يملك الماء من الخصائص مالايملكه اي سائل آخر مما يجعله لابديل له في المعادلة بين البروتين والجينات في جميع الكائنات الحية.
الماء هو إتحاد كيمياوي بين الاوكسجين والهيدروجين، ولكن الماء يملك حوالي 40 سمة من السمات المميزة تجعله مختلف عن بقية الإتحادات الكيمياوية. اكثر هذه السمات تشكل حجر الزاوية في إمكانية ظهور الحياة الى درجة ان علماء الفلك في سعيهم للعثور على الحياة في الكون الخارجي يبحثون في الاماكن التي يوجد فيها ماء بإعتباره عامل حاسم.
القدرة على احتواء الحرارة هي احدى اهم خصائص الماء وتعني ان الماء يحتاج الى حرارة اكثر بالمقارنة مع بقية السوائل الاخرى/ مثلا الزيت. بالاضافة الى ظاهرة النقاط الحرجة التي يحتاج فيها لى التشبع بحرارة إضافية ليعبر من حالة فيزيائية الى اخرى.
قدرة الماء على احتواء الحرارة تؤدي الى استقرار الحرارة في البحر وبالتالي إستقرار المناخ على الارض، وهذا يتوضح من مثال كون نقطة الغليان حوالي 160 سيلسيوز فوق نقاط غليان سوائل المقارنة، مثلا الكبريت.
هذا الامر بالذات يوضح اسباب وجود ماء في حالته السائلة على الارض، الذي بدونه لن يكون للحياة اي حظ.
جزيئة الماء تتعلق ببعضها:
الماء يتآلف من ذرتين هيدروجين وذرة اوكسجين، ليشكل اشهر مُركب كيميائي واكثرها إنتشارا. اشهر خاصية للماء تأتي من التعاون بين مجموعة كبيرة من جزيئات الماء. في الميكروليتر من الماء يوجد 30 مليار جزيئة مائية. وحتى الان لم يتمكن العلماء من صياغة نظرية تستطيع شرح جميع خواص الماء. سبب المركز المتميز للماء يكمن في قدرة الجزيئات على على إنشاء " روابط هيدروجينية او مائية" بين بعضها.
في المُركب المائي تتقاسم ذرة الاوكسجين وذرتي الهيدروجين إليكتروني الهيدروجين. هذين الاليكترونيين يقضيان وقت اطول حول ذرة الاوكسجين بالمقارنة بذرتي الهيدروجين ولذلك يوجد سحابتين اليكترونيتين ذات شحنة سالبة حول ذرة الاوكسجين ومنطقتين ذات شحنات موجبة حول كل من ذرات الهيدروجين. بالرغم من ان جزيئة الماء ذات شحنة محايدة، ولكن لازال هناك فائض من الشحنة الموجبة في منطقتين من الجزيئة وفائض من الشحنة السالبة في منطقتين اخرتين. بمعنى اخر فأن جزيئة الماء هي في حالة البولار، اي لديها استعداد لمد روابط خفية ضعيفة، هذه الروابط هي التي تقوم بالترابط مع جزيئات الماء الاخرى عن طريق انجذاب الروابط الى عكسها حسب الشحنة الكهربائية، لتربط كل اربعة روابط عند الجزيئة الواحدة اربعة جزيئات اخرى. هذا النوع من الروابط هو الذي يميز الماء ويعطيه خصوصيته.
بشكل اخر يمكن التصور ان جزيئة الماء يمكن تمثيلها برجل صغير حيث جسمه هو ذرة الاوكسجين. هذا الرجل له يدان، هم السحابة الاليكترونية حول الاوكسجين ورجلين هما ذرتي الهيدروجين. عندما تجتمع جزيئات الماء تحاول كل جزيئة الامساك بأربع جزيئات اخرى. اليد تمسك برجل الجزيئة الجارة في حين الرجل بيد الجار.
خاصية إحتواء الحرارة، هي سمة اخرى للماء. كون الماء يحتاج الى حرارة إضافية في مايسمى النقطة الحرجة، يفسر بضرورة الحاجة الى تحطيم الروابط المائية او الخفية اولا قبل ان تتمكن الحرارة من تحريك جزيئة الماء لتصبح في الحالة البخارية.
عند السوائل الغير بولارية كالزيت، يختلف الامر، إذ لاتوجد روابط مائية/ خفية بين الجزيئات، الامر الذي يجعل الجزيئات تدور حول نفسها بسرعة عند التعرض للحرارة.
