حافظ الشيخ صالح

ليستْ قضيّة فلسطين، ولا قضيّة الصراع العربيّ ضدّ الصهيونيّة والكيان الصهيونيّ، ولا أيّ من القضايا القوميّة العربيّة الإسلاميّة، هي في قلب وضمير الصفويين، ولكنهم إنّما يستثمرون هذه القضايا لغاياتهم ومآربهم الاستراتيجيّة البعيدة، خصوصاً للتغلغل في قلوب وعقول الجمهور العربيّ الغفير، واستلام زمام «قيادته« وتوجيهه، من طريق بريق البلاغة الإيرانيّة الـمُبهِرة، التي تخالط العقول وتدخل فوراً في القلوب، على امتداد الجمهور العربيّ الغفير في جميع أنحاء الوطن العربيّ، من نوع تصريحات الرئيس الإيرانيّ أحمدي نجاد، قبلَ بُرهة، عن عالمٍ خالٍ من الإمبرياليتين الأمريكيّة والصهيونيّة، وعن محو الكيان الصهيونيّ، ذات يوم في الـمُستقبَل، من خريطة العالَم وخريطة ما يُسمّى «الشرق الأوسط«. ولكنّ الواقع المحسوس والمحسوب هو أنه من ساعة الثورة الخمينيّة عام 1979، وحتى هذه السويعة الحاضرة، لم تقدّم الدولة الإيرانيّة الراهنة، دولة الأمر الواقع، أي نوع صحيح من الدّعم لقضيّة فلسطين، أو للمُقاومة الفلسطينيّة، حتى للفصائل الإسلاميّة منها، ما عدا الفتات التافه الـمُتاح والزايد، وما عدا الكثير والوفير من البلاغة اللسانيّة السيّالة، الجيّد منها والرديء، مع بهارج ومهرجانات الدعايات، والاستعراضات السنويّة والموسميّة، التي صارتْ مبذولة معروفة العناوين سلفاً، مع الاستعراضات الدبلوماسيّة في المحافل الدوليّة. مع ذلك فلا تثريبَ ولا لومَ هاهنا على إيران، فهي ذات رسالة عقائديّة راسخة ومديدة، وذات استراتيجيّة رساليّة ثابتة ومُتمادية، وهي هاهنا تُسخر تسخيراً، على أنحاء مُمعنة وعنيدة ومثابرة، كلّ الأدوات البلاغيّة والدعائيّة والاستعراضيّة والدبلوماسيّة الـمُمكنة، لغزو عقول وقلوب الجمهور العربيّ الغفير الذي، من فرط الخنق العام الذي يعيشه على أيدي الأنظمة الحاكمة، من المُحيط الأقصى إلى الخليج الأدنى، صار يتوق لأيّة نسمة هواء عابرة، من العزة وشعور الكرامة والـمُمانعة، حتى وإنْ هبّتْ هذه النسمة من صَوب طهران ومركز قُم، وحتى وهو يعرف هاهنا الحقيقة الصحيحة عن المآرب والأغراض لدى الدولة الإيرانيّة، ذات الصبغة الصفويّة، أيْ المآرب والأغراض سواء الظاهرة على وجه الأرض أو الخفيّة.

كذلك لا تثريبَ ولا ملامةَ على الجمهور العربيّ الغفير إذا هُو طرِب للبلاغة الإيرانيّة، أو تفاعلَ معها بعاطفته البحتة، فهذا الجمهور يعيش وضعاً مُوجعاً وفاجعاً من الهزيمة الروحيّة، في تعبير الأستاذ الشهيد سيّد قُطب، وتحكمهُ عنوة وبالقوّة وبالعُنف أنظمة عشرون، أو واحد وعشرون أو اثنان وعشرون، من الماء المالح الى الماء المالح، كلّها مُترفة فاسدة، منخورة إلى نخاع عظامها بالترف والفساد، تعملُ عملاً مُياوماً، من غير استراتيجيّة وطنيّة أو قوميّة، وهي مرهونة رقابها في قبضات الامبرياليّة الأمريكيّة (والآن الصهيونيّة أيضاً)، وهي بالطّبع من غير رسالة، على العكس هاهنا تماماً من الصفويين في ايران ومن الصهاينة في فلسطين الـمُحتلة، وهي شِرعتها الاجتماعيّة وشريعتها (والاقتصاديّة) الظلم العام للشعوب، ولجميع الطبقات، باستثناء الطبقة الـمُترفة الفاسدة التي إذا قال أحدها «آهٍ« نقلوه على الفور إلى كليفلند ــ أوهايو، أو هيوستن ــ تكساس، لعمليّة استئصال اللوزتين.

يعني أنّ الاستراتيجيّة الإيرانيّة التوسّعيّة، ذات الأمد البعيد، تتحرّك اليوم في الوطن العربيّ، وحتى بين جماهير الأكثريّة، أيْ جماهير المصبّ الرئيس، أيْ أهل السنة والجماعة، وسط الفراغ القوميّ والنضاليّ الذي فرضته علينا الأنظمة الفاسدة والـمُترفة والقامعة، وإلا فإنّ طاقات الشعوب، وأجيالها الجديدة والناشئة، غزيرة هائلة، وهيَ مُستعدّة نفسيّاً ومزاجيّاً وروحيّاً للتضحيات بالنفس والمال، وفي أخبار هذين اليومين مثلاً أنّ النظام السوريّ، بنَصّ إعلانه هُو بنفسه، يحتجز حاليّاً ثمانية آلاف بطل ومغوار عربيّ، من جنسيّات عربيّة مُختلفة، دخلوا الأراضي السورية من أجل الدخول منها الى العراق للالتحاق بالـمُقاومة.

أيْ أنّ الأنظمة العربيّة، ليس سواها، التي أوقعتنا، من قبلُ والآن، في قبضة الصهاينة، توشك بعد وقتٍ أنْ توقعنا في قبضة الصفويين، لسبب انخذالها واستخذائها أمام العدوّ الصهيونيّ، وأخذها الإملاءات والتعليمات والأوامر من السفارات الأمريكيّة، ومن مبعوثي الأمريكان، وتركها الساحات خالية لتغلغل الصفويين، واستيلائهم بالتدرج على قلوب وعقول الجمهور العربيّ.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=148349&Sn=shkh

كسيح يسخر من الاعرج و يعايره :?: