الى الارض صغر حجمه مرة واحدة ليتناسب مع مخلوقات الارض. ولم يتناقص مع الزمن كما زعم عبدالرزاق. ومن لايعجبه هذا الحل فأرجو ان لا يحاول اقامة الحجة علينا بأحاديث الاحاد الظنية، المشكوك في صحتها.
"ان يتبعون الا الظن وان الظن لايغني من الحق شيئا" (النجم 28)