محاكمة المبعدين الفلسطينيين في اسبانيا ** هذه هي البدايه فكيف ستكون النهاية
عندما حضر الى منزلي في نهاية شهر اذار من العام الحالي سائق التاكسي العمومي وهو يحمل الي تبليغا من المحكمة الوطنية الاسبانية , تخبطت الافكار في رأسي وتعددت الاحتمالات ولكن لم يصل تفكيري ان هذا التبليغ سيقودني الى التحقيق في اهم محكمة اسبانية مختصة في قضايا الارهاب وان الدعوى المرفوعة ضدي امام هذه المحكمة هي من الولايات المتحده الامريكية.
لاول وهلة قادني تفكيري ان هذا التبليغ بخصوص المخالفات الدورية اللي اعتدت على تلقيها من قبل مدير الامن في المدينة التي اقيم فيها بحجة تخلفي عن التوقيع على الاقامة الجبرية المفروضة علي , خصوصا انني تلقيت قبل فترة وجيزة بلاغا يبلغني فيه مدير الامن بانني اذا لم اقم بتسديد هذه المخالفات سيضطر الى مصادرة سيارتي الخاصة.
ومن الطبيعي عندما يأتي هذا البلاغ من المحكمة الوطنية ان اربط قضية مصادرة السيارة بهذا البلاغ الاخير ولكني كنت ساذجا في تفكيري بعض الشيء.
توجهت في هذا البلاغ الى مدريد اللتي تبعد عني حوالي 225كم واطلعت صديقي الصحفي الفلسطيني سعيد العلمي عليه, فأبدى استغرابه الشديد من فحوى وهدف هذا التبليغ, وتملكت منا الحيره , ولم يكن هناك الا شخصا واحدا يستطيع تفسير ما يحدث وهو صديقي الرائع المخلص المحامي(الفنصو), فقمت بالاتصال به وبعد ان وجهت اليه التحية معتذرا عن الازعاج اعطيت هاتفي الخلوي الى صديقي سعيد ليكمل المهمة, فقرأ اول سطر من ضمن عشرة اسطر يحتويها تبليغ المحكمه فقاطعه الفنصو على الفور وقال لا تكمل لقد وصلت الرسالة, واكمل حديثه يجب ان تأتوني غدا على مكتبي للضرورة القصوى.
وتوجهنا من مدريد الى لوغرونيو شمال اسبانيا اللتي تبعد حوالي 350 كم الى مكتب الفنصو, استقبلنا الفنصو استقبالا رائعا في مكتبه الفخم, وبدأ الفنصو حديثه بانني هنا كصديق وبأنه سيكمل معي مشوار هذه القضية الى النهاية من دافع الصداقة والتعاطف مع قضيتنا العادله, وبعد ان انتهى الفنصو من المقدمة المؤثرة اللتي يشرح فيها لماذا سيدافع عني امام هذه المحكمة والتي اختصرها في النهاية بجملة هزت كياني عندما قال لا اريد ان اخرج يوم المحكمة واتصل في زوجتك واقول لها بان احمد في السجن مظلوما مثلما هي قضيته الوطنية مظلومة, هذه الجملة اشعرتني ان الفنصوا لا يتعامل معي بالفعل كمحامي وانما كصديق لي ولقضية شعبي العادلة.
وبعد جلسة استمرت اكثر من ثلاث ساعات مع الفنصو وسعيد يساعدني في الترجمه ومن بين عشرات الأسئلة والاستفسارت لم نتمكن من معرفة الدوافع اللتي دعت هذه المحكمة المختصة في القضايا الخطيرة مثل الارهاب والمخدرات والتزييف والقضايا الاقتصادية الخطيرة وباختصار هي محكمة امن الدولة في عرف انظمتنا العربية.
طلب مني الفنصو ان اتصل في رفاقي المبعدين مستفسرا منهم اذا تلقوا نفس التبليغ وبالفعل قمت بالاتصال ولم يكن لدى اخي ورفيقي عزيز عبيات اي ادنى فكرة عن هذا الموضوع , وبعد ذلك نصحني الفنصو بأن اقوم بتبليغ السلطة الوطنية الفلسطينية ليتم حل الموضوع سياسيا ودبلوماسيا قبل مثولي امام قاضي التحقيق , لانه وحسب نظام فصل السلطات لا تستطيع اي جهة التدخل بعد ان امثل امام القاضي ولذلك يجب الاسراع في عمل الاتصالات قبل مثولي امام المحكمه, فقمت بالاتصال على الفور وبعد ان قمنا بتوديع الفنصو بالسفير الفلسطيني في مدريد فوجدته خارج اسبانيا, وصلنا الى البيت وبعد تفكير عميق فيمن سيكون الاتصال الاخر لم يكن امامي سوى الدكتور صائب عريقات لعدة اسباب , منها انه الرجل الوحيد الذي يستمع لمشاكلنا وهمومنا نحن المبعدين براحبة صدر من بين قيادة السلطه الوطنيه الفلسطينيه, وايضا لعلاقة الصداقه المتينة اللتي تربطه في السيد موراتينوس وزير خارجية اسبانيا.