خاصية التماسك
ليس الماء وحده له هذه الروابط المائية/ االخفية بفضل ذرة الهيدروجين، إذ هناك سوائل اخرى لها مثلها كالاسيتون والكحول، ولكن روابطها ليست قوية كما لدى الماء، الامر الذي يعطي الماء القدرة على تشكيل سلسلة طويلة وقوية.
إذا نظرنا الى الماء الموجود في كأس، نرى ان جزيئات الماء الواقعة في وسطه لها روابط من جميع الاتجاهات الامر الذي يحقق لها الانسجام وحركة متناسقة مع جيرانها في حين الجزيئات الواقعة عند الاطراف، روابطها غير مشبعة. يمكن القول إذن ان هناك جزيئات في حالة نظام واخرى بلا نظام كالغاز. ومع ذلك فأن جزيئات هذه المناطق تتبادل مواقعها بإستمرار بين النظام واللانظام بسبب ان الروابط تتشكل وتتحطم بإستمرار.
بسبب هذه الظاهرة (التنقل بين الحالتين) تزداد قدرة الماء على التماسك بين اجزائه بالمقارنة مع السوائل الغير بولار. خاصية التنقل بين الحالة الصلبة والحالة الغازية ايضا هي التي توضح اسباب كون الجليد اخف من الماء، على العكس من بقية السوائل.
لماذا الجليد اخف من الماء؟
عندما نبرد الماء، تبدأ كثافته تزداد في البداية بشكل طبيعي، بسبب ان الجزيئات التي في حالة الفوضى تصبح اقرب الى بعضها اكثر فأكثر. عندما تصبح درجة الحرارة اقل من 4 مئوية يصبح الماء فجاءة اخف. هذا بفضل ان الجزيئات تبدأ بالتحول الى بنية البللورات الجليدية ويزداد عددها تشكل شبكة من الروابط الهيدروجينية. كلما أزداد اعداد الذرات الداخلة في الشبكة كلما ابتعدت الذرات عن بعضها وبالتالي ازدادت الفراغات بينها الامر الذي يجعلها اخف من الماء وتأخذ حجما اكبر.
النقاط الحرجة للماء
تماما مثل بقية السوائل يوجد للماء حالات فيزيائية ثلاث: الحالة الجامدة، الحالة السائلة والحالة الغازية.
الرسم البياني يوضح العلاقة بين الحرارة والضغط في تنقل الماء بين الحالات الثلاث. غير ان الرسم البياني يشير الى وجود نقاط يصبح فيه الماء بالحالات الثلاث في آن واحد.
النقطة التي تلتقي فيها الحالات الثلاث تسمى النقطة الثلاثية، حيث تتغير الحالة فجاءة منتقلة بين الحالات الثلاث إعتمادا على تذبذبات الحرارة والضغط الضئيلة.
الماء يملك على الاقل نقطة حرجة اخرى حيث تزال الحدود بين حالتين فيزيائتين. هذه النقطة الحرجة هي التي بين الحالة السائلة والغازية، والتي تقع عند 374 درجة و221 ضغط جوي. هنا تنفصم الروابط المائية بدرجة يصعب التفريق بين حالتي الماء، وجزيئات الماء تتنقل بسرعة بين كلا الحالتين.
الفيزيائيين يعتقدون بوجود نقطة حرجة ثالثة بين الحالة السائلة والحالة الصلبة ولكن لحد الان لم يتمكن احد من تحديد القيم الضرورية للوصول الى هذه الحالة، في التجارب المختبرية.
الجليد له 19 بنية داخلية مختلفة
البللورات العادية تكون كثيفة للغاية، ولذلك فعند الضغط العالي يضطروا الى تبديل بنيتهم الداخلية ليكون الاختيار محصورا بين واحد او اثنين من البنيات البديلة. الفحم احدى الامثلة على ذلك، حيث يتحول من بنية هشة الى الالماس عند درجة 200000 ضغط جوي. الجليد مادة صلية غير عادية إذ يعرف له 19 بنية داخلية، قسم منها يمكن الاستحصال عليه في ظروف المختبر فقط.
