هل في الديموقراطية الشفاء من الإسلام الجهادي ؟

في حين يسوِق الإعلام العربي بكثافة مستميتة فكرة أن الإصلاح الديموقراطي هو الخيار الأوحد للخروج بالبلاد والعباد من أزمة صراع الأنظمة الحاكمة مع الإسلام السياسي ، و هو ما يأتي متناغما مع طنطنات الإدارة الأمريكية , يسايرها الاتحاد الأوروبي - - تسير الجهات الأمنية لقوة في عكس الطريق ، مما يصيب العقل العربي المستسلم بالتفسخ .

بحث مستفيض نشرته حديثا مجلة "السياسة الخارجية" عن التغيير الديموقراطي في الشرق الوسط ، بعنوان " الديموقراطية في الشرق الأوسط : فكر ثانية " ، على موقعها الإليكتروني ،

في ختام محاور البحث المتعددة ، جاء المحور الأخير في صورة سؤال "هل في الديموقراطية الشفاء من الإرهاب الإسلامي؟" ، والإجابة البديهية (((نعم ))) لم تكن ما توصل إليه الكاتبان - - وهما باحثان كبيران في أكثر المعاهد ذات الصلة .

الكاتبان هما مارينا أوتاوايس وتوماس كاروثر - - باحثان رئيسيان - - في مؤسسة وقف كارنجي للسلام العالمي ،،،

وإجابتهما كانت ((( لا ))) .

يقولان : إن الرأي الذي يقول أن في الديموقراطية الشفاء من الإرهاب الإسلامي ، تنمو جذوره من فرضية بسيطة ، مؤداها أن الأنظمة الراكدة المتسلطة في العالم العربي أوجدت ظروفا إيجابية لنمو الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وتلك الأخيرة وضعت الولايات المتحدة نصب أعينها إذ أنها راعية الديموقراطية المغايرة للإسلام . وعليه فكلما زادت مساحة الأول ( الديموقراطية) قلت مساحة الثاني (الإسلام الراديكالي) .

ولكن التاريخ يصوغ القضية بشكل آخر، فالإسلام الجهادى ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في عشرينيات القرن الماضي عندما كانت مصر تشهد أكثر عصور الديموقراطية ازدهارا . وفى السعودية لم يجند الإسلام السياسي أتباعه من أوساط المضطهدين ، و كذلك فقد وجد الإسلام الراديكالي أتباعا من مسلمي أوروبا الغربية حيث تسود الديموقراطية. لذلك فإن ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تستهدف أمريكا بإرهابها لم يكن نتيجة حتمية للسلطوية العربية .

إنها ظاهرة معقدة ذات جذور متعددة تشمل دعم أمريكا للمجاهدين في أفغانستان في الثمانينات حيث تعاظمت قوتهم ، كما أنها تتعلق بدعم الحكومة السعودية لبرامج تعليم الإسلام الراديكالي حول العالم ، وكذلك فإن الغضب الناتج عن سياسات أمريكا في النزاع العربي- الإسرائيلي وبناء قواعد عسكرية في المنطقة له دور كبير .

بالإضافة فإن الشواهد تؤكد أن الديموقراطية ليست الشفاء من كل داء إرهابي ، فالحملات القمعية – رضينا ام كرهنا – هي الأكثر كفاءة في السيطرة علي انتشار الإرهاب ، كما هو واضح في الجزائر ومصر وتونس إذ بان التسعينيات .

إن القول بأن الحكومات العربية تستطيع بالضرورة القضاء علي التطرف هو من قبيل التمني وإن كان الإصلاح الديموقراطي قد يكون مرغوبا فيه لأغراض أخري .

إنه من الواضح أن الجماعات الإرهابية تعمل بكفاءة لأزمنة ممتدة في ديموقراطيات ناجحة كما هو الحال في أيرلندا الشمالية والباسك في أسبانيا ، إذ اكتسبت منظمة إيتا قوتها في العقدين الأولين من التطور الديموقراطي في أسبانيا أكثر مما كان حالها إذ بان دكتاتورية الجنرال فرانكو ، وفي الديموقراطيات الهشة تتزايد مقدرة الجماعات الإرهابية علي التخريب ، ولفترات أطول ، كما يدل علي ذلك نشاط نمور التاميل في سريلانكا وأبو سياف في الفيلبين والماويين في نيبال." انتهي.


إن الاستنتاج الذي توصل إليه الباحثان قد يفضي بالقارئ الذي أعياه البحث عن الاستشفاء إلي مصيدة الإحباط ، ذلك أن الطاقة الإسلامية الكامنة - - والتي تستمد منها حركة التغيير الإسلامي قدراتها - - تفوق الطاقة الانفصالية الكامنة في أيرلندا وفي سريلانكا وأسبانيا بأضعاف مضاعفة ، بل ومسارها مضاد في الاتجاه .

إن مسيرة التجربة العراقية في الصراع بين الديموقراطية والإسلام لجديرة بالاهتمام ، فلقد رفع تنظيم القاعدة شعار "تحرير الإنسان والأوطان تحت راية القرآن" وهو ما أكده إليت كوهين ، أحد كبار خبراء الإدارة الأمريكية ، قبل غزو العراق بقوله " إن أحدى جبهات هذه الحرب هو سباق حول حاكمية عصرا نية حرة لبلدان العالم الإسلامي ، وحيث أنه يتحتم علي الولايات المتحدة أن تلقي بثقلها مع القوي الموالية للغرب (في تلك البلدان) وأن تناهض القوي المتدينة " . إن ديمومة التجربة العراقية سيؤدي حتما إلي تصديرها عبر الحدود ، وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلي امتداد جبهة الحاكمية بقدر تصبح السيطرة الأمنية عليها ضربا من ضروب المستحيل .