وبالفعل بعد ان اطلعته على الموضوع قام بالاتصال في موراتينوس وهذا الاخير لم يكن متواجدا في اسبانيا , وحسب الدكتور صائب فقد ابدى موراتينوس استغرابه واستهجانه الشديدين من الموضوع ووعد بمتابعته شخصيا واختصر رأيه في ان المبعدين الفلسطينيين هم ضيوف على اسبانيا وما داموا محافظين على القوانين لن يتم تقديمهم لاي محكمة.
تلقيت اتصالا من اخي عزيز عبيات يطلعني فيه انه تلقى اليوم نفس التبليغ وكذلك المبعد ابراهيم عبيات وقام عزيز بالتوجه الى اجهزة الامن في المدينه اللتي يقيم فيها مستفسراعن هدف وحيثيات هذا الموضوع فلم يكن لديهم ما يزودونه به بل ابلغوه بانهم لايملكون ادنى فكرة عن هذا الموضوع.
وهكذا اصبحنا نحن المبعدين الثلاثه في اسبانيا مطالبين بالمثول امام محكمة مكافحة الارهاب الاسبانية , وقبل موعد المحكمة بيومين تلقيت برقية من المحكمة يبلغوني فيها انه تقرر تعليق المحكمة الى اشعار اخر , وكان استنتاجي ان ذلك نتيجة التحركات الديبلوماسية الفلسطينية الاسبانية, واعتقدنا بان هذا الاشعار الاخر لن يأتي اي انه تم اغلاق الموضوع.
بعد ذالك باسبوع تلقينا بلاغا يحدد موعد جديد للمحكمه بتاريخ 16/ايار/2005, وقمت بالاتصال في الفنصو والسفير الفلسطيني في مدريد والدكتور صائب عريقات, وكانت نتيجة الاتصالات تقول بانه لابد لنا من المثول امام المحكمة وعن الاستفسار لماذا هذه المحكمة , وما هو الهدف منها؟ جاء الرد بان الولايات المتحدة الامريكية ( نسأل الله ان يفكك اتحادها), قد تقدمت بطلب استجوابنا والتحقيق معنا في قضية مقتل احد قطعان المستوطنين في بيت لحم بتاريخ 15/يناير/2002 وهذا الهالك يحمل الجنسية الامريكية.
اقترب موعد المحكمة وقبل يوم واحد من موعدها توجهت انا وعزيز عبيات الى مدريد والتقنيا هناك بالمحامي الفنصو في الفندق الذي ينزل فيه, وكان حاضرا معنا ايضا صديقي الصحفي سعيد العلمي , وكانت النصائح تتلى علينا من الفنصو وعلمنا من الفنصو ان في قاعة المحكمة سيكون هناك مدعي عام لمكافحة الارهاب من جهاز الارهاب الامريكي (الاف بي اي), وخرجنا من الفندق بعد ان اصر الفنصو ان يستضيفنا معه وعلى حسابه الشخصي في الفندق الذي ينزل فيه, اعتذرنا بكل خجل من كرم هذا الرجل الرائع , وبحثنا في مدريد عن فندقا يلائم امكانياتنا المادية.
الساعه السابعة صباحا استيقظنا بكل نشاط وكانت معنوياتنا عالية ونفسياتنا هادئة, مستمدين ذلك من ايماننا بالله وحقنا المقدس في الوقوف في وجه الظلم , استقلينا سيارة اجرة وتوجهنا الى الفندق الذي ينزل فيه الفنصو وفي الساعة التاسعة والنصف دخلنا الى المحكمة نحن المبعدين الثلاثة والفنصو والمحامية بيغونيا ممثلة للمبعد ابراهيم عبيات, وبعد التدقيق الامني صعدنا الى الطابق الثالث من المبنى وامام احدى قاعات المحكمة التي كان يجلس في هذه القاعه عدة اشخاص وبعد انتظار دام حوالي نصف الساعه خرج هؤلاء الاشخاص من هذه القاعة وتوجهوا الى قاعه اخرى وكانوا سبعة اشخاص وكل منهم يضع على صدره العلمين الامريكي والاسباني, وكانت المفاجأة عندما علمنا ان هؤلاء الاشخاص جميعهم من اجهزة الاستخبارات الامريكية.
كان ابراهيم عبيات اول من دخل الى قاعة المحكمة للتحقيق ودخل معه كلا من المحامين الفنصو وبيغونيا, وبعد انتظار دام حوالي الساعة خرج ابراهيم وتوجه مع سعيد العلمي لاجراء لقاء صحفي عما دار في جلسة التحقيق وتحلقنا انا وعزيز حول الفنصو وبيغونيا نستفسر منهم عما جرى, كان المحامين غاضبون جدا من وجود هذا العدد الغير معقول في قاعة المحكمة من رجال الاستخبارت الامريكية وايضا استفزتهم نوعية الاسئلة اللتي تم طرحها في جلسة التحقيق , وقبل ان نتم حديثنا تم استدعائي للمثول امام قاضي التحقيق , وقبل ان اهم في الدخول الى قاعة المحكمة همس احدهم في اذني قائلا ان من بين الامريكيين من يتحدث العربية بطلاقة فعرفت على الفور ان السفلة الاسرائيليين لم يكونوا غائبين عن قاعة المحكمة ولكن كانوا متواجدين تحت العلم الامريكي.
دخلت الى قاعة المحكمة احمل في داخلي 56عاما من الاجرام الصهيوني بحق فلسطين وشعب فلسطين, خلف المكتب الرئيسي في القاعة جلس القاضي الاسباني وعلى يمينه جلس المدعي العام الاسباني وعلى يساره فتاة اسبانية امامها جهازالكمبيوتر تسجل عليه كل كلمة يتفوه بها الحاضرين في القاعة, امام القاضي كان ثلاثة كراسي, اشار الي الفنصوا ان اجلس , وجلست عن يميني فتاة عربية من المغرب العربي حاضرة كمترجمة تحمل بين يديها عدة اوراق مرقمة من رقم واحد الى عشرة اي ان مجموع الاوراق كانت عشرة اوراق في كل ورقه عدة اسئلة هي اسئلة التحقيق مترجمة الى اللغه العربيه, وكان قاضي التحقيق يحمل نفس النسخة من الاسئلة ولكن باللغه الاسبانية, وجلس عن يساري الفنصو, اما المدعي العام الامريكي جلس على يمين القاعة قريب مني وبجواره فتاة من السفارة الامريكية في مدريد حاضرة كمترجمة, اما بقية الكومبارس الامريكي عفوا(الاسرائيلي) لافرق, فقد جلسوا خلفي كخفافيش الليل.
بدأالقاضي بتحية الصباح مستفسرا ان كنت اتكلم الاسبانية فأجبته لا اجيدها جيدا وافضل الاجابة عن اسئلة التحقيق باللغه العربية وهذه ايضا كانت من نصائح الفنصو, وقبل ان يبدأ القاضي بتوجيه الاسئلة تقدم الفنصوا من هيئة المحكمة بالتماس يعترض فيه عن هذا الا حتلال الامريكي للقضاء الاسباني ويعترض على وجودهم في قاعة المحكمة , واعترض ايضا على استدعائي للمحكمة لان وجودي على الاراضي الاسبانية هو نتيجة اتفاق دولي تعهد خلاله الاتحاد الاوروبي بعدم محاكمتنا او حتى استجوابنا على اي قضايا تمس نضالنا المشروع ضد الاحتلال الصهيوني لارضنا وهذا البند مذكور بوضوح في هذه الاتفاقية وقام الفنصوا بتزويد هيئة المحكمة بنسخة من هذه الاتفاقية.
بعد ان فرغ الفنصو من مداخلته بدأ القاضي يتلو علي حقوقي ومنها انه يحق لي عدم الاجابة عن اي سؤال يتم توجيهه الي, وانه يحق لي الاعتراض على اي من هذه الاسئلة, وانه يحق لي التزام الصمت, وبامكاني الاستعانه بالمحامي قبل الاجابة عن اي من هذه الاسئلة , واستكمل القاضي كلامه قائلا انت هنا موجود بناء على دعوى قضائية رفعتها الولايات المتحدة ضدك .
