ليس لدى أي شك ، في أن ما يجري في غزة ، هو حرب اهلية بكل معنى الكلمة . فاهل غزة قد اختاروا النقيض الكامل للسلطة التي كانت على رأس الصراع ضد العدو ، لأربعين سنة خلت . منذ ان استلم ياسر عرفات الراية ، ومضى بها في حرب عصابات ضروس ، ضد اسرائيل ، و بدعم عربي كامل . استطاعت فتح ان تتسيد على كافة الفصائل الفلسطينية التي ظهرت بعدها . الى ان شاخت فتح ، و فسد الجهاز اجتماعيا و ثبت فشله في التحرير الكامل . لكن لم يكن بالامكان اكثر مما كان . فلو كان بقدرة الختيار أن يحرر من أرض فلسطين اكثر مما حصل عليه في اتفاقية اوسلو لما قصر .

مذ ظهرت منظمة حماس على الساحة الفلسطينية ، اخذ اتباعها يشيعون ان عرفات هو ليس فلسطينيا . انه يهودي لام يهودية . و هو عميل لليهود باسم عربي . وهو عميل لامريكا ، كي يقضي على الثورة الفلسطينية ،... الى ما هنالك من كلام أساطيح لا يصدقه الا أطفال السياسة . و الناس العاديين ، هم اطفال سياسة . فصدقهم الكثيرون مما تغشهم اللحى و الصلاة و التسبيح اليومي و الدائم باسم الله و معاداة امريكا .

قبل موت الختيار ، كان المجتمع الفلسطيني قادر على ضبط منظمة حماس ، كما ضبط غيرها ، بيد من حديد . الى ان أتت فترة ، اصبح يدين بها عملياتها الانتحارية العشوائية و المجانية ، التي ما كان لها من نتائج سوى التضحية بنساء او رجال او شبابا صغار ، على مذبح الوصول الى السلطة . فادان عرفات العمليات تلك ، لكنها كانت كالسوس الذي ينخر في الجسد الفلسطين ، او كالمرض الذي يستفحل في الجسم . و هكذا ، نتيجة للضغوط الامريكية و الفلسطينية و العربية ، في الآن نفسه مالت جهود الختيار نحو الفشل . و أخذت امريكا و اسرائيل و العرب أيضا ، و معهم اوروبا ، يعتبرون عرفات غير قادر على اتخاذ موقف تجاه السلام . و شاعت الفكرة الاسرائيلية ان لا شريك سلام فلسطيني مقابل الاسرائيليين. و عندما ادى العجز بعرفات الى هذه الدرجة ، قامت اسرائيل بحصاره في منزله ، لمدة الف ليلة و ليلة ، لم تسمح فيها الا بوصول الماء و الكهرباء و الطعام . وما ان أفلس عرفات تماما ، الا و سمعنا انه مريض جدا . ثم سمعنا انه مات مسموما .

مع موت الختيار انتشت المنظمات الاصولية الانتحارية ن مثل الجهاد و حماس و كتائب الاقصى ، و غيرهم . و اصبحت أداة سهلة بيد الدول الاقليمية ، التي تسعى الى استثمارها . فكانت سوريا ، وهي أنشط الدول العربية التي تستثمر تلك المنظمات الارهابية ، و تحركها وفقا لحساباتها الخاصة ، مذ بدا الخلاف بين عرفات و حافظ الاسد . ثم كانت ايران التي سارت الى دعم حكومة حماس بالمال ، في الوقت الذي احجمت فيه كل الدول العربية عن دعمها ، عدا سوريا التي ظلت حتى اللحظة ، تدعم حماس جاعلة منها ورقة سياسية للوصول الى غاياتها في اقلاق راحة اسرائيل ، كي ترغمها على الوصول الى اتفاق بشان الجولان .

بالطبع ، كان الفتحاويون في طليعة خصوم النظام السوري . و لهذا اصبح لخالد مشعل مجلس دائم في دمشق ، ينسق فيه الخطط مع دمشق ، لافشال اي خطوة تقوم بها فتح مع اسرائيل ، للوصول الى اي اتفاق ، او سلام منفرد يبقي سوريا خارج الموضوع . ثم كانت ايران التي يهمها ، اعلاميا ، ان تزعج ايران ، فاخذت ترسل السلاح سرا ، و ترسل المال علنا لمنظمة حماس . ولما وصلت حماس الى موقع من القوة انها استطاعت ان تقدم خدمات كثيرة لمجتمعها الفلسطيني بدات تكسب المؤيدين ، و كان المال افضل وسيلة لشراء المقاتلين ، في مجتمع يعيش تحت خط الفقر .

تضخمت حماس ، و تسلحت جيدا ، و حصلت على امكانات هندسية ، و خبرات في تصنيع الاسلحة الاولية ، داخليا .و أصبحت ندا لفتح ، و استطاعت عبر غسل ادمغة كثيرة في غزة ، ان تصل الى السلطة ، و تشكيل الحكومة الفلسطينية . الامر لم يرضي امريكا ، ولا اسرائيل ، ولا العرب . اقبلت حماس على الفشل لانها لم تحصل على المال ، الضروري لاية حكومة ، الا من سوريا ومن ايران . بدات حملتها الاستفزازية ضد فتح , و ثم افتعلت المشاكل لترغم فتح على التنازل عن مواقع كثيرة ، كان اهمها وزارة الدفاع ، كي تترك لنفسها الفرصة لتصول و تجول في شوارع غزة بالميليشيات المسلحة و عسكرة الشارع الفلسطيني .

ظن كثيرون ان المسألة لا تتعدى صراعا على النفوذ ، لكن ما ثبت ، هو انه صراع بقاء بين فكرين . فكر جرب الكفاح المسلح و ادرك بعد عشرات السنين ان اسرائيل لا تزول بمجرد قتل بضعة افراد كل شهر . بل هي الاقدر على الرد بقتل الكثيرين من الفلسطينية بمنتهى السهولة و بتغاض دولي جاهز . و فكر آخر بدا العمل السياسي حديثا ، لا خبرة له ، يحمل كتابا مقدسا يدعو به الى الجهاد . معتمدا على الدعم الرباني و الايمان بالاله و بالحق ...الخ . هذا الفكر السلفي الديني وجد له ارضا خصبة في الشارع الفلسطيني فاستثمره خير استقمار و حصل على المؤيدين .

و الآن لم يعد هناك من مجال لاي من الفكرين سوى القضاء على الفكر الآخر . بدات الحرب بينهما . ثم توقفت بفضل وساطات من بوس لحى و ابتسامات مشهدية امام الكاميرات ، و وعود بدفع مبالغ مالية ضخمة ، للحكومة الفلسطينية . لكن حماس لم تف بما عليها من التزام ، من اعتراف باسرائيل ، كما و بكل المعاهدات التي تمت بين الشعبين الاسرائيلي و الفلسطيني سابقا . فعادت الضغوط ضد حماس ، فما كان منها الا ان اشعلتها حربا كأداء ، لم توفر رجل الشارع و اطفاله و نسائه . فالارهاب الفلسطيني ، يحصل على دعم كاف لجعل فلسطين غير مستقرة ، تماما كما يفعل الارهاب اللبناني ، بزعامة نصرالله ، و دعم سوري و ايراني . تماما كما يفعل ارهاب الحوثي في اليمن بدعم سوري و ايراني . تماما كما يفعل الارهاب في العراق بدعم من ايران و سوريا . الارهاب واحد يدعمه فكر واحد و هذا الفكر تؤيده دول محددة . ولن يتم استئصال شافة الارهاب و الاستهتار بارواح الناس ، الا اذا ضرب الارهاب ، متمثلا بالدول التي ترعاه ، ضربة لا تقوم لها من بعدها قائمة .

و هنا ، اجد لزاما علي القول ، باني احمل الولايات المتحدة ، و من في صفها ، مسؤولية كبيرة فيم يحدث في غزة و لبنان و العراق من فوضى و عدم استقرار ، ذلك بسبب تقاعسهم و عدم القيام بخطوات اكثر حسما لانهاء تلك المشكلات .

تحياتي .

آورفــاي .

:Asmurf:

Awarfie · 06-19-2007, 09:33 AM

التحدّي الذي تطرحه غزّة على «الاعتدال» العربيّ
حازم صاغيّة الحياة - 19/06/07//

أن تُفرَز فلسطين منطقتين وسلطتين ففي الأمر إشارة إلى سقوط مدوّ للتسوية بين نظرتين الى الأمور:

واحدة، حماسيّة، تسعى الى الالتحام المباشر بـ «العدوّ الصهيونيّ»، والقطع الكامل مع «الغرب»، والقطع البعيد نسبيّاً مع «العرب»، وإنشاء دويلة أيديولوجيّة يسوقها صواب العقيدة، لا شؤون المأكل والمشرب والعمل والتعليم. وهي دويلة حتى مصر قد تجد نفسها مدعوّة الى مقاطعتها فيما إسرائيل تمارس معها تصفية حساب لطالما تلهّفت إليها «حماس».

والثانية، فتحيّة، تسعى الى التسوية مع «العدوّ الصهيونيّ»، وأقصى الانفتاح على «العرب» و «المجتمع الدوليّ» انتباهاً منها الى حجمها وموقعها وقدراتها وحاجاتها. يختصر تلك الحساسيّات اختيار سلام فيّاض رئيساً للحكومة، بوصفه اقتصاديّاً وبوصفه موصولاً بأكثر من خيط بالدول المانحة، ولكنْ أيضاً بصفته مسيحيّاً، ما يشي، ضدّاً على «حماس»، بانتباه الى مسألة الأقليّات الدينيّة وتمثيلها.

لكن كلاً من الدولتين المحتملتين لها أصولها ومصادرها.

