هل أصبح المسلمون ملطشة الأمم؟ ............ د. عيدة المطلق قناة
د. عيدة المطلق قناة
في الوقت الذي ينظر فيه الكثيرون في هذا العالم إلى زيارات بابا الفاتيكان ولقاءاته، باعتبارها وسيلة لبناء الجسور بين بني البشر، إلا أن زيارات البابا الجديد (بينديكت السادس عشر) التي قام بها حتى اليوم جاءت لتنسف جسوراً كانت قد شيدت عبر جولات طويلة ومتكررة من الحوار في عهد من سبقوه وخاصة البابا يوحنا بولس الثاني. فالفاتيكان يعتبر أن الصراع بين الشمال والجنوب، والخلاف مع الإسلام من أهم المشاكل التي تسيطر على الحالة السياسية في الوقت الراهن، مما يتطلب منه أن يجعل هاتين الإشكاليتين في مقدمة أولوياته واهتماماته.
البابا الجديد، في أعقاب تقلده مهام البابوية، أعلن بأنه سيواصل نهج سلفه الرامي إلى إثراء الحوار ليس مع منتقدي الكنيسة بل مع أتباع الديانات الأخرى، إلا أن الفاتيكان في عهد البابا الجديد لم يتقدم أية خطوة منتجة في تعزيز الحوار الموعود خاصة مع المسلمين، بل على العكس من ذلك فقد أدار ظهراً للمسلمين والعرب وقضاياهم ومضى يركز على علاقته باليهود.
ففي زيارته الأولى لألمانيا (اغسطس/ آب عام 2005) التي أعقبت انتخابه للبابوية قام بزيارة الكنيس اليهودي في كولونيا، ومن هناك ناشد اليهود والمسيحيين للعمل من أجل العيش في عالم أفضل يسوده السلام والوئام بين معتنقي الديانات المختلفة. وترحم على “أكثر من 6 ملايين يهودي” سقطوا ضحية القهر والعدوان النازي الغاشم أثناء الحرب العالمية الثانية (بحسب قوله). أما في زيارته الثانية (لألمانيا أيضاً) (سبتمبر/ أيلول 2006) فقد كان ما كان من محاضرته حول “الإيمان والعقل” في جامعة ريجينسبورج (بولاية بافاريا الألمانية في 12-9-2006 ). وما تضمنته من أفكار واقتباسات مشوهة للعقيدة الإسلامية ومسيئة لنبيها وللمؤمنين بها.
ومن دون الخوض في تفاصيل التصريحات البابوية التي باتت معروفة للجميع، ومهما كانت المسوغات التي باتت تسوقها الدوائر البابوية، فإن ما صدر عن البابا إنما كشف عن رؤى ومواقف عقدية معادية للإسلام لا لبس فيها، فتاريخ الرجل حافل بالمواقف السلبية من الإسلام.
فالبابا بينديكت (الكاردينال جوزف راتسينغر) يرى في الإسلام “ديناً تبشيرياً يدعو للحرب”، ويرى أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية هي “علاقة تنافسية”، وهو الذي وقف خلف وثيقة “دومينوس جيسس” التي خرجت عام 2000 والتي اعتبرت “أن المسيحية هي الحقيقة وأن غيرها من الأديان هي أقل بحثاً عن الحقيقة”. ناهيك عن علاقاته الحميمة مع “إسرائيل” حتى إن حاخامات اليهود وصفوه ب “صديق الشعب اليهودي”. و”الملتزم بمكافحة معاداة السامية”.
فمهما قيل من تسويغ أو تفسير أو نفي أو تخفيف من وطأة هذه التصريحات إلا أنه من الصعب أن تفهم بعيداً عن سياقاتها الشخصية والموضوعية والمكانية والزمانية والظرفية مما يجعل من هذه التصريحات -ربما- الأخطر في مسلسل الأزمات التي تكابدها الأمة.
ففي السياق الشخصي، فقد صدرت عن صاحب السلطة الأعلى لدى المسيحيين في العالم أجمع، أما في السياق الموضوعي فقد مست هذه التصريحات وبالعمق قواعد العقيدة وطاولت نبي الأمة بالتجريح والإساءة.
وفي ما يتعلق بسياقها المكاني، فقد انطلقت من منبر أكاديمي يفترض فيه النزاهة والموضوعية وتوخي الحقيقة والدقة العلمية، وأما عن زمانها وظروفها فقد جاءت غداة الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، كما جاءت بعيد أيام من تصريحات بوش حول المسلمين الفاشيين، وبذلك تكون تصريحات البابا الجديدة قد تماهت مع الحرب المتمادية على العرب والمسلمين، فضلاً عن أنها تؤصل للمواقف العدائية التي تتخذها عدد من المنابر الفكرية في الغرب وفي مقدمتهم “المحافظون الجدد”.
كل هذه الحيثيات والسياقات ألقت بظلال كثيفة على الحالة الإسلامية فزادتها توتراً وتشنجاً وتعقيداً، ولا شك بأنها ستلقي بهذه الظلال على مستقبل الحوار والتقارب الإسلامي المسيحي، وربما تدشن لمرحلة جديدة في الحرب على الإسلام، ناهيك عن أنها تغذي مشاعر الكراهية وتعمقها بل وتؤدلجها.
وحين تفجرت براكين الغضب الإسلامي، جاءت توضيحات الدوائر البابوية لتضيف إساءة جديدة باتهام المسلمين بإساءة الفهم، أليس ذلك استعلائية؟
يبدو أن المسلمين أصبحوا “ملطشة” الأمم (على حد تعبير العلامة الدكتور يوسف القرضاوي)!
http://www.alkhaleej.ae/articles/show_arti....cfm?val=309306