الجليد العادي هو السائد على الارض ويرمز له |h (الرقم واحد الروماني اضافة الى جانب حرف ايتش). في هذه البنية تكون للبلورة الجليدة شكل سداسي ، حيث الهيدروجين يشكل جدران هذه البنية في حين الاوكسجين زواياها. لهذا السبب يكون وزن السنتمتر مكعب يساوي 0,917 غرام، في حين ان السنتمتر مكعب من الماء يزن غرام واحد.
بين درجة الحرارة ناقص 73 الى ناقص 147 بنية على شكل المكعبات تسمى |C, تماما كالثلج الموجود في طبقات الجو العليا. بسبب وجود مسافات فارغة كبيرة بين ذرات الجليد في البنية الاولى، يتمكن الجليد المضغوط الى تشكيل 14 بنية مستقرة وبنيتين غير مستقرتين من بللورات الجليد. إضافة الى ذلك هناك ثلاث نماذج من الجليد المسمى amorf is, الذي تكون فيه جزيئة الماء غير منتظمة تماما كما في الحالة السائلة. 99% من الثلج المنتشر في الكون والمعروف لنا ينتمي الى هذا النوع من الجليد.
اكثر انواع الجليد كثافة هو النوع المسمى is X, حيث السنتمتر المكعب يصل وزنه الى 2,51 غرام. هذا النوع من الجليج جرى تحضيره في المختبر من خلال تعريض الجليد المسمى is V|| الى 600000 ضغط جوي. عندها يختفي الرابط المائي تماما وذرات الهيدروجين يتموضعون بين ذرات الهيدروجين بروابط مختلفة القوة.
لماذا تطوف الابرة الحديد على سطح الماء؟
روابط جزيئات الماء تفضل الترابط مع اذرع ذرات الهيدروجين عند الجارات المحيطة حولها، ولكن ذلك غير ممكن عند السطح، حيث احدى الجهات مفتوحة تجاه الهواء. لهذا السبب تتضطر جزيئات الماء الى مد اذرعها الى الداخل مما يؤدي الى تقلص السطح المكشوف الذي بدوره يؤدي الى نشوء توتر عالي للسطح. توتر السطح هو الذي يجعل من الممكن بقاء الابرة الحديدة طافية على سطح الماء بالرغم من انها اكثر كثافة من الماء.
عزل الاملاح عن الماء
احدى الخصائص المميزة الاخرى هي قدرة الماء على ان يكون محلول لجميع المواد ذات الطابع الايوني والبولاري، وهي الخاصية التي تجعل الماء سببا للحياة. في الماء تنحل الاملاح ذات الايونات المشحونة. إذا كان الشحن موجب ينشأ حول الاملاح قشرة تتألف من 6-12 جزيئ مائي ، حيث جميع الجزيئات توجه أذرعتها ذات الشحنة السالبة الى الاملاح. إذا كانت الاملاح بولار (ذات شحنة سالبة) توجه الجزيئات المائية اطرافها الموجبة الى الاملاح. بمعنى آخر فأن جزيئات الماء تشكل غطاء حاجز للاملاح عن بقية الكتلة المائية. لذلك فأن السوائل التي تحوي ماء، كالدم مثلا، تعتبر مثالية لنقل الاملاح والسكريات والهرمونات.
خاصية التماسك توضح صعود الماء الى اعلى الشجرة
عندما يكون بإمكانية الشجرة النمو الى ارتفاعات تصل الى مئة متر يفترض ذلك ان يكون بإمكان الماء الوصول الى نفس هذا الارتفاع للوصول الى الاوراق والاغصان العليا. من اجل ذلك يستغل الماء خاصية الرابطة المائية للصعود الى الارتفاعات العليا فيما يسمى بظاهرة الخاصية الشعرية. الضغط الخفيف من الاعلى بسبب عملية التبخر من الاوراق يؤدي الى امتصاص الماء الموجود في الاسفل الى الاعلى خلال الانابيب الشعرية لمنظومة التغذية عند الشجرة.
اساس نجاح هذه الظاهرة قائم على قدرة الماء على خلق الرابطة المائية التي تمسك الجزيئات ببعضها من الجذر وحتى القمة. لقد اظهرت الحسابات ان الماء قادر على الضعود الى مسافة ثلاث كيلومترات ، مايزيد عن ذلك لايمكنه الصمود بسبب الجاذبية الارضية.
