كتب: حافظ إمام
طرح بابا الفاتيكان في محاضرة ألقاها بجامعة ريجنسبورج بولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء الماضي حديثا أثار واستثار الجميع حول الإيمان والعقل والخلاف التاريخي بين الإسلام والمسيحية في نقطة مهمة وهي العقل والإيمان فأراد ــ من حيث يدري أو لا يدري ــ أن يستدل على أن المسيحية تستعمل العقل مستدلا بالآية «في البدء كانت الكلمة من الانجيل والكلمة في دلالاتها تخاطب العقل على حين أن الإسلام ــ وبشكل مباشر ــ بدأ بلا إكراه في الدين وانتهى إلى نشر هذا الدين بالسيف«.
ثم استطرد البابا مقدما دليلا على ذلك من دون تعليق منه مما يدل على أنه تبناه وهو أن الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني قال للعلامة الفارسي المسلم أرني شيئا جديدا أتى به محمد فلن تجد إلا ما هو شر ولا إنساني مثل أمره بنشر هذا الدين بحد السيف.
هذا ما تفوه به بابا الفاتيكان وهو زعم كاذب وكبير كما يقول المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في البحرين ورئيس المركز الأمريكي للدراسات الإسلامية الدكتور صلاح الدين سلطان.
يقول د. سلطان إن هذا الزعم الكبير تولت فضحه والرد عليه الدكتورة زجريد هونكه الألمانية في كتابها القيم «الله ليس كذلك« والذي أهداني إياه أحد الأئمة في زيارتي لميونيخ (بافاريا) فقد وجدت هذا الكتاب على الرغم من سبق تاريخ إصداره عام 1998 عن مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام من ترجمة الدكتور محمد غريب أقول لقد وجدت هذا الكتاب على الرغم من سبق اصداره عن تفوه البابا بهذه المزاعم فإنه في نظري هو الأقوى على مستوى العالم في الرد على جهالات البابا وقادة الفكر الغربي أو التزييف المتعمد.
ويبدو ذلك فيما يلي. يقول د. صلاح الدين سلطان: { تذكرنا الكاتبة انه لا توجد أكذوبة يؤمن بها قادة الغرب مثل أكذوبة ان الإسلام انتشر بالسيف البتار والحديد والنار وتقول زجريد إنني لا أملك إلا العجب من سطحية معرفة الغرب النصراني بالمسلمين دينا وتاريخا.
وتضيف قائلة إن هذه من أقسى الأحكام الظالمة المسبقة الراسخة ضد الإسلام (ص 31) على حين يثبت التاريخ لنا ان الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي ولايزال الغرب النصراني متمسكا بالحكايات المختلفة والخرافية التي كانت الجدّات يروينها ثم تنقلب على الغرب النصراني الى استعمال الحديد والنار والسيف البتار في أمثلة عديدة منها الحرب الصليبية التي أشعلها البابا أوربان الثاني في 27 نوفمبر عام 1095 في كلير مونت بفرنسا بعد نشر أكذوبة أن المسلمين هدموا قبر المسيح وأن هذا البابا بمكر ودهاء حرك الفقراء والأغنياء، لقتل وتدمير الأبرياء.
فقد حرك الأغنياء ليستولوا على ثروات بلاد الشام، وحرك الفقراء ليكونوا أبناء الرب وينعمون باللجنة بل أرسل من تلاميذه وبطاركته من كان يفخر بقوله: «يفرح الأبرار عندما يغسلون أرجلهم في دماء الكفار (يقصد المسلمين) انها وحشية لن تمحوها ذاكرة التاريخ« (ص 12 والكتاب).
ويضيف د. سلطان قائلا: إن الكاتبة بعد هذا كله تستشهد في صفحة 25 من الكتاب بسماحة الإسلام وصلاح الدين الأيوبي بشهادة عالم الفلسفة اللاهوتية الألماني أوليفيروس الذي قال «إن المسلمين قدموا لنا بعد أن أسرونا غاية الإحسان والجود والكرم، كانوا يقدمون إلينا 30 ألف رغيف خبز يومياً من موادهم الغذائية القليلة والشحيحة إلى جانب الطعام إحسانا منهم إلى الأسرى فغيروا بفعلهم هذا كل ما ذكره لنا الباباوات والأساقفة«. وتذكر الكاتبة أن هذا الدين العظيم أغرى عددا من الجيوش الصليبية بالدخول في الإسلام طوعا.
وصار الشباب في أوروبا يهيمون باللغة العربية وفنونها الجميلة مما اضطر القديس يوحنا الاشبيلي رئيس الأساقفة إلى أن يترجم الانجيل إلى العربية حيث لم يعد أحد من الشباب يتقن غير العربية.
