مقال ذو علاقة
قادة الرأي في المجتمع السعودي
د. محمد بن سعود البشر
يشهد المجتمع السعودي تغيرين أساسيين:
الأول مرتبط بالانفتاح الإعلامي، والآخر بتوجه القيادة الساسية نحو الإصلاح في كل مجالات الحياة المجتمعية، ومنها حرية الرأي والتعبير، والمشاركة السياسية للمواطن.
فالأول قاسم مشترك بين المجتمعات المعاصرة.....
.... إذ أصبحت وسائل الإعلام عاملاً رئيساً ومؤثراً في صياغة الرأي والتوجهات العامة بعد الذي حققته في صناعة المعلومة، وتخطيها لحواجز السياسة والجغرافيا، وتعدد قنوات الاتصال والمعلومة.
والتغير الثاني مرتبط بالحراك السياسي والاجتماعي في المجتمع السعودي، إذ صاحب الانفتاح الإعلامي العالمي توجه محلي حقيقي ملموس نحو الاصلاح السياسي، ومن ذلك إعادة النظر في طبيعة عمل المؤسسات الإعلامية، ومنحها المزيد من حرية الرأي والتعبير، والرفع الجزئي للرقابة الحكومية على المضامين الإعلامية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية للمواطن بصفة مرحلية.
هذا المفهوم (المشاركة السياسية) لم يعرفه المجتمع السعودي (بصفة عملية) إلا في الخمس سنوات الماضية، بعد أن شهدت مجالات حرية الرأي والتعبير الإعلامي في المجتمع عدة تطورات، منها ما يرتبط باستيعاب التنظيمات الحديثة للعمل الإعلامي في المملكة للتغيرات التي عرفها مجال الاتصال مهنياً وتقنياً وتنظيمياً، ومن ذلك التوجه نحو تحويل المؤسسات الإعلامية الحكومية (الإذاعة، التلفزيون، وكالة الأنباء) إلى مؤسسات عامة، إلى جانب تعدد البدائل الاتصالية المتاحة في المجتمع السعودي مثل الإنترنت، وتنامي حركة الإصلاح السياسي والإداري التي جاءت استجابة لزيادة الوعي السياسي للمواطن، مثل: إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهيئة حقوق الإنسان (الحكومية والأهلية)، وإنشاء مجالس بلدية نصف مقاعدها منتخبة من المواطنين، وهيئة الصحفيين، وغير ذلك.
وتبعاً لهذه التغيرات التي شهدها المجتمع السعودي في السنوات الخمس الماضية، وبخاصة في مجال حرية الرأي والتعبير وتعزيز المشاركة السياسية، فقد بدأ مفهوم قادة الرأي (وبخاصة السياسي) يتشكل وتتضح مرتكزاته الأساسي وفقاً لثقافة المجتمع السعودي وطبيعته الدينية المحافظة، والمتتبع لاتجاهات الرأي العام في المملكة يلحظ أن أكثر من يؤثر فيه هم الأشخاص الذين لهم القدرة والثقة في أنفسهم وعلمهم وتجاربهم لإنتاج خطاب عام في المجتمع بقصد التأثير في الرأي العام، وحمله على الاستجابة لهم، أو هم: الأشخاص المؤهلون علمياً الذين يلجأ إليهم الرأي العام بحثاً عن معلومة أو طلباً لموقف تجاه قضية محددة من قضايا المجتمع. ويأتي في صدارة هؤلاء: العلماء، والدعاة، والإعلاميون الذين لهم قنوات اتصال فاعلة في المجتمع، والمفهوم الأخير مركب من عنصرين أساسيين:
1 - أن يكون الشخص مؤهلاً علمياً بحيث يكون مصدر ثقة ومصداقية لدى الرأي العام مثل العلماء والدعاة.
2 - أن يصل إلى الرأي العام من خلال قناة اتصال فاعلة ومؤثرة، وهذا التأثير مشروط بصفة (الديمومة)، أي أن يكون قادة الرأي على اتصال دائم بالمجتمع من خلال هذه القناة أو تلك.
