ارتدادات الاعتصام على التركيبة الداخلية في الميزان
تخطي "هالة" المقاومة تحت وطأة الصراع
كتبت هيام القصيفي:
تتابع دوائر سياسية ارتدادات الاعتصام المستمر منذ اسبوعين في بيروت على العلاقة الثنائية بين مكونات المجتمع اللبناني وعلى مستقبل هذه العلاقة في بلد محكوم بتركيبة اجتماعية وسياسية مختلطة. واذا كانت التظاهرات بمفهومها الاجتماعي ارست في ساحة الاعتصام نوعا من المشهدية غير المألوفة في المجتمع اللبناني بعد الحرب، بتزاوج فئتين مسيحية وشيعية في بوتقة واحدة، فان رصد تأثيرات الاعتصام على العلاقة السنية - الشيعية، يتقدم غيره من العناصر لانها المرة الاولى تشهد الساحة اللبنانية مثل هذا الاحتكاك المباشر.
لا شك في ان ما يحصل منذ اسبوعين في ساحات بيروت يستدعي قراءة اجتماعية هادئة تتخطى وثيقة التفاهم الموقعة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، لمجموعات لبنانية تتعايش تحت الخيم، مع كل ما يستدعي العيش في العراء من تفاصيل حياتية واجتماعية تحمل الكثير من الارباكات والملاحظات. واذا كان هذا الخرق الاجتماعي تحقق ابان النزوح الشيعي في حرب تموز الى المناطق المسيحية، برعاية "التيار الوطني الحر"، على رغم ما تخلله من اشكالات ظلت محدودة، فان تحول بيروت ساحة تلاق مسيحية - شيعية كان يمكن ان يكون له تأثيراته الاجتماعية والسياسية الايجابية على بلد استهلكته الحروب والحساسيات الطائفية، لو كان هذا التلاقي معزولا عن الاشتباك السياسي الحاد بين فريقي الاكثرية والمعارضة. وفي حين رصد بعض وكالات الانباء الغربية عددا من المفارقات التي انتجها وجود الشباب المسيحي الآتي بازيائه الغربية، والوانه البرتقالية او الخضراء، ليتظاهر الى جانب رجال "حزب الله" الملتحين ونسائه المتشحات بالاسود، فان المقاربة اللبنانية المحلية تتمايز تلقائيا لكونها معجونة بالخبز السياسي اليومي.
هل اخطأ "حزب الله" الشيعي بمحاصرة السرايا الحكومية التي تمثل رمز المركز السني الاول في لبنان؟ وهل اخطأ الجنرال ميشال عون المسيحي بايحائه باحتمال دخول السرايا، مما استدعى فورا ردا من النائب السابق فتحي يكن؟ وهل اخطأ الحزب والمعارضة ككل باللجوء الى خيار الشارع؟ ذلك هو السؤال الجوهري الذي انتجه الاعتصام الذي ينهي اسبوعه الثاني من غير ان تتحقق مطالب المعتصمين، ولو فاق عددهم المليون لبناني، باسقاط الحكومة. ثلاث نقاط تتوقف عندها قراءة سياسية مراقبة لما انتجه الاعتصام شعبيا ومسيحيا وشيعيا، وفك الارتباط الشيعي مع الحكومة.
اولا، لم يتوقف احد من الداعين الى الاعتصام والذين يوحون باستمراره الى حين اسقاط الحكومة، عند التدهور الاقتصادي المتمادي ليس في وسط بيروت فحسب، بل في انعكاس هذا القلق من اي تدهور امني على كل المرافق الحيوية، بما في ذلك المؤسسات السياحية والتجارية وكذلك التربوية التي تشكو من تمنع الاهل القلقين على المستقبل، عن دفع الاقساط المدرسية، وهو ما يعني تلقائيا انعكاس ذلك على لجوء ادارات بعض المدارس على التقنين في دفع رواتب المعلمين. ولم يتوقف احد من الداعين الى التظاهر عند سؤال تتداوله الاوساط الشعبية والسياسية، الى اين والى متى يستمر التظاهر، وسط معلومات عن استمراره الى اوائل سنة 2007، في وقت تقترب الاعياد التي قد يتعذر الاحتفال بها وسط مشاعر الخوف والقلق، مع التذكير بالهدنة الاعلامية التي ترجمت بوقف البرامج السياسية في شهر رمضان وجعلت المسلمين يمضون اعيادهم بهناء وراحة. ولم يتوقف احد من الداعين الى التظاهرات، عند السؤال التلقائي: ماذا لو لم تسقط الحكومة وسط كل هذا الدعم الاميركي والاوروبي المتصاعد؟ واي خطوة مدروسة يمكن ان تخرج البلد من المأزق الحالي؟
ثانيا، كرّس الاعتصام الفجوة التي كانت بدأت تكبر تدريجا بين الفريقين الشيعي والسني في لبنان. لكن اخطر ما كرسه هذا الاعتصام وما تخلله من خطب للامين العام لـ"حزب الله"، هو ذلك المس بهالة السيد حسن نصرالله في اول تخط لرمزية المقاومة التي يمثلها. واذا كان ما حصل بعد حلقة من برنامج "بسمات وطن" الفكاهي الذي تناول نصرالله، اثار في حينه ما اثاره من ردود فعل غاضبة في الشارع، فان احدى اهم المفارقات هي ان الردود الاخيرة التي بدأت تتناول نصرالله سواء من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة واسلوبه في الرد، ام في تشبيه الوزير احمد فتفت اياه بنيرون الراغب في حرق روما، تشبه تخطيا اوليا لما كان جميع السياسيين يتفادون حتى الان الاقتراب منه او تخطيه حتى في مخاطبتهم اياه مباشرة بالاسم، من دون اي لقب. الا ان اخطر ما انتجته الاسابيع الاخيرة من تطورات دراماتيكية على العلاقة بين سيد المقاومة والساحة السنية، هو الاغاني التي بدأت تتداول عبر الهواتف الخليوية وتذيعها مكبرات الصوت من سيارات جوالة، كما حدث في طرابلس ذات الغالبية السنية اخيرا، او حتى في محاولة رمي زجاجة حارقة نحو دبابة كانت غنمتها المقاومة من اسرائيل واهدتها الى مدينة طرابلس ووضعت عند مستديرة ابو علي.