بدأ التحقيق عن السيرة الذاتية لي الاسم الكامل وهل هناك اسماء اخرى استعملتها ومكان الولاده والدراسة , فقمت بالاجابة عن هذه الاسئلة ونفيت ان يكون لي اسماء اخرى غير اسمي الموجود في الوثائق الرسمية, والمجموعة الثانية من الاسئلة كات بخصوص اهلي واخوتي واخواتي ومعلومات كامله عنهم فرفضت الاجابة عن هذه الاسئلة, بدأ القاضي بتوجيه اسئلة عن السيرة النضالية والى اي تنظيم انتمي وهل ساعدت احدا في الانتماء الى اي تنظيم فلسطيني فكان جوابي ان انني انتمي الى شعب عظيم هو الشعب الفلسطيني والتنظيمات السياسية نابعة من اصول هذا الشعب وافكاره فقاطعني القاضي محددا سؤاله عن التنظيم الذي انتمي اليه فكان ردي ان هذا ليس من اختصاص المحكمه.
تابعت الفتاه المغربية تلاوة الاسئلة باللغة العربية والتي انزعجت من عدم تمكنها من ترجمة ما اقول حرفيا مما استدعاني ان اجيب على الكثير من الاسئلة باللغة الاسبانية, وكنت انظر الى ترجمة السؤال الذي يوجهه الي القاضي عبر النظر الى ما بين يدي الفتاة المغربية , وكانت الاسئلة عبارة عن مجموعات كل مجمعه يترأسها سؤال رئيسي وبقية الاسئلة فرعية تتبع السؤال الرئيسي, فمثلا سؤال رئيسي عن الأهل والاسئلة الفرعية التي تتبع هذا السؤال عن عدد الاخوة والاخوات واماكن اقامتهم وتفاصيل عنهم وعندما كنت ارفض الاجابة عن السؤال الرئيسي كان القاضي يتجاهل عن الاسئلة الفرعية التابعة له وهكذا.
عنوان اقامتي في اسبانيا وهل انا متزوج وعدد الاولاد وارقام الهواتف الخاصة بي وبريدي الالكتروني كانت المجموعه التالية من اسئلة التحقيق رفضت الاجابة عنها سوى عن مكان اقامتي, قام القاضي بتجاهل سؤالين لم يوجههما الي فبادرت باعطاء هذه الملاحظة للقاضي بانه يوجد سؤال اريد الاجابه عنه لماذا تجاهلته فقال لي : اي سؤال؟ فقلت : ما هو رأيك في اسرائيل؟ فقال : هل تريد الاجابة عن هذا السؤال ؟ فقلت : نعم, وتابعت قائلا: في مثل هذا اليوم قبل نحو 56 عاما تعرض شعب فلسطين لجريمة تاريخية لم يشهدها شعب من قبل , فكل شعوب العالم اقامت دولها بطريقة طبيعية على ارضها مستندة الى تاريخها وحضارتها, الا هذه الدولة المسخ المسماة اسرائيل فولدت نفسها على ارض هي ملك تاريخي للشعب العربي الفلسطيني وهذه الدولة نشأت كابن الزنى , فقاطعني القاضي قائلا وضح هذه الكلمة (كأبن الزنى) , فقلت: لقد ساعدت الدول الاستعمارية الكبرى خصوصا بريطانيا وفرنسا على انتزاع ارض فلسطين من شعبها وامدت حثالة البشر الصهاينة بالسلاح والعتاد والغطاء السياسي من اجل زرع هذه الدولة المسخ في قلب العالم العربي لخدمة مصالحها الاستعمارية , وبعد ذلك تبنت هذه الدولة اللقيطة الولايات المتحدة الامريكية حتى اليوم , من هنا اقول ان اسرائيل هي مافيا دولية على شكل دولة تمارس ارهاب الدولة المنظم, حينها ضغط على يدي الفنصو فاعتقدت بانه انزعج من اجابتي وبانها لا تصب في صالحي ولكن اعتقادي كان خاطئا حيث ان الفنصوا اخبرني بعد انتهاء التحقيق بانني كنت رائعا وانه لولا الخجل لنهض عن كرسيه وقام باحتضاني وتقبيلي.
استمر القاضي بتوجيه الاسئلة التي كنت ارفض الاجابة عن معظمها لانها ليست من اختصاص المحكمة وهذه الاسئلة مثل هل كنت املك سلاحا في فلسطين, هل قمت بتحويل اموال الى اي جهة او منظمة, او هل تلقيت اموالا من اي جهة او منظمة, هل املك اي معلومات عن نية احدى المنظمات مهاجمة الولايات المتحده او رعاياها في العالم, بالطبع رفضت الاجابة عن كل هذه الاسئلة وغيرها الكثير وكانت اجاباتي باني اعترض على هذا السؤال او ان هذا السؤال ليس من اختصاص هيئة المحكمة.
ماذا تعرف عن قضية مقتل (افي بوعز) وماذا يعني لك تاريخ ال الخامس عشر من يناير من عام 2002؟؟ لااعرف عما تتحدث وهذا التاريخ لايعني لي شيئا, تدخل المدعي العام الامريكي طالبا من القاضي توجيه سؤال لي, فقال هذا الارعن: لاتعلم كيف قتل ( المجرمون ) المواطن (المسكين) (افي بوعز) , لقفد اختطفوه من بيت جالا الى بيت ساحور وقتلوه هناك, فقال لي القاضي : هل تريد الاجابة؟ فقلت: انا اعترض ان يوجه لي هذا اي سؤال, حينها تدخل الفنصو وقال ايضا انا التمس من المحكمة عدم توجيه اي سؤال الى موكلي الا من قبل هيئة المحكمة احتراما للقضاء الاسباني ولهيئة المحكمة.
القاضي قام بالموافقه على هذا الالتماس , واستكمل التحقيق الى حين ان توجه الى المدعي العام الاسباني سائلا اياه ان كان يريد ان يوجهه لي اي اسئلة, فقام المدعي العام الاسباني بتوجية سؤالين الاول... هل قمت بعمل اي لقاءات صحفيه في اسبانيا؟ فقلت نعم. والسؤال الاخر هل تملك سلاحا في فلسطين؟ فقلت ان هذا السؤال ليس من اختصاص المحكمة , فقال للقاضي اكتفيت بهذا القدر من الاسئلة .
توجه القاضي الي بسؤال اخير قائلا: هل لو اتيحت لك الفرصة للعودة الى الشرق الاوسط هل ستعود؟ فقلت: وطني اسمه فلسطين وليس الشرق الاوسط, وانا اخرجت قصرا من وطني ولو اتيحت لي العودة الان بعد الانتهاء من اجراءات المحكمة لن امكث ساعة اخرى خارج وطني.
توجه القاضي الى الارعن المدعي العام الامريكي سائلا اياه ان كان يريد توجيه اسئلة الي , فرد الارعن بنعم , واخذ يهم بفتح عدة اوراق بين يديه استعداد لتوجيه الاسئلة, فقلت للقاضي انا ارفض ان اجيب عن اي اسئلة يوجهها الي هذا, فقال القاضي موجها كلامه الى الارعن بان المتهم يرفض الاجابة عن اسئلتك, هنا تدخل احد خفافيش الليل الجالسين في الخلف وقال: نحن نعترض على عدم اجابة المتهم على اسئلتنا , ونعتبر ان هذا التحقيق ناقصا, فقال القاضي : اما زلت لاتريد الإجابة عن هذه الاسئلة ؟ فقلت: انا في دولة اسمها اسبانيا وهذا الدولة على ما اعتقد دولة مستقلة تحترم نفسها , وانا اثق في القضاء الاسباني , وتلبيتي لدعوة المحكمة جاء بناء على هذه القناعات , لذلك لست مضطرا للتعامل مع غير القضاء الاسباني,(ابتسم القاضي).!!!!
قبل الانتهاء من التحقيق تم عرض صور اخوتي المبعدين طالبا مني القاضي التعرف عليهم ومدى علاقتي بهم وماذا اعرف عنهم, فتعرفت عليهم جميعا وكان جوابي مشتركا لهم جميعا تعرفت عليهم اثناء حصار البرابرة لكنيسة المهد , وليس لدي ما اضيفه. هل تريد ان توقع على محضر التحقيق ؟ سألني القاضي , نظرت الى الفنصو, فهز رأسه بالموافقه, فوقعت على محضر التحقيق وخرجت من القاعة وخلفي الفنصو وبيغونيا, ابديا سرورهما من اجاباتي وبيغونيا قالت لي كنت رائعا.
دخل اخي عزيز عبيات وما جرى معه جرى معي بنسبة 98% , خرجنا من المحكمة الساعه الثانية بعد الظهر تقريبا برفقة المحامي الفنصو والمحامية الرائعة بيغونيا, وكانت في انتظارنا محطة إعلامية واحدة هي قناة (العالم ) الايرانية الناطقة باللغة العربية , قامت بإجراء مقابلات سريعة معنا ومع الفنصو, بعد ذلك كان سؤالنا الى المحامي الفنصو ماذ بعد اليوم , هل انتهى كل شيء؟؟ فقال: بالنسبة الى الاسبان الموضوع انتهى, لكن ننتظر رد الولايات المتحدة واسرائيل على نتائج التحقيق !!!!!