فتلك الحماسيّة تطابق تماماً دعوتها الأيديولوجيّة في نزوعها الأصوليّ المتعصّب، وإلحاحها على الصراع المفتوح مع عدوّ لم يستحقّ اعترافها، وفي رفع العزلة عن العالم الخارجيّ مبدأ مقدّساً، وفي إهمال الشؤون الحياتيّة والماديّة للسكّان، فضلاً عن رغبة التأسيس من صفر، على ما يدلّ التعامل مع صورة ياسر عرفات أو مع مكتب محمود عبّاس. فهي كسائر الدعوات الخلاصيّة تتّصل بتاريخ الخلافة الإسلاميّة بالقفز فوق تاريخ الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.

في المقابل، تنهل الفتحيّة من ميل الحركات الوطنيّة القديمة الى نزع الحدّة الإيديولوجيّة، والسعي الى إنشاء دول وطنيّة يتمّ بها الانضمام الى الجامعة العربيّة، والتصالح مع «الغرب»، والاعتناق التدرجيّ لنموذجه بعد إنهاء الاحتلال.

والحال انه في مقابل راديكاليّة الأولى التي تبسط الآن سلطتها على غزّة، تبقى الثانية نتاج تاريخ سياسيّ سادته كلّه النظرة التسوويّة، لا فلسطينيّاً فحسب، بل عربيّاً أيضاً، ولا حركات وطنيّة فقط، بل أنظمة كذلك: فهناك، من جهة، نظريّة الضغط على «الغرب» للوصول الى حلّ معه، وكان جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وصدّام حسين، كلّ بطريقته، ممثّليها، وهناك، من جهة أخرى، نظريّة الصداقة السياسيّة مع الغرب المقرونة بمحافظة ثقافيّة بعيدة، وهي التي مثّلها حكام الخليج والأردن والمغرب. وربّما جاز القول إن الوطنيّة الفلسطينيّة وأداتها التنظيميّة الأبرز، حركة «فتح»، احتوتا دائماً وأبداً هذين البُعدين، تماماً كما ظلّ الموضوع الفلسطينيّ اللحظة الأعرض في النزعتين التسوويّتين العربيّتين، حيث حلّت «قضيّة فلسطين» على أجندتيهما بدرجات كانت تتفاوت في جديّتها وفي لفظيّتها.

أغلب الظنّ ان الصعود الاسلاميّ الراديكاليّ، مجسّداً بـ «حماس»، وربّما غداً بـ «حزب الله» فضلاً عن الاستقطاب الواسع الذي يتعرّض له عديد المجتمعات العربيّة، ينهي هذه المرحلة. ولسوف يتّخذ الإنهاء المذكور أشكالاً كثيرة يتصدّرها الانشطار في ما خصّ الموضوعين الوطنيّ والاجتماعيّ - الثقافيّ.

فلئن راحت قوى الإسلام الراديكاليّ تستولي على المسائل الوطنيّة، لا سيّما الصراع مع إسرائيل، فتقرنها ببرنامج بالغ المحافظة والتزمّت، وتُدرجها في أفق استراتيجيّ مآله دمشق وطهران، لم يعد جائزاً بقاء القوى الأخرى في مكان رجراج ومهزوز وتسوويّ حيال عدد من الخرافات السياسيّة والفكريّة الرائجة. وربّما كان الإيجابيّ الوحيد وراء مأساة غزّة الأخيرة أنه يفتح الباب لمبارحة الخرافات تلك في بعض أوساط الطبقات الوسطى العربيّة وممثّليها السياسيّين، أو أقلّه في المزاج الثقافيّ للنُخب. فقد غدا «الاعتدال»، في طلب الحداثة والتقدّم والسلام، دفاعيّاً جدّاً، وبات تطوير لغة وسلوك راديكاليّين لـ «المعتدلين» قضيّة حياة وموت. وهذا لا يقال حبّاً بالغرب واسرائيل، طبعاً، بل حبّاً فينا حيث العفن الضارب حياتنا لا يترك للهدوء والتدرّج مكاناً يُعتدّ بمساحته. فاليوم دويلتان في فلسطين، وربما غداً حكومتان في لبنان. أما العراق، فمجتمعات بالجملة... وهكذا دواليك الى أن لا يبقى ما نعتدل في شأنه أو نتطرّف.

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	صراع بين إيماني ونفاقي	فارس اللواء	6	1,694	12-30-2011, 09:39 PM آخر رد: فارس اللواء
	حرب اهلية يجب منعها /عبد الباري عطوان	فارس اللواء	1	773	11-20-2011, 10:24 PM آخر رد: السلام الروحي
	فرنسا : صراع حضارات أم صراع طبقات ؟	أبو إبراهيم	6	1,244	12-01-2007, 08:18 PM آخر رد: حمزة الصمادي
	عن صراع الهويات	آمون	1	957	01-30-2007, 04:36 PM آخر رد: آمون
	صراع العقائد.. وضياع العلمانيين ، في أتونه ..أو على هوامشه!	hasan albatahnah	1	473	01-22-2007, 11:08 AM آخر رد: hasan albatahnah