ويبقى السؤال الذي تطرحه زجريد هونكه هو: «هل أحب الشباب والنساء والرجال في أوروبا اللغة العربية وآدابها بحد السيف أم كان ذلك من المكارم الأخلاقية التي أبداها العرب والمسلمون؟«. { ويتوقف د. صلاح سلطان عند منطق العقل الذي رفع لواءه الإسلام وأنكره الصليبيون
ويقول إن الكاتبة تقول إن هناك غشاء أسود على عقول كثير من الباباوات (ص 65) والأساقفة مؤداه أن المسلمين جهلة ــ بربر ــ لا يفهمون ولا يعتدون بالعلم ولا العقل وأنهم بسبب ذلك أحرقوا مكتبة الاسكندرية التي كانت تضم أكثر من 700 ألف مخطوط.
وترد الكاتبة على هذه الفرية بحقائق تاريخية مذكرة بأن هذا الانحطاط الفكري يبين مدى إصرار الغرب على اطلاق الاحكام المسبقة الظالمة على العرب والمسلمين.
والحقيقة أن الفتح الإسلامي عندما دخل إلى مصر عام 642 لم تكن المكتبات القديمة لها أي وجود لأن قادة النصارى كانوا قد أحرقوها أكثر من مرة ومن ذلك ما فعله القيصر «كاركله« بإلغاء الأكاديمية وحلها وسفك دماء علمائها في مذبحة وحشية فظيعة.
كما أن البطريارك النصراني في عام 272 قام بإغلاق المجمع وشرد علماءه آمرا بحرق مؤلفات الكفرة (ص 66) وقد تكرر هذا الشيء عامي 366 و391 حيث هدموا المكتبة وبنوا مكانها كنيسة بدعوى أن الحكمة كلها قد استكملت في الانجيل وأنه يجب تدمير علوم الكفرة.
وتستطرد الكاتبة ردا على مقولة إن عمر بن العاص أحرق مكتبة الاسكندرية بأمر من عمر بن الخطاب على الرغم من أن عمر بن الخطاب كان من أكثر الخلفاء الذين حرصوا على طلب العلم ونشره في الارجاء بل ان قمة السماحة رويت عن عمر بن الخطاب في تعامله مع غير المسلمين في الشام ومصر والعراق وتذكر الوثائق التاريخية مع البطريرك القبطي المقوقس في الاسكندرية وثيقة عهد وسلام وهو عهد تتضاءل إلى جانب عظمته وحكمته وسماحته كل عهود واتفاقيات السلام، بل وتتوارى في ظله خجلا.
وتذهب زجريد هونكه إلى أبعد من ذلك فتروي نصوصا من العهد القديم تأمر بقتل كل من لا يؤمن بدين النصارى وتقول إن الذين زوروا باتقان تاريخ الحضارة الإسلامية ونهبوا ابتكارات علماء المسلمين ونسبوها إلى أنفسهم هم النصارى ثم تورد خمسة براهين بأسمائها منها قضية البوصلة وعمليات ايقاف نزيف الأوعية الدموية واكتشاف الدورة الدموية التي عرفها المسلمون قبل 500 عام لكن الغرب سطا على هذه الابتكارات ونسبها إلى نفسه مما يدل على أن هذا السطو تجاوز الجانب العلمي إلى الجانب الأخلاقي.
وتتساءل الكابتة ونحن معها: هل صدر في تاريخ الحضارة الإسلامية قرار واحد بسجن وقتل العلماء المبتكرين مثلما حدث مع روجر بيكون وجوردان بين عامي (1294 ــ 1600) وآخرين ومثلهم.
بل على العكس إن الإسلام رافع شأن العلماء والعلم على عكس ما فعلته السلطة الكنيسة. وإذا كان الانجيل قد بدأ «في البدء كانت الكلمة كما يقول البابا فإن القرآن الكريم بدأ بقوله تعالى مرارا «اقرأ« ثم ثنى بالقلم وما يسطرون ثم ذكر الله العلم في القرآن الكريم 865 مرة، والسؤال 49 مرة والتدبر والتفكر والتعقل أكثر 270مرة، وفي أبواب الصحاح مثل البخاري ومسلم وغيرها نجد بعد باب الإيمان كتاب العلم، وهي حفاوة بالعلم والعلماء نتحدى أن يوجد لها نظير في أي دستور أو كتاب له تقدير لدى أتباعه مثل القرآن الكريم والسنة النبوية بل ان التاريخ يثبت ويؤكد أن الأمة الإسلامية هي الوحيدة التي أخرجت كنوز المعارف بكل أنواعها من تحت الانقاض لتجعلها متاحة بلغات عدة سواء من التراث الاغريقي أو اليوناني أو الروماني أو الهندي أو الصيني وتعاملوا معها بروح الناقد البصير ثم أضافوا وابتكروا بما جعل حضارة الإسلام تقود العالم وحدها 13 قرنا بلا منازع. وقدمت ابتكارات علمية لولاها لتأخرت حضارة أوروبا خمسمائة عام كما يقول روجر بيكون.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/Articles.a...=179455&Sn=BNEW
لقداسة البابا بنديكت السادس عشر كل الشكر على استفزازه الذي جعل لدينا فرصة التعرف على تاريخ انتشار الإسلام العظيم ، الذي حاول ويحاول أسلافك تزويره وتحريفه..