غربة
عضو مشارك
المشاركات: 30
الانضمام: Feb 2004
|
كيف تكون الكوفية بلا معنى؟
كيف تكون الكوفية بلا معنى؟
مراد الحج
«أريد أن أراك يا سيدتي...
لكنني أخاف أن أجرح إحساس الوطن...
أريد أن أهتف إليك يا سيدتي
لكنني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن
أريد أن أمارس الحب على طريقتي
لكنني أخجل من حماقتي
أمام أحزان الوطن».
نزار قباني ـ من «لا بد أن أستأذن الوطن»
إنها الحادية عشرة صباحاً.. تنظر مجدداً في ساعتك، كأنك لا تستطيع أن تصدق أنها الحادية عشرة فقط. لقد كان يومك طويلاً، حقاً طويل. تحتاج للذاكرة كي تعود بك إلى بدايته، عند الثالثة فجراً، وقد استيقظت لتستقل، مع صديق لك، أول قطار ينطلق باتجاه «بروفنسا»، في وسط برشلونة. تتذكر كيف وصلت إلى مركز الشرطة عند الخامسة، وكيف بدا صف المنتظرين قبلك يمتد إلى ما لا نهاية. عشرات الوجوه المتعبة وعشرات العيون التي تبحث عن ملجأ، والكل جاء للهدف نفسه: تقديم طلب الإقامة.
الصف أمامك عالمي بامتياز، يضم العديد من الجنسيات، من الأرجنتين إلى رومانيا، ومن اليابان إلى المغرب. جلس بعضهم إلى الرصيف وسار البعض الآخر ذهاباً وإياباً في الشارع العريض. مشاعر غريبة يثيرها هذا الحشد فيك، يشعرك بأنك لاجئ، يشعرك بأنك منفي من بلادك.
تنظر إلى الرصيف، يبدو لك بارداً ورطباً، تبحث بين أوراقك عما يمكن الاستغناء عنه لتفترش الطريق مجلساً، فأمامك على الأقل أربع ساعات من الانتظار. تجد نسخة زائدة من شهادتك، لا يسعــك ســوى الابتـــسام لسخرية القدر، فشهادتك انتـهت على رصيف في برشلونة، تضعها على الأرض وتجلس عليها.
الآن، انتهى كل ذلك، وحان وقت العودة. يأتيك صوت قطار العودة، تدخل إحدى مقصوراته فتراها. يتوقف كل شيء من حولك، يهدأ الضجيج وتصمت الأصوات. يزول عنك النعاس وتعب النهار. في عينيها مزيج غريب من هدوء البحر وغضب الصحراء، لكن فيهما أيضاً شيء أكثر من ذلك، يشدك إليها. إنها الكوفية التي تحيط بعنقها. هي المرة الأولى التي ترى فيها كوفية هنا. تحدق فيها وفي الكوفية وتمر صور كثيرة أمام عينيك: العدوان الإسرائيلي في تموز، الانتفاضة، كوفية ياسر عرفات متدلية على كتفه على شكل علم فلسطين... تلحظ نظراتك إليها، تبتسم لك ابتسامة خفية. تشجعك ابتسامتها فتدنو منها، تسألها بلغة إسبانية مكسرة عن الكوفية، تضحك وتجيب بأنها رأتها في أحد المحلات، وأعجبتها، فاشترتها. تشعر بخيبة أمل، لأن كوفيتها خالية من رموز الثورة ومعاني النضال.
تخبرها أنك لبناني عربي وأن الكوفية تعني لك الكثير. لا يبدو أنها تفهم. تشعر بالحيرة، فإسبانيتك لا تسمح لك بأن تقول أكثر من ذلك. عندها، يبتسم لك رجل إسباني عجوز يجلس بالقرب منكما، ويخوض في حديث معها بالاسبانية. تستمع: لبنان، العرب، إسرائيل، الشرق الأوسط. تدرك أنه يحاول أن يشرح لها ماذا تعني لك الكوفية. تنظر إليه بيأس، فهو لن ينجح مهما حاول. كيف يفسر شعوراً لم يراوده يوماً؟ لن ينجح لأنه لا يعرف ماذا يعني لك لبنان، ماذا تعني لك فلسطين، لا يعرف كيف ذبحتك قانا مرتين، كيف أشعرتك بالعجز والعقم مرتين. يتوقف القطار، تودعها وتودعك. تراقبها وهي تخرج منه وقد فقدت الكثير من جمالها. يلتفت إليك صديقك الأرجنتيني، يبتسم ويقول: «إنسَ وطنك، وعش هنا». تصمت وتشيح بنظرك إلى الخارج عبر النافذة مؤثراً عدم الإجابة، فهو لن يفهم، لن يفهم أن وطنك يعيش فيك.
(برشلونة)
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?...;ChannelId=2669
|
|
04-18-2007, 05:53 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}