المتابع لمسيرة التطور الفكري والثقافي في المجتمع السعودي يلحظ الأثر الكبير للفئة الأولى من قادة الرأي غير الرسمي، وهم العلماء والدعاة، وسبب ذلك واضح وجلي، وهو أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ ومتدين، بل إن الدولة تأسست على منهج الإسلام، وشريعته مهيمنة على كل أنظمة الدولة، والتنشئة السياسية للمواطن قامت على أسس من العقيدة والشريعة في كل مجالات الحياة، ولذلك كان للعلماء والدعاة ومن في حكمهم من المفكرين والمثقفين السائرين على المنهج، والملتزمين بوضوح الفكر والمبدأ، كان لهم القبول من الرأي العام لما يحظون به من مصداقية وثقة.
وإذا كان العامل الديني يمثل متغيراً أساساً في تشكيل الرأي العام الغربي تجاه القضايا التي يطرحها قادة الرأي هناك (كما عبر عن ذلك Badaracco Clair) في كتابه الصادر عام 1992 بعنوان: الجماعات الدينية وتأثيرها على الساحة العامة)، فإن هذه الحقيقة تتأكد في المجتمعات التي يتصف مجتمعها بالتدين، كما هو الحال في المجتمع السعودي ومن خلال القراءة الفاحصة لسمات قادة الرأي وخصائصهم التي ذكرها الباحثون الغربيون في مجال التأثير (وبخاصة في نظرية انتقال المعلومات على مرحلتين: من وسائل الإعلام إلى الجمهور وتأثير قادة الرأي في ذلك)، وأيضاً من خلال استصحاب الخصوصية الثقافية للمجتمع السعودي القائم على منهج الإسلام والمعتقد بمبدأ (البيعة) بوصفها المحددة لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والمؤثرة في إنتاج قادة الرأي، فإنه يمكن النظر إلى أهم خصائص قادة الرأي المؤثرين في المجتمع السعودي من خلال توافر السمات والخصائص التالية:
1 - الصفة الدينية: وهي سمة ذكرت في مواضع كثيرة من دراسات الباحثين في قادة الرأي المؤثرين، وهي صفة يمكن ملاحظتها بوضوح ظاهر في المجتمع السعودي بوصفه مجتمعاً متديناً يخرج المؤثرون فيه من أنساق المجتمع المرتبطة جميعها بالعامل الديني المهيمن على ثقافة المواطن السعودي. ولذلك كان للعلماء والدعاة في السعودية أثر كبير في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا الداخلية والخارجية، على حد سواء.
فعلى المستوى المحلي نذكر - على سبيل المثال - الانتخابات البلدية التي أُجريت في مناطق المملكة الإدارية، فقد كان للشخصيات الدينية أثر ملحوظ في تزكية المرشحين ومن ثم فوزهم بمقاعد المجالس البلدية عبر وسائل الاتصال المختلفة، كما أن الأحداث الإرهابية التي وقعت في عدد من مدن المملكة شهدت بروز الخطاب الديني بوصفه خطاباً مؤثراً ومقنعاً في توجيه الرأي العام نحو اتخاذ موقف ديني وسطي معتدل، وقد كان - ولا يزال - خطاباً موجهاً إلى جمهور المواطنين بهدف الحفاظ على الأمن الفكري في المجتمع، أو إلى الفئة التي ارتكبت أعمال الإرهاب والتفجير. وعلى المستوى الخارجي، أسهم العلماء والدعاة في مواجهة الحملة الإعلامية الغربية التي استهدفت المجتمع السعودي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وبخاصة ماله علاقة بالمؤسسات الدينية، ومناهج التعليم، ومؤسسات العمل الخيري التطوعي، والقضايا الأخرى مثل المرأة، وحقوق الإنسان في المملكة وغير ذلك، الأمر الذي جعل الكثير من مراكز الدراسات الإستراتيجية ووسائل الإعلام الغربية تبحث في تأثير العامل الديني على قيادة الرأي في المجتمع السعودي.