ويقول سياسي بارز ومستقل ان "ابرز ما حصل اخيرا هو ان رمز المقاومة الذي تمكن من تحقيق اجماع عربي ولبناني عليه ولا سيما في حرب تموز الاخيرة، كقائد عربي مقاوم، بات فجأة احد افراد النادي السياسي اللبناني، يتعرض مثله مثل غيره لكل الحملات السياسية من دون اي تمييز بين عباءة السيد وبذلة السياسي.
ويشير مصدر امني الى ان "احد مخاوف التحول الجديد في التعامل مع حزب الله، هو تحول عناصر الحزب كالافغان العرب، الذين عادوا الى بلادهم بعد نجاح حربهم ضد الاتحاد السوفياتي، ذلك ان المقاومة في الجنوب ضد اسرائيل انتهت عمليا بفعل القرار 1701، والحزب الذي لديه مخزون بشري مدرب، لا يمكن الا ان يحول هذا المخزون ولو من دون سلاح الى الداخل، وهذا الامر ترجمته الاعتصامات التي يمكن ان تستمر اسابيع في بيروت وان لم تحقق اي هدف، وهي اعتصامات تقوم بها عناصر مدفوعة الاجر".وفي تذكير بما قام به السيد نصرالله من زيارات بعد تظاهرة 8 آذار 2005، توضح مصادر سياسية مقربة من 14 آذار ان السيد نصرالله ارتكب في حينه اخطاء بارزة في تعامله مع الملف الداخلي اللبناني استدعت ردودا عليه، وان ظلت محكومة بالتفاهمات المحلية التي تحولت رباعية. ولكن اليوم، لم تعد هذه التفاهمات موجودة في حدها الادنى، والسيد نصرالله، بعد خطابه الاخير "المتوتر" والذي درس بعناية، حتى بحمله كوب الماء باليدين معا، اثار الردود نفسها ولكن بطلاقة اكبر. فالسيد الذي تمكن من حصد اجماع عربي حوله في حرب تموز، لا يستطيع ان يحصد في الداخل سوى 28 نائبا، هي حصته من الكعكة اللبنانية.
ثالثا، لا يمكن عزل العماد ميشال عون عن هذا الواقع، وخصوصا في موضوع اقتحام السرايا الحكومية. فاذا كان البطريرك الماروني تدخل شخصيا رافضا اي تظاهرة شعبية لاسقاط رئيس الجمهورية ومحاصرته في بعبدا، فكيف يمكن المعارض المسيحي ان يدعو الى اقتحام السرايا التي تحاصرها خيم "حزب الله"، مع كل الرمزية التي تمثلها السرايا كموقع سني؟ وفي حين يحلو للبعض التذكير بان حكومة الرئيس عمر كرامي اسقطت في الشارع، فان الرد السني على هذه المقولة هو ان الحكومة اسقطتها فئات متنوعة من المجتمع اللبناني في ساحة الشهداء، وليس بمحاصرة السرايا، مقر اقامة رئيس الوزراء. مع العلم انه، استنادا الى اوساط من قوى 14 آذار،
ادى مشهد الخيم التي طوقت السرايا خدمة جلى للفريق السني الموالي "اذ ان ثمة فاعليات سنية كانت ترفض دخول السرايا منذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الا ان خطاب نصرالله الاخير وانتشار الخيم حول السرايا جعلا هذه الفاعليات تزور السرايا للمرة الاولى". وهذا كلام سمعه مقربون من نصر الله في اكثر من مناسبة سياسية اخيرا.
http://www.annaharonline.com/htd/SEYA061215-4.HTM