في اللاهوت الهندوسي
التلميذ راما يوجه رسالة إلى الأستاذ كرشنا ( تنتاب راما شكوك وأوهام ) , والمعلم الهندوسي كرشنا بدوره يرد عليها :
التلميذ راما يسأل :
" لقد جربنا مرارا وتكرارا انه لا يمكن ان ننتظر سعادة حقيقية دائمة من حياتنا هذه , لقد تيقنا ذلك ولا نرتاب فيه , ومع هذا يسوقنا الهوى الى ان نأمل من هذه الحياة كل سعادة ."
" ان اكتناز الثروة لا يجعلنا سعداء بل كثيرا ما يجرن الى الشقاء وليست الحياة الا سحابة صيف تمر سريعا , او كنور سراج فقد زيته , ومع هذا فرغبتنا دائمة لا تشبع ابدا , ولا تقنع بما في اليد , وكلما زادت من شبعها ازداد جوعها وطموحها , وليس في العالم شر أكبر من الرغبة , انها تجر حتى اعقل الناس الى الفتنة ."
" اتصفت الطفولة بالضعف والعجز , وعدم القدرة على الكلام , والتجرد من العلم , والرغبة فيما لا ينال , والتقلب الفكري , وقلة الحيلة . ويا ترى ماذا يجود علينا به ذلك الزمن الذي نسميه بالشباب وهل الشباب الا كموضة برق تختطف ابصارنا ثم لا تلبث أن تختفي ؟ وتجيء بعدها الشيخوخة بألامها القاسية . "
" فيما ترى ما الفائدة من الحياة التي لا مناص فيها من الشيخوخة والموت ؟ لا مفر لإنسان من الشيخوخة , انها تصرع حتى الأبطال الذين لا يعرفون الهزيمة قط في ساحة الميدان , وتلحق حتى الذين يختفون خوفا منها في الكهوف . وما قيمة الجسد , والأفراح , والثروة , والجاه , والملك , ان كان محتما علينا ان نموت عاجلا ام آجلا وان يقضي الموت على كل شيء ؟ "
الأستاذ كريشنا يرد :
" ان علة سائر الآلام والمصائب هي الرغبة في المأرب الدنيوية , إن هذه الرغبة تلدغ صاحبها كالحية السامة الفتاكة , وتقطع كالسيف البتار , وتنفذ كالرمح الحاد , وتحرق كالنار , وتطحن كالرحى الثقيلة , ونحن نفتتن بالحياة لأننا نجهل فطرتنا الحقيقية وماهية الدنيا , فأذن الجهل هو علة العلل لسائر الآلام ."
" إن منبع جميع الشرور هي قلة العلم , وأحسن دواء هو الوصول إلى الحكمة , فالحكمة هي الجسر الوحيد الذي يجتاز عليه المرء بسلام بحر هذا العالم . وتنُال الحكمة بالسعي والجهد , لأن العلم لا ينزل علينا بنفسه , فالسعي والجد هم الأساس ."
" وليس هناك شيء يسمى الحظ او القضاء والقدر فنحن الذين نخلق حظنا بمجهودنا وليس من سبيل لتجنب الشقاء او التخلص منه الا بسعينا وجهودنا , فالذين يتكلون على القضاء والقدر ولا يسعون بأنفسهم .. هم أعداء أنفسهم , وهم الجهلة والكسالى . فالحظ اسم لشيء لا وجود له إلا في أوهام العجزة البله . "
" وأول ما يطالب به الطالب الباحث عن الحق والراغب في تحرير نفسه من انحلال العبودية يتلخص في كلمات أربع هي : الطمأنينة , والقناعة , ملازمة الحكماء , والتأمل العميق . ومعنى الطمأنينة أن يصفو قلب المرء من كل كدر , ومعنى القناعة ألا يرغب في شيء ولا يعادي شيئا ً , فالحكمة لا تنزل على العقل الذي استعبدته الأهواء والرغبات , ومصاحبة الحكماء تزيل الظلمات عن القلب , والتأمل العميق هو الوسيلة إلى الحق .
لا يتعلق عقل الشخص الذي تجمعت فيه هذه الصفات بشيء من الدنيا . لا يؤذي سلوكه أحدا ً , يكون صديقاً للجميع , ترى ظاهره مشغولا ولكن باطنه في الحقيقة مطمئن كل الاطمئنان , تحرر من جميع قيود الطوائف , والمعتقدات , والطبقات , والتقاليد , والعادات , والكتب , لا يعمل عمل للنفع الذاتي .. صدره منشرح والبشاشة لا تفارق وجهه .
يعامل سائر الناس بالحسنى , ولا يشعر باليأس , ولا بالكبر , ولا بالاضطراب الفكري , ولا بالسرور المفرط , كله عطف وحنان وحب , لا يحتقر السرور , ولا يجري للحصول عليه , يشعر بالابتهاج في جميع أحواله , حتى في شيخوخته وعجزه وموته .
فحياة الشخص المتحرر أنبل حياة وأشرفها .. والناس يفرحون برؤيته وسماع صوته ."
( نقلته لكم من احد كتب اللاهوت الهندوسية )
لكثرة إعجابي وتأثري في هذا الحوار , أحببت أن أنقله لكم , وأتمنى أن يعجبكم , فنحن كلنا بشر وأخوة شئنا ام أبينا هذه الحقيقة ... بالتالي كلنا نعود الى اصل جسماني واحد لذا علينا أن ندرك أننا كلنا أخوة أكان في الظاهر أم في الباطن .. و تعالوا نتعالى عن التمييز فيما بيننا لعلنا نتقدم .. وقتئذ نكون قد وضعنا الله في مكانه الصحيح بدل من أن نفّصله على قياسنا .. ونتغابى في الصراع فيما بيننا حوله في الوقت الذي يريدنا هو أن نتصارع في البر فيما بيننا ...
أشكركم كل الشكر ... أخاكم الإنسان
|