الصفة الدينية لقادة الرأي في المجتمع السعودي، لا تعني أن الشخص غير المنتمي لفئة العلماء والدعاة ليس مؤثراً في المجتمع، بل تؤكد أن هذه الفئة من الأشخاص هم الأكثر تأثيراً في الرأي العام المحلي من غيرهم.
2 - الثقة والقبول الاجتماعي: وهي سمة أساس من سمات قادة الرأي ذكرها الباحثون المتخصصون في دراسات الرأي العام، وتكررت هذه السمة بمرادفات، مثل: (الاعتراف والقبول الاجتماعي)، (المصداقية)، (المكانة المعتبرة في المجتمع)، ومن كانت هذه صفته فإن آحاد الرأي العام يتوجهون إليه لمعرفة آرائه ووجهات نظره تجاه القضايا العامة في المجتمع، وهو بالتالي يؤدي وظيفته في محاولة صياغة الرأي العام والتأثير فيه. ولأن المجتمع السعودي يتميز بصفة التجانس العقدي الذي يمتد إلى جوانب الحياة المختلفة الاجتماعية والسياسية، فإن سمة (الثقة والقبول الاجتماعي) تبدو أكثر وضوحاً في التأثير على الرأي العام، بعكس المجتمعات الأخرى التي يبدو فيها الانقسام الأيديولوجي أو التباين الفكري (الأصيل غير المصطنع) أو التحزب السياسي؛ ولذلك فإنه كلما كان الشخص أكثر ثقةً وقبولاً من أفراد المجتمع، كان تأثيره في الرأي العام ظاهراً.
3 - التعرض لوسائل الاتصال: وسائل الاتصال أصبحت تعكس صوت المجتمع ونبض المواطن أكثر من كونها أداةً سياسيةً للحكومات، كما كان عليه الوضع قبل عقد التسعينيات من القرن المنصرم، هذا الواقع الجديد جعل مهمة قادة الرأي تبدو أكثر وضوحاً في مراغمة هذه الوسائل والحد من تأثيرها على الرأي العام. ولذلك فإن من أهم سمات قادة الرأي في أي مجتمع أنهم يتعرضون لوسائل الإعلام أكثر من غيرهم، وذلك من أجل الحصول على المعلومات الضرورية التي يقومون بصياغتها أو إعادة تفسيرها، ومن ثم نقلها إلى الجمهور للتأثير فيه.
وفي المجتمع السعودي نلحظ أن من يصنفون على أنهم من قادة الرأي يتعرضون لوسائل الاتصال المختلفة عن طريقين: الأول، التعرض المباشر لهذه الوسائل الاتصالية، إذ يخصصون جزءاً كبيراً من وقتهم لمتابعة المضامين الإعلامية التي تعنى بالقضايا المحلية أو الخارجية، ومن ثم يكونون وجهة نظر شخصية تجاهها. الثاني، التعرض الوسيط لوسائل الاتصال، ويعني أن قادة الرأي المؤثرين في المجتمع تصلهم الرسالة الإعلامية عن طريق أشخاص آخرين ينقلون إليهم المعلومة كما هي من وسائل الاتصال ثم يُكوِّن قادة الرأي وجهة نظر متفقة أو مختلفة مع المعلومة الأصلية، ثم ينقلونها بدورهم إلى الرأي العام.
ويبدو التعرض الوسيط لمضامين وسائل الاتصال واضحاً بين فئة العلماء والدعاة، وهم الأكثر تأثيراً في المجتمع السعودي، إذ تنطبق عليهم أيضاً الصفتان الأوليان (الدينية، والثقة والقبول الاجتماعي)، بالإضافة إلى صفة التعرض لوسائل الاتصال.
أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام
http://www.al-jazirah.com/829248/ar3d.htm