أبو العلاءالمعري
العزيز إبراهيم ..تأريخ حياة هذا الرجل غير واضحة ومتواترة ربما يعود ذلك لأنطواءه المبالغ فيه على نفسه حتى ان عظماء الأدب العربي لم يجزموا على انه فيلسوف ولم يستطيعوا ان يقارنوه بالشعراء وذلك لصعوبة فهم اشعاره وانتقاءه لكلمات غير مفهومة حتى شبه البعض شعره بمقامات الحريري الذي يتلاعب باللغة وينتقي كلمات غير مفهومة ..هناك مقال قرأته له رأي آخر بالمعري بعنوان هل كان المعري يكره الدنيا..
هل كان المعري يكره الدنيا
بقلم الدكتور زكي مبارك
أكتب هذا المقال في لحظات حزينة اكتوى بنارها أبو العلاء,أكتب هذا المقال وانا احزم امتعتي للرحيل عن بغداد,وهو رحمه الله قد بكى يوم فارق بغداد,ولعله لم يعرف موجعات الحزن الا يوم قهره الوجد على أن يقول:
أودعكم يااهل بغداد والحشا***على زفرات ماينين من اللذع
وداع ضنا لم يستقل وانما***تحامل من من بعد العثار على ظلع
فبئس البديل الشام منكم وأهله***على انهم قومي وبينهم ربعي
الا زودوني شربة ولو أنني***قدرت اذا أفنيت دجلة بالكرع
أما بعد فاني أرى أن أبا العلاء لم يكره الدنيا أبداً,ولم يكن يوم اعتزل دنياه إلا حيواناً مفترساًنزع الدهر ماكان يملك من اظافر وانياب.ولو كان أبو العلاء كره دنياه لا اكتفى منها بأيسر العيش,ولكنه عاش عمراً طويلا جداً,وطول العمر يشهد بقوة الأواصر بين المحب والمحبوب.فالقتال بين ابي العلاء وبين دنياه كان قتالاً بين عاشقين يظهران البغض والحقد,ويضمران العطف والحنان
والناس متفقون على ان ابا العلاء كان طلق دنياه فلم يظفر بما في حواشيها من نعيم ومتاع,ولكني بعد التأمل عرفت انه زهد في جميع الاشياء إلا المجد,والمجد هو اشهى الاطايب في دنيا الرجال.فإن لم يكن هذا صحيحاً فكيف نفسر خضوعه لما شاع في زمانه من التقاليد الأدبية,والخضوع للتقاليد الأدبية دليل الحرص على انتهاب مايملك الناس.وأحب ان اشرح هذه النظرية فأقول:
ينقسم شعر ابي العلاء الى قسمين:اولهما ممثل في سقط الزند,وثانيهما ممثل في اللزوميات.أما سقط الزند فمجموعة شعرية تشهد بأن الرجل كان يعجبه ويرضيه ان يكون من اقطاب اللغويين,وهو قد افصح عن ذلك حين خاطب الشريف الرضى والشريف المرتضى في القصيدة التي رئى بها ابا احمد الموسوي فقال:
يامالكي سرح القريض اتتكما**مني حمولة مسنتين عحاف
لاتعرف الورق اللجين وان تسل**تخبر عن القلام والخذراف
وهي شهادة صريحة بأنه كان يجب ان يملك قلوب البغداديين,وكان البغداديون ألفوا حب البادية,وهو مرض فظيع ترك في اللغة العربية أسقاما وعقابيل.وأما اللزوميات فمجموعة شعرية تشهد بأن الرجل خضع لأمراض زمانه أبشع الخضوع,فقد كان الأدباء في صدر القرن الخامس قد ابتلاهم الجهل بيلية سخيفة هي الهيام بالزخرف,والفناء في التزويق والتهويل والفرق بين مجموعة سقط الزند ومجموعة اللزوميات فرق عظيم جداً عند من لايعرف.اما انا-وانا باحث زعم انه يعرف-فأحكم بأن المعري انتقل من بلاء الى بلاء,واراه في سقط الزند مولعاً بالاغراب,اعني تصيد الغريب من الاخيلة والألفاظ والتعابير,وأراه في اللزوميات مريضاً بعلتين:الاغراب والبديعيات
هل كان المعري يجهل انه يجني على اللغة العربية بما صنع؟
هل كان يجهل انه في اغلب احواله يخاطب اهل العراق واهل الشام بما لايفهمون؟
هل كان يجها ان في سقط الزند واللزوميات ورسالة الغفران شطرات وفقرات لايفهمها المتفهم الا بعد التأمل العميق؟
هل كان يجهل ان البيان الحق هو الذي يروعك لأول نظرة كما يروعك الجمال الفصيح؟
ماكان ابو العلاء يجهل ذلك او بعض ذلك,وانما كان رجلاً لبقاً يعرف مواضع الضعف فيمن عاصروه فغزاهم بلا رحمة ولا اشفاق
قد يقول القاريء وما محصول هذا الكلام؟
وأجيب بأن هذه النزعة هي الشاهد على أنه لم يكن في دنياه من الزاهدين,ولو انه كان زاهداً لانصرف عن حيازة مايملك معاصروه من زخرف وبريق,وهو قد انتهب ثروتهم فاعتز بها واستطال.
كان المعري سياسياً في حياته الأدبية,والسياسي لا يكون صحيحاً سليماً الا ان استراح الى اوهام الناس فتملق اهواءهم بلا تهيب ولا استحياء,وكذلك صنع المعري فتكلف الغريب من الأخيلة والالفاظ والتعابير,لأن الغريب كان في ذلك العهد رائج السوق في مصر والشام والعراق ولو كان الرجل زاهداً في المجد الأدبي لظهرت الحكمة على لسانه سهلة لايشوبها تكلف ولا افتعال.ولكن القاريء لن يسكت,ألأم مني فيسأل:وأين انت من الزاهد الذي حرم على نفسه لحم الحيون؟
ان قال ذلك فأني سأقنعه بأيسر جهد,فقد اتفق لي ان اعيش نباتياً في باريس زمناً غير قليل,وماكنت مخلصاً كل الإخلاص في ايثار الحياة النباتية,وانما اردت ان اعرف سر المذهب النباتي لأكتب عنه بحثاً أو بحثين,وحالي في هذا اقرب الى النزاهة من حال ابي العلاء,فقد حرم على نفسه لحم الحيوان ليوهم الغافلين انه تفرد بالرحمة والشفقة والعطف,وما كان في حقيقة امره إلا آكل لحوم,وستعرفون صدق هذا الحكم بعد لحظة او لحظتين
هل يذكر القاريء ماوقع لأبي العلاء المعري يوم مرض؟
مرض ابو العلاء عفى الله عنه وعنا فنصحه الطبيب بالحمية,وحين اطمأن الطبيب الى نجاته من المرض وصف له فروجاً,والفروج فرخ الدجاج,ودارت يد ابي العلاء حول جسم الفروج في ترفق مصطنع,ثم هتف استضعفوك فوصفوك,هلا وصفوا شبل الأسد؟
الله أكبر!!ذلك هو منطق شيخنا ابي العلاء.
فهل كان يظن هذا الشيخ ان الطبيب يستطيع ان يصف له شبل الأسد؟ان نثيرة واحدة من شبل الأسد كانت تكفي لنقل ابي العلاء الى حظيرة الأموات,ولكن الرجل استطاب الضحك على المغفلين من ابناء ذلك الزمان.
(f)
|