اقتباس: zaidgalal كتب/كتبت
ها رجل من عامة الناس. إنما أقصد بالصحابة المشاهير والين رووا عن النبي (ص) وكان لهم درو في الإسلام
خالد بن الوليد
في حروب الردة
وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري وكان من رؤساء تلك السرايا أنه كان يحدث ، أنهم لما غشوا القوم ( مالك بن نويرة وقومه بني يربوع ) راعوهم تحت الليل ، فأخذ القوم السلاح ( قال أبو قتادة ) فقلنا : انا المسلمون . ( قال ) : فقالوا ونحن المسلمون . قلنا : ما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟ فقلنا : فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، ثم صلينا وصلوا . آه ( 171 ) .
قلت : وبعد الصلاة خفوا إلى الاستيلاء على أسلحتهم وشد وثاقهم وسوقهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم ، وكانت كما نص عليه أهل الأخبار ( واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد ) من أشهر نساء العرب بالجمال ، ولا سيما جمال العينين والساقين قال : يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها . ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه ، فكان مما قاله خالد : اني قاتلك . قال له مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ؟ ( يعني أبا بكر ) . قال : والله لأقتلك . وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين ، فكلما خالدا في أمره ، فكره كلامهما . فقال مالك : يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا ، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة
( 171 ) الخدعة بمالك بن نويرة : تاريخ الطبري ج 3 / 280
على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة فأبى عليهما ذلك . وقال خالد : لا أقالني الله ان لم أقتله . وتقدم إلى ضرار بن الازور الأسدي بضرب عنقه . فالتفت مالك إلى زوجته ، وقال لخالد : هذه التي قتلتني . فقال له خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام . فقال له مالك : إني على الإسلام . فقال خالد : يا ضرار اضرب عنقه . فضرب عنقه ( 1 ) وقبض خالد على زوجته فبنى بها في تلك الليلة ( 172 ) . وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي :
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك * تطاول هذا الليل من بعد مالك
قضى خالد بغيا عليه لعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك
فأمضى هواه خالد غير عاطف * عنان الهوى عنها ولا متمالك
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك * على غير شئ هالكا في الهوالك
فمن لليتامى والأرامل بعده ؟ * ومن للرجال المعدمين الصعالك ؟
أصيبت تميم غثها وسمينها * بفارسها المرجو سحب الحوالك ( 173 )
( 1 ) وجعل رأسه أثفية لقدر كما في ترجمة وثيمة بن الفرات من وفيات الأعيان.
( 172 ) أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر يعترضان على خالد في قتله مالك وكان السبب في قتل مالك هو جمال زوجته الذي كان مطمعا لخالد . راجع : تاريخ أبى الفداء ج 1 / 158 ، وفيات الأعيان ترجمة وثيمة ج 6 / 14 ، فوات الوفيات ج 2 / ، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 147 ، تاريخ اليعقوبي ، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج 11 / 114 .
( 173 ) تاريخ أبى الفداء ج 1 / 158 ، وفيات الأعيان ج 6 / 15 ، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج 11 / 114.
وكان خالد قد أمر بحبس تلك السراة الأسرى من قوم مالك ، فحبسوا والبرد شديد فنادى مناديه في ليلة مظلمة أن أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة كناية عن القتل فقتلوهم بأجمعهم .
وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده ، أن يقتلوهم عند سماعهم هذا النداء ، وتلك حيلة منه توصل بها إلى أن لا يكون مسئوولا عن هذه الجناية ، لكنها لم تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر وانما خفيت على رعاع الناس وسوادهم بقوة الساسة والسياسة .
هذه هي الحقيقة الواقعة بين خالد ومالك وقومه يلمسها من ممحصي الحقائق كل من أمعن فيما سجلته كتب السير والأخبار عن يوم البطاح وسائر ما إليه . فلا يصدنك عنها ما تجده هناك من أقوال أخر متناقضة كل التناقض نسجتها الأغراض الشخصية والتزلف إلى ولي الأمر يومئذ والقائد العام لجيوشه تصحيحا لأعمالهم ( 174 ) .
وقد أعطينا الإمعان فيها حقه ، فلم نر منها إلا الدلالة على تضييع الحقيقة إخلاصا في الحب لخالد والدفاع عنه والله على ما يقول وكيل .
[ ثورة أبى قتادة وعمر بن الخطاب ]
قال الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر ( 1 ) " : ان أبا قتادة الأنصاري
( 174 ) وأكثر هذه الروايات ان لم يك كلها قد أختلقها ( سيف بن عمر ) الزنديق المعروف بالكذب والوضع . راجع ترجمته في كتاب : عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 61 - 64 ، خمسون ومائة صحأبي مختلق ج 1 وج 2 .
( 1 ) ص 147 ) .
غضب لفعلة خالد إذ قتل مالكا وتزوج امرأته فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد ، وان متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه ، فلما بلغا المدينة ذهب أبو قتادة ولا يزال الغضب آخذا منه مأخذه فلقي أبا بكر فقص عليه أمر خالد ، وقتله مالكا وزواجه من ليلى ، وأضاف أنه أقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد .
قال : لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته ، ولم يعجبه أبو قتادة ، بل أنكر منه أن يقول في سيف الإسلام ما يقوله ! قال هيكل : أترى الأنصاري - يعني أبا قتادة - هاله غضب الخليفة فأسكته .
ثم قال : كلا فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف لذلك ذهب إلى عمر ابن الخطاب فقص عليه القصة ، وصور له خالدا في صورة الرجل الذي يغلب هواه على واجبه ، ويستهين بأمر الله ارضاء لنفسه .
قال : وأقره عمر على رأيه وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه ، وذهب عمر إلى أبي بكر وقد أثارته فعلة خالد أيما ثورة ، وطلب إليه أن يعزله ، وقال ان سيف خالد رهقا ( 1 ) وحق عليه أن يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله ( 2 ) ، لذلك قال حين ألح عمر عليه غير مرة : هبه يا عمر ، تأول فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد .
ولم يكتف عمر بهذا الجواب ، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما ضاق أبو بكر ذرعا بالحاح عمر ، قال : لا يا عمر ما كنت لاشيم ( 3 ) سيفا سله الله على الكافرين .
قال هيكل : لكن عمر كان يرى صنيع خالدا نكرا فلم تطب نفسه ولم
( 1 ) الرهق السفه والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.
( 2 ) وهذا من اجتهاده مقابل النص فان الله تعالى يقول : " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ " ( الآية ).
( 3 ) أشيم : أغمد والشيم يستعمل في كل من السل والاغماد .
يسترح ضميره . " كيف اذن يسكت يذر في طمأنينته يشعر كأنه لم يأثم ولم يجن ذنبا " قال : لابد أن يعيد القول على أبي بكر ، وأن يذكر له في صراحة ان عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ونزا على امرأته فليس من الإنصاف في شئ أن لا يؤاخذ بصنيعه .
قال : ولم يسع أبا بكر إزاء ثورة عمر إلا أن يستقدم خالدا ليسأله ما صنع .
قال : وأقبل خالد من الميدان إلى المدينة ، ودخل المسجد في عدة الحرب مرتديا قباءا له ، صدأ الحديد ، وقد غرز في عمامته أسهما ، وقام إليه عمر إذ رآه يخطو في المسجد ، فنزع الأسهم من رأسه وحطمها وهو يقول : قتلت امرؤا مسلما ثم نزوت على امرأته ، والله لارجمنك بالأحجار ( 175 ) .
قال : وأمسك خالد فلم يعتذر ودخل على أبي بكر فقص عليه قصة مالك وتردده ، وجعل يلتمس المعاذير فعذره أبو بكر وتجاوز عما كان منه في الحرب ، لكنه عنفه على الزواج من امرأة لم يجف دم زوجها ، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وترى الاتصال بهن عارا أي عار .
قلت : والإسلام يحرم نكاح المتوفي عنها زوجها حتى تعتد فان نكحت
( 175 ) أبو قتادة وعمر يغضبان من فعل خالد بمالك : راجع : تاريخ اليعقوبي ج 2 / 110 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 / 158 ، الطبري ج 3 / 280 ، الإصابة ج 3 / 336 .
أبو قتادة وعبد الله بن عمر يشهدان لمالك بالإسلام : راجع : تاريخ الطبري ج 3 / 280 ، كنز العمال ج 3 / 132 ط 1 ، وفيات الأعيان لابن خلكان ج 5 / 66 ، فوات الوفيات ج 2 / 627 ، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج 11 / 114 ( * ) .
وبنى بها الناكح وهي في العدة حرمت عليه مؤبدا ، ولو فرضنا ان خالدا اعتبرها سبية ، فالسبية لا يحل وطؤها إلا بعد الاستبراء الشرعي ، ولا استبراء هنا وانما قتل زوجها ووطئها في تلك الحال .
قال هيكل : على ان عمر لم يتزحزح عن رأيه فيما صنع خالد ، فلما توفي أبو بكر وبويع عمر خليفة له ، كان أول ما صنع أن أرسل إلى الشام ينعي أبا بكر ، وبعث مع البريد الذي حمل النعي رسالة يعزل بها خالدا عن امارة الجيش .
قال الأستاذ هيكل : إجماع المؤرخين منعقد على أن عمر بقي متأثرا برأيه في موقف خالد من مقتل مالك بن نويرة وزواجه امرأته وان هذا الرأي له أثره من بعد في عزل خالد .
[ عجب وأي عجب ]
ان من أعجب الأمور وأغربها ، أن تذهب في عهد أبي بكر ، تلك الدماء . وهاتيك الأعراض والأموال هدرا ، وأن تستباح تلك الحرمات ، وتعطل حدودها الشرعية ، حتى يعزل خالد عن تلك الأمرة ، ولم ينقص شئ من صلاحياتها الواسعة ، واستمر ماضيا فيها غلوائه حتى توفي الخليفة ، فعزله الخليفة الثاني بمجرد تبوئه الخلافة . وان رأي أبي بكر في الجناة يوم البطاح ، لمن أوائل الآراء المخالفة لنصوص الكتاب والسنة ، قدم رأيه في المصلحة على التعبد بها ( 176 ) .
( 176 ) ولأجل المزيد من الاطلاع على ذلك راجع : الغدير للأميني ج 7 / 158 - 16
منقول
وكذلك الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة مع ام جميل رضي الله عن الصحابة اجمعين ورضوا عنه.
(f)