ويسألني احدهم ..... ما وجهة نظرك فيما جرى؟؟
اقول: هناك عدة نقاط يجب ان نلتفت اليها :
اولا_ مجرد استدعائنا الى محكمة مكافحة الارهاب في اسبانيا يعتبر خرق خطير للاتفاقية التي بناء عليها تم حل ازمة كنيسة المهد , وتنصل الاوروبيين من وعودهم لنا بعدم محاكمتنا او مضايقتنا اثناء اقامتنا القصرية في اوروبا.
ثانيا_ وجود هذا العدد الكبير نسبيا من رجال الاستخبارات الامريكية (واجزم ان من بينهم كان اسرائيليون متنكرون بالغطاء الامريكي), هو جريمة بحق القضاء الاسباني اولا , واهانة الى قاضي التحقيق الاسباني لانني شبه متأكد ان اسئلة التحقيق تم اعدادها على ايدي رجال الشاباك والموساد الاسرائيلي , وتأكيدي هنا يأتي ان الصور التي تم عرضها علي من قبل قاضي التحقيق لإخوتي المبعدين لا يملك هذه الصور الا جهة واحدة هي المخابرات الاسرائيلية لانهم التقطوا لنا هذه الصور في معسكر (عتصيون), مقر قيادة جيش الاحتلال لجنوب الضفه الغربيه , في نفس اليوم الذي تم ابعادنا فيه.
ثالثا_ التخوف من ان تكون هذه مقدمة لاتخاذ اجراءات بحق مبعدي كنيسة المهد في اوروبا, وان ترضخ الدول الاوروبية للضغوط الامريكية الصهيونية , كإجراء محاكمات لنا او ايجاد ذرائع لعدم عودتنا الى وطننا.
رابعا_ نعتبر نحن المبعدين الفلسطينيين في اوروبا ان ما جرى هو محاكمة فعلية لنضال شعبنا في سبيل نيل حريته واستقلاله , وتحرير ارضه من قذارة الاحتلال الصهيوني, هذا النضال الذي كفلته له كل الشرائع السماوية والأعراف الدولية,هذا النضال يحاكم عبر المبعدين في صورته الرمزية على أرض اسبانيا ,وبضغط امريكي صهيوني, لذلك نطالب السلطه الفلسطينية بالاحتجاج رسميا عما جرى في قاعة المحكمة الوطنية الاسبانية, وان تتعهد اسبانيا وبقية الدول الاوروبية التي تستضيف المبعدين ,بعدم تكرار مثل هذه الممارسات, التي تمس كرامتنا الوطنية .
ولا يفوتني ان اوجه الشكر والتقدير والاحترام بالاصالة عن نفسي ونيابة عن اخوتي المبعدين وباسم شعبنا الفلسطيني البطل الى كل من المحامي الاسباني الفنصو والمحامية الاسبانية بيغونيا لتطوعهما للدفاع عنا, وادائهما الرائع والاستثنائي في قاعة المحكمة , ورفضهما ان يخضع القضاء الاسباني للابتزاز الامريكي الصهيوني, شكرا لهم باسم كل معذبي شعبنا الصابر الصامد.
وجزيل الشكر للدكتور صائب عريقات لمتابعته الحثيثه لهذا الموضوع .
واود ان انوه ان وزارة الخارجية الاسبانية كانت ترفض رفضا تاما ان يتم استدعئنا للمحكمة والتحقيق معنا , لكن قاضي التحقيق اصر على استدعائنا.
واخيرا ....... عهد الله.. عهد الشهداء والدماء.. عهد القائد الشهيد ابو عمار.. عهد الوطن الجريح السليب.. عهد البيوت المهدمة.. عهد دموع امهاتنا الثكالى.. عهد الاسود الرابضه خلف زنازين القهر النازي .. عهد اشجار الزيتون المقتلعه.. نقول:... لن تستطيعوا اقتلاع فلسطين من قلوبنا.. سنبقى شوكة في حلوقكم .. سنعيدكم ايها الغزاة من حيث اتيتم.. هذا عهد علينا جيلا بعد جيل..
الكاتب : احمد الحمامرة
(احد المبعدين من كنيسة المهد)
|