الماء يتحكم بأحجار الحياة
في الوقت الذي نرى فيه ان المواد ذات الشحنات الكهربائية والبولارية قابلة للانحلال في الماء فأن المواد الغير بولارية كالزيت لايمكنها الانحلال في الماء. هذه الخاصية بالذات هي مفتاحية لنشوء الحياة، إذ تساعد احجار بناء الحياة (البروتين والجينات) على إتخاذ اشكالا ثلاثية الابعاد والتي تقرر الوظائف البيوحيوية. عند تفاعل الجينات مع البروتين من الضروري ان يكون مناسبين لبعضهم الى حد التتطابق. إذا كان هناك خلل يمنع الانسجام المتتطابق لايحدث التفاعل، الامر الذي يؤدي في اسوء الاحوال الى المرض او التشوه او الموت.
البروتينات الجديدة تخرج من رحم الخلية بالارتباط مع السلسلة البيبتيدية المؤلفة من الاحماض الامينية، ولكن في السائل الخلوي يصبح البروتين جاهزاً بشكله الثلاثي الابعاد. قسم من الاحماض الامينية تكره الماء ولذلك تنسحب الى مركز البروتين بشكل طبيعي في حين القسم الاخر يجب الماء ولذلك يتموضع على سطح البروتين في إتصال مباشر مع الماء. بمعنى ان البيئة المائية وضعت بصماتها على طريقة تشكل البروتين
تمثيل العملية من خلال الكمبيوتر اظهرت السلسلة المزدوجة للحامض الاميني تفرط إذا حاول المرء بناء السلسلة الامينية بدون وجود الماء. هذا بفضل ان الجزيئات المائية تخلق روابط مائية (هيدروجينية) بين مجموعة الفسفور في سلسلة الاحماض الامينية وإلا فأنهم سيطردون بعضها البعض.
الماء يلعب دورا رئيسيا في وظيفة البروتين. احد الامثلة على ذلك البروتين المسمى bakeriorhodopsin. هذا البروتين يتموضع في اغشية خلايا التمثيل الضوئي عند البكتريا ويقوم بالتحكم بالخطوة الاولى في عملية التمثيل الضوئي عند البكتريا. عندما يقوم هذا البروتين بتلقي الضوء تقوم شبكة مائية في داخله بنقل بروتون من اعماق الخلية الى سطحها الخارجي. بروتين اخر يستقبل هذا البروتون ويقوم بإنتاج طاقة بيلوجية. يلاحظ العلماء ان هذه العملية ممكنة فقط لان الماء له روابد هيدروجينية من السهل قصمها وإعادة ربطها بسهولة.
الدماغ ممتلئ بالماء
قدرة الانسان على التفكير مرتبطة بالتفاعلات البيوكيميائية في وسط مائي بالدماغ، إذ ان الماء يشكل 80% من الدماغ. عندما تقوم انسجة الدماغ بإستخراج الكلوكوز من الدم وتحويله الى اوكسجين وطاقة، للاستهلاك من قبل الخلايا العصبية، تنتج الماء كمنتوج ثانوي. لهذا السبب فأن كمية الماء المنتجة في الدماغ تشكل مقياس لتقدير كفائة عمل الدماغ. دماغ الانسان ينتج 50 ميليلتر ماء في اليوم ويحتوي على ليتر ماء تقريباً، الامر الذي يعني ان الكمية الكلية للماء يجري تبديلها كل ثلاث اسابيع تقريباً. في بقية الجسم يشكل الماء مابين 50-60% من الوزن. نصف هذه الكمية موجودة في داخل الخلايا. الدور الحيوي للماء
العلماء اليوم يعلمون ان الماء يلعب دورا رئيسياً في النشاط والتفاعل بين الاحماض الامينية والبروتين. احدى الامثلة على ذلك عندما يقوم البروتين بإنهاء تشكيل السلسلة البيبتيدية. ولكن كيف يعلم البروتين المكان الصحيح لقطع العملية؟
العملية السحرية تحدث بفضل ان جزيئة الماء تقوم بالارتباط برابط " مائي/هيدروجيني" مع السلسلة البيبتدية. وحتى لو كانت هذه الروابط، كل رابط على حدة، تنفصم ويعاد تعويضها برابط من جزيئة اخرى فأن الماء بشكل عام يبقى يحوم حول DNA ببطء بالمقارنة مع حركته بعيدا عنها. التمثيل الكمبيوتري الذي قامت به Monika Fuxreiter من جامعة مركز علوم ابحاث البيوفيزياء ا&